حض الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة أعضاء الحكومة الجديدة التي اعلنت مساء أول من أمس برئاسة السيد علي بن فليس، على ضرورة مضاعفة العمل، وعرض المبررات التي دفعته إلى تنفيذ تهديداته بإجراء "عملية جراحية دقيقة" على طاقم الجهاز التنفيذي. واستغل رئيس الجمهورية فرصة انعقاد أول مجلس للوزراء في عهد حكومة السيد علي بن فليس ليجدد القول بأنه لن يتخلى عن صلاحياته التي منحها إياه الدستور الجزائري في كل المؤسسات سواء المدنية أو العسكرية. وكان رئيس الحكومة السابق السيد أحمد بن بيتور أوضح في نص رسالة استقالته ان قراره جاء بناء على محاولات الرئيس الجزائري تجاهل مهمات رئيس الحكومة وصلاحياته. ورأت أوساط ان استقالة بن بيتور لم تكن إلا حلقة في مسلسل التجاذب بين الرئيس وقادة المؤسسة العسكرية في شأن ملف تعديل الدستور. وافيد ان الرئيس وافق على استقالة بن بيتور "فوراً" التي عرضها أمامه، كما جاء في البيان الرئاسي، وتؤكد رغبة الرئيس بوتفليقة في ممارسة صلاحياته الكاملة، حتى تلك التي لم يتضمنها الدستور الحالي، الأمر الذي أثار جدلاً داخل الأوساط السياسية في شأن نيات الرئيس اللجوء إلى سياسة "الأمر الواقع لفرض قناعاته التي باتت مؤكدة ولا رجعة فيها"، كما قال أحد القريبين إلى رئيس الجمهورية. وأجرى بوتفليقة، مساء السبت، تغييرات أساسية في استراتيجية عمل الحكومة الجديدة من خلال اسناده وزارة الشؤون الخارجية إلى رئيس البرلمان السابق السيد عبدالعزيز بلخادم، الذي يعد أحد أبرز معارضي السلطة الحاكمة منذ 1992. وجاء تعيين بلخادم، أحد أبرز محافظي التيار الوطني، في هذا الجانب، في الوقت الذي أبدت فيه رئاسة الجمهورية نوعاً من المرونة في ما يتعلق بملف تطبيع العلاقات مع الدولة العبرية، خصوصاً بعد المصافحة التاريخية بين الرئيس بوتفليقة ورئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود باراك. وقالت مصادر قريبة من الرئيس الجزائري إن تعيين بلخادم في منصب مسؤول الديبلوماسية يهدف أساساً إلى دمج التيار الإسلامي المحافظ في معالجة "التطبيع" ضمن استراتيجية "التوريط السياسي" التي اعتمدها مع باقي فرقاء الساحة السياسية. وكان وزير الخارجية الجديد بدأ مشواره المهني مدرساً قبل أن ينتقل إلى الوظائف السياسية عبر حزب جبهة التحرير الوطني كنائب، ليصبح رئيساً للبرلمان. ولدى اعلان بوتفليقه ترشحه للانتخابات الرئاسية التي جرت قبل عام، تولى بلخادم حملة حشد المؤيدين "في الظل"، وأبدى مرونة واضحة في تعامله معه بعد توليه مقاليد الحكم في قصر الرئاسة في المرادية. لكنه تراجع عن هذا التأييد بإبدائه مواقف رافضة لخطة تطبيع العلاقات مع إسرائيل أو زيارة الفنان اليهودي الجزائري الأصل انريكو ماسياس. وتعتقد أوساط مطلعة ان تعيين بلخادم في منصب وزير الخارجية سيؤثر على توجهات الجزائر في الخارج، خصوصاً مع التوجهات الواضحة للوزير الجديد نحو ارساء علاقات متميزة مع العالمين العربي والإسلامي، بما في ذلك إيران، التي زارها مرات عدة. وفي إطار أحزاب الائتلاف الحكومية، أعاد رئيس الجمهورية الاعتبار إلى الوزير المحافظ السابق للعاصمة السيد شريف رحماني الذي كلفه بمنصب وزير تهيئة الأشغال العمومية، وهو التخصص الذي اعترف له الرئيس، في ما سبق، بكفاءته، علماً ان المعني صاحب مشروع المدن الجديدة الذي جمد منذ سنوات.كما شملت التغييرات بعض الحقائب التي تعني كلاً من حركة النهضة والتجمع من أجل الثقافة والديموقراطية، إذ عين السيد عمارة بن يونس في منصب وزير الأشغال العمومية خلفاً للسيد محمد علي بوغازي، الذي عين في منصب وزير منتدب لدى وزير التعليم العالي مكلف بالبحث العلمي، واسند منصب وزير الصحة إلى محمد العربي عبدالمومن الذي كان مرشح الجزائر في منصب رئاسة منظمة الصحة العالمية. وعين عضو مجلس الأمة محيي الدين عميمور وزيراً للاتصال والثقافة. ولاحظت أوساط سياسية أن إبعاد وزير الصحة وهو عضو قيادي في التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية، يعد اشارة تحذير إلى الحزب الذي يقوده الدكتور سعيد سعدي، من أنه لن يتردد في وضع حد لوزرائه في حال تجاوزهم "حدود اللياقة". وما عدا هذه التغييرات التي تهدف أساساً إلى اعطاء روح جديدة للحكومة الجديدة، بقي الفريق المكلف تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية والهيكلية، ما يؤكد محافظة الرئيس على برنامج الاصلاحات.