تتعرض حكومة الرئيس سليم الحص لهجمات متتالية من معظم السياسيين اللبنانيين، خصوصاً من غالبية اعضاء مجلس النواب التي منحتها الثقة قبل اكثر من 6 أشهر، فهم يأخذون عليها من جهة تعثرها في تحقيق الاصلاح الاداري الذي وعدت به. وهم يأخذون عليها، من جهة ثانية، عدم نجاحها في ازالة الانكماش الاقتصادي وعدم توافقها على خطة اقتصادية وسياسة مالية. وهم يأخذون عليها ثالثاً عدم ايحائها الثقة للمستثمرين . ويأخذون عليها رابعاً عدم وجود وزير متفرغ للخارجية في مرحلة اقليمية دقيقة. وهم يأخذون عليها خامساً تحولها مع مجلس الوزراء هيئة تصديق على القرارات كما قال اخيراً وزير الخارجية السابق فارس بويز. هل تستحق حكومة الرئيس سليم الحص هذه الانتقادات؟ يكاد المطلعون يجمعون على ان الحكومة الحالية فشلت في تحقيق ما امله الناس منها. لكنهم يلفتون الى ان الحكومات التي سبقتها لم تكن افضل حالاً منها، خصوصاً على صعيد الانجازات المتعلقة بالاصلاح الاداري او بالاصلاح الاقتصادي وما الى ذلك، وهدفهم من هذه اللفتة الاشارة الى ان ما تتعرض له حكومة الحص هو هجوم على العهد من خلالها نظراً الى تعذر الهجوم عليه مباشرة لاعتبارات متنوعة قد يكون ابرزها كثافة الدعم السوري له، خصوصاً انه لم يمضِ على قيامه سوى بضعة اشهر. ويدل ذلك في صورة واضحة على وجود معركة قوية لكن غير معلنة، بين العهد وعدد واسع من افراد الطبقة السياسية وأبرزهم على الاطلاق الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري. وحكومة الرئيس الحص هي اداة المعركة وساحتها. ما هي اسباب هذه الحرب؟ القريبون من العهد يقولون ان السبب الأبرز محاولة الاخصام والمعارضين اجهاض المسيرة الاصلاحية، فهم يرفضون الاصلاح ويريدون استمرار الفساد بعدما ألزم الرئيس اميل لحود نفسه في خطاب القسم احداث تغيير نوعي في البلاد . ويريد العهد الحالي توحيد الدولة وأبعادها عن الحساسيات الطائفية والمذهبية وحصر العلاقة بسورية بدولة لبنان اقتناعاً منه ان من شأن ذلك تعزيز وحدة الدولة والمؤسسات واضعاف الجزر السياسية القائمة داخل الدولة اللبنانية، اما البعيدون عن العهد والمعارضون له فيعتقدون بأن السياسة التي ينفذها ستحقق عكس الغايات المرجوة منها. فهي ستقضي على ما تبقى من الحياة السياسية وستفسح المجال امام قيام نظام ديموقراطي شكلاً وشمولي فعلاً كما انها ستعزز الحساسيات الطائفية والمذهبية . كما انها ستزيد من الركود الاقتصادي بسبب تنفيرها اصحاب الرساميل، فضلاً عن انهم يشككون في امكان نجاح العهد في تحقيق ما يصبو اليه على صعيد مكافحة الفساد في ظل تحول احد رموز الحكومات الفاسدة ركناً اساسياً فيه. ولئلا يبقى الكلام عن "الحرب" بين العهد وأخصامه، وفي مقدمهم الرئيس الحريري، في اطار التنظير يعطي المطلعون انفسهم مثلاً يؤكده البيان الذي اصدرته "مصادر وزارية" مجهولة قبل فترة في بيروت تضمن هجوماً حاداً على الحريري واتهامات بالغة القسوة له ولمؤيديه، ذلك ان رئيس الحكومة سارع بعد اطلاعه على البيان والضجة الواسعة التي اثارها الى نفي علمه به، متهماً جهات خارج الحكومة، لكن رسمية طبعاً، بإصدار البيان ومطمئناً الناس الى انه اتخذ اجراءات لمعالجة هذا الامر ولمنع تكراره، وهو لم يفعل ذلك الا بعدما زار سيد العهد وأوضح له خطورة البيان على الحكومة وعلى الوضع العام. من وضع بيان "المصادر الوزارية" المجهولة؟ هناك نوع من الاجماع على ان واضعيه من المحيط الرسمي المؤيد بقوة للعهد من دون ان يعني ذلك ان سيد العهد على علم به. وهناك نوع من الاجماع ايضاً على انه يعبر عن ضيق صدر هؤلاء بالنقد وانتشار الاخبار خصوصاً ان المعلومات تشير الى ان ظهور مقالات في عدد من صحف يوم الاثنين الاسبق كان من ابرز الاسباب التي دفعتهم الى اصدار البيان. وهناك نوع من الاجماع ايضاً على ان البيان يعبر بوضوح عن قلق اصحابه على المستقبل الحكومي اذ ظنوا ان الحريري نجح بالتعاون مع آخرين في ازالة العقبات من طريق عودته الى رئاسة الحكومة في وقت قريب، الامر الذي يشكل نكسة للعهد حسب اعتقادهم، لذلك قرروا قطع الطريق عليه. الا ان هؤلاء المؤيدين حققوا عكس ما يريدون بحماسهم للعهد بادعاء حمايته. ذلك ان المعارضين حققوا نقطة في مرماه عندما رفضت الحكومة بلسان رئيسها تبني البيان المجهول. وعندما رفع ذلك من الرصيد الشعبي للمعارضين عموماً وللحريري خصوصاً، وعندما وضع العهد وحكومته في موقع الدفاع بعدما كانا في موقع الهجوم. وعندما اثار قلق جهتين اساسيتين: واحدة محلية وأخرى اقليمية من تطور الامور ومن الصعوبة المعتمدة وربما من المستقبل. اما الجهة الاقليمية فهي سورية التي يمكنها ان تعتبر ان الرفض الجازم في بيان "المصادر الوزارية" لعودة الحريري الى الحكم نوع من الرسالة الموجهة اليها خصوصاً بعد نجاح الحريري في ترتيب علاقاته السورية وبعدما بدأت دمشق تدعو العهد ومعارضيه الى التعاون. ويعتقد المطلعون ان سورية دخلت على الخط بقوة لوقف المعركة او لمنعها من التحول حرباً تنعكس سلباً عليها وعلى لبنان. وقد نجحت بذلك حتى الآن لكن لا احد يستطيع ان يجزم انها لن تتجدد او لن تستمر على نار خفيفة يمكن ان يؤججها في مستقبل غير بعيد موقف من هنا ورد من هناك واجراء من هنالك. لأن ما في النفوس من حقد كبير ولأن تجاوز هذا الحقد تلزمه خبرة سياسية عميقة وبراعة ومهارة ليست متوافرة لدى جميع الافرقاء. ويعتقدون ايضاً ان الرئيس الحص المستفيد من المعركة المذكورة لأنها تستهدف اخصامه السياسيين المباشرين في العاصمة ولأنها تساعده في ترجمة رؤيته لإنقاذ البلاد سياسياً واقتصادياً، يعتقدون انه لن يستطيع تحمل استمرار حكومته اداة لها، خصوصاً اذا احتدمت وظهرت كل اوجهها. ذلك انها ستحرمه الفوائد التي ظن انها حققتها له، خصوصاً على الصعيد الشعبي وتحديداً في العاصمة، وستؤلب ضده الفريق الذي ينتمي اليه. فضلاً عن انها ستمنعه مع حكومته من تحقيق التغيير الذي جاء باسم تحقيقه. وهذا الاعتقاد يجب ان يعيه العهد لكي لا يفاجأ يوماً بموقف سلبي من الحص المعروف بأنه يتساهل كثيراً ولا يتذمر كثيراً لكنه يفيض عندما تمتلئ كأسه او عندما لا يعود في امكانه التحمل ويقدم على خطوات دراماتيكية لا يمكن ان تكون آثارها الا سلبية