في وقت تشهد فيه العلاقات الجيبوتية - المصرية توتراً إثر اتهامات متبادلة في شأن مشاركة حسين عيديد في مؤتمر المصالحة الصومالية في جيبوتي، قدم السفير المصري الجديد خالد عثمان أوراق اعتماده إلى الرئيس الجيبوتي اسماعيل جيلي خلفاً للسفير إبراهيم الشويمي. وانتكست العلاقات بين مصر وجيبوتي في خطوة تعكس مزيداً من التصعيد والتباين بين البلدين. وأصدرت وزارة الخارجية الجيبوتية بياناً اتهمت فيه مصر بعرقلة مشروع المصالحة، في الوقت الذي خرجت فيه تظاهرة جماهيرية ضخمة في مقديشو مؤيدة للمشروع الجيبوتي، وتبعتها تظاهرات مماثلة في مدينة بلد وين. وندد المتظاهرون بما سموه التدخل المصري في الشؤون الصومالية لعرقلة مؤتمر المصالحة. وأحرق المتظاهرون العلم المصري، وطالبوا بمغادرة السفير المصري لدى مقديشو صلاح عبدالرازق حليمة. وعبرت الحكومة الجيبوتية عن أسفها لموقف السفير المصري، ووجه البيان اتهاماً صريحاً للحكومة المصرية بوضع عراقيل أمام مشروع المصالحة الذي قطع شوطاً ووصل إلى المرحلة النهائية لإقامة المؤسسات الانتقالية للدولة الصومالية. وأشار إلى ان التحركات المصرية الأخيرة تخالف موقف مصر السابق المؤيد لمشروع المصالحة الصومالية. وقال البيان إن الموفد المصري للصومال تدخل بصورة مغايرة للديبلوماسية المصرية وتسبب في إلغاء مشاركة عيديد في مؤتمر المصالحة. وتضاربت الأنباء في مقديشو حول أسباب تغيير عيديد موقفه، ففي الوقت الذي نفى فيه عيديد نفسه وجود ضغوط مصرية لعدم المشاركة في مؤتمر المصالحة، اتهم السفير المصري صلاح حليمة الوفد الجيبوتي الذي زار مقديشو بتحريك التظاهرات ضد مصر. وكشفت مصادر جيبوتية ل"الوسط" أن الوفد الجيبوتي، الذي يتكون من مستشار الرئيس للشؤون السياسية والسفير الجيبوتي لدى صنعاء وعدد من المسؤولين في وزارة الخارجية الجيبوتية المعنيين بملف الصومال، عادوا إلى جيبوتي بعدما "فشلت محاولاتهم لاصطحاب عيديد إلى بلادهم". وقالت إن السفير المصري وصل إلى مقديشو قبل ساعة واحدة من وصول الوفد الجيبوتي من نيروبي، وأقام مع الوفد الجيبوتي في الفندق نفسه. وذكرت المصادر ان عيديد غيّر موقفه تماماً بعد لقائه السفير المصري، بعدما أبدى في وقت سابق رغبته في المشاركة، وطلب من الحكومة الجيبوتية ارسال طائرة له. إلا أنه غيّر موقفه وقدم عدداً من الشروط تتنافى مع مواقفه السابقة. ومع اقتراب انتهاء مؤتمر المصالحة الصومالية المنعقد في جيبوتي منذ 2 أيار مايو الماضي، انفجرت بوادر أزمة جديدة بين جيبوتي ومصر، إذ للمرة الأولى اتهمت الحكومة الجيبوتية دولة عربية بعينها بعرقلة مشروع المصالحة الصومالية. وتأتي بوادر الأزمة في الوقت الذي حقق فيه مؤتمر المصالحة الوطنية الصومالية نتائج ايجابية، ووصلت إلى المراحل النهائية باجازة الدستور الانتقالي للصومال الذي تتكون مواده من ستة فصول في 38 مادة. ومر مؤتمر المصالحة منذ انعقاده بثلاث مراحل تركزت المرحلة الأولى التي استغرقت شهراً في الإعداد لجدول الأعمال واختيار أمانة المؤتمر الذي ترأسه السفير الصومالي لدى المانيا حسن أبشر وعبدالله ديرا بالتناوب. وقامت الأمانة بتهيئة المناخ وتقريب الشقة بين بعض القبائل الصومالية الرئيسية الأربع، وهي: داروت وهوية واسحق ورحاوين. كما تم في تلك المرحلة تشكيل أربع لجان للأمن ونزع السلاح ولجنة الشؤون الاجتماعية وأخرى لشؤون السلام واحصاء ممتلكات الدولة في الخارج والداخل ولجنة لإعداد الدستور الموقت. وقدمت هذه اللجان في 30 حزيران يونيو الماضي تقاريرها وتوصياتها للمؤتمر الذي شارك فيه 750 يمثلون مختلف الشرائح المدنية الصومالية، إضافة إلى 250 سلطاناً يمثلون مختلف القبائل والعشائر والبطون الصومالية. أما المرحلة الثانية فبدأت في مطلع تموز يوليو الماضي، وتركزت على اجازة الدستور الانتقالي والموافقة على العمل به لثلاث سنوات تليها انتخابات حرة يختار الصوماليون فيها حكومة شرعية. وتم اختيار اللجنة التي أعدت الدستور بعناية شديدة مع مراعاة التركيبة السكانية والقبلية والقدرات العلمية والمؤهلات الاكاديمية. وتشكلت لجنة الدستور من 68 عضواً واستغرقت المداولات التي جرت لإجازة الدستور الموقت ثلاثة أسابيع، وكانت تحديد معايير الانتخاب والترشيح من أكثر النقاط التي أثارت جدلاً واسعاً كاد أن يتسبب في انهيار المصالحة الصومالية. فقد تمسك ممثلو قبيلة الداروت بأن تكون معايير الانتخاب على أسس المناطق، في حين طالب ممثلو الهوية بأن يكون الاختيار على أسس قبلية. وتم اعتماد المعايير القبلية في الفترة الانتقالية، وتم اعتماد 18 اقليماً للمحافظات الصومالية، واعتبرت مدينة بيداوا عاصمة موقتة ومقديشو عاصمة دائمة يتم الانتقال إليها بعد أن يتم تنفيذ القانون وتصفية كل التجاوزات وإعادة الاستقرار والسلام. وعلمت "الوسط" من مصادر جيبوتية رفيعة بأن الأزمة مع مصر نجمت عن زيارة السفير المصري لدى الصومال لكل من البونت لاند وأرض الصومال ومقديشو، وهذه المناطق صنفت باعتبارها معارضة لمؤتمر المصالحة المنعقد في جيبوتي. وشهدت العلاقات بين مصر وجيبوتي مزيداً من التوتر إثر زيارة وزير خارجية "جمهورية أرض الصومال" محمود صالح نور للقاهرة ولقائه عدداً من المسؤولين المصريين منتصف تموز الماضي، واعتبرت جيبوتي التحركات المصرية الأخيرة عملاً يستهدف مبادرتها.