فرصة جديدة تتيحها القمة الافريقية التي تستضيفها الجزائر للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة ليؤكد مرة أخرى عودة بلاده الى الساحة الافرىقية والدولية من أوسع أبوابها. وقد حرص بوتفليقة شخصياً على أعطاء طابع رمزي غني بالدلالات لهذه القمة، من خلال توجيه الدعوة الى أربعة رؤساء سابقين ساهموا في تأسيس منظمة الوحدة الافريقية العام 1963 وهم: أحمد بن بيلا الجزائر وجوليوس نيريري تنزانيا وليوبولد سيدار سنغور السنغال ونيلسون مانديلا جنوب افريقيا. وعلى رغم المشكلات الداخلية المعقدة التي تشهدها الجزائر، يتوقع المراقبون ان تشهد المنظمة الافريقية تحركات جديدة في ظل رئاسة بوتفليقة على مدى سنة. وتأتي فرصة القمة الخامسة والثلاثين بعد تلك التي اتيحت للرئيس الجزائري في منتدى "كران مونتانا" سويسرا لرجال الاعمال التي استغلها احسن استغلال لتقديم الوجه الجديد لجزائر تتجه بعزم لتجاوز محنها الداخلية والانفتاح على العالم. ان جزائر بوتفليقة، حسب الرسائل الموجهة الى العالم عبر منتدى "كران مونتانا" - تدرك جيداً البعد الاقتصادي والاجتماعي لأزمتها الداخلية، وبالتالي فهي تولي أهمية خاصة لهذا البعد الذي يشكل التعاون الدولي شرطاً أساسياً لتحقيقه. وفي هذا الاطار تندرج مساعي بوتفليقة منذ انتخابه في 15 نيسان ابريل الماضي الى احلال "الوئام المدني" في بلاده عبر سياسة جريئة وواضحة لوقف النزف وتضميد الجراح ولم شمل الجزائريين، وهي سياسة تستهدف حسب قوله "مصالحة الجزائر مع ذاتها" لتستأنف مسار "التنمية الوطنية الشاملة" بقوة وثقة. وقد حمل الرئيس المصري حسني مبارك، لبوتفليقة في 3 تموز يوليو الجاري تطميناً من واشنطن وباريس الى انهما تنظران بارتياح الى الخطوات التي اتخذها حتى الآن على طريق المصالحة الوطنية وإعادة الأمن والاستقرار. واستغل بوتفليقة مناسبة الاحتفال بالعيد الوطني 5 تموز ليطلب من الجيش مساندته بلا تحفظ في تطبيق سياسة "الوئام المدني" وهي التسمية الجديدة "للمصالحة الوطنية". وانتهز الفرصة ليؤكد مجدداً لقيادة الجيش انه معها في خندق واحد، دون ان ينسى طبعاً توجيه سهامه الى فئة من المعارضة دأبت على انتقاد الجيش بتجاهل دوره في "حماية الجمهورية ووحدة الشعب وسلامة التراب الوطني". وقد حرص الرئيس بوتفليقة على توجيه هذه الرسالة بمناسبة تقليد الرتب الجديدة لعدد من كبار الضباط، حتى يدرك الرأي العام الوطني وشركاء الجزائر من الدول الاجنبية خاصة، انه بصدد تطبيق سياسة تحظى بموافقة الجيش ومباركته، تكذيباً لمزاعم بعض المعارضين الذين يحاولون التشكيك في الانسجام القائم بين وزارة الدفاع والقصر الرئاسي في ظل سيده الجديد. وأصدر الرئيس الجزائري مرسوماً رئاسياً بالعفو عن آلاف السجناء الذين حوكموا بتهمة "دعم أو مساندة الجماعات المسلحة". وتفيد مصادر أمنية ان عدد المستفيدين من هذا المرسوم يتجاوز 5 آلاف سجين. وبموازاة مع هذه الاجراءات التي تشكل أول خطوة ملموسة على طريق تكريس الهدنة، يسعى الرئيس الجزائري الى "استعادة هيبة الدولة" على الصعيدين الأمني والإداري.