عودة فاجدا قليلون هم المخرجون السينمائيون الذين التقطوا توق شعوبهم الى الحرية وعبّروا عنه كما فعل السينمائي البولندي اندريه فاجدا. لكن قبل اشهر فقط ظهر من يتحدث عن "محنة" هذا الرجل: فهو ما ان حلّت الحرية في بلاده، قبل عقد، حتى بدأ يطويه النسيان، وتبخّر جمهور افلامه الذي اتجه الى... السينما الأميركية. فأندريه فاجدا، بحسب هذا التحليل، بقي اقرب الى الايقونة الوطنية لشعبه، كما بقيت اعماله شاهداً تاريخياً على القهر الذي تعرض له البولنديون ابان الحكم الشيوعي. الا ان البولنديين الذين بات المستقبل، لا الماضي، مصدر قلقهم، يحظون الآن بخيار لم يسبق له ان كان في هذا الاتساع. وقيل ايضاً انه ربما قنع بالانجازات الكبيرة لاعماله ما بين 1957 و1990 "الرماد والماس"، "كانال"، "رجل المرمر"، "رجل الحديد"، "كورجاك"...، والتي أرّخت للحرية ما بين الاحتلال النازي والمحرقة والحكم الشيوعي، بحيث تفرّغ للعمل عضوا في مجلس الشيوخ. لكن سريعاً ما كذّبت احداث الشهر الاخير هذه التقديرات، وتبدى ان وصف وضع فاجدا ب"المحنة" في غير موضعه. فقبل ايام فحسب، نال اوسكار الشرف عن اعمال حياته، في الاحتفالات بتوزيع جوائز اكاديميا السينما في لوس انجليس. واهم من هذا ان فاجدا، البالغ 75 عاماً، فاجأ الجميع بفيلم جديد له اقبل على مشاهدته ستة ملايين بولندي. وفيلمه كان مرة اخرى عن الماضي! فهو يستعيد ملحمة "السيد تاديوش" الشعرية التي كتبها الشاعر والمثقف البولندي للقرن التاسع عشر آدام ميشيوفيتش. والقصيدة انشودة في الوطنية والحرية وضعها الشاعر ابان نفيه الى فرنسا في 1834، وحفظها مذّاك تلامذة بولندا جميعاً، ولا زالوا يتعاقبون على حفظها جيلا بعد جيل! السيارات المندمجة هل يعرف من يستقل سيارة في ايامنا هذه أنه انما يستقل سيارتين او ثلاثاً في وقت واحد؟ كيف ذلك؟ الواضح ان تطوير صناعة السيارات العالمية انما بلغ نقطة بعيدة جداً، هي تعبير عن الاستجابة للتغيرات الاقتصادية الكونية في عالم البيزنس. وخلال العامين الماضيين تجلت هذه العملية بظهور لائحة طويلة من السيارات التي اندمجت واحدتها في الأخرى، او اشترت واحدتها الاخرى. فقبل حكاية روفر وبي. ام. دبليو التي اثارت كثيرا من اللغط وكثيرا من المخاوف، وبالطبع كثيرا من التسلية، تصدّرت الأنباءَ اندماجات: كرايزلر وفولفو ونيسّان وصاب وفوجي وسوزوكي ودايهتسو ولامبورغيني وبوغاتّي وبنتلي ورولس رويس. وقبل ايام فقط وفيما كانت فورد توافق على ان تشتري روفر من بي. ام. دبليو، وافقت شركة جنرال موتورز على شراء خُمس فيات. واذ يُتوقع لديملر - كرايزلر ان تضع يدها على ثلث ميتسوبيشي، فان دايوو وسمسونغ معروضتان للبيع في كوريا الجنوبية. وهذه الاندماجات تحرّكها، في آخر المطاف، دوافع ثلاثة: تزايد ارتفاع الاكلاف التقنية، وحاجة المنتجين الى دخول اسواق جديدة، والطلب المتعاظم على انواع السيارات "القوية" في السوق. ومع ان استراتيجيات الشركات كثيرا ما تتضارب، اشتركت فورد وفولكسفاغن في محاولة امتلاك الانواع المعروفة عالمياً. اما ديملر كرايزلر ورينو فحاولتا دخول اسواق جديدة كاليابانوكوريا الجنوبية، بينما ركّزت جنرال موتورز على الحصول على التقنيات والقطع الجديدة باسعار ارخص. واذا كان القليل من الشركات هو الذي يدفعه عسره المالي الى الاستسلام لمنافسين سابقين، كما في حالة نيسّان وميتسوبيشي، الا ان معظم المنخرطين في هذه العملية تقودهم الرغبة في مواجهة الاكلاف المتصاعدة للتقنية او تطوير تقنيات جديدة: لا سيما التوصل الى موتورات قليلة التسبب بالتلوث. وقد تضاعف الالحاح هذا حين غدا كثير من الاسواق في اوروبا والولايات المتحدةواليابان يغلق ابوابه امام سيارات عالية التسبب بالتلوث، إما تحت وطأة التشريع او تحت وطأة التنافس. وهذه هي الحجة الصحيحة التي يرفعها مؤيدو الاندماجات في مواجهة الحجة الصحيحة الأخرى للنقّاد ممن يقولون انها تُضيّق الخيار على المستهلكين والشارين. اعتراف آخر بفلسطين: الانترنت تكلل النشاط الذي قام به اللوبي الفلسطيني للحصول على رقعة على الانترنت، بالنجاح. ففلسطين اعطيت موقعاً رسمياً يحمل رمز .ps الذي اضيف الى رموز 244 دولة. وجاءت هذه الاضافة لتعلن، للمرة الاولى، عن ولادة دور سلطة التنسيق العالمية للانترنت المعروفة ب"كوربوريشن الانترنت للأسماء والأرقام المعيّنة"، والتي نشأت اواخر 1998 لهذا الغرض. وبينما كرّست هذه الخطوة موقع فلسطين كمعطى مستقل في مجال جديد بالغ التأثير، حرصت وكالة الانترنت والرسميون الاميركان على التقليل من دلالاتها السياسية. مع هذا اكدت "نيويورك تايمز" ان ما جرى تم بموافقة ادارة كلينتون. وبمحض الصدفة حصل هذا في اليوم نفسه الذي كان البابا يوحنا بولس الثاني يعلن، من اراضي السلطة الوطنية، ان "للفلسطينيين حقاً طبيعياً في وطن". فرنسا الجديدة شكلت فرنسا، بين البلدان المتقدمة، قلعة الصمود في مواجهة العولمة والأمركة و"الاستعمار الثقافي" مرموزاً اليه باللغة الانكليزية. مع هذا فالاتجاه الجديد هناك هو الاقلاع عن هذا التعامل السلبي مع ظاهرة لا بد منها، ومن ثم محاولة تحسين الموقع الذاتي فيها، وتحسين شروط المنافسة من داخلها. ففيما بلغ عدد الفرنسيين الموصولين بالانترنت ستة ملايين ونصف المليون، بات من الممكن الحديث عن وصول "الاقتصاد الجديد" الى فرنسا. وقد خلق ظهور رأسماليي المشاريع التقنية الصغيرة، وصاعدو ال"دوت كوم"، وميل الشركات القديمة الى اعتماد الانترنت، حاجة ماسة الى مدراء جدد: مدراءٍ ذوي مهارات تقنية يستخدمونها في البيع والتسويق والتوزيع. ولملء هذا الفراغ شرعت مدارس البيزنس الفرنسية تقدّم برامج تعليمية يتطلبها المدراء الجدد الموعودون، حيث يلعب تدريس الانكليزية دوراً ملحوظاً. ومع ان معظم صفوف هذه البرامج لا يزال اختياريا، فان بعض الكليات انشأ شهادات لهذا الغرض. ويتوقع كثيرون ان تتعزز الوجهة هذه مؤدية بفرنسا الى تحول نوعي كبير يتراكم تدريجاً. وثمة من يرى استكمالا لهذه الوجهة في تسليم رولان فابيوس، صديق رجال الاعمال، حقيبتي الاقتصاد والمال قبل ايام. مراتب الفساد الآسيوي بحسب مؤسسة Political and Economic Risk Consultancy، صُنّفت دول آسيا الاكثر فساداً، وبالترتيب، على النحو الآتي: اندونيسيا، الهند، فييتنام، الصين، الفيليبين، كوريا الجنوبية، تايلندا، وهي كلها تندرج في خانة الفساد بوتيرة قاتلة. يتلوها في خانة الفساد بجرعات كبيرة: تايوان وماليزيا. ثم يأتي في خانة الفساد الذي يمكن احتماله: اليابان وهونغ كونغ. وتتفرّد سنغافورة بكونها فاسدة على نحو طفيف جداً. وأهم ما يُلاحظ في هذه الجردة: 1ً- ان الفساد قليل الصلة، في الحالة الآسيوية، بنوع النظام السياسي والايديولوجي: فهو يضرب انظمة اشتراكية كفييتنام والصين مثلما يضرب انظمة رأسمالية ككوريا الجنوبية وتايلندا. 2ً- ان البلدان الكبرى هي الاكثر تعرضا للفساد عموماً. 3ً- ان اجراءات العقلنة والدمقرطة التي ابتدأت بعيد انفجار ازمة 1997 والانتفاضة الاندونيسية، لم تؤت أكلها بعد. 4ً- ان اليابانوسنغافورة وحدها، بين سائر القوى الآسيوية، هي التي يمكن القول ان حداثتها بالمعنى المتكامل للكلمة صارت جدية ووطيدة. 5ً- ان بلداناً كباكستان لم تُذكر لأنها، ببساطة، فوق ما يحدّه الوصف. 50 عاماً على حرب كوريا الحرب الباردة انتهت لكن محطاتها الاساسية لا تزال ماثلة، او ان الاحتفالات بها، على الأقل، لم تنته. والحرب الكورية التي كانت المحطة الاولى في انطلاق الحرب الباردة، هي ما يجري اليوم الاستعداد لها: فهي اندلعت، قبل خمسين عاماً، في 25 حزيران يونيو 1950، مع مباشرة القوات الشمالية - الشيوعية غزو الجنوب. وكان ما كان من تكريس لانقسام كوريا الى جنوب عسكري وقمعي موال للولايات المتحدة ومزدهر اقتصادياً، وشمال منعزل ومفقر واستبدادي يحكمه كيم ايل سونغ "المعبود من اربعين مليون كوري"، ومن بعده نجله كيم جونغ ايل. واذا كان صوت "الوحدة الكورية" سيحضر في الاحتفالات، شمالا وجنوبا، فالواضح ان صوت التجزئة والانقسام سيكون اقوى بكثير: ذاك ان الفوارق تكرست بين البلدين، وتوطّد فيهما نظامان سياسيان واقتصاديان وتعليميان لا يشبه واحدهما الآخر، ناهيك عن ميل كل من الدولتين الى نسبة الانتصار اليها، والتغني بالانجازات التي قدّمتها للشعب في حقبة السنوات الخمسين الفاصلة. انهيار صناعة السلاح الأميركية! فيما يشهد الاقتصاد الاميركي بمجمله ازدهارا لا سابق له، تعاني صناعة السلاح من كساد قاتل، كسادٍ يضطر وزارة الدفاع البنتاغون وبعض صانعي الاسلحة الى اعادة التفكير في أولوياتهم. فبنتيجة تأثّرها بانتهاء الحرب الباردة، وبعقد كامل من انكماش الموازنات الدفاعية، اكتملت عناصر أزمتها. ذاك ان اسهم الشركات المنتجة للسلاح في ادنى ما عرفته منذ سنوات عدة، والكثير من تلك الاسهم فقد نصف قيمته العام الماضي. وتبدو هذه الشركات الآن مثقلة بالديون، فيما تتضاءل العقود معها يوما بيوم. ولم يتردد وزير الدفاع الاميركي وليم كوهين في ان يقول ل"كريستيان ساينس مونيتور" ان "الشركات الأساسية، أكانت لوكهيد او رايثيون او جنرال دايناميكس او ايا منها، تجد نفسها ذات قيمة اقل من قيمة اي مصنع جديد للكومبيوتر". هكذا صار استمرار هذه الشركات مرهونا بالقدر المتناقص من الاعمال التي توفّرها لها الدولة. لكن تظهر، في المقابل، اتجاهات جديدة في البنتاغون للحؤول دون الأسوأ. ومن الأفكار المتداولة ثلاث: التنسيق مع وزارة الخارجية لحملها على تخفيف القيود المعيقة لتصدير الأسلحة الى الخارج. وضرورة اندماج الشركات كي لا تتعرض جميعها للانقراض، عملا بنصيحة كان قدمها، منذ 1993، وزير الدفاع السابق لي آسبين. وأخيراً، التملك الحكومي الكامل للشركات: وهذا يعني الانقلاب على ما بدأ في 1950 حين حُررت صناعة السلاح من ملكية القطاع العام وعُهد بها الى السوق الحرة، وكانت النظرية السائدة آنذاك ان قوانين السوق الحرة هي ما يضمن الاستجابة لشروط التنافس والتطوير اللذين تستدعيهما الحرب الباردة.