التعاون يرد الدين للقادسية    الأزمات.. بين الانتهازية والإنسانية !    مدرب فريق ريال مدريد يؤكد صعوبة مواجهة الغد أمام برشلونة    الهلال يصالح جماهيره بخماسية    الشاب "موسى النجم" يدخل "القفص الذهبي"    إحباط تهريب (136.9) كجم "حشيش" في ينبع    رقم قياسي جديد لموسم الرياض بأكثر من 16 مليون زائر    تشييع الحربي صاحب ال 50 حجة في مقبرة الوجه    «ضاع قلبي في جدة».. نوال الكويتية ورابح صقر يشعلان ليل العروس بحضور جماهيري كبير    المنافذ الجمركية تسجل أكثر من 1900 حالة ضبط خلال أسبوع    تحديث سرعات طريق السعودية - عمان عبر الربع الخالي    فريق جامعة المؤسس يحقق بطولة السلة للجامعات    10 مليارات لتفعيل الحوافز المعيارية للصناعيين    انطلاق ملتقى " إضاءة عسير " الاثنين القادم    تعددية الأعراق والألوان تتوحد معك    ولي العهد يهنئ الرئيس اللبناني ويدعوه لزيارة السعودية    إسرائيل تخطط للسيطرة على 15 كم داخل سورية    حرائق كاليفورنيا: وفاة 11 شخصا والخسائر تقدر ب 135 مليار دولار    الذوق العام تنظم مسيرة "اسلم وسلّم" لرفع الوعي لسائقي دراجات تطبيقات التوصيل    وكيل "الشؤون الإسلامية" للمشروعات والصيانة: تدشين الأدلة الفنية للمساجد إنجاز نوعي برؤية شاملة ومعايير عالمية    نادي جازان الأدبي يكرم الزميلة خلود النبهان    وصول الطائرة الإغاثية السعودية التاسعة لمساعدة الشعب السوري إلى مطار دمشق الدولي    السودان.. أكبر أزمة نزوح أطفال في العالم    أكثر من 300 جلسة رئيسية في النسخة الثالثة من قمة المليار متابع    طلبة منطقة "تعليم الرياض" يعودون غداً لمدارسهم لاستكمال الفصل الدراسي الثاني    بندر بن سعود ل"الرياض": الفائزون بجائزة الملك فيصل سفراء المملكة عالميًا    استمرار هطول الأمطار على بعض مناطق المملكة    «طائرة كوريا».. «الأسودان» توقفا قبل 4 دقائق من التحطم !    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    خالد عبدالرحمن ل«عكاظ»: جمعنا أكثر من 10 قصائد وننوي طرح ألبومين سامريات    القائد الذي ألهمنا وأعاد لنا الثقة بأنفسنا    "النقد الدولي" يتوقع استقرار النمو العالمي في 2025    ابعد عن الشر وغني له    أمريكا وبريطانيا توسعان عقوبات كاسحة على صناعة النفط الروسية    البرلمان الألماني يبحث الأربعاء تفشي الحمى القلاعية في البلاد    أمين الطائف هدفنا بالأمانة الانتقال بالمشاركة المجتمعية للاحترافية    "لوريل ريفر"، "سييرا ليون"، و"رومانتيك واريور" مرشحون لشرف الفوز بلقب السباق الأغلى في العالم    العروبة يتعاقد مع العراقي عدنان حمد لقيادة الفريق فنيّاً    هاو لم يفقد الأمل في بقاء دوبرافكا مع نيوكاسل    رئيس مصر: بلادنا تعاني من حالة فقر مائي    ما بين الجمال والأذية.. العدار تزهر بألوانها الوردية    «الغذاء والدواء» تحذّر من منتج لحم بقري لتلوثه ببكتيريا اللستيريا    القبض على مقيم لترويجه (11,968) قرصًا خاضعًا لتنظيم التداول الطبي بمكة المكرمة    بالشرقية .. جمعية الذوق العام تنظم مسيرة "اسلم وسلّم"    خطيب المسجد النبوي: تجنبوا الأحاديث الموضوعة والبدع المتعلقة بشهر رجب    محافظ الطائف يستأنف جولاته ل«السيل والعطيف» ويطّلع على «التنموي والميقات»    الصداع مؤشر لحالات مرضية متعددة    الحمار في السياسة والرياضة؟!    سوريا بعد الحرب: سبع خطوات نحو السلام والاستقرار    أسرار الجهاز الهضمي    أفضل الوجبات الصحية في 2025    مركز إكثار وصون النمر العربي في العُلا يحصل على اعتماد دولي    إطلاق كائنات مهددة بالانقراض في محمية الإمام تركي بن عبدالله    نائب أمير تبوك يطلع على مؤشرات أداء الخدمات الصحية    أمير القصيم يتسلم التقرير الختامي لفعالية "أطايب الرس"    ولي العهد عنوان المجد    عناية الدولة السعودية واهتمامها بالكِتاب والسُّنَّة    مجموعة (لمسة وفاء) تزور بدر العباسي للإطمئنان عليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديث سجالي مع الرئيس الجديد ل "اتحاد كتاب المغرب". مطالباً الاتحاد العام للكتاب العرب باصلاح بناه وأساليبه حسن نجمي : مهمتنا تغيير الخطاب واللغة والعقليات !
نشر في الحياة يوم 05 - 04 - 1999

"حان الوقت لكي نلعب دورنا الحقيقي والحيوي داخل المجتمع المدني... علينا أيضاً أن نبني ترسانة من المفاهيم الجديدة، وأن نُدخِل عناصر معرفية وجمالية على الخطاب الثقافي العربي"، بهذه الكلمات يختصر حسن نجمي برنامج "اتحاد كتّاب المغرب" الذي انتخبه رئيساً في الدورة الرابعة عشرة. والشاعر المغربي الشاب الذي لا يخفي خياراته السياسيّة، يصرّ على استقلاليّة المؤسسة الثقافيّة العريقة التي يديرها والتي تعتبر من أكثر اتحادات الكتّاب العرب انفتاحاً وراديكاليّة واستقلالاً. يدافع نجمي عن اللعبة الديموقراطيّة، طارحاً التحدّي على الاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب: "إذا لم يقم الاتحاد العام باصلاح بناه، وتجديد أساليب عمله، فسيصبح مجرد اطار فارغ لا وزن له، ولا قدرة له على صنع القرار الثقافي العربي".
أثار انتخاب حسن نجمي رئيساً ل "اتحاد كتاب المغرب" قبل أسابيع، اهتمام الأوساط الثقافيّة العربيّة لأكثر من سبب. فهذا الشاعر الشاب مواليد آذار/ مارس 1960 هو أصغر رئيس لاتحاد كتّاب في العالم العربي. كما أنّه آت من تجربة أدبيّة وسياسيّة غنيّة عرف المعتقل مراهقاً، تفتح آفاقاً جديدة أمام الاتحاد المغربي.
درس نجمي القصيدة الزجلية الحديثة في المغرب باشراف الدكتور محمد برادة، وحصل على دبلوم الدراسات المعمقة من كلية آداب الرباط 1987. كما أنجز الماجستير حول موضوع الفضاء والهوية في أدب سحر خليفة باشراف الدكتور أحمد اليابوري 1996. أصدر مجموعته الشعرية الأولى "لك الامارة أيتها الخزامة" في العام 1982، وتلاها "سقط سهواً" في العام 1993، ثم "حياة صغيرة" "دار توبقال"، 1995. واشترك مع الفنّان محمد القاسمي في اصدار كتاب بعنوان "الرياح البنيّة"، يجمع بين الشعر والفن التشكيلي، كما خاض في مجال الرواية "الحجاب"، دار الرابطة، 1996. من مؤلفاته الأخرى: "مسار فكر" حول المهدي المنجرة، "الناس والسلطة" مجموعة نصوص ومقالات حول العلاقة بين الحاكم والمحكومين. وسيصدر له قريباً كتاب جديد بعنوان "الشاعر والتجربة" عن "دار الثقافة" في الدار البيضاء، ويضمّ مجموعة من النصوص المفتوحة والقراءات، إضافة إلى بورتريهات لشعراء كبار، وكتابات تدور في فلك العلاقة بين الشعر والتشكيلي، أو في فلك العلاقة بالمكان. قصدنا حسن نجمي بعد انتخابه، وكان هذا الحوار الذي تفادى المجاملة وكلام المناسبات:
هل من ضرورة لاتحاد الكتّاب في بلد مثل المغرب تصالحت فيه الدولة مع المجتمع المدني؟
- وجود مؤسسة ثقافية تجمع الكتّاب والأدباء من مختلف الحساسيات والتوجهات والاجيال ولغات الكتابة والتفكير، يظل مشروعاً ضرورياً بالنسبة إلى مجتمع كالمجتمع المغربي. فمنذ الاستقلال بقي تدعيم المجتمع المدني في المغرب، وتقوية وظائفه رهاناً مركزياً. والنخبة المغربية تراهن على اهمية خلق نوع من التوازن بين الدولة والمجتمع، وتشييد بنى جديدة تتوزع فيها الادوار وتتكامل الوظائف. من هنا اهمية أي مؤسسة ثقافية تملأ المساحات اللازمة، ولا تترك المبادرة للسياسي وحده.
لكن الهمّ السياسي كان في أساس ولادة الاتحاد، أما فكرة "المؤسسة الثقافية" فلم تأتِ إلا لاحقاً...
- كل حديث عن البعد الثقافي في المغرب، لا يكون دقيقاً إذا لم يتم من خلال انتقاد تلك الجدلية القائمة بين الثقافي والسياسي. فالخطاب السياسي ظلّ طاغياً على التجربة الثقافية ككل، سواء لجهة تكوين الوعي أو تحديد طبيعة العلاقات السائدة. وعلى الرغم من أن "اتحاد كتّاب المغرب" مؤسسة تأسست ضمن سيرورة هذه العلاقة بين السياسي والثقافي في نهاية الخمسينات وبداية الستينات، فان فضاء الاتحاد كفكرة تتلاقى فيها كل المكونات والحساسيات، هي بمثابة حرص جماعي على تشييد خيمة تتكامل فيها الاتجاهات وتتحاور، وتتعلم كيف تتعايش وتنسق وتصل الى حد ادنى من التوافقات، الأمر الذي يصعب وجوده على الساحة السياسية. وهذه الحالة لها نظيرها في المغرب على مستوى تجارب نقابيّة أخرى.
هناك عدد لا بأس به من المبدعين خارج تلك "الخيمة"!
- الامر يتعلق اولاً وقبل كل شيء بخيارات الكتاب. الانتماء إلى "اتحاد كتّاب المغرب" ليس الزامياً لحسن الحظ: نحن جمعية ككل الجمعيات، مجالها هو الحقل الثقافي والأدبي، وهي مفتوحة امام جميع الاجيال وجميع الاصوات وجميع المبدعين والكتّاب والمفكرين المغاربة. هناك من يفضل أن يغرّد خارج السرب، وهناك من يحرص على فرديّته ولا يرغب في التواصل مع الآخرين، وهذا شأنه. غير ان اتحادنا كان دائماً هذا الفضاء الذي يستوعب أهم منتجي الكتابة والفكر في المغرب، ويحتضنهم. ليس هناك اسم له وزن في المغرب إلا وانتسب إلى الاتحاد، أو أطلّ على الأقلّ من خلال منابره الثقافية، وتحديداً مجلّة "آفاق". الحركة الثقافيّة المغربيّة لا تقتصر، بطبيعة الحال، على أعضاء الاتحاد 400 عضو تقريباً، لكنّه كان وسيظلّ مفتوحاً للجميع.
أنت الرئيس السابع للاتحاد والشاعر الثالث الذي يتولى هذا المنصب. هل هناك دلالة للرقمين؟
- لا أعتقد بأن وجود شاعر على رأس الاتحاد، يعود بمردودية ايجابية على الشعر والشعراء...
يقال إن الذين صوتوا لك معظمهم شعراء؟
- لا اعتقد. الشعراء كانوا الأقل حضوراً في المؤتمر الرابع عشر. أما الرقم السابع، فدلالته الوحيدة ان الاتحاد اصبح مكسباً وطنياً لكل العائلات الفكرية والثقافية في المغرب، وراكم رصيداً ايجابياً على مستوى الحضور والتواصل والانتاج ايضاً. ولعل له مزايا عدّة، وحضوراً خاصاً في الذاكرة الثقافية الوطنية والعربية. فبفضل عناصره الحية وأسلوب عمله ونشاطاته على اختلافها، داخل المغرب او خارجه، استطاع ان يبني ترسانة من المفاهيم الجديدة، وأن يدخل عناصر معرفية وجمالية على الخطاب الثقافي العربي. وأنت تعرف جيداً الدور الذي لعبه على مستوى الربط بين ممارسة الثقافة والحريات الفردية والجماعية، وعلى مستوى الحق في التعبير والرأي في الوطن العربي. ولعل هذا الدور الذي لعبه الاتحاد ضمن المؤتمرات والندوات العربية، كان دائماً مثار انزعاج عدد من الروابط والاتحادات القطرية التي لم يكن يعجبها خطاب قيادة اتحاد كتّاب المغرب، ولا حرصه على ان يطرح باستمرار في جميع المناسبات أهمية حماية الكتاب من أنظمتهم !
اعتبر انتخابك بروزاً للجيل الجديد. لكن بعضهم اعتبر أن موقعك كمشرف على الملحق الثقافي ل "الاتحاد الاشتراكي"، هو وراء شعبيتك في أوساط المبدعين الشباب الذين تنشر لهم ؟
- لا يمكنني ان أنزع أي عنصر من رصيدي الثقافي والاعلامي والسياسي، على تواضعه. جئت أساساً لتجديد الوضع الاعتباري ل "اتحاد كتاب المغرب" وتجديد صورته وتنشيط وظائفه وتحديث أساليب عمله. وجئت ايضاً للمساهمة في اثراء رصيده. صحيح انني أنتمي الى حساسية معينة، وصحيح ايضاً انني اشارك عدداً من الزملاء والاصدقاء من ابناء جيلي أفكارهم وقلقهم وأسئلتهم. لكنني حريص كل الحرص على ضمان استمرارية المؤسسة وشرعيتها الديموقراطيّة، والتواصل بين الأجيال، والانفتاح على شتّى الاضاءات المتميزة في الذاكرة الثقافية المغربيّة. وفي الاطار نفسه احرص مع زملائي في قيادة الاتحاد، على تطوير أساليب العمل وإعادة النظر في البنى التنظيمية. الواقع الثقافي تطور وأصبح يتطلّع إلى آفاق مغايرة. نحن مطالبون اليوم بتغيير الخطاب، وتغيير اللغة، وتغيير البنى والعقليات.
وفي هذا الاطار أنا أستثمر العلاقات التي كوّنتها بحكم تجربتي الصحافيّة. فالذين صوتوا لي ولاخوتي في المكتب المركزي، راهنوا على خياراتنا وانجازاتنا، وليس في الأمر ما يدعو إلى الخجل. أنا اعتز بالأسرة الوطنية التقدمية التي أنتسب إليها، وموقعي على رأس الاتحاد لا يمكن أن يكون الا امتداداً لانجازاتي السياسية والاعلاميّة والأدبيّة. أنا أعتبر ما جرى في المؤتمر الرابع عشر تعبيراً عن تماسك النسيج الثقافي الوطني، ونضج رموزه.
فكرة التجديد تتردّد في كلامك. تجديد ماذا؟
- "اتحاد كتاب المغرب" عمره أربعون سنة تقريباً، ولم يعد بوسعه أن يظل مجرد جمعية ثقافية تحرص على توحيد مواقف الكتّاب المغاربة، والتعريف بكتبهم وانتاجاتهم، وتنظيم هذه الندوة او تلك. حان الوقت لكي يلعب الاتحاد دوره الحقيقي والحيوي داخل المجتمع المدني، ان يطرح الوضع الاعتباري للكاتب في المغرب. لا بد من التفكير في مشاريع قوانين تنظيم المهنة، ولا بدّ من اعادة النظر في طبيعة العلاقة بين المجتمع المدني والمؤسسات، في ظل التغيرات الكبرى التي يشهدها المسرح السياسي في المغرب. أضف إلى ذلك أن الممارسة الثقافية نفسها والمعرفة الانسانية تطورت، ولم يعد ممكناً لاتحاد كتاب المغرب ان يتكلم اللغة القديمة نفسها، وأن يستمرّ في ظلّ العلاقات السائدة بين النخبة والمجتمع.
هل يمكن أن تعطينا أمثلة عمليّة؟
- هناك مثلاً سؤال الهوية الذي اصبح يلقي بظلاله اليوم على كل خطاباتنا وممارساتنا وعلاقاتنا... والمسألة الاصولية بكل ابعادها الثقافية والفكرية والتاريخية والسياسية... والقضيّة النسويّة وما تطرحه من اسئلة حقيقية ينبغي ان ينتبه اليها الجميع... أظن ان "اتحاد كتاب المغرب" مطالب بلعب دور في هذه المجالات، ويمكنه ان يسهم في فتح آفاق وفضاءات جديدة لتفكير مغاير. حان الوقت لطرح الأسئلة المتوتّرة ومعالجتها، ضمن أرضيّة مشتركة تعترف بالحق في الاختلاف، لاننا جميعاً في السفينة نفسها، مهددون بخطر التفكك والتلاشي. لذا نحن نطالب اليوم بالامكانات الضرورية، وبالاستفادة من دعم القطاع العام... وإلا فما معنى حصولنا على صفة "المنفعة العامة"؟
المغرب في نهاية القرن ليس مغرب الستينات. لقد تغيرت المعطيات الفكرية، وانقلبت المساحات الايديولوجية، ولم تعد المدرجات والقاعات والمسارح تضجّ بالهتافات والتصفيق كما في الستينات والسبعينات. وحين ندعو إلى التجديد، فنحن لا نرفع شعاراً، بل نتحدث من داخل تجربة تاريخيّة. تلك الحساسية الجديدة تحسن المراهنة على المستقبل، لأنّها وليدة ماض متعثّر، مثقل بالخيبات والاخفاقات. لم يعد يكفي ان نكون مؤسسة لتفريخ البيانات السياسية وتحديد المواقف حول هذا الحدث أو ذاك. ينبغي أن نلعب دوراً في طرح الاسئلة الضروريّة، وفي بناء مرحلة جديدة، قائمة على خيار ديموقراطي واضح وشجاع.
ما هو برنامجكم ؟
- أهم نقاط البرنامج تفعيل صفة المنفعة العمومية، وهي صفة منحت للاتحاد منذ العام 1996، أي بعد 33 عاماً من المطالبة بها! حرم اتحاد كتّاب منها ثلاثة عقود ونيّف، كانت خلالها تعطى بسخاء لكل الجمعيات الموالية للاجهزة الحكومية. كان ينظر إلينا دائماً كمؤسسة ثقافية مشاغبة خارج الحظيرة، ولم تكن السلطة متحمّسة لاعطائنا هذا الامتياز القانوني من دون مقابل. لكن الاتحاد رفض طوال تاريخه تقديم التنازلات، وما زال يرفض، لأنه مؤسسة ثقافية مستقلة، وينبغي ان تظل مستقلة.
ما معنى الاستقلالية؟
- الاستقلالية هي ان يظل اتحاد كتاب المغرب ممتلكاً صوته الخاص، وسلطته على قراراته. لا نقبل أن تُملى علينا القرارات من طرف الاجهزة الرسميّة، ولا من طرف الأطراف السياسية أيّاً كان تعاطفنا معها. المثقف الذي ينتسب إلى الاتحاد، لم يستدرج إلى قطيع من المصفّقين. فهذه المؤسسة تصون حريّة أعضائها، ولا تتاجر برصيدهم. لا بدّ أن يبقى الاتحاد بمنأى عن كل اشكال الضغط الخارجي والتوجيه والاحتواء.
وسؤال الاستقلالية مطروح بحدة على المجتمع المغربي اليوم، يسوده الكثير من الخلط والالتباس. فهناك من يتصور ان الاستقلالية تعني الحياد، والخروج من حقل الصراع الاجتماعي والسياسي. كوني كاتباً مستقلاً لا يلغي انخراطي في حركة المجتمع، ومشاركتي في القرار السياسي. لكن في النهاية ينبغي ان نظل، كمؤسسة ثقافية وطنية، حريصين على احترام اللعبة الديموقراطيّة، ففيها ضمان استقلاليتنا، وفي استقلاليتنا ضمانة للدولة نفسها ولمؤسساتها.
هذا الكلام ينطبق أكثر على مرحلة سابقة، كان خلالها الاتحاد في صفوف المعارضة. على رأس وزارة الثقافة اليوم رئيس سابق لاتحاد الكتاب، الى أي مدى يمكن أن يترك لكم حريّة المناورة؟
- اعتقد شخصياً أن الأخ الصديق محمد الأشعري وزير الثقافة الحالي، والرئيس السابق لاتحاد كتاب المغرب، أكثر ذكاءً واحاطة بالواقع الثقافي المغربي، من أن يعرّض استقلاليتنا للخطر. أستبعد أن يلجأ الأشعري - في ضوء تجربته وحدسه - إلى احتوائنا! وهو لن يطلب من الاتحاد ولا من غيره أن يلعب دوراً معيناً لحساب السلطة. واعتقد ان الدولة، كما تشكلت عبر تاريخ المغرب، وبحكم البنيات والخصوصيات المميزة لها، ليست بهذه الهشاشة التي تجعلها منشغلة باستقطاب هذه المؤسسة الثقافية، أو تحويلها بوقاً أو عنصر دعاية.
لقد أسست الدولة أكاديمية خاصة بها، وأسست مجالس علمية وطنية واقليمية، وأسست جمعيات قائمة على عنصر الانتساب القبلي، ودعمتها دعماً مالياً منقطع النظير. كما التفّت على الجامعة المغربية والجهاز التعليمي، عبر البرمجة والمقررات والتوجيه والارشاد. وربما كانت قد اخطأت كثيراً، إذ حوّلت مجتمعاً كاملاً لخدمتها، بدلاً من أن تكون في خدمته. وكل القرارات على المستوى الثقافي كانت تتجه نحو اخضاع المجتمع للدولة، فما هي المردودية التي جنتها الدولة من تلك القرارات، والاطارات الثقافية التي شيدتها؟ لا أظن انها استقطبت النخبة، ولا أظن انها عطلت الدينامية الثقافية للمجتمع المدني. ينبغي على اجهزة الدولة ان تعيد النظر في استراتيجيتها الثقافية السابقة. كل المؤسسات ينبغي أن تجدد نفسها، على مستوى الدولة والمجتمع. وفي ظني ان التجربة السياسية الحالية من شأنها أن تلعب دوراً ايجابياً في هذا الاتجاه، إذا توافرت الظروف الملائمة.
الاتحاد العام: اصلاحه أو تجاوزه
برز اتحاد كتاب المغرب باستمرار كصوت متفرّد على الساحة العربيّة. كيف سيواصل جيلكم الجديد هذا الحضور؟
- معظم اتحادات وروابط الأدباء والكتاب في العالم العربي، مجرد اطارات فارغة يملأها الموظفون والاداريون، وتخضع للتوجيهات الرسميّة. ولا نتصور في اتحاد كتاب المغرب، أن هناك امكانيّة تواصل ايجابية ومثمرة، مع النخب الفكرية والابداعيّة في العالم العربي، عبر تلك الأطر والمؤسسات. نحن نعتزم تعزيز شبكة تواصل فعليّة مع أصدقائنا وأشقائنا في العالم العربي، وتقوية الروابط معهم. والعالم العربي يتوافر على اطارات أكثر دينامية وأكثر صدقيّة، تسمح بتعاون فعلي، مثمر وعميق. هناك مثلاً مراكز للبحث العلمي والفكري في مصر والأردن ولبنان، وفي الخارج أيضاً هناك العديد من مراكز الدراسات والأبحاث والمنتديات التي تهتم بقضايا العالم العربي وبأسئلته وبمستقبله.
سنبحث عن وسائل حيّة، منفتحة وحرّة، للتواصل والتفاعل والتبادل. "اتحاد الأدباء والكتاب العرب" مؤسسة قوميّة تكرر الخطاب نفسه، وتستهلك اللغة نفسها، وتعيد طرح القضايا نفسها، والبرامج نفسها، ناهيك بالندوات المكرورة والمؤتمرات العقيمة. نحن ننتظر من الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب أن يجدد في أسلوب عمله، وفي خطابه ولغته، وفي طريقة تواصله مع المنظمات المنتسبة إليه! ونحن في المغرب لم ننسَ الطعنة التي وجّهت إلينا حين استضفنا المؤتمر العام للأدباء والكتاب العرب في الدار البيضاء. فحسب التقليد المتّبع كان من المفروض أن تسند الأمانة العامة إلى اتحاد البلد المضيف. لكن هذا العرف اخترق للمرّة الأولى، ولاحظنا ان معظم الاتحادات والروابط العربيّة كان معادياً لنا، بسبب حريّة نبرتنا ربّما، وطريقة تعاطينا مع الشأن الثقافي والسياسي العام التي تحرج بعض الأخوان على الأرجح. لا نحمل من تلك الواقعة أي حقد طبعاً، لكن الطريقة التي استبعد بها المغرب من الأمانة العامة يعطي فكرة عن نوعيّة الاتحادات العربيّة، وهشاشة البنى التي تقوم عليها المشاريع الثقافيّة القوميّة المهمّة.
هل تتجهون إذاً إلى تجاوز الاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب في الاطلالة على العالم العربي؟
- لم نعلن انسحابنا من هذا الاطار، ولكننا نحرص على أن نقول رأينا فيه بصراحة. إذا لم يقم الاتحاد العام باصلاح بناه، وتجديد أساليب عمله، فسيصبح مجرد اطار فارغ لا وزن له، ولا قدرة له على صنع القرار الثقافي العربي. إننا حريصون على تطوير تلك المؤسسة قبل فوات الأوان
ألا تفكرون في مؤسسة بديلة؟
- لا نفكر في مؤسسة بديلة، ولا نريد أن نشتغل في آليات أخرى الى جانب هذه المؤسسة. هناك منظمات مستقلّة، ومؤسسات ومراكز أبحاث موجودة داخل العالم العربي وخارجه. ونحن الآن أصبحنا أكثر حرصاً على أن نشتغل معها بالتعاون وبالشراكة. وفي الاطار نفسه، نفكر بجدية في تأسيس اتحاد مغاربي للكتاب والادباء ليكون قوّة فاعلة داخل الاتحاد العام.
ستعودون اذاً الى فكرة الستينات ؟
- عندما تأسس "اتحاد كتاب المغرب"، كانت الجزائر تحت الاستعمار الفرنسي، وكانت نخبة من ألمع كتابها ومبدعيها مستقرّة في المغرب. هكذا انبثقت فكرة تأسيس الاتحاد، بمبادرة عدد من المثقفين المغاربة بينهم المرحوم محمد عزيز الحبابي والشاعر محمد الصباغ والاساتذة عبدالكريم غلاب ومحمد برادة وعبدالله كنون وعلال الفاسي... أسس هؤلاء في البداية اتحاداً مغاربياً سرعان ما تعطلت آليات عمله، بحكم التطورات السياسية التي عاشها المغرب العربي آنذاك. ونحن نعتز بالعودة الى ذلك المنبع الجميل، خصوصاً في ظلّ ما تشهده الساحة المغاربية من تباعد وقطيعة. فمشروع المغرب العربي ظل يقتصر على الشعارات، ويعتريه شيء من النفاق والمزايدات الفارغة. في حين أنه مشروع يستجيب لحقيقة تاريخيّة وثقافيّة وسياسيّة واقتصاديّة فعليّة. والثقافة يمكن أن تلعب دوراً أساسياً في هذا الاتجاه.
هل تحملون، كجيل شاب يقود الآن مؤسسة ثقافية مهمة، رسالة معينة الى المبدعين والكتاب العرب؟
- وصول جيل جديد الى مواقع مسؤولة ليس فقط على مستوى اتحاد كتاب المغرب، بل أيضاً على مستوى المؤسسات المغربية، اشارة قوية إلى تحوّل سياسي وديموغرافي واجتماعي. فالبنية الديموغرافية للمجتمع المغربي شابة بامتياز : أكثر من 60 في المئة من سكّان المغرب يقل عمرهم عن 35 سنة، ولم يعد مقبولاً أن يبقى هؤلاء خارج دائرة صناعة القرار. جيل الحركة الوطنية ينبغي أن يفسح المجال أمام الأجيال الجديدة، لكي تشارك في مواجهة القضايا المطروحة على المجتمع المغربي.
والمنطق نفسه ينطبق على العالم العربي، حيث فرض جيل جديد حضوره في مختلف مجالات الكتابة والابداع. فإذا تأمّلنا المشهد الأدبي والثقافي في دول الخليج مثلاً، سنلاحظ طغيان حضور مبدعات ومبدعين من مواليد الستينات والسبعينات. والتجربة الثقافية في لبنان وسورية ومصر... تحمل المؤشرات نفسها.
المبدعون الشباب هم أحياناً مجرّد مريدين لجيل الآباء...
- لا أظن ان الانتاج الثقافي العربي اليوم قائم على منطق الشيخ والمريد. لمسنا في أكثر من مناسبة، حالة طلاق بين الأجيال الجديدة واجيال ما يسمى بالرواد. لسنا جيلاً "لقيطاً"، بل اننا ننحدر من مرجعيات ثقافية وجمالية وأدبية نعتز بها، ولا بدّ من وعي أهميّة عنصر التواصل في بناء حركة ثقافيّة معيّنة. على المستوى الشعري، قد تعبّر قصيدة النثر عن تلك الحالة. الأسئلة المطروحة على مستوى البناء الجمالي والخيال والبنية الايقاعية، تعبّر عن حاجة إلى كتابة نص جديد له فرادته ونبرته الخاصة.
هناك من يرى ان قصيدة النثر تتحرّك في دائرة مغلقة!
- أهم ما في قصيدة النثر، إضافة الى ما أنجزته على المستوى الشعري والجمالي، انها غيرت من طبيعة تلقي النص الشعري نفسه. وهي قصيدة لا تراهن على الجماهيرية.
ومن هنا جاءت مسألة الدائرة المغلقة...
- ليست دائرة مغلقة. قصيدة النثر تراهن على قارئ لا على جمهور. ليست كتابة شعرية منبرية تستدرج التصفيق، بل هي مراهنة على نوع من العلاقات المتميزة الحميمة بين القارئ ونصه. فله أن يعثر على نفسه في ما يقرأ، بعيداً عن الصخب الأصمّ الذي طالما خلق علاقات سطحيّة، طنّانة، زائفة بين الشاعر العربي وجمهوره


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.