أسفرت الضغوط الهائلة التي قام بها التيار المحافظ في إيران ضد التيار الإصلاحي، بعد هزيمة الأول وفوز الثاني في الانتخابات النيابية الأخيرة، والتي هدد خلالها بالانقلاب العسكري ومنع مجلس الشورى الجديد من الانعقاد، عن توصل الطرفين إلى حل وسط هو أقرب إلى "تدجين" المجلس الإصلاحي ودفعه إلى الاعتدال أو التخلي عن أهم برامجه الإصلاحية في ما يتعلق بنظام ولاية الفقيه أو صلاحيات المرشد المطلقة أو مراقبة مؤسساته العسكرية والقضائية والإعلامية والاقتصادية، أو ما يتعلق بمجلس صيانة الدستور الذي يهيمن عليه المحافظون. ودارت المعركة بين الطرفين خلال الشهور الثلاثة الماضية التي أعقبت الانتخابات وحتى موعد انعقاد المجلس في 27 الشهر الماضي، حول رئاسة المجلس. بعدما دفع المحافظون بالرئيس السابق رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام علي أكبر هاشمي رفسنجاني، لخوض الانتخابات النيابية على أمل أن يتسلم رئاسة المجلس ويكبح بالتالي حركة الإصلاحيين. ودارت في الفترة الماضية مفاوضات عسيرة سرية رفض خلالها الاصلاحيون قبوله رئيساً لهم في البرلمان، وهو الذي لم يحصل في الانتخابات إلا على نسبة صغيرة من الأصوات وكاد يخسر مقعده عن طهران، وكانت النتيجة استقالة رفسنجاني من البرلمان قبل أن يبدأ أعماله، في بادرة هي الأولى من نوعها في تاريخ الجمهورية الإسلامية، وجاءت استقالته بعد يوم واحد من تظاهرة إصلاحية مضادة له في جامعة طهران، ولو أنه غلفها بالحرص على الوحدة الوطنية. وفي مقابل انسحاب رفسنجاني من المجلس، سحب الاصلاحيون، وعلى رأسهم الحزب الأقوى في "جبهة الثاني من خرداد" 23 أيار/ مايو يوم انتخاب خاتمي رئيساً حزب "مشاركة إيران" مرشحهم الأول بهزاد نبوي، زعيم منظمة "مجاهدي الثورة الإسلامية" وأشد المعارضين لولاية الفقيه والمغضوب عليه من المرشد علي خامنئي، ثم سحبوا مرشحهم الثاني محسن ميردامادي، بعد حدوث خلافات داخلية كادت تهدد وحدتهم، وصوتوا لمصلحة الرئيس السابق لمجلس الشورى الشيخ مهدي كروبي، أمين عام "رابطة العلماء المناضلين". واقترح حزب المشاركة، الذي يسيطر وحده على نصف مقاعد مجلس الشورى، أن يتولى كل من بهزاد نبوي ومحمد رضا خاتمي منصبي النائب الأول والثاني لرئيس المجلس، لكن "رابطة العلماء المناضلين" رفضت بقوة ترشيح بهزاد نبوي اليساري غير المعمم لأي منصب في هيئة الرئاسة، ورشحت بدلاً منهما رجل الدين وزعيم الكتلة الإصلاحية في البرلمان السابق الشيخ مجيد أنصاري كنائب أول، يليه زعيم حزب العمال الإسلامي أبو القاسم سرحدي زاده، كنائب ثانٍ. ضمانة للمحافظين وبرر "حزب المشاركة" سحبه لمرشحيه بحرصه على المحافظة على "جبهة الثاني من خرداد" والحيلولة دون انفراط عقدها، ولم يكن انسحابه هذا ضعفاً أمام أحد حلفائه رابطة العلماء المناضلين بقدر ما كان محاولة لطمأنة التيار المحافظ خارج البرلمان، إذ كان بمقدور الحزب الذي يحظى بغالبية في المجلس ان يصر على مرشحيه ويضمن انتخابهم، لكنه فضّل التنازل والقبول بالحل الوسط. وعلى رغم ان مجلس الشورى الإسلامي يشكل ركناً رئيسياً من أركان النظام الإسلامي في إيران، ويتمتع باستقلال دستوري ولا يخضع دستورياً لسلطة المرشد الولي الفقيه وان "حزب المشاركة" أو جبهة الثاني من خرداد يتمتع بالغالبية، إلا أنه فضل الحوار مع التيار المحافظ لأنه لا يزال يمسك بمقاليد السلطات الدستورية والقضائية والعسكرية، ويهدد بعرقلة الحياة البرلمانية. ورشح كروبي لرئاسة المجلس لعدم وجود شك بولائه للنظام، ولأنه يؤمن بولاية الفقيه ويشكل أفضل ضمانة لعدم تجاوز البرلمان الجديد الخطوط الحمراء. وكان كروبي عند حسن ظن المحافظين الذين صوّتوا له عندما أكد ان مجلس الشورى الجديد لن يطاول ولاية الفقيه أو مجلس صيانة الدستور. وقال إن حفظ أهداف الثورة والنظام يأتي في قائمة الأولويات، وان ولاية الفقيه تعتبر من القضايا القطعية في نظام الجمهورية الإسلامية، وقد قامت الثورة على أساسها. واعتبر التعرض لمجلس صيانة الدستور خطاً أحمر لا يسمح بتجاوزه. وفي حين اعتبر الرئيس محمد خاتمي في كلمته لدى افتتاح مجلس الشورى ان المجلس يشرف على كل الأمور في إيران ولا يوجد أي شيء خارج نطاق رقابته، وان عليه الاضطلاع بدور رئيسي في إعادة الاستقرار إلى النظام السياسي، فإن رئيس المجلس الجديد أعرب عن رغبته في أن يستجيب المجلس لمطالب المرشد خامنئي التي جاءت في رسالته إلى المجلس والتي حدد فيها سطح الأهداف المسموح بطرحها، من قبيل بحث المشاكل الاقتصادية والبطالة وتعزيز العملة الوطنية والاهتمام بالأمن القومي والدفاع عن خط الإمام الخميني والثورة وعدم المعارضة والانشقاق أو تبني مبدأ فصل الدين عن الدولة. وإذا كان المحافظون الاصلاحيون قد اتفقوا على صيغة حل وسط، وتجنب مناقشة النقاط الحادة، ورسم استراتيجية معتدلة لمجلس الشورى، فإن احتمالات الصراع بين الطرفين لم تغب تماماً، حيث يمكن ان يعود المتطرفون من الإصلاحيين إلى طرح موضوع صلاحيات ولاية الفقيه المطلقة، ودور مجلس صيانة الدستور المهيمن على مجلس الشورى، ووجود المحاكم الخاصة كمحكمة رجال الدين، ولذا فمن المحتمل أن ينفرط عقد "جبهة الثاني من خرداد" ويتصدى "حزب المشاركة" لرئاسة المجلس في السنوات المقبلة ويصعِّد المواجهة مع المحافظين. حيث يعتبر الكثير من الإصلاحيين ان السيف المرفوع فوق رؤوسهم عمل غير دستوري ومخالف لطموحاتهم بإحداث تغيير جذري في النظام لمصلحة تعزيز منصب رئاسة الجمهورية في مقابل ولاية الفقيه، ويرفضون الاعتراف بأية خطوط حمراء. وأعلن أحد النواب الإصلاحيين عزم هؤلاء على إعادة النظر في قانون الصحافة المتطرف الذي صاغه المحافظون في الأيام الأخيرة لمجلسهم المنتهي، ويدرك المحافظون ذلك، لكنهم يطمئنون إلى قدرتهم على لجم مجلس الشورى بواسطة مجلس صيانة الدستور الذي يحق له دستورياً إلغاء أي قرار يصدر من مجلس الشورى بحجة مخالفته الإسلام، وقدرتهم على التدخل لحسم أي خلاف يحدث بين المجلسين لمصلحتهم، عن طريق المجلس الثالث: مجلس تشخيص مصلحة النظام، الذي انضم إليه رئيس المجلس السابق المحافظ ناطق نوري أخيراً، وذلك قبل أن يضطروا لاستخدام القوة لحل البرلمان إذا ما خرج عن نطاق السيطرة أو طرح موضوع ولاية الفقيه للنقاش. ويتفوق المحافظون بقدرتهم الكبيرة على التعبئة ضد الاصلاحيين من خلال مواقعهم في إمامة صلوات الجمعة ومناصب الافتاء الديني، وربما كان في إعلان الحرس الثوري الأسبوع الماضي اعتقال أحد حراس خاتمي بتهمة التخطيط لاغتيال الرئيس، وذلك بعد استفتائه لأحد مراجع الدين حول شرعية ذلك، ربما كان في هذا الإعلان رسالة إلى خاتمي والاصلاحيين وتهديد مبطن بإمكانية صدور فتاوى في هذا الشأن في المستقبل إذا ما ساءت الأمور. اخضاع السلطات وشن أحد أعضاء مجلس صيانة الدستور، وهو الشيخ أبو القاسم الخزعلي، هجوماً عنيفاً على الإصلاحيين واتهمهم بالإساءة إلى الإسلام، وقال إن ما شهدته إيران من الاساءة إلى المقدسات، منذ وصول خاتمي إلى السلطة لم تشهده خلال السنوات الخمسين من حكم الأسرة البهلوية. ولا يزال كثير من المحافظين ينظر إلى مجلس الشورى الجديد بقلق شديد ويخيّم عليهم شبح زعيم الحزب الديموقراطي حسن تقي زاده، الذي نادى بفصل الدين عن السياسة، وتسبب في مطلع القرن العشرين بإبعاد رجال الدين عن السلطة، وقام باغتيال أبرز رموزهم السيد عبدالله البهبهاني العام 1910، مما أدى إلى حدوث اضطراب سياسي كبير في إيران وانهيار التجربة الديموقراطية الأولى المشروطة وعودة الاستبداد. وقد دعا الأمين العام لجماعة العلماء المجاهدين المحافظة، الشيخ مهدوي كني، أخيراً، إلى إلغاء مجلس الشورى والانتخابات وإقامة نظام شبيه بالخلافة يستند على شرعية النيابة العامة للفقهاء عن الإمام المهدي، لكن الإصلاحيين بالطبع يرفضون استبدال الشرعية الشعبية بأية شرعية، ويصرون على اخضاع جميع السلطات لسلطة الأمة، وإذا كانوا يحنون رؤوسهم اليوم تحت ضغط المعادلات السياسية القائمة، فإن من الصعب الاعتقاد بسكوتهم في المستقبل مهدي كروبي - ولد عام 1938. - دخل الحوزة العلمية في قم. - تولى بعد الثورة رئاسة لجنة إمداد الإمام الخميني، وهي لجنة خيرية لمساعدة الفقراء والمحتاجين، ثم تولى خلال الحرب العراقية - الإيرانية رئاسة "مؤسسة الشهيد" لرعاية عوائل الشهداء والاهتمام بالجرحى والمعوقين. - تولى رئاسة مجلس الشورى الإسلامي خلفاً للرئيس هاشمي رفسنجاني من العام 1989 إلى 1992. - أصبح عضواً ثم أميناً عاماً لرابطة العلماء المناضلين التي أسسها السيد أحمد الخميني، وهي رابطة كانت تضم رجال الدين الشباب الراديكاليين من أمثال محتشمي وخوئينيها ومجيد أنصاري، في مقابل جمعية رجال الدين المجاهدين التي يرأسها مهدوي كني. - دعم الرئيس خاتمي في انتخابات الرئاسة العام 1997.