«الحسكي».. مكونات سياحية بمحمية الإمام تركي بن عبدالله    ازدهار متجدد    5.7% زيادة بالأرباح الموزعة لأرامكو السعودية    مشروع رؤية 2030.. أول الغيث    «مطار القدّيّة»    9146 ريالا زيادة سنوية بنصيب الفرد من الناتج المحلي    مجلس الوزراء يقر إطار ومبادئ الاستثمار الخارجي المباشر    عن العرب الإسرائيليين    سان جرمان وبايرن يسعيان للعودة إلى سكة الانتصارات    التعاون في ضيافة ألتين أسير التركماني    بيولي: النصر يستهدف اللقب الآسيوي    موعد مباراة النصر القادمة بعد الفوز على العين    الفحوصات الطبية تحدد موقف لودي من لقاء الاتفاق    وزير الحرس الوطني يصل إلى كوريا في زيارة رسمية    الحوادث المرورية.. لحظات بين السلامة والندم    الزائر الأبيض    تبكي الأطلال صارن خارباتي    سلام مزيف    فلسفة الألم (2)    الممارسون الصحيون يعلنون والرقيب لا يردع    د. الذيابي يصدر مرجعًا علميًا لأمراض «الهضمي»    انقطاع نفس النائم يُزيد الخرف    15 شركة وطنية تشارك بمعرض الصين الدولي للاستيراد    الصناعة: فوز11 شركة برخص الكشف بمواقع تعدينية    وقعا مذكرة تفاهم للتعاون في المجال العسكري.. وزير الدفاع ونظيره العراقي يبحثان تعزيز العلاقات الدفاعية وأمن المنطقة    أمير الشرقية يستعرض استراتيجية محمية الملك عبدالعزيز    القيادة تهنئ رئيسة مولدوفا    المنتخب السعودي .. وواقعية رينارد    فالنسيا تعلن فقدان أثر 89 شخصاً بعد الفيضانات في إسبانيا    Apple تدخل سوق النظارات الذكية لمنافسة Meta    محمية الغراميل    اتفاقية بين السعودية وقطر لتجنب الازدواج الضريبي.. مجلس الوزراء: الموافقة على الإطار العام والمبادئ التوجيهية للاستثمار الخارجي المباشر    ثري مزيف يغرق خطيبته في الديون    الألم توأم الإبداع (سحَر الهاجري)..مثالاً    مجلس الوزراء يستعرض مسارات التعاون والعمل المشترك مع دول العالم    أول قمر صناعي خشبي ينطلق للفضاء    دشنها رئيس هيئة الترفيه في الرياض.. استديوهات جديدة لتعزيز صناعة الإنتاج السينمائي    يا كفيف العين    اللغز    خبراء يؤيدون دراسة الطب باللغة العربية    رأس اجتماع مجلس الإدارة.. وزير الإعلام يشيد بإنجازات "هيئة الإذاعة والتلفزيون"    عبدالوهاب المسيري 17    إلزام TikTok بحماية القاصرين    أداة لنقل الملفات بين أندرويد وآيفون    همسات في آذان بعض الأزواج    الاحتلال يواصل قصف المستشفيات شمال قطاع غزة    X تسمح للمحظورين بمشاهدة منشوراتك    معرض سيتي سكيب العالمي ينطلق الاثنين المقبل    تأثيرات ومخاطر التدخين على الرؤية    التعافي من أضرار التدخين يستغرق 20 عاماً    رئيس هيئة الترفيه يدشّن استوديوهات «الحصن بيج تايم» في الرياض    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل المصري    أبرز 50 موقعًا أثريًا وتاريخيًا بخريطة "إنها طيبة"    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على والدة الأميرة مضاوي بنت تركي بن سعود الكبير    أمطار غزيرة متوقعة على جنوب المملكة وسحب رعدية في مكة    كلمات تُعيد الروح    الأمير تركي بن طلال يستقبل أمير منطقة الجوف    الأمير عبدالعزيز بن سعود يتابع سير العمل في قيادة القوات الخاصة للأمن والحماية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من تقرير منظمة "مراقبة حقوق الانسان" السنوي . الجزائر في مجال حقوق الانسان
نشر في الحياة يوم 14 - 12 - 1999

} أصدرت مؤسسة "مراقبة حقوق الانسان" Human Rights Watch ومركزها في نيويورك، تقريرها السنوي عن حالة اوضاع حقوق الانسان في العالم. تحدثت حلقة امس عن وضع حقوق الانسان في العراق ومناطق السلطة الفلسطينية. وتنشر اليوم نص عن حقوق الانسان في الجزائر.
شهدت الجزائر تطورات سياسية كبيرة أدت، مع اقترانها بانحسار حوادث العنف، الى تنامي الأمل بين الجزائريين في ان تكون البلاد طوت اخيراً صفحة أسوأ سنوات الصراع الأهلي. ونال الرئيس الجديد عبدالعزيز بوتفليقة التأييد الشعبي لحديثه الصريح عن الفساد الحكومي، ولعرضه عفواً جزئياً عن المتمردين الاسلاميين، كخطوة نحو إحلال السلام وتحقيق المصالحة. غير انه لم يكرس جهداً يُذكر لوضع ضمانات تحول دون وقوع انتهاكات لحقوق الانسان مستقبلاً او تفضي الى محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات التي وقعت في الماضي.
وعلى رغم تناقص عدد حالات الاعتقال والقتل و"الاختفاء"، ظلت الجزائر اكثر البلدان عنفاً في الشرق الأوسط وشمال افريقيا. وقد "احترم الجيش الاسلامي للإنقاذ" عموماً وقف اطلاق النار الذي اعلنه عام 1997، لكن مجموعات اخرى، وخصوصاً المجموعات التي تنطوي تحت اسم "الجماعة الاسلامية المسلحة"، واصلت شن هجمات تستهدف المدنيين من دون تمييز.
ولم تعلن "الجماعة الاسلامية المسلحة" مسؤوليتها عن هجمات محددة على المدنيين، او تفسر دوافع مثل تلك الهجمات، على رغم تلقي وسائل الاعلام الاجنبية بين الحين والآخر بيانات صادرة باسمها. الا انه في كثير من الحالات التي تعرضت فيها اسر او قرى للذبح، ترددت تكهنات بأن استهدافها كان نتيجة للاشتباه في ان واحداً او اكثر من افرادها يعارض مساعدة المجموعات المسلحة او قرر التراجع عن تقديم تلك المساعدة.
وفي اطار مكافحة "الارهاب" و"التخريب" واصلت قوات الأمن خلال العام استخدام اساليب تتسم بالوحشية. واستمرت الصحافة الجزائرية، التي أُجبرت على الاعتماد على المصادر الأمنية أساساً، في نشر روايات عن عمليات الجيش والشرطة، تصور مداهمات تسفر عن مقتل "ارهابيين" لا تُذكر اسماؤهم، لكنها تخلو او تكاد من انباء عن القبض على اي منهم. الا ان أنباء التعذيب، الذي اصبح منذ عام 1992 اسلوباً مألوفاً دأبت قوات الأمن على استخدامه في استجواب المشتبه بهم في القضايا الأمنية، غدت أيضاً اقل تواتراً مع تراجع عدد حالات الاعتقال المؤكدة.
تميز الصراع في الجزائر بالغياب شبه الكامل للمحاسبة عن الانتهاكات، فمنذ عام 1992 قُتِل عشرات الألوف من الناس او "اختفوا" او خُطفوا، ومرت الغالبية العظمى من تلك الحالات من دون ان تجري السلطات المسؤولة عن تنفيذ القانون تحقيقاً رسمياً في ما حدث او تستوضحه. كما لم تحرص المحاكمات في كثير من الحالات على التأكد بشكل دقيق من كفاية الأدلة التي تربط بين الافعال المنظورة وأفراد بعينهم.
وفي آب اغسطس وأيلول سبتمبر 1997، وقعت مذابح ضخمة قالت السلطات رسمياً انها من فعل "ارهابيين". وراح ضحية تلك المذابح ما يربو على 600 مدني على وجه الاجمال في بن طلحة ورايس وبني مسوس على مشارف العاصمة. غير ان السلطات لم تعلن قط قائمة بالضحايا وأسماء المشتبه في ارتكابهم للهجمات، أو تعلن نتائج اي تحقيق في اسباب تمكن الجناة من ارتكاب مثل هذه المذابح بالقرب من قواعد عسكرية من دون ان تتصدى لهم قوات الأمن.
وعلى المنوال نفسه، لم تجر اي محاكمة في الحالة التي حظيت بتغطية اعلامية واسعة النطاق اكثر من غيرها من الانتهاكات التي ارتكبها الألوف من افراد ميليشيات "الدفاع الذاتي" التي تسلحها قوات الأمن وتشرف عليها رسمياً كحلفاء محليين في صد هجمات الاسلاميين. وتتعلق تلك الحالة باثنين من رؤساء البلديات في ولاية غليزان تردد انهما، ومرؤوسيهما المسلحين، نفذوا سلسلة من عمليات الخطف والاعدام راح ضحيتها اشخاص يُشتبه في انهم من الاسلاميين وأقاربهم. وأُلقي القبض على الاثنين واحتُجزوا فترة وجيزة في نيسان ابريل 1998، ثم فُصلا من منصبيهما في وقت لاحق، لكنهما لم يقدما للمحاكمة حتى تشرين الأول اكتوبر 1999.
وفي 15 نيسان ابريل، انتُخب عبدالعزيز بوتفليقة، وهو وزير خارجية سابق، رئيساً للبلاد لولاية مدتها خمس سنوات، في انتخابات شابها انسحاب المرشحين الستة الآخرين في آخر لحظة، متهمين المؤسسة العسكرية بتزوير الانتخابات لصالحه. وكان لهذا التطور اثر مخيب لآمال كثيرين ممن شجعتهم الحيوية والطابع الجماهيري اللذان اتسمت بهما الحملة الانتخابية، حيث نُوقشت القضايا المهمة في التليفزيون، ووسائل الاعلام المطبوعة، والاجتماعات العامة والتجمعات الجماهيرية.
وتسلم بوتفليقة السلطة رسمياً في 27 نيسان، ولم يلبث ان شرع في تنفيذ خطته لإحلال السلام. وكشف النقاب عن مشروع "قانون الوئام المدني" بعد ان عرض "الجيش الاسلامي للإنقاذ" تحويل وقف اطلاق النار الذي اعلنه عام 1997 الى هدنة دائمة. وصادق البرلمان في تموز يوليو على القانون، الذي جاء تطويراً لشروط مرسوم عفو رئاسي صدر عام 1995، ثم أُقر القانون بأغلبية ساحقة في استفتاء عام أجري في 16 أيلول. وأصدر بوتفليقة أيضاً اوامر بالافراج عن بعض الاشخاص الذين سُجنوا لأسباب تتعلق بالصراع، وتخلى عن الخطاب الرسمي الذي كان يسعى لتقليص صورة الخراب الذي خلّفه الصراع. وفي 27 حزيران يونيو أعلن أن 100 الف جزائري سقطوا ضحايا منذ بدء الصراع عام 1992، وهو رقم يزيد عن ثلاثة أضعاف آخر رقم رسمي معلن. وتحدث ايضاً بنبرة تعاطف عن ألوف الجزائريين الذين "اختفوا"، كما تخلى عن النهج الرسمي الذي دأب على إنكار اي دور لقوات الأمن في هذه الظاهرة.
وعلى رغم ان بوتفليقة كان اكثر صراحة من سابقيه، فلم يكن بين القضايا التي تتصدر قائمة اولوياته قضية التحقيق في الانتهاكات الجسيمة التي وقعت في الماضي القريب وإقرار شكل من العدالة للضحايا. وفي مقابلة مع "راديو فرنسا الدولي" في 7 تموز، قال بوتفليقة مفسراً أسباب مطالبته اهالي "المختفين" بالتحلي بالصبر، "علينا ان نسعى أولاً لإقرار السلام والأمن... اذا حاولنا معالجة كل المشاكل دفعة واحدة فسنضل طريقنا". وعندما واصل انصار "المختفين" المطالبة بحل لقضيتهم، اظهر ضيقه بهم ووبخهم في كلمة علنية في الجزائر في 15 ايلول قائلاً: "ليست لديّ مصلحة في الابقاء على "المختفين" في جيبي!... كيف لكم ان تتجاوزوا هذه الحرب اذا لم تنسوا؟".
ولم ترد أنباء تُذكر عن "اختفاء" اشخاص في 1998 أو 1999، لكن في الوقت نفسه لم "يظهر" من جديد أي جزائري تقريباً ممن "اختفوا" في السنوات السابقة، كما لم يتم الكشف عن مصيرهم او مكانهم. وأُغلقت في هدوء المكاتب التي أقامتها وزارة الداخلية عام 1998، لتلقي الشكاوى عن حالات "الاختفاء" والتحقيق فيها، من دون ان تقدم أية معلومات في الغالبية العظمى من الحالات.
ومن ناحية اخرى وسع العاملون في مجال حقوق الانسان وأهالي "المختفين" قائمة الحالات الموثقة الى اكثر من 4000 حالة، ينطوي معظمها على عمليات خطف او اعتقال وقعت بين عامي 1994 و1996. ويقتصر هذا الرقم على الحالات التي توجد بعض الأدلة على ضلوع قوات الأمن فيها، وعادة ما تكون الأدلة اقوال شهود عيان رأوا الشخص اثناء القبض عليه او في مرحلة ما أثناء احتجازه.
اما الجزائريون الآخرون المفقودون منذ عام 1993 بعد ان خطفتهم على ما يبدو مجموعات مسلحة، فقد جرى احصاؤهم على حدة وبصورة منفصلة عن "المختفين"، ويُشار اليهم باسم "المخطوفين". ولم يتحقق تقدم يُذكر في تحديد مصير هؤلاء الضحايا الذين تقدر جماعات تتبنى قضيتهم، مثل "جزائرنا" و"صمود"، أعدادهم بالآلاف. ومن المعتقد ان ثمة صلة بين حالات الخطف هذه والقبور الجماعية التي غطت الصحف الجزائرية انباء العثور عليها خلال عامي 1998 و1999 في آبار مهجورة في منطقة متيجة. وعزت الصحف، في كثير من الاحيان، الفضل في العثور على تلك القبور الى متمردين استسلموا للسلطات، وكشفوا عن الاماكن التي تخلصت فيها المجموعات المسلحة من ضحايا. لكن السلطات نفسها لم تقل شيئاً يذكر عن العثور على هذه القبور، ولم تكشف تقريباً اية معلومات عن تشريح العشرات من الجثث التي ترددت انباء العثور عليها في تلك المواقع وكان كثير منها متحللاً، او عن تحديد هوية اصحابها. وكان ذلك مخيباً لآمال المنظمات التي تمثل ضحايا "الارهاب". فمع غياب مثل هذه المعلومات لم يكن ممكناً التأكد مما اذا كان بعض هؤلاء الضحايا، او جميعهم، هم حقاً اشخاص ممن خطفتهم المجموعات المسلحة ثم اعدمتهم، ام آخرون ممن "اختفوا" في الحجز السري لقوات الأمن.
ويعفي "قانون الوئام المدني" من المحاكمة الاشخاص الذين شاركوا بشكل غير مباشر في اعمال "الارهاب" و"التخريب" ممن يسلمون انفسهم قبل 13 كانون الثاني يناير 2000، ويتعهدون بالكف عن مثل هذه الأعمال. ويقضي القانون بفرض عقوبات مخففة على من يسلمون انفسهم للسلطات من المتشددين الذين كانوا مسؤولين عن التسبب في موت اشخاص او اصابتهم بعاهة مستديمة، او عن جريمة اغتصاب، او عن استخدام متفجرات في اماكن عامة او اماكن يتردد عليها الجمهور، لكنه لا يشمل العفو عن مثل هؤلاء. وستكون العقوبة القصوى، بموجب القانون، للمتمردين المسؤولين عن ارتكاب جرائم يعاقب عليها بالاعدام او السجن المؤبد، هي السجن 20 عاماً. وقال بعض المسؤولين ان 531 شخصاً سلموا انفسهم بموجب قانون العفو حتى مطلع تشرين الأول، ولكن لم يتسنّ بعد تأكيد هذا العدد او تقييم المعاملة التي لاقوها.
وعلى رغم ان بوتفليقة لم يسع بقدر ما سعى سابقوه للتمويه على الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الأمن، فإنه لم يصر قط على محاسبة المسؤولين عن ارتكابها. وفي حديث مع صحيفة "البايس" الاسبانية، نُشر في 28 تموز، قال بوتفليقة ان الوضع في الجزائر اكثر "تعقيداً" من ان يسمح بعمل لجنة لتقصي الحقائق. ونقلت الصحيفة الاسبانية عنه قوله: "ان الانحراف المخرب لأقلية يجب الا يخنق تطلعات الأغلبية، ما تحتاجه الجزائر هو المصالحة، والديموقراطية، والحرية، والتنمية".
وفي أيلول حذر بوتفليقة المتمردين الذين يتخلفون عن تسليم انفسهم قبل انقضاء مهلة العفو في 13 كانون الثاني 2000، من ان السلطات ستحاربهم مستخدمة كل الوسائل المتاحة للدولة. وأعلن بصورة تنذر بشر مستطير: "أريد ان أقولها امام الجميع، امام الأمم المتحدة، وأمام منظمة العفو الدولية، وأمام المجتمع الدولي، سنستخدم كل الوسائل".
وفي 26 حزيران يونيو أعلن بوتفليقة ان "الوفاً" من السجناء الذين "اعتقلوا لدعمهم للارهابيين" سيطلق سراحهم في مناسبة عيد استقلال الجزائر يوم 5 تموز. غير ان ذلك لن يشمل الذين أدينوا بسفك الدماء وبالاغتصاب. ولم تعلن السلطات رسمياً عدد السجناء الذين أُفرج عنهم فعليا في ذلك التاريخ وبعده، لكن بعض التقارير الصحافية قدرت العدد حتى نهاية ايلول بنهاية 25000 شخص.
وكان كثير من المتهمين الذين سُجنوا منذ أواسط التسعينات أدينوا في محاكمات جماعية بتهم تتصل "بالارهاب"، ولم يقدم فيها الادعاء أدلة مادية تربط بين كل من المتهمين وأعمال عنف محددة. وفي كثير من الاحيان زعم المتهمون امام القضاء الذين ينظرون تلك القضايا، ان اعترافاتهم وأقوالهم، وهي عادة الأدلة الوحيدة التي يقدمها الادعاء، انتزعت منهم تحت وطأة التعذيب، وهو الأمر الذي يمثل انتهاكاً للقانون المحلي والدولي. لكن نادراً ما أمر القضاة، او ربما لم يأمروا قط، بفحص المتهمين طبياً للتحقق من صحة مزاعمهم عن التعذيب.
وكان بعض الذين أُفرج عنهم أُدينوا بموجب بنود قانونية ذات صياغات فضفاضة تجرم اعمالاً تتعلق بالتعبير او تكوين الجمعيات التي لا تنتهج العنف. ويُذكر في هذا الصدد ان المادة 87 مكرر من قانون العقوبات تقضي بأن كل من ينتمي الى منظمة "ارهابية" او شارك فيها وهو يعلم بأهدافها وأنشطتها، يُعاقب بالسجن بين عشرة و20 عاماً. كما يُعاقب بالسجن بين خمسة وعشرة أعوام كل من يؤيد او يشجع او يمول أعمال "ارهاب" او "تخريب" او ينسخ أو يوزع، عن وعي بما يفعل، مواد تؤيد مثل هذه الأعمال.
ولم تشمل حالات الافراج التي بدأت في تموز سوى بعض من الجزائريين الذين سُجنوا لأسباب تتعلق بالصراع. وفي ذلك الوقت كان من المعتقد ان عدد نزلاء السجون لم يشهد تغيراً يذكر عن العدد الذي اعلنه في نهاية عام 1997 "المرصد الوطني لحقوق الانسان"، وهو الهيئة الرسمية المعنية بمراقبة حقوق الانسان، وهو 3400 سجين، ومن بين هؤلاء كان عدد يقل قليلاً عن 15000 سجين هم الذين اتهموا او أدينوا بأعمال تتصل بالارهاب او التخريب. وقال المرصد ان الغالبية العظمى من هذا العدد الاخير هم اشخاص لا يُشتبه في ارتكابهم اعمال عنف، بل جرائم تتصل بذلك، مثل عدم ابلاغ السلطات عن جرائم، و"تقديم المساعدة لمجموعات ارهابية".
وأبقى الرئيس بوتفليقة على حال الطوارئ المعلنة منذ سبعة أعوام، التي تخول السلطات منع التجمعات العامة وتقييد الحقوق المدنية. وكثيراً ما حُظرت الاجتماعات والتجمعات التي نُظر اليها على انها تنتقد الحكومة، ولا سيما اذا تزامنت مع اجتماعات ديبلوماسية تعقد في مكان قريب. ومنعت السلطات ثلاث محاولات متتالية لتنظيم تجمعات جماهيرية في العاصمة الجزائرية، للاحتجاج على ما تردد عن تزوير الانتخابات، وذلك ايام 16 و26 نيسان ابريل و6 أيار مايو، وكانت الاخيرة بعد تنصيب الرئيس الجديد.
وقال بوتفليقة انه لن يعيد الوضع القانوني ل"الجبهة الاسلامية للانقاذ" المحظورة، الا اذا أعيد تنظيمها تحت قيادة جديدة. ويحظر الدستور الصادر عام 1996 وقانون تنظيم الاحزاب السياسية الصادر عام 1997 الاعتراف بالأحزاب التي تقوم على اساس الدين او اللغة او الأصل العرقي او النطاق الجغرافي. وعلى رغم ان في الجزائر حزبين شرعيين لهما توجه اسلامي، ظلت "الجبهة الاسلامية للانقاذ" محظورة منذ عام 1992.
ولم يبد بوتفليقة اي رغبة ملحة في التصدي لما ينطوي عليه القانون من عدم المساواة بين الجنسين، وظلت الجماعات الجزائرية المعنية بحقوق المرأة تطالب منذ أمد طويل بإلغاء او تعديل المواد التي تنطوي على تمييز ضد المرأة في قانون الأسرة الصادر عام 1948. كما أيدت هذا الهدف "لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة"، التابعة للأمم المتحدة، عندما بحثت في كانون الثاني 1999 تقرير الجزائر عن التزامها بتطبيق "اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة". ونددت اللجنة بتأثير "الأصولية والعنف الارهابي" على النساء، في الوقت الذي حثت فيه الحكومة على اتخاذ خطوات قانونية من شأنها ان توفق مواد قانون الأسرة مع نص الاتفاقية ومع مبدأ المساواة المكفول في الدستور الجزائري. بيد انه على رغم وجود مجلس تشريعي منتخب في الجزائر منذ عام 1997 بعد فترة غياب، فإن بوتفليقة وسلفه اليمين زروال لم يلعبا أي دور قيادي في الجهود الرامية لاصلاح القانون.
وخلال عام 1999 أخذ عدد متزايد من الناس داخل الجزائر يتصلون بشبكة المعلومات الالكترونية الانترنت. فاستناداً الى مرسوم صدر عام 1998 لتنظيم التعامل مع شبكة الانترنت، اخذت شركات من القطاع الخاص تعد لكسر احتكار الدولة لبيع خدمة الاتصال بالشبكة. ولم يصل الى علم منظمة "مراقبة حقوق الانسان" ما يفيد بأن السلطات الجزائرية اعاقت الاتصال بأي موقع على شبكة الانترنت، على رغم ان الشبكة تستضيف الكثير من المواد السياسية التي كانت محظورة في وسائل الاعلام الجزائرية سواء المطبوعة ام المذاعة.
الاتحاد الأوروبي
كان الاتحاد الأوروبي في عام 1999 أقل اهتماماً بقضايا حقوق الانسان في الجزائر مقارنة بما كانت عليه الحال في عام 1998، الذي شهد مذابح متكررة اثارت فزع الرأي العام مما اوجد ضغوطاً تطالب بالتحرك. ويمكن ان يعزى هذا الفتور الى اسباب من بينها انحسار العنف في الجزائر، والاستقبال الايجابي لخطوات الرئيس بوتفليقة المبكرة نحو الاصلاح، والرؤى المتباينة للمساعي الأوروبية التي تمت في 1998.
فلم يشهد عام 1999 بعثات رفيعة المستوى من الاتحاد الأوروبي، مثل الزيارة التي قام بها في عام 1998 وفد من البرلمان الأوروبي يتألف من تسعة اعضاء، وتلك التي قام بها وزراء الدولة للشؤون الخارجية من دول الترويكا الأوروبية الذين يمثلون الرئيس السابق والحالي والمقبل للمجلس الأوروبي، كما لم يشهد العام الحالي جلسات خاصة بحقوق الانسان مثل تلك التي عقدها البرلمان في تشرين الثاني 1997. غير انه بعد تنصيب بوتفليقة بفترة وجيزة، قدمت رئاسة الاتحاد الأوروبي خطاباً غير رسمي الى الجزائر تطلب فيه معلومات عن عدد من حالات "الاختفاء" وانتهاكات اخرى. ولم تكن رئاسة الاتحاد الأوروبي قد تلقت رداً على هذا الخطاب حتى نهاية ايلول.
وفي تشرين الثاني 1998، قام البرلمان الأوروبي بمبادرة للدفاع عن حرية الصحافة، في وقت أوقفت فيه الصحف الخاصة في الجزائر عن الصدور، اذ اصدر البرلمان قراراً يطلب من المفوضية الأوروبية دعم جميع المشروعات التي تهدف للنهوض بحرية الصحافة واعتبار مثل هذه الحرية عنصراً جوهرياً في التعاون بين الاتحاد الأوروبي والجزائر.
فرنسا
عملت فرنسا بحرص على تحسين علاقاتها مع الجزائر في عام 1999، واسعدها ان تجد في الرئيس بوتفليقة شريكاً لديه الرغبة والاستعداد ايضاً. غير ان حماس فرنسا لحلول "عهد جديد" في العلاقات الثنائية لم يقترن بأي ابداء علني للقلق من انتهاكات حقوق الانسان التي تقوم بها اجهزة حكومية، والتي ظلت مسلكاً مألوفاً على رغم انحسار نطاقها عما كان عليه في السنوات السابقة.
وظلت باريس خلال التسعينات تؤيد الحكومة الجزائرية في صمت، على رغم التوترات التي اثارها النزاع الداخلي في الجزائر وامتداد آثاره الى فرنسا. اذ ان فرنسا، باعتبارها الدولة التي كانت تستعمر الجزائر الى ان نالت استقلالها عام 1962 بعد حرب وحشية بين حركة التحرير الجزائرية والقوات الفرنسية، تستضيف اكبر جالية جزائرية مقيمة في الخارج، كما لا تزال هي البلد الذي تربطه بالجزائر اوثق الروابط، واضطلعت بدور قيادي في تحديد سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه الجزائر. ولم تقدم فرنسا معونة مباشرة تذكر على المستوى الثنائي، لكن الضمانات الائتمانية السخية التي قدمتها ساعدتها في الاحتفاظ بمكانتها كأكبر مصدر للسلع الى الجزائر.
وعلى النقيض من موقف الولايات المتحدة، لزمت الحكومة الفرنسية الصمت في الفترة السابقة على الانتخابات الرئاسية في ما يتعلق بالمناخ الذي تأمل ان تجرى في ظله تلك الانتخابات. وفي اول تصريح يصدر عنها في اليوم التالي للانتخابات، اعربت على نحو يتسم بالحذر عن قلقها من الملابسات التي اكتنفت الاقتراع. وبعد رد حاد من الجزائر عن هذا "التدخل غير المقبول"، شرع البلدان على وجه السرعة في تحسين علاقاتهما الثنائية، فاستقبل الرئيس بوتفليقة وزير الداخلية الفرنسية جان بيير شيفانمان في حزيران يونيو، ووزير الخارجية اوبير فيدرين في الشهر التالي. واتسمت التصريحات الفرنسية التي اعقبت هذين الاجتماعين بالتفاؤئل، حين قال فيدرين لصحيفة "جورنال دي ديمانش" الفرنسية عقب عودته ان "الرئيس بوتفليقة يدلي بتصريحات ويقوم بمبادرات تظهر انفتاحاً حقيقياً سواء على الصعيد الداخلي ام على الصعيد العالمي". وأضاف "لقد تغير المناخ. لقد عادت للجزائر نسمة من الحرية".
وتزايدت الاشادة الفرنسية بالرئيس الجديد في اعقاب الاستفتاء الذي اجري في 16 ايلول سبتمبر وأيد فيه الجزائريون بغالبية كبيرة خطة بوتفليقة للسلام، اذ صرح فيدرين لاذاعة "أوروبا 1"، في 17 ايلول، ان الرئيس الجزائري "يبدو مدفوعاً بالتصميم على تعويض الوقت الضائع، وحريصاً على مواجهة كل مشاكل الجزائر... لقد تحدث معي كرجل يريد ان يضع الجزائر في اطار العالم الحديث كما هو... وفي هذا المقام أكرر: فرنسا على أهبة الاستعداد". وفي 21 ايلول، التقى رئيس الوزراء ليونيل جوسبان مع الرئيس بوتفليقة في الأمم المتحدة وأكد حلول عهد جديد في العلاقات بين البلدين.
الولايات المتحدة
واصلت واشنطن خلال النصف الأول من العام الجاري تشجيع الشركات الاميركية على زيادة استثماراتها في الجزائر الغنية بالغاز الطبيعي، لكنها ظلت تحجم عن السعي لإقامة علاقات اوثق فيما يرجع في جانب منه الى سجل الجزائر في انتهاك حقوق الانسان والتلاعب في الانتخابات. ولم تتلق الجزائر اي معونة اميركية على المستوى الثنائي، وكانت اهميتها من الناحية الجغرافية السياسية بالنسبة لواشنطن تالية للصراع العربي - الاسرائيلي، ومصر، وإيران، والعراق. وذكر خطاب عرض الموازنة المقدم من وزارة الخارجية الى الكونغرس للسنة المالية 2000 ان الولايات المتحدة ليست لها مصالح "حيوية" في الجزائر، لكنه اضاف انه "من شأن تحول هذا البلد الى ديموقراطية مفتوحة تقوم على اقتصاد السوق ان يقدم فرصاً اقتصادية كبيرة للولايات المتحدة".
ولم يقتصر التعبير العلني عن القلق بشأن حقوق الانسان على "التقارير القطرية" التي تصدرها وزارة الخارجية الاميركية سنوياً، فقد تحدث السفير كاميرون هيوم عن حقوق الانسان في الجزائر علناً عدة مرات، اذ صرح لصحيفة "لوماتان" اليومية، على سبيل المثال، في حديث نشر يوم 28 كانون الأول ديسمبر 1998، ان الولايات المتحدة "تريد ان ترى من الجزائر مزيداً من الشدة في التعامل مع افراد قوات الأمن المسؤولين عن ارتكاب تجاوزات... لا بد من تقديمهم لساحة العدالة". وذكرت "لوماتان" انه حث السلطات ايضاً على نشر قائمة مفصلة بأسماء الاشخاص "المختفين".
ومع ذلك، لم تسع الولايات المتحدة لإبراز هذه النقاط خلال اجتماع لجنة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة في آذار ونيسان مارس وابريل في جنيف. وفي تباين مع تصريحات الاتحاد الأوروبي يفي عام 1999 وتصريحات الولايات المتحدة نفسها في عام 1998، لم تنتقد واشنطن رفض الجزائر السماح لمقرري الأمم المتحدة المعنيين بحقوق الانسان بزيارة البلاد.
غير ان واشنطن سرعان ما بدأت تظهر الود لبوتفليقة، حيث اجتمع الرئيس بيل كلينتون مع نظيره الجزائري على هامش جنازة الملك الحسن الثاني عاهل المغرب في تموز، ثم تلت ذلك الاجتماع اتصالات اخرى. وعقد مارتن انديك مساعد وزيرة الخارجية الاميركية اجتماعاً مطولاً مع بوتفليقة في العاصمة الجزائرية يوم 6 ايلول، وأعلن في اليوم التالي ان "الرئيس كلينتون اعجب بالبداية" التي استهل بها بوتفليقة الاصلاح في المجال السياسي والاقتصادي وحقوق الانسان. وأضاف قائلاً: "ما زال تأييدنا لتعزيز العملية الديموقراطية، ولحرية الصحافة، ولحكم القانون ولحقوق الانسان ركناً اساسياً لسياستنا ازاء الجزائر". وفي 7 ايلول استضاف انديك اجتماعاً في السفارة الاميركية مع مجموعة متنوعة من دعاة حقوق الانسان الجزائريين يمثلون ضحايا الانتهاكات التي ارتكبتها الدولة وتلك التي ارتكبتها المجموعات المسلحة، بما فيها حالات "الاختفاء" والخطف. وقالت السفارة الاميركية لمنظمة "مراقبة حقوق الانسان"، في رسالة بعثتها في 23 آب، انها اثارت موضوع حالات "الاختفاء" مع كبار المسؤولين الحكوميين، وسنواصل اثارتها".
وبعث الرئيس كلينتون برقية تهنئة الى الرئيس بوتفليقة في اعقاب استفتاء 16 ايلول. كما التقى نائب الأميرال دانييل ميرفي، قائد الأسطول السادس الاميركي، بالرئيس بوتفليقة في الجزائر العاصمة يوم 28 ايلول، وصرح ميرفي للصحافة بأن هذه الزيارة التي لم يسبق لها مثيل تهدف "الى اظهار تأييد الولايات المتحدة للخطوات الجريئة والجوهرية التي اتخذتها القيادة الجزائرية نحو المصالحة وإيجاد امكانية حقيقية لارساء دعائم الديموقراطية... فالقوات المسلحة الاميركية تتفق الى أبعد حد مع القيادة السياسية الاميركية في الرغبة في توطيد علاقاتنا مع القوات المسلحة الجزائرية".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.