الانتخابات النيابية التي يفترض ان تجري في لبنان صيف العام المقبل ينظر اليها اللبنانيون وأحزابهم وفاعلياتهم السياسية ومرجعياتهم الروحية والرسمية بكثير من الاهتمام، لأنها ستكون الاولى في عهد الرئيس اميل لحود الذي ما انفك منذ تسلمه سلطاته يعد الناس على ألسنة قريبين منه وعاملين معه بالتخلص من العقلية السياسية التي تتحمل في رأيه كما في رأي قسم واسع من الشعب اللبناني مسؤولية الفساد المنتشر والتدمير المنهجي للوطن بكل مواقعه ومقوماته وأبرزها العيش المشترك الاسلامي - المسيحي. وتنفيذ هذا الوعد لا يمكن ان يتم باعتبار ان النظام في لبنان ديموقراطي حتى اشعار آخر الا من خلال الانتخابات النيابية. وتنفيذه لا يمكن ان يتم ايضاً الا بعد وضع مشروع قانون انتخابي يستطيع اللبنانيون بواسطته ان يعبروا عن رغبتهم في تغيير الطبقة السياسية. ولا يزال اللبنانيون ينتظرون صدور قانون الانتخابات، على رغم انهم يسمعون منذ مطلع العهد الرئاسي الجديد انه سيكون من الاولويات وانه سيوضع في متناول اللبنانيين لدرسه مع النواب قبل اقراره قبل موعد الانتخابات بوقت طويل ليكون مستوفياً شروط التغيير ومتطلباته. لا بل ان المعلومات المتوافرة حالياً تشير الى ان تأخر المعنيين في بت هذا الموضوع او في اعطائه الاولوية في برامجهم لا يزال مستمراً. من المسؤول عن هذا التأخير؟ تجيب اوساط نيابية بالقول ان المجلس ينتظر ان يحيل مجلس الوزراء عليه مشروع قانون انتخابات ليدرسه ويبته. وهذا لم يحصل على رغم الكلام الكثير عليه. وقولها صحيح. لكنه لا يعفي النواب من مسؤولياتهم اذ في امكانهم استناداً الى اصول دستورية وقانونية التقدم باقتراح قانون يتعلق بالانتخابات الى المجلس فيدرسه ويبته. ومن شأن ذلك ربما استثارة هذه الحكومة لتتقدم بمشروع آخر. يكون امام النواب اكثر من خيار. والتذرع للامتناع عن ذلك بمشاورات سياسية واقليمية ليس في محله لأن النواب يفترض ان يمثلوا معظم الاتجاهات السياسية في البلاد ولأنهم قادرون بصفتهم هذه على التقرير، علماً انهم غير بعيدين من التشاور الاقليمي المطلوب. لكن أوساطاً عليمة تعتقد بأن تأخير صدور قانون الانتخابات سيستمر وان اللبنانيين لن يحصلوا عليه الا قبل اشهر قليلة من موعد الانتخابات النيابية. ويعود ذلك الى اسباب متنوعة ابرزها عدم انتهاء المشاورات الجانبية على هذا الموضع بين السلطة والفاعليات السياسية على تنوعها وتناقضها الى تفاهم على العناصر الاساسية او المرتكزات الاساسية التي يفترض ان يتضمنها قانون الانتخاب الجديد. لأن بعض هذه الفاعليات يفضل الدائرة الانتخابية المصغرة كالقضاء مثلاً لسلامة التمثيل. ولضمان وصوله الى مجلس النواب. وبعضها الآخر يفضل الدائرة الكبرى كالمحافظة مثلاً لضمان سلامة التمثيل والوصول الى مجلس النواب ايضاً. وبعضها الثالث يلوح بالدائرة الواحدة التي يرفضها الكثيرون ضمناً. فضلاً عن انها كلها مع العدالة في توزيع الدوائر الانتخابية ومع رفض المعايير المختلفة التي تضمنها قانون الانتخاب في الانتخابات الماضية. والمقلق في عدم توصل هؤلاء الى تفاهم او بالاحرى المحرج هو ان معظمهم يعمل وينتظر ويتحرك ضمن خط سياسي وطني وقومي واحد، الامر الذي يفرض عليهم ان يكونوا متفاهمين على كل شيء. لكنهم في الواقع متناقضون فيما بينهم ومختلفون بعضهم مع بعض. ما هي بورصة الدوائر الانتخابية اليوم؟ يستبعد المعنيون بالانتخابات النيابية، من لبنانيين وغير لبنانيين، الدائرة الواحدة لأنها "لقمة" كبيرة جداً لا يمكن ان تبتلع واذا بُلعت بالقوة فإنها ستتسبب بعسر هضم قوي قد يؤثر سلباً على الوطن، ويرفضون في الوقت نفسه الدائرة الصغيرة، فردية كانت او على اساس القضاء. وهم يميلون الى "المحافظة" دائرة لكنهم في الوقت نفسه يحاولون ان يراعوا ما امكن مصالح عدد من الحلفاء والفئات تلافياً لتكرار النقص في تمثيلية مجلس النواب. ومن هنا تحدث الكثيرون في السابق عن تقسيم كل من المحافظات الست او بعضها الى اكثر من دائرة انتخابية. وبورصة الدوائر اليوم في عدد من الاوساط الرسمية او القريبة من السلطة تشير الى امور اربعة: اولها اعتماد كل من محافظتي الشمال والبقاع دائرة انتخابية، وثانيها تقسيم جبل لبنان الى دائرتين انتخابيتين، وثالثها اعتماد محافظتي الجنوب والنبطية دائرة انتخابية لمرة واحدة بسبب الاحتلال الاسرائيلي لأجزاء من الجنوب. ورابعها تقسيم العاصمة بيروت دائرتين انتخابيتين لإرضاء المسيحيين الذين لم ولن يرتاحوا لتقسيم الجبل دائرتين والذين يطالبون بأن لا ينتخب المسلمون ممثليهم في العاصمة حيث اكثرية الناخبين مسلمة. الا ان هناك من يستبعد هذه السيناريوهات لأسباب عدة، منها ان سورية راعية الوضع اللبناني تعتبر العاصمة بيروت دائرة انتخابية واحدة خطاً احمر يمنع تجاوزه لأن تقسيمها دائرتين انتخابيتين او اكثر من شأنه تعزيز الجو الطائفي وربما المذهبي في حين ان المطلوب هو التخلص من هذا الجو. والسير قدماً نحو الانصهار الوطني. ومنها ايضاً ان سورية تعتبر الزعيم الدرزي الابرز وليد جنبلاط خطاً احمر بدوره ينبغي مراعاته لكون نسبة تمثليه الطائفة الدرزية عالية جداً ولأنه حليف موثوق وقوي. ومنها ثالثاً ان سورية تعتبر الجنوب والنبطية دائرة واحدة لمصلحة البلاد، ومنها رابعاً ان سورية تعتبر ان ل"حزب الله" العمود الفقري للمقاومة الاسلامية حصة مهمة يجب ان يأخذها من خلال الانتخابات لكنها تعتبر في الوقت نفسه ان هذه الحصة يجب ان لا تكون على حساب رئيس مجلس النواب نبيه بري زعيم "حركة أمل" ومنها خامساً ان حلفاء سورية الآخرين والثابتين يجب ان لا يهتموا لأن سورية ولبنان لا يزالان في حاجة اليهم في ظل استمرار الوضع الاقليمي على حاله من التردي. وفي ظل انفتاحه على احتمالات قد تكون سيئة كما قد تكون ايجابيه، خصوصاً في ظل اعتقاد بعضهم ان لبنان لا يزال ساحة يمكن توظيفها للنيل من دمشق. ومنها سادساً ان تشاوراً عميقاً بين الحكم والحكومة في لبنان وسورية. يجب ان يحصل حول موضوع قانون الانتخاب. وهو لم يحصل حتى الآن. علما ان الجانب اللبناني يحاول اجراءه لكنه يواجه برغبة دمشق في تأجيله ريثما تختمر المشاورات اللبنانية وكذلك الوضع الاقليمي. اذ على نتائج تطور هذا الوضع لا بد ان تتحدد امور كثيرة