ثلث القوى العاملة الجزائرية المقدرة ب 7.3 مليون عامل عاطلة عن العمل، والمستقبل يعد بارتفاع النسبة، ما لم تحصل معجزة إقتصادية، وما لم تقام غرف عمليات مركزية وفرعية في البلاد لتحليل وتصنيف حالات البطالة وإيجاد الحلول لها على شكل فرص عمل مستمرة، وليس موقتة كما يحصل اليوم. وفي تقرير للجمعية الوطنية الجزائرية لترقية الشغل فإن البطالة شهدت نمواً سريعاً خلال الأعوام الأخيرة، فارتفعت من 1.2 مليون الى 2.2 مليون عاطل عن العمل في الأعوام العشرة الأخيرة التي هي، عملياً، سنوات الأزمة السياسية - الاجتماعية التي عصفت بالبلاد وما رافقها ونجم عنها من تحولات اقتصادية قوّضت الصورة شبه الاشتراكية للاقتصاد الجزائري وأكسبته صورة اقتصادية قلقة جداً ومشوّهة، ولا تعد قريباً بملامح واضحة. الاحصاءات الرسمية الأخيرة عن البطالة قدمها "الديوان الوطني للإحصائيات" الذي أعلن أخيراً أن ثلث اليد العاملة المقدّرة 7.3 مليون نسمة لا تتوفر على منصب عمل. وحسب الديوان فإن ظاهرة البطالة التي ظهرت مع بداية حكم الشاذلي بن جديد ومّيزته تطال أساساً فئة الذكور لا تشكل نسبة البطالة النسوية أكثر من 13 في المئة ويشكل جيل الشباب النسبة الأكبر من العاطلين عن العمل في بلد تبلغ نسبة الشباب بين مجموع سكانه 75 في المئة. أنواع البطالة البطالة في الجزائر يمكن تصنيفها في ثلاث خانات رئيسية كبرى هي "البطالة الانتقالية" وتخصّ الشباب المتخرجين من الجامعات والمعاهد الذين لم يسبق لهم أن عملوا، و"البطالة الاحتياطية" وتشمل العاملين الذين فقدوا وظائفهم ويملكون حظوظاً في العثور على وظائف عمل أخرى، و"البطالة المزمنة" وهذه يكاد يكون الأمل منعدماً في حصول أصحابها على فرص عمل جديدة غير تلك التي فقدوها، وهذه الأخيرة بطالة ناجمة عن التسريح الهيكلي المرتبط بعمليات تخصيص مؤسسات القطاع العام في سياق انتقال البلاد الى الإقتصاد الحرّ. وحسب المصادر نفسها فإن 52 في المئة من العاطلين عن العمل قادمون من القطاع العام بسبب إفلاس المؤسسات العمومية، وتقليصها أو إغلاقها. في حين تعود نسبة 48 في المئة إلى القطاع الخاص الذي يعاني بدوره خضّات متتالية وعدم استقرار دائم. وتظهر الإحصاءات أن 31 في المئة من العاطلين عن العمل تعود إلى قطاع البناء والأشغال العمومية الذي شهد تقليصاً وحلاً جماعياً لمؤسساته الكبرى. ويلاحظ المصدر نفسه أن نسبة البطالة ترتفع في المدن عنها في الأرياف، وأن الذين تلقوا تعليما ابتدائياً لديهم حظوظ أفضل في الحصول على عمل كمستخدمين في البيوت أو كعمال أحرار وأجراء في قطاع الخدمات، في حين يعاني الحاصلون على شهادات ثانوية وجامعية منافسة حادة وقوية، لا سيما الذين يحاولون الحصول على فرص عمل في القطاع العام، والتي يطلق عليها في الجزائر "الفرصة النادرة". ولكن كيف يتصدى الجزائريون للبطالة الزاحفة على سوق العمل؟ يقول بعض المحللين الاقتصاديين أن الحلول المطروحة، حتى الآن، لا تبدو ناجعة، فالترتيبات المختلفة التي أجريت كافتتاح مؤسسات صغيرة للتشغيل الموقت لم تتمكن من أن تنمو بحيث تستطيع تقليص حجم البطالة، أو وقف ارتفاع معدّلاتها، على الأقل. فالمؤسسات الصغيرة للتشغيل، إستناداً إلى حصيلة الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب، تعاملت مع وضع بدا لها يوماً بعد آخر أنه مرعب. ففي عام 1989 جرت محاولات أدّت إلى إيجاد مناصب عمل موقتة لعدد بسيط من طالبي العمل، على أن الوكالة تعترف بأن المناصب الموقتة نادراً ما كانت تؤدي الى مناصب عمل دائمة. ويجري الإستشهاد على ذلك بأن اثنين في المئة فقط تحولت إلى منصب عمل دائم من أصل 738 ألف فرصة عمل تم إنشاؤها بين 1990 و1996، الأمر الذي يقدم صورة بالغة التشاؤم أمام كل من متتبعي الظاهرة والمعنيين بإيجاد الحلول لها. وفي شرح لسوق العمل قدمته الجمعية المشار إليها آنفاً، ذكرت أن السوق تعاني مشكلة التنظيم والهيكلة، فالوكالة الوطنية للشغل لا تغطي أكثر من 10 في المئة من الطلب وأقل من 25 في المئة من العرض. من هنا فإن التدخل في المشكلة من قبل هذه الوكالة أثبت فشله وعدم فعاليته لا سيما في جمع المعلومات وتسيير الامكانات المتوفّرة الموضوعة لمكافحة البطالة حسب ما ترى الجمعية الوطنية. وفي تقرير حول الجانب الاجتماعي للبطالة نجد أن 50 في المئة من العاطلين عن العمل هم أرباب عائلات و83 في المئة منهم دون ال30 عاماً. وتعادلت نسبة البطالة في الأعوام الأخيرة مع عدد المناصب المفقودة بسبب الانعكاسات المباشرة المترتبة على تطبيق برنامج إعادة الهيكلة الصناعية للمؤسسات. وبات من مميزات التوصيف أكثر فأكثر أن يكون موقتاً لا دائماً، الأمر الذي يهدد - في حال استمر الوضع على ما هو عليه - بتجاوز عدد العاطلين عن العمل ثلاثة ملايين نسمة مع حلول السنة 2000 الملفات المتعلقة بتشغيل الشباب في الوكالة الوطنية للشغل احتوت على أرقام متواضعة تتعلق بقروض المصارف الممنوحة للشباب، والدعم الذي يقدمه الصندوق الوطني للدعم. والفرص التي أتيحت للشباب للحصول على فرص عمل وقروض تكاد كلّها لا تساوي شيئاً أمام الحجم الضخم للبطالة ومشكلاتها المباشرة. فإنشاء 13.488 منصب عمل جديد لم يمنع في الوقت نفسه عدداً أكبر من ذلك بكثير من فقدان وظائفهم، خصوصاً أن الدولة بعد تبنيّها خيار اقتصاد السّوق تخلت بطلب من صندوق النقد الدولي عن سياستها في دعم البرامج الاجتماعية. وهذه السياسة كانت تكلف 200 بليون دينار سنوياً. لكن هذا أدى بفعل ارتفاع معدلات البطالة إلى مفاقمة أزمات وصراعات اجتماعية عديدة لم تتمكن الدولة والمجتمع من تخطّيها، من ذلك ما شهدته الجزائر مطلع العام الماضي من احتجاجات وإضرابات عمالية في قطاعات الميكانيك والتعدين والتجارة والسياحة والصناعات الغذائية خصوصاً. وموجات الغضب المتتالية الأخيرة كان وراءها، أساساً، تدهور القدرة الشرائية، إعراض المؤسسات عن دفع الأجور المتأخرة من 5 إلى 10 أشهر وتسارع تصفية القطاع العام وحلّ المؤسسات العامة والتسريح الجماعي لعمال المؤسسات والمصانع المنحلّة. في هذا المناخ جاء إضراب عمال الملاحة الجوية الذي استمر أربعة أيام، إلى جانب اضرابات أخرى مهمة. مع ذلك فإن أغرب الغرائب، وهو ما يلاحظه المحللون، باستمرار، أن كل هذه الأوضاع الإقتصادية المأسوية المتراكمة لم يبد أنها أقلقت الجهاز التنفيذي لإعادة الهيكلة الإقتصادية المسؤول عن تصفية القطاع العام ومؤسساته. بل نجد أن الوضع ساعد هذا الجهاز غريب الأطوار على التسّريع من وتائر التصفية وحل المؤسسات وتسريح العمال. وللمفارقة ترافق ذلك مع رفع دعم الدولة عن قطاعات حسّاسة من ذلك زيادة فواتير الكهرباء والغاز والسكن إضافة إلى تحديد قائمة تضم 109 أدوية لتكون غير قابلة للتعويض من قبل صناديق الضّمان الاجتماعي! ما خلق أوضاعاً أكثر تعقيداً مما كانت عليه قبلاً جعلت الناس يتخيلون أن هناك طرفاً في الدولة يشنُّ عليهم حرباً جنونية، أطلق عليها البعض اسم "حرب تصفية الشعب"، وصورتها رسوم الكاريكاتور بعمليات تصفية دم الشعب من قطراته الأخيرة التي لم تذهب بها السياسة أو العنف. على هذه الوضعية المزرية حدثت انفجارات عمالية في مجالات الصناعة والبناء والخدمات، ووقع ما معدّله 77 إضراباً عمالياً شارك فيه أكثر من 65 في المئة من العمال وقاد إلى التأزم الكبير بين حكومة أحمد أويحيي والنقابات، وأعقبها لقاء بين ممثلي النقابات والحكومة أدى إلى اتفاق على أن تسدد الدولة أجوراً متأخرة ل 70 ألف عامل بينهم 45 ألف عامل في قطاع البناء، ووقف عمليات تسريح العمال وحل المؤسسات العامة وتطبيق قرارات العدالة الإجتماعية، وإصلاح نظام التقاعد. ولما كانت هذه الاتفاقات تتناقض من الأساس مع شروط صندوق النقد الدولي، فإن شهراً واحداً كان كفيلاً بأن يجعل الدولة تتراجع عن الاتفاق الذي وقّعته مع النقابات في ظل ظروف إضرابية ضاغطة. البنك الدولي في تقرير للبنك الدولي وردت إشارات عدة إلى وجود عراقيل وعقبات كبيرة تعترض طريق إتمام عملية التخصيص ونجاحها بكل ما يعنيه ذلك من تهديد للجزائر ومستقبل علاقتها بالمجتمع الدولي! من ذلك مثلاً تراجع معدلات النمو. فالبنك الدول يقول ان معدل النمو في الجزائر لن يتجاوز سنتي 2000 و2002 نسبة اثنين في المئة فقط، وأن مشكلة البطالة مطروحة بحدة لكونها بطالة هيكلية، أي مزمنة وليست ظرفية، وبلغت نسبتها نهاية العام الماضي 29 في المئة حسب التقديرات الرسمية فيما تقول تقديرات أخرى غير رسمية أنها تزيد على 35 في المئة من حجم القوى العاملة، وهي نسبة مخيفة! بعض المحللين الإقتصاديين الجزائريين يرى أن السياسة النقدية لمدبّري الاقتصاد الجزائري الجدد أدت قسطها إلى جانب العنف والقتل والإرهاب في خلخلة المجتمع، مستشهداً بما تعلنه الجهات الرسمية من أن هذه السياسة أدّت من جملة ما أدت إليه فضلاً عن ارتفاع جنوني في معدلات البطالة، إلى التسرب المدرسي ونقص التغطيات الصحية والهجرة الداخلية في ظل تدهور الأوضاع الأمنية، وانعدام القدرة على التكافل الاجتماعي. ولعل اضراب الجامعة الجزائرية بكل فروعها في تشرين الأول أكتوبر الماضي جاء ليدق ناقوس الخطر حول تفاقم ظاهرة المتخرجين الجدد إلى شارع البطالة بدلاً من الوصول إلى مواقع العمل، وحول أوضاع العاملين في ميدان التعليم الذين لا تكفي رواتبهم ثمناً للسجائر وأجرة المواصلات وثمن الخبز فقط، الأمر الذي يحض على رفض كل من نظاميْ العمل الجامعي والتمدرس، ومحصلاتهما المأسوية. ضحايا البطالة شهد المجتمع الجزائري طوال العام الماضي، ولا يزال حتى اليوم، جدلاً ونقاشاً حول المظاهر المتكاثرة للانحدار الاجتماعي بفعل البطالة، ومن ذلك ما تتناقله وسائل الإعلام الوطنية والولائية حول ظاهرة منتحري البطالة والكلام على ضحايا إعادة الهيكلة، اذ بات الحديث حول هؤلاء يوازي، إن لم يكن يفوق أحياناً، الحديث حول ضحايا الإرهاب. وحسب الصحافة الجزائرية شهدت الأشهر ال12 الماضية حالات إضراب عن الطعام وانتحار في صفوف العمال المسرّحين من مؤسسات القطاع العام خصوصاً، وهذا ما دفع بعضهم إلى المطالبة بوقف ما سماه "السياسة الانتحارية لصندوق النقد الدولي". رداً على كل ذلك كان جواب الدولة على لسان وزير المال عبدالكريم حرشاوي: هل توجد إمكانات مالية وقامت الدولة بحرمان الشعب منها؟ إذن الجزائر باتت فقيرة مستفقرة، والسياسة الإقتصادية الراهنة بما فيها سياسة تبطيل الناس هي الوحيدة الممكنة، ما لم يجترح الرئيس المقبل، سواء كان هذا الرئيس هو بوتفليقة نفسه المنادي بعودة البومدينية وهو أمر لا بد من الشكّ بإمكان حدوثه ثانية! أو البراهيمي الذي يبدو صاحب برنامج إقتصادي أكثر واقعية من سواه، لكونه يريد للبطالة حلولا عن طريق إصلاح عملية التخصيص، وليس بوقفها نهائياً كما يطالب بعضهم بعد فوات الأوان.