مذكرة تفاهم بين إمارة القصيم ومحمية تركي بن عبدالله    ارتفاع الصادرات السعودية غير البترولية 22.8 %    برعاية ولي العهد.. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    تهديدات قانونية تلاحق نتنياهو.. ومحاكمة في قضية الرشوة    لبنان: اشتداد قصف الجنوب.. وتسارع العملية البرية في الخيام    الاتحاد يخطف صدارة «روشن»    دربي حائل يسرق الأضواء.. والفيصلي يقابل الصفا    انتفاضة جديدة في النصر    استعراض مسببات حوادث المدينة المنورة    «التراث» تفتتح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    جامعة الملك عبدالعزيز تحقق المركز ال32 عالميًا    «الأرصاد» ل«عكاظ»: أمطار غزيرة إلى متوسطة على مناطق عدة    لندن تتصدر حوادث سرقات الهواتف المحمولة عالمياً    16.8 % ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية في الربع الثالث    «العقاري»: إيداع 1.19 مليار ريال لمستفيدي «سكني» في نوفمبر    «التعليم»: السماح بنقل معلمي العقود المكانية داخل نطاق الإدارات    صفعة لتاريخ عمرو دياب.. معجب في مواجهة الهضبة «من يكسب» ؟    «الإحصاء» قرعت جرس الإنذار: 40 % ارتفاع معدلات السمنة.. و«طبيب أسرة» يحذر    5 فوائد رائعة لشاي الماتشا    «كل البيعة خربانة»    مشاكل اللاعب السعودي!!    في الجولة الخامسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي ضيفًا على العين.. والنصر على الغرافة    في الجولة 11 من دوري يلو.. ديربي ساخن في حائل.. والنجمة يواجه الحزم    نهاية الطفرة الصينية !    السجل العقاري: بدء تسجيل 227,778 قطعة في الشرقية    السودان.. في زمن النسيان    لبنان.. بين فيليب حبيب وهوكشتاين !    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    أمير نجران: القيادة حريصة على الاهتمام بقطاع التعليم    أمر ملكي بتعيين 125 عضواً بمرتبة مُلازم بالنيابة العامة    مصر: انهيار صخري ينهي حياة 5 بمحافظة الوادي الجديد    «واتساب» يغير طريقة إظهار شريط التفاعلات    ترحيب عربي بقرار المحكمة الجنائية الصادر باعتقال نتنياهو    تحت رعاية سمو ولي العهد .. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي.. تسخير التحول الرقمي والنمو المستدام بتوسيع فرص الاستثمار    أسبوع الحرف اليدوية    مايك تايسون، وشجاعة السعي وراء ما تؤمن بأنه صحيح    ال«ثريد» من جديد    الأهل والأقارب أولاً    اطلعوا على مراحل طباعة المصحف الشريف.. ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة يزورون المواقع التاريخية    أمير المنطقة الشرقية يرعى ملتقى "الممارسات الوقفية 2024"    محافظ جدة يطلع على خطط خدمة الاستثمار التعديني    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    انطلق بلا قيود    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. أمير الرياض يفتتح فعاليات المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة    مسؤولة سويدية تخاف من الموز    السلفية والسلفية المعاصرة    دمتم مترابطين مثل الجسد الواحد    الأمين العام لاتحاد اللجان الأولمبية يشيد بجهود لجنة الإعلام    شفاعة ⁧‫أمير الحدود الشمالية‬⁩ تُثمر عن عتق رقبة مواطن من القصاص    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    وزير الثقافة: القيادة تدعم تنمية القدرات البشرية بالمجالات كافة    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرئيس الجيبوتي السابق حسن غوليد يفتح دفاتره ل "الوسط". الرئيس اليمني يناديني "يا عم حسن" ولم أسمع بأفورقي إلا بعد استقلال اريتريا جمعت بين سياد بري ومنغستو ولكن بعد فوات الأوان الثانية والأخيرة
نشر في الحياة يوم 30 - 08 - 1999

يسرد الرئيس السابق حسن غوليد أكبر الزعماء سناً في منطقة القرن الافريقي ذات الأهمية الاستراتيجية في هذا الجزء الثاني والأخير من الأحداث التي واكبت زعامته ونضاله الطريقة التي كان يتعامل بها مع قادة أهم دول القرن الافريقي: اثيوبيا.
ويتحدث عن قصة الحرب بين اثيوبيا والصومال وخفاياها، ويتابع انهيار النظامين الصومالي والاثيوبي، والدور السوداني في المنطقة، وعلاقته مع خليفته الرئيس اسماعيل جيلة، ويختم حديثه بانطباعاته عن تركه الحكم وحياته بعد زوال الجاه والسلطة. وهنا نص الحديث.
يبدو واضحاً للمراقب ان جيبوتي أضحت آمنة وان نشاط المعارضة التي كانت في المنطقة لم يعد له صوت على رغم أنها كانت تحمل السلاح ضدكم. كيف استطعتم إنهاء خلافكم معها؟
- اختلاف الرأي من سنن الحياة واستخدام القوة لا يزيده إلا تعقيداً ودماراً، والخلاف لا يفسد للود قضية. من هذا المفهوم، وبالحكمة والعقلانية وبعيداً عن التشنج وردود الأفعال الغاضبة، استطعنا ان ندخل في حوار مع المعارضة متحلين بالصبر وضبط النفس لدراسة وجهة نظر المعارضة، وتوصلنا في النهاية الى قناعة مشتركة الى ما فيه سلامة الوطن ووحدته، فألقت المعارضة سلاحها وبدأت معنا في المساهمة في بناء الوطن، وحققنا لها مطالبها واستوعبنا مقاتليها في صفوف الجيش والشرطة. أما المدنيون أدخلناهم في الإدارة المدنية.
كيف اخترت لنفسك الحياد في صراعات القرن الافريقي؟
- لا شك في اننا تأثرنا بالمدرسة الفرنسية والقادة الفرنسيين الذين كانوا ينتهجون سياسات هادئة حتى في أيام الحرب الباردة. الهدوء في السياسة الخارجية ورثناه عن فرنسا كما انه كانت هناك ظروف اقليمية املت علينا ان نتبع سياسة الحياد الذي يضمن لنا استمرار كياننا. وأحب ان أوضح ان جيبوتي تتكون من اعراق وقبائل لها امتداد في كل من الصومال واثيوبيا واريتريا واليمن هذا الامتداد الاثني هو الذي دفع بكل من اثيوبيا والصومال للمطالبة بضم جيبوتي. فكانت سياسة التوازن التي اتبعناها مع البلدين عامل نجاة بالنسبة الينا. ووجود فرنسا وفّر لنا الحماية من الوقوع في فك الدولتين اللتين كانتا تؤمنان بمنطق القوة.
كيف تعاملت مع قادة الصومال واثيوبيا الذين كانت لديهم مطامع في بلادك؟
- الامبراطور الاثيوبي الراحل هيلا سلاسي كان يحظى بدعم غربي كبير وكان خطراً حقيقياً على جيبوتي وظل يستخدم الغرب، وحتى الفرنسيين كانوا يعتبرونه حليفاً لهم. كان الامبراطور يتخوف من استقلال اريتريا الذي سيؤدي الى تحول بلاده الى دولة بلا موانئ، لذلك كان يفكر في تحويل جيبوتي الى منطقة حرة ادارياً تكون تابعة للتاج الاثيوبي. وزاد تمسكه بهذه الافكار، خصوصاً عندما بدأت دولته تتآكل بفعل الحروب الشرسة التي دخلت فيها مع الثوار الاريتريين في الشمال، ومع الصوماليين في الشرق. وقد تلاشت التهديدات الاثيوبية تجاه جيبوتي بانهيار نظام الامبراطور هيلا سيلاسي.
ثم وصل الى السلطة في اثيوبيا العسكر الشباب وقاموا بعمليات تصفية كبيرة في صفوف القوات الاثيوبية وأدى ذلك الى اصابة القوات الاثيوبية بمزيد من الشلل. وتبنى هؤلاء القادة الشبان الاتجاه الماركسي المتشدد وحولوا اثيوبيا اكبر قاعدة روسية في افريقيا، وبدأت دول شرق افريقيا تتحول دول اشتراكية، خصوصاً المطلة منها على البحر الاحمر، عدا جيبوتي التي توجد بها قاعدة عسكرية فرنسية عززت فرص استقلال جيبوتي.
التطورات المتلاحقة والمستجدات المتتالية جنبت جيبوتي مواجهة اكبر قوتين عسكريتين في المنطقة لأن كلاً من الرئيسين الصومالي والاثيوبي تبنى خيارات لاسقاط الآخر بالقوة، فانشغلا بحالهما وتركا جيبوتي في حالها.
وعلى رغم ان الرئيسين لديهما تحفظات حيال استقلال جيبوتي، الا انهما عبرا عن سياسة حسن النية تجاه جيبوتي عند استقلالها في 1977. وعلاقة فرنسا الممتازة مع الدولتين هي التي فرضت على أديس أبابا ومقديشو انتهاج سياسة هادئة تجاهنا. ورب ضارة نافعة.. فالدولتان دخلتا حرباً شرسة وحادة بعد 15 يوماً فقط من استقلالنا ومع ان الحرب قلصت المخاوف الجيبوتية، الا انها كانت امتحاناً حقيقياً بالنسبة الينا فوجدنا استقلالنا في مهب الريح، خصوصاً ان سياد بري نجح في تحريض كل الصوماليين، بمن فيهم صوماليو جيبوتي، للتعاطف معه في حربه ضد اثيوبيا، اذ رفض الجيبوتيون من اصول صومالية العاملون في الميناء شحن وتفريغ البضائع الاثيوبية تعاطفاً مع سياد بري. والحقيقة ان جميع العرب والمسلمين تعاطفوا مع الصومال نتيجة التأثيرات النفسية لكونها دولة مسلمة. الاعلام العربي كله كان مع سياد بري وفي تلك الظروف الاقليمية الحرجة والبالغة الحساسية اخترنا الحياد.
ولكن للأسف الشديد الصومال اتهمنا بالانحياز الى جانب اثيوبيا، وأديس ابابا اتهمتنا بالانحياز الى الصومال. ومهما يكن فإن كلا من منغستو وسياد بري اختار الدخول في حرب طويلة كانت نهايتها نهاية نظاميهما.
ماذا كانت اهداف الحرب بين الدولتين؟ وكيف تابعتها؟
- كانت المؤسسة العسكرية الاثيوبية تعاني خلافات حادة نتجت من انتقال اثيوبيا من المعسكر الغربي الى الشرقي. وأباد منغستو كبار قادة الجيش الاثيوبي والجنرالات الذين تلقوا تعليمهم وتدريبهم في الغرب، الأمر الذي ادى الى انهيار المؤسسة العسكرية الاثيوبية وبدوره أدى الى انهيار الدولة الاثيوبية نفسها. لكن هجوم سياد بري ادى الى تماسكها وأطال عمر نظام منغستو الى 17 سنة، فدخول القوات الصومالية العمق الاثيوبي ادى الى التفاف جميع القوميات الاثيوبية حول منغستو.
كان سياد بري يملك قوة عسكرية ترتعب منها جميع دول المنطقة بما فيها اثيوبيا. اذ كانت لديه قوات يفوق عددها 800 الف جندي. وقد حقق معجزة واحدة وهي اقناع جميع الصوماليين بالالتفاف حوله ضد اثيوبيا. كانت جميع المساعدات تأتي من الدول العربية مصر والعراق وسورية ودول الخليج وجميع الاسلحة التي اشتراها من الروس جاءت بأموال عربية. وكانت قواته من حيث الترتيب خامس قوة عسكرية في القارة الافريقية.
هذه القوة أعمت بصيرة سياد بري الذي رفض جميع النصائح الاقليمية والدولية بالامتناع عن شن هجوم شامل على اثيوبيا، الا انه رفض الاصغاء لتلك النصائح فكان ذلك خطأه الكبير الفادح. اتصل به شاه ايران ونقل له شحنات من الاسلحة عبر جسر جوي، ونقل له ايضاً رسالة شفوية من الرئيس الاميركي السابق جيمي كارتر الذي اكد دعم واشنطن الكامل للصومال. وأعطت واشنطن للقادة في مقديشو ضوءاً اخضر لتوجيه ضربات تأديبية لاثيوبيا وكان الموقف الاميركي انتقامياً عقابياً ومؤشراً واضحاً على عدم رضاء أميركا من تحول اقوى حلفائها في المنطقة الى المعسكر الشرقي.
اتصلت بالرئيس المصري الراحل انور السادات وأخبرته بأن القوات الصومالية دخلت بأعداد كبيرة الأراضي الاثيوبية في ثلاث جبهات. وأوضحت له ان الآلاف من الجنود الصوماليين سيبادون ما لم ينسحبوا، لأن الروس اقاموا جسراً جوياً من اليمن الجنوبي وألمانيا الشرقية وكوبا لنقل 30 الف جندي الى اثيوبيا لمواجهة القوات الصومالية. واعتبروا ان سياد بري مدعوم بقوة رجعية امبريالية عالمية تجب محاربتها. طلبت من السادات ان يقنعه بسحب قواته قبل فوات الأوان. وأبلغني الرئيس المصري انه ظل يتصل به ليقنعه بعدم جدوى قطع علاقاته بالروس، وانه أبلغه بأن الرئيس كارتر يعتبر تجاوز قواته الحدود الاثيوبية تجاوزاً للخطوط الحمراء. وللتاريخ حاول السادات قدر جهده اقناع بري وكان يتصل به يومياً، صباحاً ومساء، لكن بري اصرّ على موقفه.
هدف الاميركان من تحريض حكومة سياد بري ضد اثيوبيا كان كسر شوكة القوات الصومالية وتدميرها حتى لا تهدد مصالحها الاقليمية مستقبلاً، اما موقف السوفيات فكان انتقامياً. وكانت مصر تدرك ذلك جيداً وتعرف ان الروس بعد طردهم من مصر لن يتقبلوا الطرد من أي دولة افريقية اخرى وانهم سيتدخلون بأي صورة من صور التدخل العسكري وهذا ما حدث فعلياً. وقد اتصلت شخصياً بأطراف عربية عدة وأوضحت لهم ان دخول القوات الصومالية الأراضي الاثيوبية احراج حقيقي للعرب الذين ساندوا بري وساهموا في بناء قواته.
وللتاريخ أقول ان القادة العرب الذين وقفوا معه ما كانوا ابداً يتمنون ان تتجاوز قواته الحدود الصومالية المتعارف عليها، لكن القوات الصومالية اكتسحت القوات الاثيوبية بصورة غير متوقعة ساعدها على ذلك انهيار الروح المعنوية للقوات الاثيوبية نتيجة الصراعات الحادة التي شهدتها القوات الاثيوبية والاغتيالات الواسعة التي تمت في صفوفها. احتلت القوات الصومالية اقليم اوغادين وبدأت تتجه نحو أديس أبابا من ثلاث جهات، واتصلت في تلك الفترة الحرجة بالرئيس سياد بري اسأله عن الوضع فقال: "خلاص احكمنا السيطرة"، وبعد ساعات قليلة سنشكل حكومة جديدة في أديس أبابا ونعطي اريتريا استقلالها ونقصي قومية الامهرا من السلطة الى الأبد".
وعرفت ان الرجل كان أسيراً لنشوة النصر، ومع ذلك اوضحت له ان الأسرة الدولية لن تسمح له بتنفيذ مخططاته، وان الاتحاد السوفياتي اقام جسراً جوياً ليفصل القوات الصومالية بعضها عن بعض، وانهم سيقومون باحتلال بلاده في ظل غياب قواته في اثيوبيا. وأوضحت له ان العرب مستاؤون من تصرفه وقبل ان اكمل حديثي معه قطع المكالمة وأغلق الخط بغضب.
فبدأت المأساة.. اذ ان القوات السوفياتية دخلت عبر ميناء عصب، وأسطولها الراسي فوق البحر الأحمر ضرب جميع مراكز الاتصال وأجهزة الرادار الصومالية. وقامت بعملية فصل القوات الصومالية بعضها عن بعض، الأمر الذي ادى الى انسحابها عشوائياً تاركة وراءها اسلحة ضخمة تقدر بملياري دولار.
كان بامكان بري بناء امبراطورية صومالية تعيد للعرب والمسلمين هيبتهم في المنطقة لكن عقليته العسكرية ذات الأفق الضيق تسببت في انهيار اقوى قوة عسكرية في المنطقة بناها بالدعم العربي.
كيف تابعت انهيار نظامي منغستو وسياد بري؟
- تمكنت في سنة 1986 من الجمع بين الرئيسين في جيبوتي بعد عداوة طويلة وكراهية. وجاء ذلك اللقاء بعد ان تآكل النظامان وأشرفا على الهاوية فمنغستو كان يواجه عددا لا يحصى من فصائل المعارضة الاثيوبية التي كانت تحاربه في كل الاتجاهات وكذلك سياد بري. والذي استطيع ان اقوله هنا ان سياد بري نجح في زلزلة اركان الحكم في اديس أبابا بتسخيره كل امكانات الصومال لقوى المعارضة الاثيوبية التي كان يفوق عدد مكاتبها في مقديشو عدد السفارات الاجنبية المعتمدة هناك.
اتفق الرئيسان في جيبوتي على ايقاف جميع الأنشطة المعادية والحد من نشاط القوى المعارضة لكل منهما. ولكن للأسف الشديد اوراق اللعبة كانت خارج سيطرتهما، فمنغستو لا يستطيع السيطرة على المعارضة الصومالية التي تمكنت الى حد كبير من تحقيق تقدم واضح داخل الأراضي الصومالية على حساب سياد بري. وقوات الثورة الاريترية في تلك الفترة سيطرت على 60 في المئة من الأراضي الاريترية، وقوات المعارضة الاثيوبية سيطرت على 70 في المئة من الأراضي الاثيوبية.
كان هناك طرف ثالث يلعب بخيوط قوى المعارضة في المنطقة هذا الطرف هو السودان، اذ ان الخرطوم على رغم تعاقب الأنظمة فيها، الا ان نظرتها لقوى المعارضة الاثيوبية ظلت ثابتة. والذي أريد ان اوضحه هنا ان نظام سياد بري ليس هو وحده المنفرد بايقاع اللعبة في منطقة القرن الافريقي. وقد قيل ان الله يضع سرّه في أضعف خلقه، فان جيبوتي التي كان يحتقرها الطرفان هي الوحيدة التي تمكنت من الجمع بينهما واقناعهما بالتوصل الى اتفاق واستئناف العلاقات الديبلوماسية. ولكن كل ذلك لم يوقف سرعة انهيار النظامين وسقوطهما. وقد شاهدت انهيار النظامين وتابعت هروب آلاف الجنود الاثيوبيين والصوماليين الى جيبوتي، خوفاً من ملاحقة الثوار. واستقبلت بلادنا لاجئين من كلا الدولتين يفوق عددهم تعداد سكان جيبوتي. وتابعت عن كثب هروب منغستو الى هراري وهروب سياد بري الى نيجيريا وموته هناك.
هل كانت لديك علاقات شخصية مع الرئيس سياد بري؟
- كنا دائماً نختلف ونادراً ما نتفق. الخلاف الحقيقي بيني وبينه كان في التوقيت، فهو ينام نهاراً ويتحرك ويعمل ليلاً. وأنا عكسه تماماً! كان يأتي الى منزلي ليلاً لمقابلتي وكنت دائماً ارفض مقابلته وحتى الفترات التي كنا نتقابل فيها لا يريد ان يعترف بكوني رئيس دولة ويعاملني وكأني جزء من الصومال الذي يحكمه. وكثيرا ما كان يستخدم كلمات جارحة بحقي وحق جيبوتي، ويتحدث باسمنا في المحافل الدولية والعربية. ولكن بري مع كل سلبياته عسكري محترف لا يعيبه الا غروره الذي أدى الى هلاكه وهلاك الصومال.
الجبهتان الحاكمتان في كل من الخرطوم وأسمرا تدعيان انهما صاحبتا الفضل في تغيير الوضع في القرن الافريقي. ما مدى صحة هذه الادعاءات؟ وما دور سياد بري في التغييرات الجذرية التي حدثت في المنطقة؟
- ربما كان للجبهتين الحاكمتين في اسمرا والخرطوم دور في تغيير الأوضاع في المنطقة، ولكن من باب الانصاف والتاريخ فان سياد بري هو صاحب الفضل الأكبر في التغييرات والتطورات السياسية في منطقة القرن الافريقي. الحروب التي خاضها بري ضد اثيوبيا هي التي تسببت في انهيار نظام الامبراطور هيلاسيلاسي. والسياسة الخارجية التي اتبعها ضد اثيوبيا لعبت دوراً كبيراً في التعجيل بسقوط نظام الدرك. ولا يستطيع احد ان ينكر دعم بري للثوار الاريتريين، فكان يمنحهم جوازات سفر ديبلوماسية. وهو بكل المقاييس مهندس المتغيرات في المنطقة ولكنه رحل قبل ان يشاهد ثمرة جهوده.
اما ادوار الآخرين فهي ثانوية. فالسودان باعتباره مركز انطلاق الثوار الاريتريين وقوى المعارضة الاثيوبية كان له تأثير في مجريات الاحداث في المنطقة، ولكن اكثر جبهة ارهقت اثيوبيا هي الجبهة الصومالية. اما الرئيس اسياس افورقي فلم اسمع به الا بعد استقلال اريتريا وكان اسمه بالنسبة الينا غير معروف فجميع القادة الاريتريين والأسماء الاريترية اللامعة اختفت بعد الاستقلال. فدور الثورة الاريترية كان مكرساً لتحقيق الاستقلال، ولم نر دوراً اقليمياً الا في عامي 1994 و1995 من خلال اطروحات افورقي لمحاربة الأصولية في المنطقة، وهو لم يحقق شيئا حتى الآن، وكل ما حققه انه دخل في مواجهات غير مبررة مع اليمن والسودان واثيوبيا. وربما كان يرغب في ان يلعب دوراً مؤثراً في المنطقة، لكنه لا يملك المقومات التي تؤهله لذلك، فالدولة الاريترية نفسها وليدة المتغيرات التي قام بها الرئيس سياد بري، فهو صانع التاريخ في المنطقة والبقية ادوات مكملة.
ما هو تقويمك للقمم العربية الافريقية؟
- الأفارقة مهما اختلفوا فانهم يجتمعون سنوياً على مستوى القمة ويناقشون قضاياهم، وعلى رغم التباينات العرقية والثقافية والدينية ويتخذون قرارات مهمة تصب في مصلحة دولهم والقارة. اما الدول العربية فعلى رغم عوامل الوحدة والأسباب الكثيرة للقاء فهي غير قادرة على التوصل الى حد ادنى من الاتفاق والرؤية المشتركة. وعلى العرب ان يضعوا حداً للمجاملات، وان لا يكونوا اسرى الماضي، وعليهم الاستفادة من تجارب الآخرين، والأحداث من حولهم.
والخلافات العربية - العربية تنعكس احياناً سلباً على أداء المنظمة الافريقية، لأن الدول العربية الأعضاء في المنظمة تنقل خلافاتها الى منظمة الوحدة الافريقية. وعلى سبيل المثال المجموعة العربية طالبت دول الممنظة الافريقية بطرد مصر من عضويتها بسبب توقيعها اتفاقية كامب ديفيد، لكن الدول الافريقية رفضت الطلب.
هل لديك مآخذ على المواقف العربية تجاه افريقيا؟
- كان هنالك اهتمام عربي بالقارة الافريقية قبل بدء التطبيع بين بعض الدول العربية واسرائيل، ويبدو ان العرب تخلصوا في السنوات الاخيرة من الاهتمام بالقارة السمراء وأهملوها.
نبادر - نحن العرب - بالهرولة نحو الدول الافريقية عندما نحتاج الى اصواتها في اروقة الأمم المتحدة، اما عدا ذلك فلا نلتفت اليها.
شخص تمنيت ان تراه ولم تتحقق الأمنية…
- جمال عبدالناصر.
الوحدة العربية…
- كانت بالنسبة الي امنية شخصية عجز القادة العرب عن تحقيقها.
وهل هي ممكنة؟
- هي حلم قريب المنال، لكن هناك اصابع اجنبية تمنع حدوثها عن طريق أداة عربية.
هل تتذكر يوماً سالت فيه دموعك؟
- البكاء مشاعر انسانية دفاقة، واي رئيس يبكي من داخله ويبكي عندما يشاهد اخفاقات الأمة وانهيارها. وبمشهد مجزرتي صبرا وشاتيلا تدافعت الدموع من عيني من دون ان اشعر بها. وبكيت متألماً عندما شاهدت انهيار الصومال، وقتل الأب لابنه والابن لأبيه وأخيه، وقبل هاتين الحادثتين المؤلمتين بكيت عندما رحل الرئيس جمال عبدالناصر والملك فيصل.
من هو الصديق المقرب اليك من الرؤساء؟
- حقيقة عندما اصبحت رئيساً لجيبوتي كنت قد تجاوزت العقد السادس من عمري، وقد توصلت الى انه لا صداقة بين الرؤساء الا من خلال ديبلوماسية المصالح، لأن اي صداقة شخصية يمكن ان تخلف لي مشكلة. وحقيقة هناك بعض الرؤساء الذين ترتاح اليهم من اول نظرة، وهناك من يحدث معهم عكس ذلك، وهذا طبعاً لا يؤثر في العلاقات او اتخاذ القرارات، وحقيقة هناك بعض الرؤساء فمثلاً هناك رئيس دولة عربية مجاورة يقول لي "يا عم حسن". هذا الرئيس هو الأخ علي عبدالله صالح الذي رفع الكلفة في تعاملاتنا. وايضاً رئيس الوزراء الاثيوبي ملس زيناوي يتعامل معي معاملة خاصة. هذه المعاملات الجميلة لها تأثيراتها على النفس. ومع هذا وذاك باعتباري اكبر رئيس سناً في العالم العربي وافريقيا فنصيحتي لاخواني الرؤساء ان صداقة الرؤساء مكلفة، وفي سبيل هذه الصداقات يتحمل الشعب ثمناً باهظاً. وحقيقة انني لست نادماً لعدم اقامة علاقات صداقة مع الاخوان الرؤساء… وأخُص بهذا الكلام الاخوة العرب لأننا نحن العرب اكثر مجاملة.
هل لسعادة الرئيس وقت محدد لمتابعة وسائل الإعلام خصوصاً الاذاعة والتلفزيون والصحف؟
- من الاذاعات العالمية استمع لاذاعة فرنسا الدولية والقسم الصومالي في هيئة الاذاعة البريطانية بي بي سي اضافة الى وسائل الاعلام الجيبوتية المقروءة والمسموعة والمرئية بشكل يومي. وأتحصل على ملخص لمجريات الأحداث عن منطقة القرن الافريقي والعالم العربي. وكنت أقرأ كل الصحف التي تكتب عن جيبوتي. وأكثر محطة فضائية أتابعها محطة الجزيرة.
هل تابعت اذاعة خارجية تنتقدك؟
- اذاعة القسم الصومالي في هيئة الاذاعة البريطانية فهي تعتدي عليَّ كثيراً، لكني أغضّ الطرف، وعلى رغم ذلك فإن هذه الاذاعة لعبت دوراً كبيراً في نشر الوعي وسط الشعب الصومالي، وعندما حاولت الهيئة ايقاف هذا القسم طلبت منها عدم اتخاذ هذا القرار على رغم ما تشنه من هجوم غير مبرر عليَّ شخصياً. وصادف أنني سمعت مرات عدة من الاذاعة الفرنسية انتقادات موجهة الى جيبوتي والى شخصي.
ما هي طبيعة علاقتك مع من خلفك في الحكم وتوقعات علاقتك المستقبلية معه؟
- ارتبط بي الرئيس اسماعيل جيلة منذ أكثر من ثلاثة عقود، وعمل معي سكرتيراً خاصاً ثم مديراً لديوان شؤون الرئاسة ولم نفترق أبداً وكان بالنسبة إليَّ الساعد الأيمن، واعتبره أحد أبرز أبنائي الذين أجهضوا كل محاولات الانقلاب ضدي، والرئيس اسماعيل له مميزات عنصر القيادة، ومن مميزاته القدرة على التسامح، فهو شخص ذو قلب كبير، ويتميز بالهدوء والصبر والتريث في اتخاذ القرارات بالاضافة الى امكاناته العملية، وهو جدير بقيادة جيبوتي لأنه ظل في السنوات الماضية يقود دفة الحكم معي. وأقام علاقات مع عدد من قادة دول الجوار وهذه العلاقات ستمكنه من قيادة جيبوتي الى آفاق أوسع. وسيفتح المجال أمام العالم العربي أكثر لأنه كسر حاجز اللغة ويستطيع مخاطبة العرب بلغتهم، اضافة الى إلمامه بكل اللغات المحلية، عفرية وصومالية. وأنا مطمئن الى أن أترك السلطة لمن هو مؤهل للمحافظة على وحدة البلاد.
إذا كانت ثقتك بجيلة الى هذه الدرجة فلماذا لا زلت تتمسك برئاسة الحزب الحاكم؟
- يعود تمسكي برئاسة الحزب أساساً لخدمة الرئيس اسماعيل والبلاد، لأن هذا يعطي نوعاً من الاطمئنان للجيبوتيين، ووجودي في رئاسة الحزب ما هو إلا رسالة لبث الطمأنينة والاستقرار في جيبوتي، لكنني سأتخلى عن هذا المنصب أيضاً.
جيبوتي ذات الموقع الحساس على البحر الأحمر، هل حدث اتصال بينها وبين اسرائيل مطلقاً؟
- لي قناعة شخصية بعدم اقامة أي شكل من العلاقات مع اسرائيل وهذا ظل المبدأ في جيبوتي. وعرض علينا مسؤولون أميركيون تقديم معونات في مقابل تطبيع العلاقات مع اسرائيل لكننا رفضنا هذا المبدأ. وهناك رئيس دولة في القرن الافريقي يقيم علاقات طيبة مع اميركا، نصحنا باقامة علاقات مع اسرائيل للاستفادة من خبراتها، لاعتقاده بأن اسرائيل سلاح ذو حدين: من ناحية تستقطب بها الدعم الغربي، ومن ناحية أخرى تخوِّف بها العرب ليقدموا لك المساعدات. نحن رفضنا هذه النصائح وقدرنا وقوعه تحت التأثير الاسرائيلي وعداءه للعرب. وللتاريخ أقول ان رئيس دولة في منطقة القرن الافريقي لعب دوراً في ايجاد قنوات بين اسرائيل والفصائل الصومالية. ووجود اسرائيل في تلك الدولة سهل مهمة التغلغل في دول القرن الافريقي. ولديّ الكثير حول هذا الموضوع لكن نشره في هذه الآونة لن يكون في مصلحة العرب، لأن بعض الدول العربية نفسها متورطة في هذه اللعبة القذرة. وحقيقة كانت مؤامرة كبيرة شاركت واشنطن في طبخها.
بصراحة شديدة، ماذا كان شعورك وأنت تودع كرسي الحكم؟
- تخلصت من أكبر مسؤولية. وسعادتي لا توصف لحظة تسليم السلطة، وسط حضور اقليمي ودولي. تعتبر بالنسبة لي سعادة لا تقدر بثمن. وهي لحظات حاسمة في حياتي.
ألم يراودك شعور بأنك فقدت شيئاً مهماً؟
- لا أخفي عليك ان الجاه والسلطة مغريات من الصعب على مخلوق ضعيف مقاومتها، ولكن كان لا بد أن تخسر الشيء الذي تحبه من تلقاء نفسك قبل أن تفقده بأسلوب قد لا يرضيك. وأنا سعيد جداً أن يختار الجيبوتيون من يقودهم للفترة المقبلة بمحض ارادتهم، وهذا فخر سيظل الشعب الجيبوتي يعتز به.
ألم يحدث لديك فراغ بعد أن تخليت عن السلطة؟
- بالطبع حدث تغيير كبير. في السابق كنت متعوداً الذهاب الى المكتب مبكراً، وأعود منه في الثانية عشرة والنصف ظهراً وأنام في التاسعة مساء. أما الآن فلا أذهب الى المكتب. ولدي فراغ على رغم أنني أتبنَّى أكثر من 200 طفل وأكرس وقتي للاهتمام بهم. وأنا راض بهذا الوضع، وهذه سنة الحياة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.