في ظل اجماع مختلف المصادر المالية والمصرفية على استمرار حالة الركود الاقتصادي في لبنان، قدرت تقارير مصرفية نمو الناتج المحلي خلال النصف الاول من العام الحالي بنسبة 2 في المئة، بينما يتوقع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة نمواً للعام 1999 بكامله يتراوح بين واحد واثنين في المئة، مرجحاً نسبة الواحد في المئة، وهو نمو ضئيل جداً بالمقارنة مع 5.2 في المئة لعام 1998، و3 في المئة لعام 1997 و4 في المئة لعام 1996 وحوالي 5.6 في المئة لعام 1995، الامر الذي يشير بوضوح الى التراجع التدريجي لمعدلات نمو الاقتصاد اللبناني. وأشار تقرير نصف سنوي اعده "بنك عودة" الى ان حسابات النصف الاول من السنة الحالية تظهر تقلص الطلب بنسبة 4 في المئة بالقيم الفعلية المقدرة على اساس سنوي، وقد نجم عن هذا التقلص انخفاض الناتج المحلي الاجمالي بنسبة 2 في المئة بالقيم الفعلية، فالاستثمارات العامة والخاصة التي تراجعت بما يقارب 10 في المئة اضعفت نمو النشاط الاقتصادي بنسبة 5.3 في المئة، كذلك كانت مساهمة الاستهلاك سلبية بنحو 4 في المئة نتيجة ركود الاستهلاك الخاص بصورة اساسية. وتوقع التقرير الاقتصادي ل"فرنسبنك" عن الربع الثاني من سنة 1999 ان يتدنى معدل النمو الحقيقي هذه السنة الى ما دون المستوى الذي كان خلال العام الماضي. وعزا تباطؤ معدل النمو خلال النصف الاول من السنة الى "مجموعة من المعطيات المحلية والدولية غير المؤاتية التي اضفت ضبابية على المناخ الاستثماري والاقتصادي العام، اهمها توقف عملية السلام في المنطقة واستمرار العدوان الاسرائيلي على لبنان واستمرار التجاذبات السياسية الداخلية ومضاعفاتها على الناحية الاقتصادية". وأوضح التقرير ان "انكماش الطلب الكلي في الاقتصاد لا يزال المحرك الرئيسي للركود العام في لبنان، وتدني الطلب بمعدل 3.3 في المئة خلال الربع الثاني من السنة وبمعدل 8.12 في المئة في النصف الاول قياساً بالفترة المماثلة من العام الماضي، كما تراجع صافي التدفقات المالية الخارجية بمعدلات 5.11 في المئة و3.19 في المئة على التوالي خلال هذه الفترة، بالاضافة الى تباطؤ التسليفات المصرفية للاقتصاد في معدلات نموها لتبلغ 4 في المئة و4.17 في المئة على التوالي خلال الفترة ذاتها". ويؤكد هذا التطور المؤشر الاقتصادي العام لمصرف لبنان الذي تراجع بنسبة 7.2 في المئة بين كانون الاول ديسمبر 1998 وأيار مايو 1999، في مقابل نمو بنسبة 2.1 في المئة و2.3 في المئة على التوالي في الفترات المماثلة من عامي 1998 و1997. ومن اهم المؤشرات التي تعكس حالة الركود الاقتصادي تطور حركة الشيكات المصرفية التي تشهدها يومياً غرفة المقاصة في مصرف لبنان بين مختلف المصارف العاملة، وبرز ذلك من خلال تطور عاملين اثنين: الاول، تراجع حركة تبادل الشيكات، وقد سجلت غرفة المقاصة بالليرة اللبنانية والعملات الاجنبية، في النصف الاول من العام الحالي تبادل خمسة ملايين و322 ألفاً و499 شيكاً، قيمتها 19466 مليار ليرة في مقابل خمسة ملايين و358 ألفاً و506 شيكات للفترة ذاتها من العام 1998 قيمتها 22297 مليار ليرة اي بنسبة انخفاض بالقيمة بلغت 70.12 في المئة وقدرها 2831 مليار ليرة، وانخفاض بالعدد 36 ألفاً و7 شيكات اي بنسبة 67.0 في المئة. الثاني، ارتفاع حركة الشيكات المرتجعة، وقد بلغ عددها في النصف الاول من العام الحالي 192 ألفاً و587 شيكاً قيمتها 815 مليار ليرة، في مقابل 170 ألفاً و503 شيكات مرتجعة خلال الفترة ذاتها من العام 1998 قيمتها 788 مليار ليرة. وبذلك يكون العدد ارتفع بمقدار 22 ألفاً و84 شيكاً وبنسبة 13 في المئة، وارتفعت القيمة بمبلغ 28 مليار ليرة وبنسبة 5.3 في المئة. وقياساً الى مجموع حركة المقاصة شكلت الشيكات المرتجعة في النصف الاول من العام 1999 ما نسبته 49.3 في المئة من حيث العدد في مقابل 08.3 في المئة للفترة نفسها من العام 1998. وقد ارتفعت نسبة الشيكات المرتجعة من حيث القيمة الى 02.4 في المئة بدلاً من 41.3 في المئة في العام 1998. ومن المفارقات الطبيعية ان حالة الركود الاقتصادي ساهمت بدورها في تراجع حركة الاستيراد الامر الذي ساهم ايضاً في تراجع العجز في الميزان التجاري اللبناني مع الخارج، وهو مؤشر ايجابي. وتفيد الاحصاءات الجمركية ان المستوردات اللبنانية تراجعت خلال النصف الاول من العام الحالي بنسبة 5.11 في المئة الى 3594 مليون دولار، مقارنة مع 4061 مليوناً في الفترة المماثلة لعام 1998، وفي الوقت ذاته ارتفعت الصادرات بنسبة 7.11 في المئة الى 418 مليون دولار، مقارنة مع 374 مليون دولار، الامر الذي نتج عنه تراجع في عجز الميزان التجاري بنسبة 8.13 في المئة، وذلك من 3687 مليوناً الى 3176 مليون دولار، وارتفعت بالتالي نسبة تغطية الصادرات للمستوردات من 2.9 في المئة الى 6.11 في المئة. لقد اثبت كل الدراسات والاحصاءات ان الاقتصاد اللبناني متعدد الجنسيات لكنه يعتمد على جنسيته العربية. وأشارت الاحصاءات الى ان العجز في الميزان التجاري زاد خلال السنوات الماضية بنسبة 77.25 في المئة، وذلك من 5418 مليون دولار في العام 1994 الى حوالي 6814 مليون دولار العام 1997، وهو تطور كبير يعكس ضخامة حركة مستوردات لبنان كنتيجة طبيعية لانفتاح اقتصاده على الخارج فضلاً عن الحرية الاقتصادية التي تتيح للبنانيين شراء حاجاتهم من الاسواق الخارجية من مختلف السلع مهما ارتفع ثمنها، وبلا رقيب ولا حسيب. وفي تحليل لأرقام نتائج حركة التجارة الخارجية للبنان، تبرز ملاحظات عدة منها: أولاً: زادت حركة الاستيراد بنسبة 47.24 في المئة، وذلك من 5990 مليون دولار العام 1994 الى 7456 مليون دولار العام 1997، وهذه الارقام تعكس امرين طبيعيين: 1 - متطلبات ورشة الاعمار من المعدات والآلات والمواد اللازمة المستوردة من الخارج، وهي تعادل تقريباً نصف مجموع مستوردات لبنان، ولا بد من استيرادها لتنفيذ مشاريع الاعمار. 2 - متطلبات استهلاك اللبنانيين من السلع والمواد الغذائية، فضلاً عن الملبوسات بمختلف انواعها، وهي تعادل ايضاً النصف الثاني لمجموع مستوردات لبنان، وهذا النوع من المستوردات يحمل عوامل تضخمية نظراً الى أسباب اجتماعية، باعتبار ان المظاهر تلعب دوراً في حياة اللبنانيين، وهو ما يؤدي إلى استنزاف قسم كبير من مواردهم على الانفاق الاستهلاكي. واضافة الى ذلك هناك ضآلة نسبة الصادرات من مجموع المستوردات، خلال السنوات الماضية، وتشير الاحصاءات الى ان حركة التصدير زادت من 572 مليون دولار العام 1994 الى حوالي 642 مليون دولار العام 1997 اي بنسبة 24.12 في المئة، وهو تطور ايجابي، يعكس قدرة الانتاج اللبناني على دخول الاسواق الخارجية، ولكن هذا التطور ادى في الوقت نفسه الى تراجع حصة الصادرات من مجموع المستوردات من 5.9 في المئة العام 1994 الى 61.8 في المئة العام 1997. ولوحظ ان حالة الركود الاقتصادي التي بدأت في العام 1998 ساهمت بخفض العجز الحاصل في الميزان التجاري الى 6344 مليون دولار، نتيجة تراجع حجم المستوردات بمقدار 396 مليون دولار وبنسبة 3.5 في المئة الى 7060 مليون دولار، وزيادة حجم الصادرات بمقدار 74 مليون دولار وبنسبة 5.11 في المئة الى 716 مليون دولار. واذا كان الاقتصاد اللبناني يعتمد على الاسواق العربية في تصريف منتجاته الصناعية والزراعية، فإنه يعتمد على الاسواق الخارجية الاجنبية خصوصاً البلدان الاوروبية وأميركا واليابان، في تأمين اكثر من 92 في المئة من وارداته، في مقابل حوالي 8 في المئة من المنتجات العربية، مع العلم انه يمكن ان يقوم بدور فاعل في تعزيز علاقاته المالية والاقتصادية والتجارية مع البلدان العربية، خصوصاً في فترة الاعمار التي تتطلب اموالاً كبيرة للتمويل واستثمارات عربية وأجنبية. وبما ان دراسات خبراء المال والاقتصاد وصفت الاقتصاد اللبناني بأنه يتمتع بصفة "المتعدد الجنسيات" مثل الشركات العالمية، ومن اكثر اقتصادات العالم تأثراً بالخارج، لذلك فإن علاقاته الاقتصادية العربية هي جزء مهم من علاقاته الاقتصادية والتجارية مع الخارج، ومن هنا يبرز دوره كمركز مالي وتجاري اقليمي في منطقة الشرق الاوسط