حققت القارة الافريقية في العاصمة الجزائرية مكسباً ثميناً، بالتوقيع الرسمي على اتفاق سلام شامل بين اثيوبيا واريتريا، يضع حداً لسنوات من الاحتكاك بين الجارتين و25 شهراً من المواجهات المسلحة، خلفت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، وأكثر من مليون مشرد. وقد بني اتفاق الجزائر، الذي وقعه الرئيس الاريتري اسياس أفورقي والوزير الأول الاثيوبي ملس زيناوي بحضور الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة ووزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت وكل من الأمينين العامين لمنظمتي الأممالمتحدة والوحدة الافريقية كوفي أنان وسليم أحمد سليم، على ثلاثة مبادئ هي الآتية: الأول، احترام الحدود الموروثة منذ الاستقلال حسب قرارات منظمة الوحدة الافريقية الصادرة عن قمة القاهرة العام 1964. الثانية، تسوية الأزمة الراهنة وأي خلاف بين البلدين بالوسائل السلمية والقانونية، طبقاً لمبادئ الأممالمتحدة ومنظمة الوحدة الافريقية. الثالثة، نبذ اللجوء إلى القوة كوسيلة لفرض حل ما في حال تجدد النزاع. وينص الاتفاق على تشكيل لجنتين: واحدة لتقدير خسائر الحرب من الجانبين واقتراح التعويضات اللازمة عنها، وثانية لتسوية مشاكل الحدود بين البلدين والعمل على رسمها وترسيمها بشكل نهائي على أساس المعاهدات السابقة والقانون الدولي، مع إمكان اللجوء إلى التحكيم الدولي عند صعوبة الاتفاق. كما ينص الاتفاق على انشاء بعثة أممية لحفظ السلام قوامها زهاء خمسة آلاف جندي، تنتهي مهمتها باستكمال عملية رسم الحدود بين البلدين. ويقضي الاتفاق من جهة أخرى بانسحاب القوات الاثيوبية من المناطق التي احتلتها بعد شباط فبراير 1999 والتي لم تكن تحت الإدارة الاثيوبية قبل أيار مايو 1998. ويفترض أن يتم الانسحاب خلال أسبوعين بعد انتشار قوات حفظ السلام، كما يقضي ببقاء الجيش الاريتيري على بعد 25 كلم من مواقع انسحاب الجيش الاثيوبي. ولفك هذا الإشكال ينص الاتفاق على انشاء "منطقة أمنية موقتة" تفصل بين الجيشين، تجنباً لتجدد الاحتكاكات أو ما قد يحدث من استفزازات. ويعتبر اتفاق السلام الشامل بين اثيوبيا واريتريا ثمرة وساطة جزائرية نشيطة، مدعومة من الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، فضلاً عن منظمتي الأممالمتحدة والوحدة الافريقية. وكانت قمة الجزائر لمنظمة الوحدة الافريقية المنعقدة في تموز يوليو 1999 وضعت اللبنة الأولى في صرح الاتفاق، بتوقيع ممثلي الطرفين المتنازعين على إطار عام للاتفاق وكيفية تطبيقه. وتلقى الرئيس بوتفليقة بالمناسبة - كرئيس جديد للمنظمة - تفويضاً صريحاً من أقرانه بتحقيق السلام في هذا الجزء من القرن الافريقي في أحسن الآجال. ومن شأن اتفاق الجزائر في نظر المهتمين أن يحفز مساعي السلام في الكونغو ومنطقة البحيرات الكبرى على وجه الخصوص، وربما في مناطق أخرى، تبدو منسية من المجتمع الدولي، كما هو حال نزاع الصحراء الغربية. ويعتبر الاتفاق في حد ذاته مكسباً للديبلوماسية الجزائرية، ونقطة لمصلحة الرئيس بوتفليقة الذي يبدو في الآونة الراهنة - على الصعيد المحلي - أحوج ما يكون إلى نجاح يواجه به تيارات قوية، ما انفكت تتجاذب الجزائر وتعرقل مبادراته الرامية إلى تحريك الأوضاع، واخراج البلاد من المستنقعات الآسنة. ويمكن للرئيس الجزائري أن يستغل هذه الورقة ضد أنصار الجمود والحفاظ على الوضع القائم الذين ما انفكوا يأخذون عليه "هروبه إلى القضايا الخارجية - أمام المصاعب الداخلية - لكن من دون جدوى".