لا يمكن فصل التجاذب الدائر حول انتخابات الرئاسة في لبنان عن التجاذب حول قانون الانتخاب الذي ستجرى الانتخابات النيابية المقبل على اساسه ، وعلى رغم التسليم بان الكلمة النهائية في الملفين تبقى لسورية فان التجاذب بين القيادات اللبنانية يكشف ان معركة الاحجام بدأت فعلا وخصوصا بين الرئىسين نبيه بري ورفيق الحريري. وتقول مصادر سياسية مطلعة ان الحريري الذي اعتبر تركيبة مجلس النواب الحالي احدى نقاط ضعفه يعتزم دعم لوائح في مناطق لبنانية عدة ويتحرك بالتنسيق مع الوزير وليد جنبلاط لأقرار قانون انتخاب جديد وهو ما يضعه في مواجهة مع بري نظرا لاختلاف حسابات الطرفين. الموضوع السياسي الداخلي الذي يستأثر حالياً باهتمام الاوساط اللبنانية من سياسية وحزبية ودينية وشعبية هو استحقاق الانتخاب الرئاسي الذي يفترض ان يجرى وفقاً للدستور خلال ستين يوماً تبدأ من الثالث والعشرين من شهر أيلول سبتمبر المقبل، لكن الموضوع الذي سيطغى على اهتمامات هذه الاوساط بعد ذلك سيكون، في رأي جهات سياسية عدة، هو استحقاق الانتخابات النيابية التي يفترض ان تجرى خلال فصل الصيف من العام المقبل 1996 بعدما تكون ولاية المجلس الحالي شارفت نهايتها. ومن المؤشرات البارزة الى ذلك بدء تداول هذا الموضوع في وسائل الاعلام المحلية سواء من خلال تحليلات سياسية او من خلال مواقف تدلي بها بين الحين والآخر فاعليات وجهات سياسية علماً ان هذا الامر قد تكون له خلفيات اخرى متعلقة باستحقاق الانتخاب الرئاسي وبالمواقف المختلفة منه ومن قضايا - مشاكل داخلية عدة بين اركان "الترويكا" الرئاسية الحاكمة وفي الاوساط السياسية عموماً. والمعلومات المتوافرة على هذا الصعيد عند اكثر من مصدر سياسي مطلع تدعو الى عدم استبعاد تقديم موعد الانتخابات النيابية الى فصل الربيع المقبل لحماية موسمي السياحة والاصطياف من الاجواء السياسية الملبدة التي لا بد ان تخلفها المعارك الانتخابية ومن التوترات الحادة على أكثر من صعيد. ويتردد ان تبادلاً غير رسمي للآراء يجري حول هذا الامر بين كل المعنيين به داخل السلطة وخارجها وكذلك مع سورية الفاعلة في لبنان للاعتبارات المعروفة. كيف يمكن الاستعداد لاستحقاق الانتخابات النيابية المرتقبة بعد زهاء سنة من الآن؟ اذا كان الهدف اجراء انتخابات نيابية نزيهة وحرة وديموقراطية تؤدي الى قيام مجلس نواب ممثل فعلاً للبنانيين او يتمتع على الاقل بحد ادنى من صفة التمثيل، وهذا ما يردده باستمرار اركان السلطة والعراب الاقليمي للبلد فضلاً عن كل فاعلياته السياسية والحزبية والدينية، اذا كان الهدف كذلك فإن جهات سياسية عدة تعتقد ان على السلطة اتخاذ خطوات عدة ابرزها اثنتان: الاولى: أن تكون الحكومة الاولى للعهد الجديد المقبل او للعهد الحالي المستمر، في حال تم التمديد او التجديد للرئيس الحالي للجمهورية الياس الهراوي، حكومة التحضير للانتخابات ذلك ان العهد المذكور يبدأ في الرابع والعشرين من شهر تشرين الثاني نوفمبر المقبل. والانتخابات النيابية يفترض ان تجرى اما بعد سبعة او ثمانية اشهر من هذا التاريخ واما بعد خمسة اشهر في حال حدد موعدها في الربيع. وهذا امر ممكن لأن الدورة العادية لمجلس النواب تنتهي في آخر شهر أيار مايو. ولأن المسؤولين لن يفكروا بفتح دورة استثنائية نظراً الى قرب موعد الانتخابات وضرورة الاستعداد لها. والمدة الفاصلة الطويلة نسبياً بين موعدي بدء العهد الجديد والانتخابات ضرورية لحكومة الانتخابات، لأن الذي سيطلب منها على هذا الصعيد سيكون كبيراً. فمن مهمات تلك الحكومة وضع مشروع قانون انتخاب يطالب به الجميع واحالته الى مجلس النواب لدرسه واقراره سواء كما ورد او بعد تعديله. وهذا الامر لا يمكن ان يسلق سلقاً او ان يتم بكبسة زر. حكومة انتخابات اما في ما يتعلق بنوع الحكومة فإن الجهات السياسية تعتقد ان مصلحة لبنان تقتضي حكومة لا تضم مرشحين للانتخابات النيابية يكون اعضاؤها من التكنوقراط، وذلك ضماناً للحرية والنزاهة وتالياً للنتائج على صعيد صحة التمثيل. ولا يعكس ذلك انتقاداً لحكومات سابقة ضمت صفوفها وزراء مرشحين او اتهامات لهؤلاء بالافادة من مواقعهم لتأمين مصالحهم الانتخابية وفي الوقت نفسه لتأمين وصول مرشحين لتيار سياسي يتعدى لبنان الى الندوة النيابية. كما انه لا يعكس اتهاماً مسبقاً لرئيس لحكومة الحالي رفيق الحريري، الذي يرجح كثيرون عودته على رأس الحكومة الاولى للعهد الجديد المقبل، بأنه سيستغل موقعه لاغراض انتخابية، لكنه يعكس حرصاً على توافر اجواء حرة للانتخابات وعلى عدم تعريض الحكومة بكامل اعضائها للمغريات، وهذا امر بشري يمكن ان يحدث، وتالياً للاتهامات خصوصاً ان اللبنانيين ميالون في الاساس الى الحديث عن تجاوزات وتدخلات قد تكون وهمية بسبب تجارب كثيرة سابقة. الثانية: وضع مشروع قانون انتخاب يأخذ في الاعتبار واقع لبنان المعروف عن طريق المحافظة على التوازن الوطني والتمهيد تدريجاً لتحقيق الانصهار الوطني المطلوب. وتحدد الجهات السياسية المعنية نفسها ابرز العناصر التي يجب ان يتضمنها مشروع القانون المذكور بالآتي: 1 - الدوائر الانتخابية: في هذا المجال يدور صراع صامت خفي حيناً وعال ظاهر حيناً آخر بين ثلاثة مشاريع، الاول مشروع لبنان دائرة انتخابية واحدة. هذا المشروع يصطدم باخصام اساسيين في الاوساط السياسية والشعبية المسيحية وكذلك الدرزية كونه يمكن ان يوصل الى الندوة البرلمانية، في ظل الطائفية السائدة من زمان والمذهبية التي استشرت في ظل تطبيق اتفاق الطائف، نواباً مسيحيين ودروزاً لا يمثلون طوائفهم او مذاهبهم بسبب الاختلال في الميزان الديموغرافي في البلد بين المسيحيين والمسلمين عموماً، وعند المسلمين بين السنّة والشيعة من جهة وبين الدروز من جهة أخرى. ويصعب العثور لهذا المشروع على متبنين حقيقيين مؤمنين به ومستعدين للقتال في سبيل تطبيقه خلافاً لاستعدادات اخصامه. مع ان الجميع وتحديداً الذين ايدوا اتفاق الطائف ولا يزالون يؤيدونه على رغم الاجتزاء في تطبيقه والاكتفاء ببعض نصوصه من دون الروح يقولون علناً انهم مع لبنان الدائرة الواحدة ويشرحون حسنات هذه الدائرة. لكنهم يرفقون قولهم هذا بالاشارة الى الصعوبات التي تجعل تطبيقه صعباً بل مستحيلاً على الاقل في المستقبل القريب او المنظور. اما الحسنات فيوجزها هؤلاء بالقول: ان اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة يسهم في صهر اللبنانيين، ويساعد على تحويل الصراعات التقليدية الموروثة الى صراعات سياسية قائمة على امتداد رقعة الوطن، فيتم تخطي حدود الجماعات ويأخذ مضمون الخطاب السياسي منحى وطنياً صرفاً، ويسقط سلاح الطائفية والاقليمية، ويغدو البرنامج الانتخابي العنصر الاساسي في عملية استقطاب الناخبين، ما يؤدي تدريجاً الى قيام تكتلات سياسية شعبية كبيرة تفسح في المجال امام نشوء احزاب سياسية لا طائفية ذات قواعد شعبية عريضة، وهكذا تقوم في المجلس كتلاً نيابية كبيرة وفاعلة، قادرة على الاسهام في تطوير عمل النظام البرلماني اللبناني. واما الصعوبات فكثيرة في رأيهم. ابرزها اثنتان: الأولى غياب النظام الحزبي الفعلي عن الحياة السياسية اللبنانية، وذلك يعني ان على اللبنانيين ان يختاروا 128 نائباً من بين مئات المرشحين لا يعرفون معظمهم. في حين انه في النظام الحزبي لا يعود المرشحون مهمين وانما برامج الاحزاب التي اليها ينتمون، ما يمكن الناخبين من المفاضلة بين برامج الاحزاب التي تخوض الانتخابات، والثانية نوعية الاكثرية اللازمة للفوز في الاقتراع. فالنظام الاكثري هو المطبق للفوز في لبنان سواء عندما كانت الدوائر الانتخابية على مستوى القضاء او على مستوى المحافظة. وذلك يعني ان من يأخذ 51 في المئة من الاصوات يفوز. وهذا الامر كان "مقبولاً" في الماضي على رغم عدم عدالته يومها في نظر جهات حزبية وسياسية وعلى رغم مطالبتها باعتماد الاقتراع النسبي، وهو قد يبقى "مقبولاً" في حال استمرت الدوائر الانتخابية على مستويي القضاء او المحافظة. لكنه قطعاً يصبح غير قابل للهضم اذا اعتبر لبنان دائرة واحدة، نظراً الى وجود احتمال كبير بعدم تمثيل زهاء 49 في المئة من اللبنانيين وهذا امر خطير وعيب كبير في مدى تمثيل النواب للشعب اللبناني ومجلسهم. ولكي يكون مشروع الدائرة الواحدة ممكناً او قابلاً للتنفيذ لا بد من تبني اقتراحات عدة ابرزها اثنان: الاول اعتماد صوت واحد لكل مواطن اي جعل كل ناخب يصوت لمرشح واحد. ولا شك في ان اللبنانيين يعرف كل منهم مرشحاً يثق فيه ويؤمن بسياسته ومبادئه. وهذا الاقتراح طبق في الانتخابات العامة الاردنية الاخيرة. وهو الذي ساهم في اضعاف الاسلاميين في المجلس الجديد الاّ أن عيبه الاساسي هو الشرذمة والحؤول دون تكوّن كتل نيابية - كبيرة. الدائرة المركبة اما الاقتراح الثاني فهو اعتماد الدائرة المركبة في دورة انتخابية واحدة وقد فكر فيه الرئيس سليم الحص واعضاء كتلته النيابية. والمقصود منه اعتماد القضاء دائرة انتخابية ولبنان بكامله دائرة انتخابية في الوقت نفسه، وتوزيع المقاعد النيابية بين الدوائر - الاقضية ودائرة بيروت من جهة، ولبنان دائرة واحدة من جهة ثانية، مع مراعاة النص الدستوري اي المناصفة بين المسيحيين والمسلمين ونسبياً بين طوائف كل من الديانتين، كأن تتوزع مثلاً على الشكل التالي: 86 مقعداً للاقضية وبيروت و42 مقعداً للبنان دائرة واحدة. ويعتمد في الاقضية وبيروت الاقتراع الاكثري، وفي لبنان كدائرة واحدة الاقتراع النسبي. ويتم التصويت في المواعيد المحددة في الاقضية وبيروت في آن واحد، وفي مراكز الاقتراع نفسها، وفي صندوقين للاقتراع منفصلين، لمرشحي القضاء او بيروت وللوائح الدائرة الواحدة. وفي التصويت في الدائرة الواحدة يقترع الناخب لائحة من اللوائح تضم أربعة عشر مرشحاً: سبعة مسلمين 3 سنّة، 3 شيعة، 1 درزي. وسبعة مسيحيين 3 موارنة، 2 أرثوذكس، 1 كاثوليكي، 1 أرمني. اما بالنسبة لاعلان النتائج واسماء الفائزين، فتعتمد احدى طرق النظام النسبي يجري البحث فيها لاحقا. هذه الطريقة تؤدي الى تمثيل جميع الطوائف والقوى والتيارات السياسية تمثيلاً صحيحاً، ويجد الجميع موقعاً لهم فيها. فالدائرة على مستوى الاقضية توفر تمثيلاً طائفياً صحيحاً، والدائرة الواحدة على مستوى لبنان تفسح في المجال امام القوى والتيارات السياسية المنتشرة على امتداد الوطن، ولكن ليس لها حضور كثيف في أي من الاقضية، للمشاركة الفاعلة في الانتخابات وايصال ممثلين عنها الى المجلس. وهذا يسهم في تحقيق التوازن السياسي بأبعاده الطائفية والمناطقية والوطنية، ويساعد في نشوء كتل نيابية كبيرة لأن كتل النواب الفائزين عن الدائرة الواحدة من المحتمل ان تستقطب نواب الاقضية، خصوصاً انه ستنشأ شبكة من العلاقات السياسية والمصالح الانتخابية بين مرشحي الدائرة الواحدة ومرشحي الدوائر الاخرى، لأن مرشحي الدائرة الواحدة سيفوزون بأصوات ناخبي هذه الدوائر. كما يشكل هذا النظام الانتخابي خطوة تمهيدية لاعتماد نظام الدائرة الواحدة بشكل كامل. فوفقاً لنجاح هذا النظام الانتخابي يصار تدريجاً الى زيادة عدد مقاعد الدائرة الواحدة وتخفيض مقاعد الاقضية وبيروت. يؤخذ على هذا النظام انه يؤدي الى نوعين من النواب: نواب يهتمون بشكل خاص بالمناطق المنتخبين عنها، ونواب يركزون اهتماماتهم على الشأن الوطني العام، وهم نواب الدائرة الواحدة، ولكن هذا التنوع له ايجابياته ايضاً في بلد متنوع في تركيبته. على رغم هذين الاقتراحين واقتراحات اخرى بديلة منهما تبقى صعوبات الدائرة الانتخابية الواحدة كثيرة وكبيرة ويبقى اعتمادها مفيداً من الناحية النظرية فقط. بري والحريري والمحافظة والثاني مشروع دوائر انتخابية على أساس المحافظة. ومن فوائده انه يؤدي، كون المحافظات مختلطة طائفياً ومذهبياً، الى نشوء تحالفات بين مرشحين عن مختلف المقاعد في الدائرة، وبالتالي قيام تحالفات بين مرشحين وقوى سياسية من طوائف متعددة، وتسهم هذه الصيغة في تكوين نسيج سياسي وطني لا طائفي، وهذا النسيج يشكل ركيزة اساسية للوحدة الوطنية، وتربة خصبة لنشوء احزاب سياسية وطنية في تركيبتها البشرية وطروحاتها وممارستها. فالغاية من الاختلاط والتوازن الطائفي ليس تكريس الواقع الطائفي انما تخطي الانقسامات الطائفية. كما ان الدائرة الكبرى تحد من الولاء الشخصي لصالح البرنامج الانتخابي. غير انه يبقى لشخص المرشح دور اساسي حتى في اكثر الدوائر اتساعاً، لأن قيمة البرنامج تكمن في صدقية الاشخاص الذين طرحوه وتعهدوا تنفيذه. والدائرة الكبرى تسهم في نشوء كتل نيابية كبيرة داخل المجلس. الاّ أن من مساوئها خصوصاً اذا اعتمد التقسيم الاداري الحالي في لبنان الذي يضم ست محافظات هي بيروت وجبل لبنان والشمال والبقاع والجنوب والنبطية ان الاختلاط والتوازن الطوائفي المنشود لا يتوافران في المحافظات القائمة حالياً، لا سيما في جبل لبنان، والجنوب، والنبطية، والبقاع. ويخشى ان تؤدي زيادة عدد المحافظات الى نشوء دوائر انتخابية يطغى على كل منها لون طائفي واحد، اذا ما اعتمدت المحافظة دائرة انتخابية. هذا فضلاً عن ان الدوائر الكبرى المحافظة تثير المخاوف من ان التحالفات بين بعض القوى الاساسية في اطارها تتحكم بسير المعركة الانتخابية ونتائجها. وقد تأتي بأشخاص لا قيمة تمثيلية لهم وقد قدمت الانتخابات الاخيرة اكثر من دليل على ذلك. كما ان التحالفات هذه قد تقتصر على المعركة الانتخابية ولا تؤدي الى قيام كتل نيابية فاعلة حتى ولو فازت اللائحة بكاملها انتخابات الشمال. حسابات جنبلاط وتقول الجهات السياسية المعنية، ان لهذا المشروع خصماً سياسياً واحداً هو الزعيم الدرزي الابرز رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الوزير وليد جنبلاط لأن الدائرة الكبرى مثل محافظة جبل لبنان، حيث تقيم اكثرية الدروز اللبنانيين، مثلاً تجعل اختيار ممثلي الدروز رهنا بارادة الناخبين المسيحيين الذين بينهم وبينه وبينهم وبين الدروز عداوات مستحكمة ودماء. ولبعض المراجع عليه ملاحظات فرئيس الحكومة رفيق الحريري الذي يعمل لكي يخوض الانتخابات في كل لبنان او على الاقل في معظمه رغبة منه في تمثيل تياره السياسي والانمائي والاعماري، يفضل دوائر انتخابية منطلقة من التقسيم الاداري الحالي الذي يقسم الجنوب محافظتين الامر الذي يمكنه من تأمين الاكثرية النيابية في المنطقة التي تشمل صيدا ومحيطها. ورئيس مجلس النواب نبيه بري يعمل على إبقاء الجنوب كله بالنبطية دائرة واحدة على غرار الانتخابات الماضية وذلك لكي يأتي الى مجلس النواب على رأس كتلة كبيرة تضم في صفوفها ممثلين للتيارات السياسية الاخرى في الدائرة. اما الثالث فهو مشروع لبنان مؤلف من تسع دوائر انتخابية، وذلك يعني ابقاء محافظة بيروت دائرة واحدة وابقاء الجنوب محافظتين وتجزئة كل من المحافظات الاخرى الشمال والبقاع والجبل الى دائرتين واكثر الفئات السياسية تحمساً له هي الجهة التي يقودها الوزير وليد جنبلاط اقتناعاً منه بأن من شأنها تمكين اكثرية الدروز في جبل لبنان من ايصال ممثلين فعليين لهم الى مجلس النواب، وشاركه في هذه الحماسة رئيس الجمهورية الياس الهراوي الذي يريد، على رغم التجربة الفاشلة بالنسبة اليه في تجزئة البقاع دائرتين انتخابيتين في الانتخابات الماضية 1992، تكوين مرجعية قوية له في زحلة بعد خروجه من سدة الرئاسة تمكن ابنه أو ابنيه من تدعيم وضعهما السياسي والانتخابي. ويشاركه الحماسة نفسها ايضاً رئيس الحكومة رفيق الحريري اولاً لكون وليد جنبلاط حليفاً اساسياً له، وثانياً لأن هذا المشروع يريحه من ثقل بري الجنوبي. اما المسيحيون فهم مبدئياً ضد تقسيم الجبل محافظتين لأن لهم الاكثرية فيه لكن قريبين من الزعيم الدرزي الابرز يقولون ان هذا الموقف تغير او هو على قاب قوسين او ادنى من التغيير لأن القضاء على قوة الدروز الانتخابية وتالياً السياسية قد يكون مقدمة للقضاء على قوة المسيحيين الانتخابية والسياسية كون الفريقين اقليتين وان متفاوتتين في الحجم. الدائرة الصغرى طبعاً يقترح البعض في لبنان العودة الى الدائرة الصغرى، كالقضاء مثلاً وربما الدائرة الفردية لأنها توفر تمثيلاً صحيحاً للناخبين نظراً الى قلة عددهم ولأنها تكفل اكثر من غيرها صحة التمثيل الطائفي اذ تكون أغلب الاحيان من لون طائفي واحد. الاّ أنها تشكل تربة خصبة لتوظيف المشاعر الطائفية في السياسة وتعزز الولاء الشخصي والانتماءات الضيقة على حساب الولاءات والانتماءات الوطنية فتكرس الانقسامات التقليدية والشرذمة، ولا تساعد في تحقيق الوحدة الوطنية، الاّ إذ اعتبرت هذه الاخيرة وحدة قائمة على توافق بين ممثلي الطوائف. وهي تصرف المرشحين والنواب عن الاهتمام بالقضايا الوطنية الكبرى وتشغل بالمشاكل المحلية والمصالح الضيقة، ولا تسهم في قيام كتل نيابية كبيرة منظمة وفاعلة. لكن هذا الاقتراح لا يعد من الاقتراحات المتداولة جدياً عند اركان السلطة ولا عند سورية راعية المسيرة في لبنان. 2 - سن الانتخاب: يمنح قانون الانتخاب الحالي كما قوانين الانتخاب السابقة الذين اكملوا ال 21 سنة حق الاقتراع. وهناك كتل سياسية واحزاب مثل كتلة الانقاذ والتغيير التي يرأسها الرئيس سليم الحص ومثل كتلة الوفاء للمقاومة وحزب الله يفضلون ان يمنح حق الاقتراع في قانون الانتخاب الجديد من أتموا الثامنة عشرة افساحاً في المجال امام الجيل الجديد للتعبير عن آرائه ومواقفه، الاّ أن هذا الأمر لا يبدو موضع تداول كبير سياسياً واعلامياً وحتى شعبياً. ويرجح ان يتم صرف النظر عنه لاسباب عدة. 3 - البطاقة الانتخابية: اعتماد هذه البطاقة لممارسة حق الاقتراع منصوص عنه في قانون الانتخابات اللبناني، وعلى رغم ذلك لم يعمل بها منذ الاستقلال وحتى اليوم. قبل الانتخابات الاخيرة في العام 1992 قرر مجلس الوزراء اعتمادها وتم طبع الكميات الكافية منها، لكنه عاد وجمد تنفيذ القرار وابقيت البطاقات في المستودعات ولا يبدو ان موضوع البطاقة مطروح جدياً على الاقل لغاية الآن. على رغم المطالبة السياسية الاعلامية به، ويبدو ان اعتمادها في حال تقرر سيكون الهدف منه تسهيل الانتخاب لا تعقيده. وذلك يعني الاكتفاء بها وعدم استعمال اخراج القيد ولوائح الشطب ما يستلزم تعديلاً للنصوص الحالية. اما اعتقاد البعض ان اعتماد البطاقة الانتخابية يمكن صاحبها من ممارسة حق الاقتراع حيث يكون وليس في دائرته الانتخابية، فإنه في غير محله لصعوبة ذلك عملياً. المغتربون 4 - المغتربون اللبنانيون وحقهم في التصويت: هذا الموضوع كان دائماً مثار جدل ونزاع في موسم الانتخابات اللبنانية. ذلك ان قسماً من اللبنانيين معظمه مسيحي طالب دائماً باشتراكهم في الانتخابات انطلاقاً من اعتقاده بأن اكثريتهم مسيحية الامر الذي يغلِّب خيارات سياسية وطائفية معينة في البلد في حين ان قسماً آخر معظمه مسلم رفض دائماً هذا الطلب لاعتبارات مماثلة. وبصرف النظر عن المسحة الطائفية للموضوع المذكور فإن جهات سياسية لبنانية اساسية تقول ان تمثل لبنان بالدول المتقدمة التي تعطي مغتربيها حق الانتخاب من خلال سفاراتها ليس في محله. ذلك ان هذا الحق هو لانتخاب رؤساء الدول فقط وعلى افتراض انه ايضاً لانتخاب النواب فإن عدد هؤلاء المغتربين ضئيل قياساً بعدد المغتربين اللبنانيين الذي يفوق عدد المقيمين. وتقول ايضاً انه غير منطقي ولا قانوني ان تعطي دولة اناساً لا يخضعون لقوانينها ولا يدفعون ضرائب فيها وان كانوا اساساً من رعاياها الحق في اختيار ممثلي شعبها. وتقول ثالثاً ان هناك استحالة مادية امام اشتراك المغتربين في التصويت اذ كيف سينتقل هؤلاء من اماكن سكنهم الى القنصليات اللبنانية لممارسة حق الاقتراع خصوصاً اذا كانت المسافات بينها كبيرة جداً واذا كان عدد الاخيرة قليلاً جداً نسبة الى عدد المغتربين؟ وتقول رابعاً ان هناك استحالة مادية امام قيام المرشحين للقيام بحملات في اوساط الناخبين - المغتربين المنتشرين في ارجاء الكرة الارضية. وهي تقول خامساً واخيراً ان هناك مشكلة اساسية تتعلق بالمغتربين لا تزال من دون حل هي حقهم في استعادة الجنسية اللبنانية بعدما فقدها قسم كبير منهم لاعتبارات شتى. وهذه المشكلة موضع "نزاع" داخلي اذا جاز التعبير. هل يمكن تجاوز كل العقد المتعلقة بقانون الانتخاب؟ وكيف؟ الجهات السياسية المعنية تجيب عن ذلك بالايجاب ولكن ما هو موقف سورية التي تملك "القرار" في هذه المرحلة في ما يتعلق بلبنان، ولذلك فإن السؤال الذي يطرح اليوم هو هل لسورية مصلحة في قانون انتخابات عصري ام ان مصلحتها لا تزال تقضي بقانون "على القياس" كما حصل في الانتخابات الماضية؟ اما الجواب عنه فهو في دمشق وليس في بيروت.