في محاولة للتوصل الى حل سلمي للنزاع المسلح الذي استمر نحو ثلاثين عاماً تقريباً تجري الحكومة الفيليبينية والمعارضة مفاوضات على مسارين: الأول مع حركة مورو للتحرير الاسلامي والثاني مع جماعة ابوسياف، وكلا الحركتين تسعيان الى اقامة دولة مستقلة في اقليم مينداناو جنوب البلاد. وكوسيلة للضغط على الحكومة الفيليبينية باتجاه تحقيق هذا الهدف، الذي أدى الى سقوط آلاف الضحايا من جميع الأطراف المتنازعة، قامت جماعة ابوسياف باحتجاز 21 رهينة من السياح الأجانب في جزيرة جولو بعدما اختطفتهم من جزيرة ماليزية للغوص الشهر الماضي. ومع ان مسؤولين في حركة مورو ومسؤولين حكوميين وصفوا المفاوضات الحالية بأنها تمثل "أفضل فرصة لانجاز سلام حقيقي" إلا أن المؤشرات لا تدل على وجود أرضية فعلية للتوصل الى اتفاقية شاملة تنهي نزاعاً دامياً. وحتى إذا توافرت تلك المؤشرات خلال الأسابيع المقبلة إلا أن شكوكاً قوية تحيط بانجاز اتفاق، انطلاقاً من اخفاق اتفاقيات وهدنات تم التوصل اليها وجرى انتهاكها وخرقها من كلا الجانبين: السلطة والمعارضة. والسؤال الآن هو: هل ان الحكومة الفيليبينية مستعدة لمنح مينداناو حق تقرير المصير واقامة دولة مستقلة؟ في أيلول سبتمبر من العام 1972، وقبل فترة وجيزة من انتهاء ولايته الدستورية الثانية، اعلن الرئيس فرديناند ماركوس الاحكام العرفية في البلاد "بسبب تصاعد أعمال العنف والاضطرابات في اقليم مينداناو". ويعود تاريخ اندلاع العنف الى 17 آذار مارس العام 1968 عندما اطلق ضباط النار على 28 مجنداً جديداً مسلماً في الجيش الفيليبيني، من دون ان تتضح أسباب الحادث، فبعضها أشار الى أن الحكومة كانت "تدرب المجندين الجدد على التسلل الى اقليم صباح الماليزي تمهيداً لغزو كوالالمبور، وبعضها الآخر اعتبر ان "المجندين تمردوا عندما ادركوا انهم سيقاتلون اخوتهم في الدين". أما الحكومة فقد نفت ذلك كلياً وقالت ان "المجندين تمردوا لأنهم لم يتسلموا رواتبهم". ومهما تكن الأسباب الكامنة فإن الحادث دفع عدداً من المسلمين الى تأسيس حركة سياسية باسم حركة مورو للتحرير الوطني بزعامة الأستاذ الجامعي نور ميسواري، هدفت الى اقامة دولة مستقلة من خلال الكفاح المسلح، وقابلتها الحكومة بحملات عسكرية ضارية. في العام 1975 اعترف الرئيس ماركوس بفشل الحل العسكري، وعمد الى اتخاذ اجراءات حافظت على علاقات بلاده بالدول الاسلامية، خصوصاً في الشرق الأوسط، لا سيما ان منظمة المؤتمر الاسلامي دعت الى ايجاد حل للنزاع بطرق سلمية، فاعترفت مانيلا بمنظمة التحرير الفلسطينية، وعززت علاقاتها مع عدد من العواصم العربية، وتبادلت السفراء معها، وارسل ماركوس زوجته ايميلدا للقاء مسؤولين عرب بينهم العقيد معمر القذافي الذي لعب دوراً أدى الى اجراء أولى مفاوضات بين الحكومة الفيليبينية والمتمردين أدت الى توقيع اتفاقية طرابلس العام 1976، التي تنازلت بموجبها جبهة مورو للتحرير الوطني عن مطلب الاستقلال في مقابل حكم ذاتي لاقليم مينداناو. ولكن بعد شهور طبق ماركوس تفسيره الخاص للاتفاقية وأقام حكومة محلية بدلاً من الحكم الذاتي. وفي العام 1978، وبعد فترة قصيرة من انهيار اتفاقية طرابلس، تعرضت جبهة مورو للتحرير الوطني الى أول انشقاق بقيادة هاشم سلامات الذي أسس حركة باسم جبهة مورو الجديدة ثم اتخذت في العام 1984 اسماً آخر هو جبهة مورو للتحرير الاسلامي. واذ استأنفت جبهة مورو للتحرير الوطني مساعيها الديبلوماسية لتحقيق اهدافها في الاستقلال بدأت جبهة مورو للتحرير الاسلامي القتال ضد الحكومة متهمة منافستها بالتنازل للسلطة والولاء لها، خصوصاً بعد قبول عدد من قادتها قرار العفو والمشاركة في السلطة اضافة الى رؤيتها بأن أسباب الكفاح المسلح ما تزال قائمة وهي التهميش الاقتصادي والثقافي والسياسي. وهكذا استمرت أعمال العنف تجتاح الجنوب حتى سقوط ماركوس بانتفاضة شعبية مدعومة من الجيش. ووفّر وصول الرئيسة كورازون اكينو الى الحكم في مانيلا فرصة للسلام، اذ عرضت حكومتها مبادرات جديدة لايجاد حل يكرس السلم والتنمية. وقامت بزيارة الى جزيرة جولو حيث يحتجز الرهائن اليوم والتقت زعيم جبهة مورو للتحرير الوطني نور ميسواري متجاوزة بذلك الأطر البروتوكولية. وسعت الى اقامة مؤسسات تستجيب لطموحات المسلمين. واجرت تعديلات دستورية لهذا الغرض. وعندما تم انتخاب مجلس نواب جديد، أقر مشروع منح المسلمين في مينداناو حكماً ذاتياً، جرى الاستفتاء عليه في 19 تشرين الثاني نوفمبر العام 1989، وبنتيجته وافقت على الانضمام الى الحكم الذاتي أربعة اقاليم، الأمر الذي رأت فيه حكومة اكينو مشروعاً للسلام وتطبيقاً لروح اتفاقية طرابلس. لكن فصائل المتمردين رفضته لأنه قلص الاقاليم الممنوحة لهم في الاتفاقية من 13 الى 4 اقاليم اضافة الى الافتقار الى التمويل والتنمية. وفي العام 1992 احتلت قضية مينداناو الأولوية لدى الرئيس فيدل راموس الذي بدا مصمماً منذ اللحظة الأولى على ايجاد تسوية للنزاع. وبالفعل بدأ مفاوضاته مع الفصائل في اطار اتفاقية طرابلس. وبعد أربع سنوات من المحادثات المضنية تم التوقيع على اتفاقية سلام العام 1996 مع جبهة مورو للتحرير الوطني ووقف اطلاق النار مع جبهة مورو للتحرير الاسلامي العام 1997. وقامت ادارة راموس بتأسيس لجان لتطبيق بنود الاتفاقية. لكن جهودها لم يكتب لها النجاح، إذ سرعان ما تعثرت وانفض الجانبان عائدين الى ساحات القتال. وفي الانتخابات الرئاسية العام 1998 حقق الممثل السينمائي السابق جوزيف استرادا فوزاً ساحقاً وأعلن عزمه على مواصلة برنامج السلام الذي أقره راموس. ولهذا الغرض أبقى على عدد من المسؤولين من الفترة السياسية السابقة في مناصبهم ليسهل تطبيق الاتفاقات. ومع ذلك رأى فيه المراقبون شخصاً يفتقد الى سياسة واضحة في شأن مينداناو. اما الفصائل الاسلامية فلم تجد تطبيقاً مقنعاً لما جاء في اتفاق العام 1996. ذلك ان جميع المناطق لم تكسب شيئاً من الحكم الذاتي الذي لم يصدق عليه البرلمان الفيليبيني. وفي مقدمة تلك الفصائل جبهة مورو للتحرير الاسلامي وجماعة ابوسياف التي تأسست أواسط الثمانينات بزعامة عبدالرزاق أبو بكر جنجلاني، وقد قتل في مواجهة مسلحة مع الجيش الفيليبيني العام 1998. واتخذت الجماعة من جزيرة بصيلان مقراً لها وهدفت الى اقامة دولة مستقلة عبر الكفاح المسلح. وقد احتجزت رهائن من السياح الأجانب الشهر الماضي الأمر الذي شجبته منظمة المؤتمر الاسلامي معتبرة انه "ليس الوسيلة المناسبة لحل المنازعات". هل ان الحكومة الفيليبينية بقيادة استرادا، الذي أوصله صوت الفقراء والمعدمين الى السلطة، مستعدة في المفاوضات الجارية اليوم لمنح مينداناو حق تقرير المصير واقامة دولة مستقلة خصوصاً ان اعمال العنف وصلت الى حد اختطاف أبرياء وبلوغ التفجيرات العاصمة الفيليبينية؟ على المسار التفاوضي مع جبهة مورو للتحرير الاسلامي يهدد الرئيس استرادا بشن هجوم عسكري كاسح إذا لم يتم احراز تقدم ضد حركة متمسكة بحق تقرير المصير الذي استبعد مسؤول حكومي منحه لمينداناو، قائلا ان "مانيلا لن توافق على اقامة أي دولة اسلامية انفصالية. بيد أن الحكومة مستعدة لمنح المسلمين حكماً ذاتياً موسعاً". وعلى المسار مع جماعة ابوسياف الذي يتركز حالياً على اطلاق سراح الرهائن الأجانب فإن المفاوضات متعثرة وهشة وربما تستغرق وقتاً قد يصل الى شهور. هكذا تبدو المفاوضات الحالية من دون أفق، كسابقاتها، ويواجه الرئيس استرادا، بعد سنتين من انتخابه، تحدياً خارجياً وداخلياً في ظل نزاع انفقت خلاله الحكومات الفيليبينية المتعاقبة المزيد من الأموال على التسلح أكثر مما أنفقت على البحث عن سبل حقيقية للسلام