لم تخف شرائح واسعة من الرأي العام الجزائري ارتياحها لنهاية فترة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في رئاسة منظمة الوحدة الافريقية. ويعود هذا "الارتياح" إلى سببين رئيسيين: ان الرئيس الجزائري أدى الأمانة الافريقية أداء مقبولاً، وأنه سيتفرغ الآن إلى القضايا الداخلية التي ما تزال معلقة في انتظار الحلول العاجلة. وتكتسي القضايا الداخلية طابعاً اقتصادياً واجتماعياً ملحاً، فضلاً عن الجوانب السياسية والأمنية للأزمة القائمة. لقد أدت عملية التحول إلى اقتصاد السوق الجارية منذ 10 سنوات إلى تسريح قرابة ثُلث مليون عامل، إضافة إلى مستوى بطالة يقدر ب30 في المئة من القوة العاملة ما يعادل 5.2 مليون عاطل. كما أدت إلى ارتباك سير الآلة الاقتصادية بصفة عامة، ومن ثمة انخفاض مردودها الصناعي. وشهدت السنتان الحالية والماضية جفافاً حاداً أثر في مردود الحبوب بمعدل 60 في المئة. وتقدم الدعاية الرسمية عملية التحول إلى اقتصاد السوق متجاوزة النتائج المزرية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، مما خلق حال انتظار في صفوف مئات الآلاف من العاطلين والوافدين الجدد سنوياً إلى سوق الشغل حوالي 350 ألفاً. وتعلق هذه الجماهير التي تعاني البطالة أملاً كبيراً على "تفرغ" الرئيس بوتفليقة "لمهماته الداخلية"، بدءاً بتحريك عجلة الاصلاحات الاقتصادية التي تراوح مكانها منذ بضع سنوات. وينتظر الرئيس الجزائري في هذا الصدد كثير من الملفات التي يتعين عليه امعان النظر فيها، قبل اتخاذ قرار نهائي في شأنها على مستوى مجلس الوزراء. وتتعلق هذه الملفات أساساً ب: مصير المؤسسات الاقتصادية العمومية التي أوصى صندوق النقد الدولي بتخصيصها. مصير جزء مهم من الأراضي الزراعية التي تم توزيعها على صغار الفلاحين للاستغلال فقط. اصلاح النظام المصرفي جذرياً ليواكب الاصلاحات الشاملة ويساهم في توفير المحيط الملائم لتحقيقها. فتح قطاع الاتصالات أمام الاستثمارات الخاصة، علماً أن هذا القطاع يعاني من تأخر كبير يجعله من مثبطات الاستثمار الأجنبي. ويرى الخبراء ان البت السريع في مثل هذه الملفات من شأنه ان يعزز المكاسب التي تتحقق على مستوى التوازنات الكبرى، وفي مقدمها تثبيت ميزان المدفوعات وتقليص التضخم والحد من المضاربة على الدينار. ويقدر المراقبون ان مهمة بوتفليقة لن تكون سهلة فالاصلاحات تعني جرف العديد من المواقع التي بنيت في ظل الاحتكار والتنافس على تقاسم جزء من عائدات النفط.