أثار نشر صحيفة "المجاهد" الرسمية، بناء على تعليمات من رئيس الجمهورية، المضمون الكامل ل "تقرير سري" لمنظمة العفو الدولية عن نتائج تحرياتها في الجزائر في أيار مايو الماضي، تساؤلات في الأوساط السياسية التي رجح بعضها ان يكون الهدف من نشر التقرير الضغط على قادة الجيش وتذكيرهم بالتجاوزات التي شهدتها مرحلة ما بعد انتخابات 1992. وعلمت "الحياة" ان الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة قرر تعميم التقرير السري الذي وجهته منظمة العفو إلى الحكومة الجزائرية، وتولت صحيفة "المجاهد" نشره كاملاً من دون أن تعلق على التساؤلات والاتهامات الواردة فيه. وأبدى الأمين العام بالنيابة لمنظمة العفو فانسان دال بوينو في رسالة مرفقة مع التقرير وجهها إلى بوتفليقة، أسفه كون الحكومة لم تسمح لوفد رفيع من المنظمة بزيارة الجزائر، قبل نهاية الشهر الجاري، للاطلاع على بعض القضايا المتعلقة بوضع حقوق الإنسان حسب ما تم الإتفاق مع مسؤولين في وزارة الشؤون الخارجية. وعبر المسؤول في المنظمة الدولية عن رغبته في الحصول على ردود رسمية على المذكرة التي وضعتها المنظمة. وجدد مطالبته بالحصول على أجوبة عن "التساؤلات العالقة" ولم تجد أجوبة رسمية. وتضمن "التقرير السري" الذي نشر في ست صفحات كاملة، مقدمة عن مواقف المنظمة من تطور الوضع في الجزائر، إثر إلغاء المسار الإنتخابي. وقدم رؤية المنظمة في تطبيق قانون "الوئام المدني" والعفو الرئاسي، مشيراً إلى أن عناصر الجماعات الإسلامية المسلحة الذين أفادوا من تدابير الوئام بلغ 5500 عنصر في حين أفاد أكثر من الف عنصر من تدابير العفو الرئاسي. غير أن التقرير شدد على غياب "معلومات رسمية مفصلة ودقيقة"، وهذا يعيق عمل المنظمة في أخذ فكرة وافية عن حقيقة تطبيق القانون، مما دفعها إلى مطالبة رئيس الجمهورية بتزويدها بعدد أعضاء "الجيش الإسلامي للإنقاذ" و"الرابطة الإسلامية للدعوة والقتال". وتساءلت "أمنستي أنترناشيونال" عن المقاييس التي اعتمدتها الحكومة للعفو عن عناصر الجماعات المسلحة الذين أفاد عدد منهم من تدابير القانون بعد إنتهاء فترة تطبيقه في 13 كانون الثاني يناير الماضي. وعن الإعتقالات و"الحبس تحت النظر"، جددت المنظمة تقديرها للسلطات الجزائرية للتقلص الكبير في حجم الإعتقالات. وأشارت إلى أهمية "التعاون" بين وزارات العدل والدفاع والداخلية في ما يتعلق بشروط الحبس والإعتقال. لكن المنظمة أشارت إلى وجود إعتقالات خارجة عن القانون في "معتقلات سرية" غير خاضعة لرقابة السلطات القضائية مثل ما حدث للسيد علي مبروكين الذي عمل مستشاراً لدى الرئاسة خلال حكم الرئيس السابق اليمين زروال. وعلى رغم التطور الكبير في ما يتعلق بملف المفقودين، إلا أن أعضاء المنظمة لاحظوا تباينا في تقدير عددهم بين المؤسسات الرسمية. ففيما يتحدث "المرصد الوطني لحقوق الإنسان" عن تلقيه 4150 عريضة، تكتفي وزارة العدل بالحديث عن 3019 عريضة. وتذهب وزارة الداخلية إلى انها تلقت حتى نهاية 1998 حوالى 4393 ملفاً لأشخاص في عداد المفقودين. ولطي هذا الملف، جددت منظمة العفو طلبها الحصول على معلومات عن الذين ترفض الرواية الرسمية عن مصيرهم، وتفيد هذه الرواية ان المفقودين "خطفتهم مجموعات مسلحة". ويثير نشر بوتفليقة مضمون التقرير الذي أدرجته المنظمة في خانة "سري"، تساؤلات في الأوساط السياسية عن هدفه من إعطاء نوع من الشرعية "الإعلامية" لتقرير يدين في مضمونه "تجاوزات" أجهزة الأمن. ويذهب بعض الأوساط إلى حد إعتبار تقارير المنظمة "ورقة رابحة" في يد رئيس الجمهورية الذي سيبدو كأنه يرسم "قطيعة" مع مرحلة من التجاوزات التي لم يكن مسؤولاً عنها تولى الرئاسة العام الماضي. بن فليس الى ذلك، واصل رئيس الحكومة الجديد السيد علي بن فليس مشاوراته مع رؤساء الأحزاب السياسية. وشملت لقاءاته مسؤولين في التجمع الوطني الديموقراطي، والتجمع من أجل الثقافة والديموقراطية، حركة النهضة وحزب التجديد الجزائري. وكان مقررا أن يلتقي أمس مع مسؤولين في جبهة التحرير الوطني وحركة مجتمع السلم. ولم تعلن الحكومة هذه اللقاءات. لكن الأحزاب أصدرت بيانات جاء فيها ان اللقاءات تمحورت أساسا حول ضرورة التشاور وتفادي أي قرارات احادية من شأنها الإضرار بالتوافق السياسي الحاصل داخل الإئتلاف الحكومي.