أقدم رئيس الوزراء السوداني السابق رئيس حزب الأمة الصادق المهدي على خطوة جريئة، وإن لم تكن مفاجئة، بإعلانه تجميد عضوية حزبه في التجمع الوطني الديموقراطي، التحالف الفضفاض الذي يضم أحزاب المعارضة والنقابات والمنظمات الجهوية المناوئة لنظام الفريق عمر البشير والجبهة الإسلامية القومية التي تهيمن عليه. وأحدث خروج حزب الأمة ضجة، إذ ترافق مع إعلان التجمع الوطني هيكلاً تنفيذياً جديداً يستبعد الأمين العام السابق مبارك الفاضل المهدي الذي قرر على الاثر أن يقدم إستقالته احتجاجاً على تأجيل إنعقاد المؤتمر العام الثاني للتجمع الذي قال إنه كان ينوي تقديم الإستقالة إليه. وليست هذه المرة الأولى التي يقرر الصادق المهدي أن يخرج فيها عن الصف المناوئ للنظام، فقد فعلها في سنة 1977، حين صالح الرئيس السابق جعفر نميري، وانتهت به المصالحة الى السجن حيث بقي حتى إنتقاضة 1985 التي أقصت نميري. وتواترت الاتهامات هذه المرة لتشير الى أن المهدي ينوي التصالح مع نظام الخرطوم تمهيداً لتحالف في الفترة الديموقراطية المقبلة. غير أن رئيس وزراء السودان السابق سارع الى نفي تلك التكهنات، مؤكداً تمسكه بمواثيق المعارضة والسعي الى التنسيق مع الأحزاب المعارضة. ويعتقد أن حزب الأمة سيسعى لاحقاً الى تكوين جبهة تضم الإسلاميين الغاضبين على النظام وجماعات المعارضة غير المنضوية تحت لواء التجمع الوطني. سارعت الخرطوم للترحيب بخطوة حزب الأمة، مما أثار تكهنات بأنها تمت بناء على تنسيق مسبق، وهو ما نفاه الجانبان. وعزز تلك التكهنات إدعاء الزعيم الجنوبي العقيد جون قرنق أن هجوماً ضارياً شنته السلطات السودانية على قوات المعارضة في الشرق تم بتنسيق معلوماتي بين حزب الأمة والحكومة. المرتابون أصلاً في نيات حزب الأمة وزعيمه من المعارضين تنفسوا الصعداء أثر انسحاب الحزب من التجمع، إذ إن الحساسيات بين أمين التجمع رجل حزب الأمة مبارك الفاضل وبقية قوى التجمع عطلت قدرات التحالف المعارض منذ سنوات، وبلغت ذروتها بإقدام الفاضل على توجيه إنتقادات علنية الى رئيس التجمع السيد محمد عثمان الميرغني الذي يرأس في الوقت نفسه الحزب الاتحادي الديموقراطي المنافس تقليدياً لحزب الأمة وشريكه في الحكومات الإئتلافية خلال العهود الديموقراطية. وأكد هؤلاء أن إنسحاب "الأمة" لن يؤثر في عمل التجمع. غير أن غموض ما سيقبل عليه حزب الأمة ورئيسه بدأ يثير مخاوف من تحالفات جديدة قد تضع حداً للتجمع الوطني بشكله الراهن، خصوصاً أن القوى الاقليمية، وفي طليعتها مصر، باتت على علاقة طيبة مع الخرطوم، خصوصاً بعد الأنشقاق الذي أسفر عن تهميش رجل النظام القوي سابقاً الدكتور حسن الترابي. لكن المراقبين يرون أنه حتى لو عجل إنسحاب المهدي من التجمع بمصالحة وطنية في الخرطوم، فإن أي مصالحة جزئية لا توقف الحرب الأهلية الدائرة في البلاد منذ سنة 1983 ولن تغير في أوضاع السودان شيئاً.