عاد الى الجزائر أخيراً وفد منظمة العفو الدولية الذي سبق ان زارها في أيار مايو الماضي، في مهمة جديدة تمتد حتى 19 تشرين الثاني نوفمبر الجاري. ورأى المراقبون في عودة الوفد نفسه - برئاسة روجيه كلارك مدير فرع المنظمة في كندا - أن "العفو الدولية" حريصة على استكمال التحريات التي شرعت فيها مما يؤكد ان أوضاع حقوق الانسان لا تزال تحت المجهر الدولي، وأن التركة الثقيلة الموروثة عن السنوات العشر الماضية لم تصف بعد. يذكر ان الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة دعا عدداً من المنظمات الدولية غير الحكومية مطلع السنة الجارية الى زيارة بلاده. وكان الرئيس السابق اليمين زروال قد اوصد الابواب بوجهها منذ مطلع العام 1998، عقب اتهام السلطات الجزائرية لها "بالتحيز لأطروحات المعارضة في شأن حقوق الانسان في الجزائر". واستغلت منظمة العفو الدولية دعوة بوتفليقة فأرسلت في أيار الماضي وفداً رباعياً ضمّن نتائج مهمته في مذكرة سرية ارسلها الى السلطات الجزائرية في 23 آب اغسطس الماضي، وشفعها برسالة نشرتها صحيفة "المجاهد" الحكومية في 18 أيلول سبتمبر الماضي جاء فيها: "ان المنظمة ترغب في اجراء حوار صريح وبنّاء حول المواضيع الواردة في المذكرة وتأمل في ان تجد المسائل التي لا تزال معلقة أجوبة ملموسة". وتكشف الرسالة ان وفد المنظمة الذي زار الجزائر في ايار الماضي اتفق مع وزارة الخارجية الجزائرية على ارسال وفد رفيع لمناقشة هذه المسائل مع الجهات الجزائرية المختصة، على ان يتم ذلك بحلول نهاية آب الماضي. ومعنى ذلك ان الزيارة المبرمجة تأجلت اكثر من شهر، وقام بها الوفد نفسه الذي زار الجزائر المرة السابقة. وتزامنت الزيارة الثانية مع المعطيات الآتية: - تصعيد نسبي في أعمال العنف التي تستهدف الفقراء والمهمشين في أغلب الاحيان، ولم يعد يتبناها اي طرف، كأن قتل البؤساء والتنكيل بهم أضحى هدفاً بذاته. - صدور كتاب في فرنسا عن "مجزرة بن طلحة" - التي ذهب ضحيتها اكثر من 400 مواطن في 1998، تضمن اتهامات صريحة لجهات أمنية بالتورط في هذه المجزرة التي وقعت في الضاحية الجنوبية للعاصمة. - حديث بعض الصحف المحلية عن تقرير سري أرفقته منظمة العفو الدولية بمذكرتها الى السلطات الجزائرية، تضمن اسماء 100 شخصية محلية متورطة في أعمال تمس حقوق الانسان. وقد استغلت بعض احزاب المعارضة كحزب العمال والنهضة وحركة الوفاء زيارة وفد منظمة العفو الدولية، لتثير من جديد قضايا المفقودين زهاء 5 آلاف حسب عدد القضايا الموثقة حتى الآن وسجناء الرأي، والمفصولين من العمل لأسباب سياسية. وفضلاً عن هذه المسائل الحساسة التي تثيرها طائفة من المعارضين، فمن المنتظر ان يبحث وفد منظمة العفو الدولية مرة اخرى ملف المجازر والاغتيالات المشبوهة التي ظلت تهز البلاد والضمير العالمي منذ العام 1993. وتؤكد هذه الشواهد ان ملف حقوق الانسان في الجزائر يمكن ان يبقى مفتوحاً الى اجل غير مسمى!