الفارق بين عمل الجنسين موضوع قديم نسبياً وحارٌّ عاد أخيراً الى الصدارة في الولاياتالمتحدة، على رغم اختفائه منذ السبعينات: الفارق في الاجور بين عمل المرأة وعمل الرجل. مجلس الشيوخ الاميركي والهيئات التشريعية المتفرعة عنه هي التي ناقشت هذا الموضوع قبل ايام بضراوة لا سابق لها منذ فترة. فاذا صح ان المعدل الوسطي لأجر العاملة ارتفع من 5،62 في المئة من مثيله الرجالي العام 1979 الى 5،76 في المئة منه اليوم، الا ان عدم الوصول الى التساوي المطلق لا يزال يثير الاشكالات. المدافعون عما تحقق يقولون ان المرأة باشرت نزولها الواسع الى السوق في السبعينات، ابان ازمة الركود التي اطلقها ارتفاع سعر النفط. لكن التقدم لا يحصل، في النهاية، الا تدريجاً. ومجرد حدوث القفزة يدل الى وجهة متفائلة وواعدة. اما الناقمون فيرجعون الى طبيعة العصر وميله المتعاظم الى التغلب على الفوارق الجنسية والعمرية، فضلاً عن العنصرية. ولهذا يلاحظون ان ما طرأ على هذه الجبهة الرجالية - النسائية لا يزال اقل بقليل مما هو مطلوب لمواكبة عصرنا وجديده. ومن اجل اللحاق، كما يضيفون، لا بد من تدخلٍ ما تمارسه الدولة مدافعةً عن مواقع المرأة في العمل ومعزّزةً اياها. أفريقيا الأخرى الكلام عن مآسي افريقيا لا ينتهي: من الفقر والحروب، الاقليمي منها والاهلي، الى الجفاف والأمية ومرض الايدز. لكن هناك افريقيا أخرى يصرّ المتفائلون على تنبيهنا الى وجودها، لا سيما الى مستقبلها الواعد. فثمانون في المئة من سكان القارة السوداء يقاتلون اليوم ضد الفقر بدلاً من ان يقاتلوا بعضهم البعض، كما كتب كالّيستو مادافو، نائب رئيس البنك الدولي لشؤون افريقيا. وقد بدأ يتصلّب النمو الاقتصادي في بعض بلدانها فيما تزداد الانظمة السياسية انفتاحا. اما الصحافة فاكثر حرية مما كانت قبل عشر سنوات بينما تنمو المؤسسات الاقليمية ويتضاعف التعويل على انماء التقاليد الثقافية في مقابل تراجع الاتكال على "الحلول" الخلاصية والايديولوجية القديمة. وها هي الدولة الافريقية الاكبر، نيجيريا، تستنهض نفسها وتقلّد جنوب افريقيا في تحوّلها طرفاً مؤثّراً اقليميا. مع هذا يبقى السؤال قائماً: هل تستطيع افريقيا دخول القرن الواحد والعشرين؟ ما يراه مادافو انه حيث امكن الحفاظ، منذ 1995، على الاصلاحات والسلام، تعاظم الاستثمار وتقلص الفقر الريفي. الا ان الاستجابة لا تزال ضعيفة في معظم البلدان، او انها لا تزال اضعف من ان تتغلب على آثار السنوات المديدة للمداخيل المتردية وضعف البنية التحتية والمؤسسات. ومع تسارع النمو السكاني ستكون القارة بحاجة الى نسبة نمو لا تقل عن 5 في المئة كيما تمنع تزايد عدد الفقراء، والى نسبة 7 في المئة كي تخوض معركة ناجحة ضد الفقر. والقرن الجديد يوفّر فرصة خاصة لتغيير هذه الصورة. فالانظمة السياسية اكثر انفتاحا بكثير، ما يعبّد الطريق امام حكومات خاضعة للمساءلة. ثم ان نهاية الحرب الباردة انهت التعامل مع افريقيا كساحة استراتيجية للصراعات. وكذلك ففي وسع التقدم التكنولوجي ان يؤمّن وسائل اسرع واجدى في ربط اجزائها وكسر عزلتها. الا ان الطريق تبقى طويلة جداً وشاقّة بطبيعة الحال. لا لجامعات النخبة جامعتا كمبريدج واكسفورد البريطانيتان تملكان رصيداً وصيتاً عالميين. وقوام الصيت ليس فقط تعليمهما الرفيع، بل ايضاً كونهما مؤسسة لعليّة القوم في بلدهما. حادثة صغيرة هزّت دعائم هاتين الجامعتين العريقتين، ولا تزال موضوعاً للتعليق والمساجلة الحارّين: فبعد امتحان قبول اجرته الطالبة لورا سبنس لدخول اكسفورد، جاء الجواب بالرفض. وما لبث ان تبين ان لدى الفتاة مواصفات تفوق ما هو مطلوب للانتساب الا ان تخرّجها من مدرسة رسمية لا يخوّلها ذلك! اكثر من هذا تم قبول سبنس في جامعة هارفارد الاميركية، احدى اهم ثلاث جامعات في الولاياتالمتحدة، مع تقديم منحة دراسية سخيّة لها. حكومة العمال الجدد التي تعلّمت من نتائج الانتخابات المحلية الاخيرة ان عليها ان تهتم اكثر بمصالح النصف الادنى من الهرم الاجتماعي، وضعت يدها على الفرصة وانقضّت على جامعات النخبة. وفعلا تعاقب كبار الوزراء على نقد الجامعتين وفئويتهما، فيما قررت الحكومة رصد الملايين للجامعات الاخرى الاقل حظاً في البلاد. ما هو اهم من الحدث نفسه ان بريطانيا الجديدة تخطو خطوة اخرى للتخلص من مؤسسات بريطانيا القديمة، او على الاقل لمنعها من اعاقة التحديث ومواكبة العصر. فكيف وان هاتين الجامعتين، اكسفورد وكامبريدج، وكما بيّن ما لا حصر له من تحقيقات نشرتها الصحافة، تحتكران انتاج الطاقم الحاكم محافظاً كان ام عمالياً، فيما لا تستطيع الطبقات الافقر ان تحلم بارسال ابنائها اليهما. وحتى المناطق الافقر في الشمال والوسط لا تحظى فيهما باكثر من حصة صغيرة جداً. هذا ما لم يعد مقبولاً في زمننا، خصوصاً أن الثاتشرية 1979 - 1997 كانت قطعت شوطاً بعيداً في كسر بريطانيا الاريستوقراطية ومؤسساتها، فيما قدّر المحللون ان يُكمل العمال الجدد الشوط التحديثي بهمّة راديكالية اعلى. آحاد المدن المدن الكبرى، الأوروبية والأميركية، او بعضها على الاقل، تتغير ملامحها أيام الآحاد. تحقيقاتٌ صحافية كثيرة بدأت ترصد التغير هذا مُلاحظةً أن "الرأسمالية والأشغال العامة وانكسار التقليد" أدت مجتمعةً، ومن مواقع مختلفة، الى اندثار ذاك اليوم الهادىء والحميم حيث كانت اكثرية الناس تلازم منازلها، وتتناول معاً وجبات عائلية. فالرُخَص التي باتت تُعطى للدكاكين والمخازن والمقاهي كي تفتح في هذا اليوم، وتزايُد سكان المدن والمقيمين فيها بما يسبّبه من تعاظم في حركة الاهتراء التي تتعرض لها البنى التحتية، ومن ثم الحاجة الى اصلاحها، كلها عملت على تحويل الشوارع أمكنةً مكتظةً بالمارّة والمتجمهرين، كما حوّلت الطرق ورشات من الاشغال لا تتوقف. فاذا اضفنا وضع التقاليد المتراجعة فهمنا أزمة يوم الأحد. ذاك أن العائلة الأشد تفتتاً من ذي قبل لم يعد يجمعها البيت الأُسَري، وهذا ناشىء عن كثرة الطلاقات وانتعاش الفردية وميل عدد متعاظم من سكان المدن الى الانكفاء على وحدتهم. أما الكنيسة التي كانت مركز الاستقطاب الداخلي الثاني بعد البيت، ابان الآحاد، فقد كفّت عن ذلك بسبب تراجع اعداد المصلّين لا سيما في المدن الاوروبية قياساً بالأميركية. يبقى ان اكثر المتضررين من تغير يوم الأحد وطبيعته هم أولئك الذين كانوا يجوبون بسياراتهم شوارع مدينتهم الهادئة في ربع ساعة، فباتوا يجدون انفسهم وسط زحام لا يُطاق، يستدعي التغلب عليه ساعات برمّتها احياناً! أوروبا الرياضة ومسائل الوحدة "أوروبا 2000" لكرة القدم، وهي التي يتابع العالم مبارياتها المهرجانية اليوم، هي مظهر آخر من مظاهر الوحدة الأوروبية. وفي هذا المعنى لم يكن صدفةً ان يظهر النشاط المذكور، عام 1960، في موازاة البدايات الاوروبية حين كانت خليطاً من احلام كثيرة ووقائع قليلة. لكن هذا يعني، بالضبط، اضافة مشكلة الرياضة الى مجموع مشاكل الاتحاد الاوروبي. كيف يتجسد ذلك؟ أساساً في التعاطي مع ظاهرة "الهوليغان" او زعران الرياضة المتنقلين من بلد الى بلد ومن ملعب الى ملعب لاصطياد الشجار والتعارك بالايدي، بحيث وصفهم احد علماء اجتماع الرياضة بانهم "الورثة المعاصرون الأحياء للفوضويين الثوريين ممن ازدهروا بين القرنين التاسع عشر والعشرين، حيث كانوا يجوبون بلدان القارة ومدنها بحثاً عن ضحية يرشّحونها للاغتيال". ذاك ان التعاطي الامني مع هذه الحالات يثير امراً غير معهود قانونياً في الدولة الواحدة: فنحن هنا نتعامل مع دولتين: تلك التي ينتمي اليها "الهوليغان" وتلك التي يثير المشاكل فيها، كما نتعامل تالياً مع قوتي شرطة وطنيتين، ومع قانونين. واذا كان الجميع متفقا على ضرورة تذليل العنف وعلى اجراءات منسّقة ثنائياً لزجره وقمعه، الا ان ذلك لا يُغني عن بتّ قضايا تفصيلية كثيرة، لا سيما ان كرة القدم اصبحت تتلازم على نحو وثيق مع "الهوليغانية" واعمالها. وثمة من يقدّر ان تكتسب الدعوة الاوروبية ابعاداً جديدة تحت وطأة هذا التحدي، فيتسارع الاعداد القانوني والتشريعي الذي يقع ضمن الخانة الأمنية لكنه يردّ تحديداً على هذه الظاهرة المتفاقمة.