تدرس الأجهزة النقدية والمالية الرسمية والفاعليات الإقتصادية في لبنان معاودة إحياء استعمال السند التجاري كوسيلة "دفع مؤجل" لإلغاء ظاهرة الدفع بواسطة "الشيك المؤجل". اذ انتشرت هذه الظاهرة خلال الحرب اللبنانية وتعتبرها الأجهزة المختصة "غير قانونية كون الشيك وسيلة دفع فورية". ويشكل استعمال "الشيك المؤجل" نسبة 60 في المئة من التعاملات التجارية حسب تقديرات غرفة التجارة والصناعة في بيروت. ويفضّل العملاء في مبادلاتهم استعماله بدلاً من السند التجاري إذ لا يترتب عليه رسوم مثل السند الذي تفرض عليه وزارة المال رسماً يصل الى واحد ونصف في الألف. وتسعى الفاعليات الإقتصادية لدى الوزارة الى إلغائه كلياً بعد مطالبة أولى أدت الى خفضه من 5.2 الى 1.5 في الألف. إذ ترى أن إلغاء هذا الرسم يمثّل إجراء تحفيزياً ومشجعاً للعملاء لاستعماله. ويذكر أن التداول بالسندات كان رائجاً قبل الحرب اللبنانية ويرعاه قانون التجارة اللبناني في حين أن حجم استعماله في عمليات التبادل التجاري حالياً يمثل نسبة 40 في المئة فقط. وقال النائب الأول لحاكم مصرف لبنان ناصر السعيدي لپ"الحياة" أن "ظاهرة الشيك المؤجل مصدر شكوى دائمة. لأن الشيك وسيلة دفع فورية وليس وسيلة للإستدانة أو لتقسيط دين أو دفعة". وعزا "سبب استعماله الى عوامل اقتصادية ناتجة عن ارتفاع معدلات الفوائد، اذ يفضّل العميل الدفع المؤجل بواسطة الشيك للإستفادة قدر الإمكان من عائدات الفوائد. وكلما انخفضت معدلات الفوائد تراجعت ظاهرة الشيك المؤجل". وأكد أن "البديل الوحيد والأفضل المعتمد دولياً لتمويل التجارة والإقتصاد هو السند التجاري. واقترح مصرف لبنان لتنظيم هذه العملية إنشاء غرفة مقاصة خاصة للسندات كإجراء أول، ثم اعتماد رسم مقطوع بدلاً من نسبة الواحد ونصف في المئة على السند أياً تكن قيمته لخفض الكلفة المترتبة عليه، وتحفيز العملاء على استعماله. ويؤمن هذا الرسم مبالغ تعوّض أي خسارة ممكنة ناتجة عن خفض الرسم". ولفت السعيدي الى أن "البحث قائم أيضاً لترميز السند لتصبح مواصفاته موحّدة، مثلما تمّ ترميز الشيك". وقال نائب رئيس غرفة التجارة والصناعة في بيروت روبير دباس لپ"الحياة" أن "التعامل التجاري قبل الأحداث كان يتم من خلال السندات التجارية"، معتبراً أن "التعامل بواسطته سهل إذ لدى أي تأخير في الدفع يتم الإعلام عن العميل المتخلّف عن الدفع ما يسهّل التحصيل قبل اللجوء الى المحاكم. والسند وسيلة دفع قانونية ورادعة. لكن خلال الحرب استبدل السند بالشيك المؤجّل وهو وسيلة دفع غير قانونية، وسعينا الى إعادة إحياء استعمال السند في التعاملات وطالبنا بخفض الرسم وتجاوبت وزارة المال معنا، ونحن نطالب الآن بإلغائه كلياً للتحفيز على استعماله". وتطرّق دباس الى موضوع تأسيس مركزية مخاطر للتبادل التجاري بين المؤسسات من جهة والمؤسسات والأفراد من جهة أخرى كما هو معمول به بين المصارف وعملائها من خلال مركزية المخاطر في مصرف لبنان. واعتبر أن "هذا الأمر ضروري لحماية الإقتصاد اللبناني وبالتالي المؤسسات التجارية. إذ يهدف تأسيس مثل هذا الجهاز الى معرفة قدرة المؤسسات أو الأفراد على الإستدانة. ونبحث الآن في تحديد المرجع المسؤول عن جهاز مركزية المخاطر، وهناك ثلاثة احتمالات. فإما أن تكون مؤسسة خاصة وإما أن تكون من ضمن هيكلية غرفة التجارة والصناعة، أو في مصرف لبنان". ولفت الى "أهمية أن يتحقق هذا المشروع هذه السنة مع مشاركة أكبر عدد من الشركات والمؤسسات الخاصة لتدلي بمعلومات وافية عن ملاءتها المالية وتحديد قدراتها على الإستدانة والإقتراض وبالتالي عن عملائها لحفظ مصالحها". واعتبر أن "هذا المشروع أساسي في عمليات التبادل والتعاملات التجارية ويكمّل مشروع إعادة إحياء استعمال السند التجاري الذي نؤكد أنه وسيلة الدفع القانونية بهدف إلغاء التعامل بالشيك المؤجل الذي يشكل نسبة 60 في المئة في عمليات التبادل حالياً". اضافة إلى الإجراءات التي يتخذها مصرف لبنان وتسعى إليها الفاعليات الإقتصادية لإلغاء ظاهرة "الشيكات المؤجلة". حقّق مصرف لبنان من خلال تدابير أخرى عملية تنظيم وسائل الدفع في لبنان ومنها الشيك، إذ يمثّل وسيلة دفع رائجة في التعامل التجاري، وتشير إحصاءات غرفة المقاصة الى أن عدد الشيكات ارتفع خلال خمس سنوات من 1992 حتى 1997 من 148.3 مليون الى 916.10 مليون وزاد حجم الأموال المتداولة في التعاملات من 824.7 مليون ليرة لبنانية الى 821.42 مليون. وتظهر الإحصاءات أيضاً أن الشيكات بالعملات الأجنبية تشكل نسبة 6.75 في المئة من إجمالي التعامل مقابل 4.24 في المئة بالليرات اللبنانية. وكانت هذه النسب معكوسة في العام 1992 وبدأت تتحول في اتجاه معاكس بدءاً من العام 1994. وردّ السعيدي السبب الى "إدراج الشيكات بالعملات في المقاصة والسماح للمصارف بأن تودع أموالاً بالعملات لدى مصرف لبنان ولأن الإقتصاد اللبناني "تدولر"، موضحاً أن "في ظل أي إقتصاد "مدولر" يكون هذا الأمر طبيعياً". واعتبر أن "خطوة إيداع أموال المصارف بالعملات لدى مصرف لبنان مهمة لأنها كانت مودعة في الخارج وكانت المصارف الأميركية تستفيد من الحركة عبر إرسال الشيكات الى نيويورك لتحصيل أموالها ثم تعود الى لبنان الذي كان يخسر الفائدة والعمولة". وأوضح السعيدي أن "نسبة نمو عدد الشيكات ومبالغها أكبر من نسبة نمو الإقتصاد كون الطلب على هذه الوسيلة يزيد بنسبة أكبر. وبالتالي فإن أرقام الشيكات ومبالغها سواء بالعملات أو بالليرة تقترب من نسب الودائع سواء بالعملات أو بالليرة إذ تشكل الودائع بالعملات نسبة 66 في المئة". وطبيعي في أي تعاملات بالشيك أن تنشأ ظاهرة "الشيك المرتجع" وهي منتشرة في معظم الإقتصادات في العالم. وربط السعيدي "تطورها بتطور الوضع الإقتصادي فهي تزيد في فترات الركود". لكن مصرف لبنان حدّ من تطوّر هذه الظاهرة التي تراجعت بدءاً من العام 1996 بعد إنشاء مركزية المتخلفين عن الدفع في أيار مايو من العام نفسه إذ سجلت في حينه نسبة 68.3 في المئة من مجموع الشيكات المتقاصة مقابل 93.4 في المئة و23.4 في المئة في العامين 1994 و1995 لتسجل في العام 1997 نسبة 07.3 في المئة و10.3 في المئة في الأشهر الأربعة الأولى من 1998. واضافة الى مركزية المتخلفين عن الدفع، عمّم مصرف لبنان "الشيك المرمّز" بمواصفات موحّدة وبوشر باستعماله في أيار مايو من العام 1997. وأشار السعيدي الى أن "عدد الشيكات المرتجعة زاد وكذلك المبالغ، إلا أن نسبة هذه الزيادة لا تزال أقل من تلك المسجلة في دول أخرى وتصل الى 4 و5 و6 في المئة. يضاف الى ذلك أن بعض الشيكات ارتجعت لأسباب تقنية تتعلق بالشيك المرمّز". وقال إن "عدد الشيكات المرتجعة زاد من سنة الى أخرى لكن المهم أن النسبة لم تزد، ومثال على ذلك أن مجموع الشيكات في العام 1995 زاد من 2.9 مليون الى 9.10 مليون في العام 1997 إلا أن النسبة الى العدد تراجعت من 1.3 في المئة الى 3.2 في المئة. وبالنسبة الى القيمة زادت في العام 1995 من 3.36 بليون ليرة الى 7.42 بليون في العام 1997 إلا أن النسبة تراجعت من 23.4 في المئة الى 7.3 في المئة"