لئن كثر شتم بنيامين نتانياهو في الكتابة السياسية العربية، حتى صارت هذه "العادة" الجديدة تعبيراً عن العجز العربي وتبريراً له في آن، فهذا ما لا يلغي أوجه شبه حقيقية بين رئيس حكومة اسرائيل وبين رموز هوليغانية الملاعب ممن كثر الكلام عنهم وعن "ثقافتهم" في الفترة الأخيرة. فلدى التدقيق في القواميس تتحصّل لكلمة "هوليغاني" المعاني الآتية: "من يقوم بتدمير متعمّد للملكية، أو أذى متعمّد للأشخاص، وينطوي عمله أحياناً على سرقةٍ يكون منفذوها في هيئة عصابة أو مجموعة صغرى من الشبان. الأذى الذي يلحقه الهوليغاني يمكن أن يتفاوت بين اغتصاب عِصابي والتعرض لأشخاص لا يتوقعون ذلك هم غالباً من المسنّين. الهوليغانية تتميز بأنها نقص في السيطرة على النفس وحب للأذى وعدم اكتراث بآلام الآخرين، وتبطّل يبلغ حدود نقص الأمانة وارتكاب الجرم، ومزاج خشن سريع الانقلاب الى عنف. الهوليغانية قد تعبر عن نفسها بالقوة العارية، لكنها قد تجد تعبيرها في الوقاحة الوضيعة. في المناطق التي تتميز بوجود هوليغاني، يحس الناس بعبء الوضع الأمني فيقللون مغادرة بيوتهم، كما يكثر الكلام المجافي للآداب العامة والكتابة على الجدران التي غالباً ما تتسم بالبذاءة. الهوليغانية تتطلب الشهرة والاعلام بقدر ما تعيش في جوار حضارة بدأت تتجاوز قيم القوة والعسكرة والجيوش فلا تنظر اليها بكبير تقدير. الهوليغانية تنطوي على يفاعة عمرية تعبّر عن نفسها، بين أشياء أخرى، بالزي والملبس والمظهر والوشم... في الهوليغانية يكمن حب الشبيبة للعنف والاثارة والخطر. الهوليغانية تنتعش حين لا تكون هناك حروب بدليل أن حقبة 1914 - 1950 في أوروبا شهدت انخفاضاً مذهلاً في نسب العنف وأشكال السلوك اللا اجتماعي، إذ وفّرت الحرب متنفَساً لعنف الشبيبة. قد يكفي القول ان الهوليغاني الذي يخجل به المجتمع المسالم كان هو نفسه ليكون بطلاً في جيش يخوض حرباً". هذه المواصفات التي تجمع بين الهوليغاني الألماني "المنظّم" والهوليغاني البريطاني السكّير و"العفوي"، تجمعهما بثالثٍ هو رئيس حكومة اسرائيل. كيف؟ ان الرجل، ومن خلال تحالفه مع قوى الأرثوذكسية الدينية، يقوم حرفياً "بتدمير متعمد للملكية، أو أذى متعمد للأشخاص، وينطوي عمله أحياناً على سرقةٍ ]للأرض[ يكون منفذوها في هيئة عصابة أو مجموعة صغرى من الشبان". وهو إن لم يتعرض للمسنّين بالمعنى الحصري للكلمة، الا أنه يتعرض للضعفاء الذين لا حيلة لهم، ممن يعادلون المسنين رمزياً، من دون أي اكتراث بألمهم ومعاناتهم. واذا كان الهوليغاني لا يكترث بأي اعتبار يتصل بالأخلاق العامة أو القانون أو الذوق، فهذا أيضاً ما يفعله رئيس حكومة اسرائيل الذي لا يعبأ حتى بوجود حلفاء له في مشاريعه الأشد هوليغانية: السطو، السرقة، الإهانة... وكثيراً ما ينقلب المزاج الخشن الذي يجمع الاستيلائية الى الاستعلائية، عنفاً محضاً، على ما دلّت مواجهات لا تُحصى منذ انتخابه الى حيث هو اليوم. أما الجمع بين القوة العارية والوقاحة الوضيعة فلا يصف شيئاً كما يصف سلوك الزعيم الليكودي الذي حيّر الكثيرين في أمره: هل هو ايديولوجي أولاً الهوليغانية الألمانية أم "براغماتي" أولاً الهوليغانية البريطانية؟ على أن المناطق التي يسيطر نتانياهو عليها، بشكل أو آخر، فيحس الناس فيها ب "بعبء الوضع الأمني فيقللون مغادرة بيوتهم، كما يكثر الكلام المجافي للآداب العامة والكتابة على الجدران التي غالباً ما تتسم بالبذاءة" حادثة المتعصبة وما كتبته ورسمته عن الرسول. واذا كانت الهوليغانية تتطلب الشهرة والاعلام، فهذا بالضبط ما يتطلبه نتانياهو الذي كان الاعلام أهم قاطراته الى السلطة، ولا يزال فيها يطبق المبدأ القائل: الحملة الانتخابية تبدأ بعد الانتخاب بتحويل السياسة الى حملات متصلة. فاذا صح ان الهوليغانية "تعيش في جوار حضارة بدأت تتجاوز قيم القوة والعسكرة والجيوش فلا تنظر اليها بكبير تقدير"، فهذا بالضبط ما يصح في النمو الاقتصادي والتقني لاسرائيل وما يصحبه من صعود متعاظم للفردية والمتعوية الرافضتين للحرب. لكن الهوليغانية تنتعش حيث لا تكون حروب، والنتانياهوية كذلك: بدليل أن الحروب غدت أمراً مستبعداً في الشرق الأوسط، ويعرف الزعيم الليكودي أنه يفقد بمجرد الانتقال الكامل الى السلام، الموقعَ والاحترامَ اللذين يحظى بهما في ظل التوتر. ولهذا فنزعة التوتير العزيزة عليه تربطه ببعض سلوك اليفاعة العُمرية، المتعلقة بالشكل، والتي يستهويها العنف والاثارة والخطر. وكل من قرأ آراء نتانياهو في ما خص محاربة الارهاب، تأثراً منه بمصرع أخيه في عملية عنتيبي، يدرك هذه الميول الشكلانية العميقة في وعيه. * كاتب ومعلّق لبناني