كانت الإطلالة الأولى للفنانة عفاف راضي على عالم الفن، من خلال إحدى حفلات العندليب الراحل عبدالحليم حافظ نهاية الستينات وحين صعدت خشبة المسرح لتغني، استطاعت بسرعة أن تلفت النظر إلى صوتها والى نوع غنائها الجديد الذي بدأ منتمياً الى عالم الأخوين رحباني في لبنان، وتواصلت مسيرتها الغنائية، لكنها ابتعدت سنوات عدة عن ساحة الفن وعادت أخيراً. ولمناسبة هذه العودة كان ل"الوسط" هذا اللقاء مع عفاف راضي. لماذا كان الغياب؟ - من قال انني غبت وابتعدت عن الحياة الفنية؟ ان المستمعين شهود على انني أغني بشكل دائم وأشارك في المناسبات الوطنية كلها ودائماً اقدم الجديد وفي كل الألوان الغنائية، أقدم الجديد في المجالات كافة، حتى الطفل غنيت له. ولكن ماذا أفعل وماذا يفعل زملائي وسط زحام الدخلاء على الغناء، ووسط صخب وضجيج ما يقدمونه كل ساعة من ساعات اليوم على شرائط الكاسيت التي اصبحت قادرة على تلويث الأذن لأنها مفروضة على الشارع والتاكسي والميكروباص ومن عند الجيران؟ هذا يقتل الفن والفنان. أتمنى أن يتخذ الجمهور موقفاً من الغناء الهابط برفضه عندما يحاول آخرون أن يفرضوه عليه. من ناحيتي، حريصة على اختيار اغنياتي، ولهذا اتأخر قليلاً لأنني أحب أن آخذ وقتي كاملاً. لقد حرصت دائماً على أن تكون اغنياتي ذات ألحان جميلة وكلمات جيدة لأن معظم الأغنيات الحالية لا يوجد في ألحانها امكانات لبروز صوت المطربة، إذ ان الجمل باتت سريعة الايقاع، والايقاع غالباً يطغى على اللحن، ولهذا تبدو الاصوات التي تغنيها متشابهة جداً. لكن العمل الجيد يفرض نفسه ويثبت وجوده ولو بعد حين... - أي فنان في الدنيا يحب أن يرى نتاج عمله، بمعنى اني عندما اغني اليوم اغنية، أحب أن أرى صداها غداً في الشارع ومع الجمهور. ولكن أن أقدم عملاً وانتظر صداه بعد سنوات، اعتقد هذا شيء صعب! ليس علي أنا فقط، بل على كل فنان. ولكن هناك شيئاً يسعدني وهو احساسي في الفترة الاخيرة بأن الأغنية الجيدة أصبحت مثار اعجاب من يفهمون ويتذوقون الغناء، وهذا يمكن أن يجعلها تعود إلى مسارها الطبيعي بعد اختفاء ظاهرة الغناء التي سادت خلال الفترة الماضية. على العموم أنا لست ضد الاغنية القصيرة أو الحديثة، ولكن أين الجودة والإحساس؟ ان معظم الاغنيات التي قدمتها بعد اغنيتي الأولى "ردوا السلام" كانت قصيرة جداً وملامحها عصرية، وخير دليل على ذلك انني حصلت قبل سنوات على الجائزة الأولى في المسابقة السنوية للأغنية التي اقامتها الاذاعة الفرنسية. على رغم قلة اندماجك في الوسط الغنائي المعاصر، الا أنك تتعاملين مع الملحنين والمؤلفين الجدد... - أسمع 10 ألحان مثلاً، لأختار منها ما يعجبني وكذلك حال الكلمات... أدقق وأفحص حتى استقر على الاختيار، وأنا مؤمنة بضرورة وجود تواصل بين الأجيال، فالجيل القديم رحل واعتزل بعض نجومه ولابد أن استمر مع آخرين، لهذا بدأت التعاون مع الجيل الجديد ومن أبرز أبنائه محمد ضياء الدين وياسر عبدالرحمن ووليد سعد وحسن دنيا. ومعظم الأغاني التي اخذتها من هؤلاء كنت سمعتها منهم وأعجبتني فوافقت عليها ومن ثم لا يوجد مجال للتدخل في اللحن. ومرة أخرى أنا لست ضد الاصوات الجديدة بصفة عامة، فنحن نشجع الاصوات الجديدة ونريد أن يكون هناك ام كلثوم اخرى وعبدالوهاب آخر وعبدالحليم آخر، رغبة منا في العودة إلى سماع الاغاني الجميلة والطرب الأصيل. لقد أثر غياب العمالقة على الساحة الغنائية، كان وجودهم يثريها ولم يكن هناك مكان طاغ للصوت الرديء، أما اليوم فلا مجال للمنافسة فالكل يسجل شرائط والكل يغني ولا أحد يضع في اعتباره أي منافسة، أو أي مثل أعلى يقتدي به. هل تشعرين بحنين الى الغناء الأوبرالي، وهو مجال دراستك الأساسي؟ - الاوبرا في بلدنا لا تأخذ اهتماماً كبيراً والغناء العربي اكثر شعبية منها ويظل للموسيقى العالمية جمهورها المحدود. وقد قدمت منذ اربعة اعوام اوبرا "الأرملة الطروب". وحينما أجد ما يلائمني اقدمه. فأنا أحب الغناء الاوبرالي وقد حصلت على درجة الدكتوراه في الجمع بين الموسيقى الشرقية والاوبرالية، وأعتقد بأنني في حاجة إلى مزيد من الممارسة الفعالة للغناء الاوبرالي باعتباره مجال دراستي، خصوصاً ان الأوبرا أصبحت لوناً فنياً آخذاً في الانتشار والتعريب، ولذلك أنا اتدرب يومياً على الغناء الأوبرالي، اضافة إلى عملي كأستاذة في الكونسرفتوار. ولا بد أن يوضع في الحسبان انني قدمت 13 مسرحية غنائية، هذه المسرحيات لم تسجل. ولو عرض عليّ اعادة تقديمها لرحبت، ولكن اعادة عرضها ليست بيدي لأن المسرحية في زماننا هذا تحدد لها ليالي عرض معينة، والتي ينتهي عرضها "تموت"! قمت بتجربة غنائية للأطفال ولكنك لم تكرريها. لماذا؟ - الغناء للأطفال أصعب كثيراً من الغناء للكبار، بمعنى أن أي موضوع ستغنيه للكبار سيصلهم سريعاً ولكن للطفل لا بد أن تختار الموضوع الذي يصله بيسر، ومنذ فترة وأنا والشاعر سيد حجاب والموسيقار عمار الشريعي ندرس اكثر من موضوع لتقديمه للأطفال، وأتمنى أن يتحقق ذلك قريباً. منذ فترة تتحدثين عن مشروع سينمائي... - لم أتراجع عن الفكرة. الفيلم مكتوب ولكن المشكلة أن السينما الغنائية لم يعد لها وجود، كما أن الفيلم الغنائي أصبح مكلفاً للغاية ولست على استعداد للمشاركة في فيلم غير استعراضي لأنني اساساً مطربة وكل خطواتي لا بد أن تنبع من هذا الأساس. كذلك الأمر ينطبق على المسرح الاستعراضي، فليس كل المواضيع على المسرح الحالي غنائية، الموجود هو الكوميديا والكوميديا فقط، وهي لا تناسبني، وكذلك الأمر بالنسبة الى السينما. أما في التلفزيون فلي تجربة تمثيل من خلال مسلسل "زمن الحلم الضائع" وهو مسلسل كان يفترض ان يتألف من ثلاثة أجزاء ولكن تم انتاج جزء واحد منه فقط، وكانت تجربة ناجحة في التمثيل مع بوسي ومصطفى فهمي وحسن الاسمر وجالا فهمي والمخرج وفيق وجدي، إذ قدمت شخصية ابنة بواب فقير تعيش قصة حب منذ نشأتها مع أحد الابناء الأثرياء لكن أسرته ترفض هذا الحب وترسله لإكمال تعليمه في الخارج، في محاولة لإبعاده عن هذا الحب، وأثناء غيابه تكمل الفتاة تعليمها وتصبح مطربة مشهورة لها مكانتها ويعود الحبيب ليجد حبيبته نجمة كبيرة ويحاول أن يستعيدها. لماذا لم تستغلي نجاح فيلمك الوحيد "مولد يا دنيا"؟ - قلت إنني لن أعيش في مناخ فني ليست لي يد في توجيهه فقد كان وراء نجاح فيلم "مولد يا دنيا" مناخ عام فني وجماهيري مشجع في وقته. هذا المناخ تغير الآن، علماً أنني قرأت مشاريع أفلام كثيرة بعد "مولد يا دنيا"، لكنها كانت أقل مستوى منه، فرفضتها، لأنني لن أغامر بتقديم أعمال فنية رديئة من أجل أن أحقق وجوداً على الساحة على حساب اسمي وفني، ولو حدث هذا لاتهمني النقاد بأني أجاري الهابط. لمن تدينين بالفضل؟ - هناك رجلان لهما فضل كبير عليّ: أبي وبليغ حمدي. فقد كان أبي يشجعني ويؤمن بموهبتي منذ أن كنت طفلة وحتى كبرت. أما بليغ حمدي فقد اخذني وأنا طالبة في المعهد وحرص أن يجعل مني صوتاً مختلفاً، فلحن لي أغنية "ردوا السلام" ثم توالت أعمالنا الناجحة "وحدي قاعدة في البيت" و"عطاشى" و"هوا يا هوا" و"كله في المواني" و"جرحتني عيونه السودا".