الرياضة ومعالجة فسادها زواج الرياضة والتلفزيون انتج احد اكثر ظاهرات عالمنا عالمية. ففي مباراة 1998 لكأس العالم، مثلا، شاهد المباريات على الشاشة الصغيرة 4،33 بليون مشاهد بحسبة المشاهدة الواحدة تساوي شخصاً واحداً، اي بزيادة 3،1 بليون عن مشاهدي دورة 1994. والامر لا يقتصر على التلفزيون وحده. فالشركات التجارية الاخرى، لا سيما التي تعمل في صناعة السلع الرياضية، تفضّل ان تستثمر في الفرق واللاعبين، لكن حركتها المالية تتطاير في الاتجاهات كلها. ف"أديداس"، مثلا، التي تربح سنويا قرابة 5 بلايين دولار من بيع الملابس والادوات، تنفق بين 12 و13 في المئة من موازنتها التسويقية على شؤون الترويج والدعاية. ويبدو ايضا ان عالمية الرياضة غدت تطول مستويات الحياة جميعا، ولو باشكال مختلفة. فأثرها واضح اليوم على اولاد الحارات الفقيرة في المدن كما على اللاعبين النجوم ممن يتقاضون الملايين. ونظرا إلى امتداد تأثيراتها يفكر بعض السوسيولوجيين في استخدامها مجالا لخلق تحول ايجابي في القيم، بحيث يتم الحضّ على "الأخلاق الرياضية" والتسامح والصداقة، على ما كان الامر في البدايات الاولى. لكن التناقض هو بالضبط ما يطرحه تنامي نفوذ المال: فالانخراط في الرياضة اريد منه دائماً ان يساهم في صنع شخص اخلاقي نموذجي، الا ان هذه الفرضية انهزمت امام فضائح الفساد واستخدام المخدرات والمنشّطات الكثيرة، فيما وُجّهت انتقادات قاسية لبعض الشركات التي تتاجر بالسلع الرياضية لأنها لا تحترم قوانين العمل ومصالح العمال على امتداد العالم. وفيما شرع بعض المستسلمين للواقع يتحدثون عن ان الرياضة لا يمكنها، في نهاية الأمر، الا ان تكون مرآة تعكس المجتمع، يبدو ان آخرين لم يستسلموا، مراهنين على اصلاح هذا الواقع والرجوع بالرياضة الى المثالات الاخلاقية الاولى. هكذا تتردد اليوم في اوساط المعالجين فكرتان: الأولى، تعميق الشراكة بين الدول وحكوماتها وبين صناعة الرياضة بحيث تنشأ درجة اعلى من الاشراف والضبط والمراقبة. والثانية، توسيع الباب للاسهام النسائي في شتى الرياضات، سيما كرة القدم. والفكرتان، بالطبع، قابلتان لكثير من المساءلة: اذ هل يعقل تعميق الشراكة في ظل تنامي نزعات الخصخصة اينما كان، ثم من قال ان الصورة الوردية عن المرأة بصفتها الكائن الذي لا يمسّه الفساد، صورة واقعية وعملية الى ما لا نهاية أوليست هذه الصورة الوجه الآخر للانتقاص منها ومن قدراتها؟. كائنا ما كان الحال يبقى ان طرح الافكار في السوق علامة حيوية مطلوبة دائما. والأفكار التي قد لا تبدو، الآن، عملية ربما فتحت الطريق لأفكار اشد عملية تظهر في الغد. معنى التحول في تايوان الانتخابات الاخيرة في تايوان طغى عليها التهويل الصيني، وما استتبعه من ردود فعل دولية. وقد جاءت النتائج لتزيد في تركيز الاضواء على هذا البعد الخارجي والاستراتيجي. مع ذلك لم يفت بعض المراقبين ملاحظة نتيجة اهم تتمثل في انهيار قبضة حزب الكومنتانغ التاريخي الذي اسسه الجنرال الراحل تشان كاي تشيك، متأثراً، ولو ضدياً، بالحزب البلشفي الشيوعي في روسيا. فهذا الحزب الذي حكم الصين موحدة طوال عقدين، ثم حكم الجزيرة الصغيرة خمسة عقود متصلة، مثّل كُنه الهوية التايوانية وجزءا لا يتجزأ منها. وبأبوية مطلقة، ممزوجة بالقمع ومخفّفة بالنجاحات الاقتصادية، مضت تايوان تنتقل من عهد كومنتانغي الى آخر. وهكذا يمكن القول ان هذا الحزب هو الوحيد الذي بقي متماسكا وقويا من بين سائر الاحزاب التي نشأت بعد الحرب العالمية الاولى، او قبل الحرب الثانية: كالثوري التأسيسي في المكسيك الذي كان ابكرها، والمؤتمر الهندي، والوفد المصري مع ان الاخيرين استوعبتهما العملية الديموقراطية اكثر من المكسيكيوالتايواني. وفي هذا المعنى جاءت الضربة الموجهة قبل ايام الى الكومنتانغ، تحت وطأة فساده وانفتاح البلد ودمقرطتها، لتطوي صفحة تاريخية مهمة ينبغي ان لا يغيّبها الانشغال بالتهديدات وردود الفعل الخارجية... على اهميتها القصوى. اليابان والهجرة اليابان تحدّثت كثيراً لكنها لم تصبح حديثة بعد. أبرز تجليات ذلك موقفها مما هو خارجها، لا سيما من الهجرة والمهاجرين. فالانفتاح عليهم، واولهم سيصلون بالضرورة من الصين وجنوب شرقي آسيا، مسألة نفعية ايضاً تحض عليها الأزمة الديموغرافية للبلد. ذاك ان اليابان يتقلص سكانها اكثر واسرع مما يتقلص سكان اي بلد متقدم آخر، اذ يُقدّر لهم ان ينخفضوا بنسبة 17 في المئة ما بين يومنا هذا والعام 2050، ليصلوا الى 105 ملايين نسمة. هذا ما تقوله تقديرات الاممالمتحدة التي تضيف ان الحفاظ على نمو سكاني مستقر يتوجّب ان تنجب كل امرأة يابانية ما متوسطه 08،2 طفلاً، فيما النسبة لم تتعد، في 1998، 38،1 طفل للمرأة الواحدة. واسوأ من هذا ان الشيخوخة المتسارعة للسكان ستفاقم تسريع الانحدار السكاني، تبعا لتضاؤل النساء القادرات على الانجاب. الانفتاح على الهجرة والتخفف من "عشق التجانس" الياباني هما العلاج المقترح الذي هو، ايضا، ما اقترحته الاممالمتحدة علاجا لاوروبا. بيد ان اليابان، على عكس اوروبا، تكاد لا تعرف ظاهرة الهجرة التي تصل فيها الى ادنى مستوياتها بين البلدان الصناعية في العالم كله. ولهذا فان البلد سيكون بحاجة الى 600 الف مهاجر في السنة كيما يحتفظ بحجم قوته العاملة كما هي اليوم. حكام يسرقون شعوبهم بات من المتفق عليه ان الفساد ونهب الحكام لشعوبهم، واحد من الاسباب الاساسية لتخلف هذه الشعوب والبلدان، المتخلفة اصلا. المناسبة التي جددت الكلام في هذا الموضوع اتضاح حجم السرقات الكبيرة التي نفّذها ساني اباشا، حاكم نيجيريا العسكري الراحل، والتي قُدّرت بمئات ملايين الدولارات يجري البحث عنها حالياً في مصارف العالم لاستعادتها. على اية حال فاباشا لم يكن وحده بين الحكام الفاسدين، وإن احتل موقعاً متقدما في عدادهم. فجان كلود دوفالييه، الرئيس السابق لهايتي في اميركا الوسطى، قُدّرت سرقاته بما بين 120 و400 مليون دولار. والأنكى من هذا ان الكثير من المبلغ المذكور تم تبديده في انجاز معاملات طلاق دوفالييه! والبلد الفقير الآخر الذي تعرّض لنهب موصوف كان جمهورية الزائير، بحسب تسميتها السابقة. فقد سرق رئيس هذا البلد الافريقي، موبوتو سيسي سيكو، ما يتراوح بين 4 و10 بلايين دولارات. وحتى الآن تم استرجاع ما قيمته 4 ملايين دولار منها فقط، كما صودرت بعض الاملاك التي كان موبوتو قد سطا عليها. وبالمقادير نفسها سرق حاكم الفيليبين فرناندو ماركوس، ومعه بالطبع زوجته ايميلدا، ما يقدر بخمسة بلايين دولار استعادت منها حكومة بلاده ما قيمته بليونان على شكل سندات واراض ومجوهرات ونقد. لكن الرقم الاكبر هو الذي سطا عليه حاكم اندونيسيا سوهارتو وعائلته، والذي قُدّر بأربعين بليونا. والمعروف ان حكومة جاكارتا استولت، في الاشهر القليلة الماضية، على بعض مؤسسات العائلة وشركاتها. هذا بطبيعة الحال ليس كل شيء، بل العناوين الأكثر بروزاً فحسب، والتي لا تكتمل الا باضافة عنوان أخير هو ان افتضاح السرقات واسترجاع بعضها لم يحصلا الا بعد قيام انظمة ديموقراطية في البلدان المذكورة. نفط بلا معركة لاحظ الذين تابعوا الارتفاع الاخير لسعر النفط ان احداً في العالم لم يتحدث عن "معركة"، ولا ظهرت اغانٍ عن "بترول العرب للعرب"، او مخاوف مبالغ فيها في الغرب. وهذه وجهة جديدة غير معهودة لعب الدورَ الأساسي فيها شعورُ البلدان المنتجة، من خلال اوبك، بالمسؤولية حيال سلعة ينبغي بيعها اكثر مما ينبغي اثارة القطيعة والعداء بسببها. والمسؤولية هذه ترافقت مع تطورات مهمة اخرى على اكثر من صعيد. فارتفاع الاسعار راهنا من غير المحتمل ان يثير الهلع الغربي الذي اطلقته ارتفاعات 1973 و1974، وذاك لأسباب عدة منها: 1- ان الارتفاع يحصل هذه المرة انطلاقاً من انخفاض غير عادي للسعر. ذاك ان سعر عشرة دولارات للبرميل، بموجب شتاء 1998-1999، كان الأرخص منذ قرابة ثلاثين عاماً. 2- جاءت ارتفاعات السبعينات على خلفية تضخم لم يكن له سابق منذ فترة طويلة في الغرب، بينما الارتفاع اليوم يجري على خلفية ازدهار اقتصادي لافت. 3- دور "الاقتصاد الجديد" الناهض على التقنية والمعلومات في امتصاص الأزمات التي قد تترتب على ارتفاع الأسعار. وعلى العموم، لنا ان نلاحظ في ما جرى اشارات مهمة الى مناخ آخر في علاقات الدول والشعوب، والى حلول التعاون محل النزاع المفتوح.