بعض نقاشات سعر النفط الجديد اثار ويثير ارتفاع اسعار النفط هذا العام توقعات عدة تطول مجالات لا حصر لها بعضها يتعدى الاقتصاد والسياسة. ومجالات النقاش الثلاثة الاهم، في هذا المضمار، هي: 1ً- احداث تعديل ضخم في ثروات الاقتصاد الكوني تنعكس نتائجه لا على العمالة ونسب النمو فحسب، بل ايضاً على الاستقرار السياسي في بقاع كثيرة من المعمورة. ذلك ان منظمة اوبك استعادت معظم عناصر قوتها التي بدا انها فقدتها مع انخفاض الاسعار في السنوات الماضية. وفي المقابل انتقلت الهشاشة الى البلدان الصناعية الغنية. هكذا بات يُعتقد ان طقساً بارداً في الشمال في فصل الشتاء الوشيك، او احتجاباً للنفط العراقي عن سوق النفط، يمكن ان يتسبب في مزيد من ارتفاع السعر واطلاق الركود في الاقتصادات القوية... والتي ستميل عند ذاك الى تحميل اوبك المسؤولية! 2ً- لقد خلق ارتفاع الاسعار ما يشبه المعضلة لشركات النفط العالمية الكبرى. فمن جهة ادى ارتفاع ال50 في المئة في الاسعار الخام، وصولا الى ما يتعدى ال30 دولارا للبرميل هذا العام، الى ارباح قياسية للشركات. ومن جهة اخرى تتردد الشركات اياها في استخدام الفوائض النقدية التي حققتها في تمويل الانفاق الرأسمالي والتوسع. والسبب انها "غير مطمئنة" الى استقرار الارقام المرتفعة الحالية، بحسب ما تقول. 3ً- تجد الامم الآسيوية نفسها اكثر فاكثر اعتماداً على الشرق الاوسط، من اجل تنشيط اقتصادها الصناعي. فآسيا اليوم تعيش مزاجاً توسعياً بعد شفائها من ركودها، وهذا يعني تعاظماً في استخدامها للطاقة التي صارت اسعارها وثيقة الارتباط بمستقبل تعافيها الاقتصادي. اما الوجهة المقابلة فهي ما يحصل على الجبهة الأوروبية - الروسية حيث يتكاثر الحديث عن اتجاه موسكو الى تلبية حاجات بلدان الاتحاد الاوروبي من النفط، مقابل قيام الاخيرة بترميم البنية التحتية لمنشآت النفط الروسي ودعم مطالب الكرملين في المحافل المالية العالمية. شرودر في منتصف ولايته من بين زعماء العالم الديموقراطي كافة، يبدو المستشار الالماني غيرهارد شرودر الوحيد الذي يلمع نجمه اليوم. توني بلير البريطاني خبا بعد تألّقه الأول. وهناك صراع على السلطة داخل الحكومة اليابانية. وفي فرنسا يتبادل رئيس الجمهورية جاك شيراك ورئيس حكومته ليونيل جوسبان القنص العلني، وكانت آخر معاركهما طريقة التعاطي مع وباء "البقر المجنون". وكل هذا تمرينات على المواجهة الرئاسية الكبرى بينهما. اما الولاياتالمتحدة فمؤجلة في انتظار الخروج من ازمتها الدستورية. شرودر في منتصف ولايته يدل على نجاح فريد، وهو نجاح لا يتجسد على النطاق الدولي مع ان رصيده هنا جيد بقدر ما يتجسد داخلياً: في تقوية المانيا واستعادة ثقتها بنفسها والثقة بها. فالمستشار الاشتراكي الديموقراطي الذي انتُخب في تشرين الاول اكتوبر 1988، ناضل كيما يحظى بالاحترام السياسي الذي عزّ في ايامنا هذه، وبالنجاح تالياً. اما دعامات هذا النجاح فأربع: 1- المضي في مهمة معقّدة كنزع الجمود البيروقراطي لعمل الاقتصاد الالماني، وفي هذا السياق يندرج خفض الضرائب على البيزنس مع انزال البطالة عن نسبة 10 في المئة، 2- والحملة ضد العنصرية، وكانت آخر تجلياتها اتساع التأييد لحل الحزب النازي، وتظاهرة المئتي الف في برلين ضد اليمين المتطرف، فضلاً مصارحة المستشار لشعبه بضرورة تغيير انظمة الهجرة من اجل مصلحة المانيا واقتصادها. 3- والخدمة التي اسداها لشرودر المسيحيون الديموقراطيون، لا سيما الفضيحة التي تورّط فيها المستشار السابق هيلموت كول. 4- واستقالة منافسه في الاشتراكية الديموقراطية وزير المال السابق اوسكار لافونتين. هذه العناصر معاً جعلت الزعيم الذي بدا في سنته الاولى في السلطة اقرب الى شعبوي غير واضح المعالم، السياسي الوحيد في اوروبا اليوم. الهمّ التجاري لأميركا الانتخابات الرئاسية الاميركية لم تحفل باي كلام ملحوظ عن قضايا التجارة العالمية، باستثناء بعض اشارات الى التجارة مع الصين ومستقبلها، وبعض عبارات مناهضة للبيزنس صدرت عن آل غور وفُسّرت محاباةً لدعاة الحماية. لكن احدى أولويات أي رئيس يحتل البيت الأبيض، ستتمثل بالتأكيد في استعادة القيادة على صعيد النظام التجاري الدولي. فمنذ فشل المجلس الوزاري لمنظمة التجارة العالمية في سياتل، قبل عام، والنظام المذكور يهتز. صحيح انه لم تحصل منذ سياتل كوارث كبرى على صعيد السياسات المالية، الا ان مشاكل كثيرة تستدعي العناية والانتباه. فدخول الصين منظمة التجارة ينبغي استكماله، خصوصاً ان روسيا تقف خلفها في الصف، وبعد ذاك ثمة بلدان اخرى مرشحة للعضوية. والخلافات التي كانت ممكنة التفادي حول لحم البقر والموز لا تزال تظلل العلاقات بين الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي، اي الكتلتين التجاريتين الاكبر في العالم، فيما تقترب دورة المفاوضات التجارية المتعددة الاطراف التي يُفترض ان تبدأ أيضاً في سياتل. وغني عن القول ان هذه القضايا الشائكة تتطلب قيادة سياسية قوية تستطيع، على الاقل، تحييد منظمة التجارة عن سائر الصراعات والتناقضات. عمالة أوروبا وإعالة شيوخها تحسن شروط الصحة والدواء في بلدان اوروبا اطالت اعمار كبار السن. في المقابل فان تدني نسب الانجاب قلل صغار السن والذين هم في سن العمل. ماذا تعني هذه الحقيقة المتفارقة التي هي اليوم احد اكبر اهتمامات الاوروبيين؟ تعني ان على الاخيرين ان يستوردوا شباناً من العالم الثالث كيما يضمنوا ان اقتصاداتهم لن تتردى ولن يتراجع اداؤها، او في المقابل، ان يمتنعوا عن ذلك فيصبح العمل الذين يقدمونه بالكاد يكفي لاعالة شيوخهم المتقاعدين! "الغارديان" البريطانية نشرت لائحتين من الارقام البالغة الافادة في هذا المجال، وهما مستقاتان من "قسم السكان 2000" التابع لهيئة الاممالمتحدة. اللائحتان تظهران درجة فداحة المشكلة: الاولى تتناول العدد السنوي المطلوب ادخاله الى اوروبا من المهاجرين من اجل المحافظة على دوام التوازن الحالي بين العمال والمتقاعدين. فبريطانيا بحاجة الى مليون و194 الف مهاجر، وفرنسا الى مليون و792 الفا، والمانيا الى ثلاثة ملايين وستمائة وثلاثين الفاً. اما دول الاتحاد الاوروبي بمجموعها فستكون بحاجة الى ثلاثة عشر مليوناً و480 الفا. اما اللائحة الثانية فتتناول، في المقابل، تغيرات عدد العمال وتغيراته المتوقعة قياساً بعدد المتقاعدين والمتقاعدين المتوقعين. ففي 1950 كان هناك في بريطانيا 24،6 عاملا لكل متقاعد، وهو ما انخفض في 2000 الى 08،4 عاملاً ولسوف ينخفض في 2050 الى 36،2 عاملا. اما فرنسا فبين 1950 و2000 و2050 فشهدت وتشهد الانخفاض التالي: 79،5 ف 1،4 ف 26،2 عاملا للمتقاعد الواحد. وبالنسبة الى المانيا تطالعنا الارقام التالية: 9،6 ف 11،4 ف 75،1 عاملا. واذا ما نُظر الى بلدان الاتحاد الاوروبي بكليتها وجدنا: 97،6 ف 06،4 ف 89،1 عاملا. وهذا ما يؤكد للكثيرين من الاوروبيين الآن ان اوروبا - القلعة المحصنة غدت شيئاً من الماضي، وبات من مصلحتها ان تتخلى باسرع ما يمكن عن سياسة صفر - هجرة التي اتبعتها في الربع الاخير من القرن العشرين. تغيّرات فرنسا اشتهرت فرنسا تقليدياً، بين ما اشتهرت به، بالتطرف وحدّة الاستقطاب. فهي بلد الانقسامات الحادة بين يمين ويسار، بين ملكيين وجمهوريين، وبين مؤمنين وملاحدة. وهي، بعد كل حساب، بلد الثورة وبلد نابوليون، بلد النزعات التحررية الكبرى وبلد قضية درايفوس ثم حكومة بيتان في فيشي. اما زعماؤها المعاصرون، كالجنرال ديغول وفرنسوا ميتران، فلم يكونوا اقل من السابقين اثارةً لمواقف الحادة: تأييداً وحماسة، أو عداءً وكراهية. هذا النسق الفرنسي يتغير اليوم بحسب ما تنبىء به استطلاعات رأي كثيرة تلحظ سمتين جديدتين: الاولى، ان الوسط تعاظم كثيراً ليس فقط لجهة السكان الذين باتوا يعرّفون انفسهم على انهم في الوسط، بل ايضاً لجهة احتكاره معظم الحياة السياسية وتضاؤل ما تبقى منها للهوامش المتطرفة والقصوى. والثانية، ان الفرد بدأ يحل محل التجمعات الكبرى من احزاب ونقابات وكنائس وجيش، وهي المؤسسات التي كانت تقليدياً محاور واهداف السجالات السياسية والايديولوجية. وثمة من يرى في رئيس الحكومة الاشتراكي الحالي ليونيل جوسبان دليلا حياً على هذه التحولات: ففي مقابل رئيس الجمهورية "الديماغوجي" جاك شيراك الذي يكرر، بطريقة تثير السخرية حيناً والمحبة حيناً آخر، ماضي فرنسا، يمثّل جوسبان السياسة المضجرة والتكنوقراطية التي يرى كثيرون انها ستطغى على مستقبلها.