تكررت "غضبات" الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة خلال العام الاول من حكمه وأخذ المواطنون يتعوّدون عليها، ويدركون في الوقت نفسه انها مجرد "غضبات للتنفيس". فبعد غضبته قبل ايام على الوفد الصحافي والجامعي الذي زار اسرائيل من دون استشارة الجهات المعنية، تشيع بعض الاوساط السياسية والاعلامية انه غاضب على حكومة السيد احمد بن بيتور "لأدائها المتواضع" خلال الاشهر الستة الاولى من عمرها. وبصرف النظر عن مستوى اداء الحكومة الحالية ورأي رئيس الجمهورية فيه، فإن المراقبين يفسرون غضبته هذه - وكذلك سابقاتها - بعدم الارتياح للعمل في اطار الدستور الحالي 1996، والعلاقات التي يرسمها بين المؤسسات التنفيذية خاصة. فالرئيس يعبّر بهذه الطريقة المتميزة الغضبات المتكررة عن رغبته في مراجعة الوضع الراهن، وتبليغ رسالة بالمناسبة الى من يهمه الامر بالدرجة الاولى، اي المؤسسة العسكرية التي تكون ساهمت في وضع الدستور الحالي على مقاس بوتفليقة لكن في غيابه. فحكومة بن بيتور اذن، ليست هي المقصودة مباشرة بما يشاع عن غضب القاضي الاول في البلاد، ثم ان "غضبات الرئيس" سبق ان نزلت على مسؤولين كبار قبل ذلك، من دون ان تؤدي الى عزلهم. واكبر شاهد على ذلك مدير الجمارك السيد ابراهيم الشايب الشريف الذي ندد به بوتفليقة من نيويورك الخريف الماضي، ومع ذلك ما يزال على رأس هذه المؤسسة "الحيوية جداً" في الجزائر. ولا يستبعد بعض المتتبعين لمسار الرئيس بوتفليقة عدم استساغته وجود منصب رئيس حكومة اصلاً، فالمنصب استحدث في ربيع 1979، غداة وفاة الرئيس هواري بومدين الذي كان يجمع بين رئاسة الجمهورية والحكومة، فضلاً عن قيادة الحزب ووزارة الدفاع. فلعل بوتفليقة يفضل "نظاماً رئاسياً" على طريقة رفيقه الراحل، بدلاً من نظام هجين شبيه بالنظام الفرنسي الذي يفرض احياناً التعايش بين المتناقضات. غير ان هناك من يضيف عاملاً آخر لقلق الرئيس بوتفليقة، يتمثل في شعوره بأن "حقيقة السلطة" ما تزال شاردة - او مُشرّدة! - خارج القصر الرئاسي، على رغم مضي اكثر من سنة على انتخابه. وتضع هذه الحالة الرئيس بوتفليقة امام رهان صعب: ادارة ازمة في ظل استمرار مراكز قوى، تربط بينها مصالح مشتركة، لكنها متنافرة في أمزجتها ونزواتها. وما يزيد الحالة تعقيداً، ان اسلوب عمل بوتفليقة يبدو غير مألوف في المحيط البيروقراطي الذي اصبح كياناً قائماً بذاته ولذاته تقريباً، حتى ان رئيس احدى منظمات ارباب العمل في الجزائر اعتبر هذا المحيط "اخطر على المستثمرين من الارهاب". ولا يجد هذا الاسلوب ايضاً اي تفهّم، لدى بعض الصحف الخاصة الواسعة الانتشار التي اصبحت تشكّل حلقة مهمة في "لوبي" قوي مناهض للرئيس بوتفليقة بشكل صريح.