الحديث مع العلامة السيد محمد حسين فضل الله معناه الغرف من بحر. فللسيد أفكاره ومواقفه من كل قضية سواء تناولت حدثاً معيناً، أم قضية انسانية أم مسألة فقهية. ولذلك من الصعب ان تذهب الى السيد وتسأله عن "الوضع". في اللقاء الذي جرى مع السيد فضل الله في منزله، تعمدنا اختصار الحديث معه في مسألتين: الجمهورية الاسلامية في ايران لمناسبة مرور عقدين عليها، والمرجعية لدى الشيعة وما يدور حولها وتداخلها بولاية الفقيه. وقبل الخوض في هاتين المسألتين، تعمد فضل الله التطرق الى قضية العراق ولعبة "الفار والهر" بين الرئيس صدام حسين والولاياتالمتحدة. وللسيد فضل الله، رؤيته الخاصة في ذلك، فهو يرى ان الولاياتالمتحدة تتعمد اطالة امد الحصار على العراق لتحقيق هدفين: الاول ادخال العراق نهائياً في حظيرتها واخراج روسيا وفرنسا والصين من دائرة العراق المستقبلية، والثاني الاستمرار في استنزاف المنطقة مالياً واقتصادياً الى درجة الانهاك. أمام ما يحصل من تطورات في الجمهورية الاسلامية في ايران، هل انتم مع المتفائلين ام مع المتشائمين؟ - انا لا اعتقد، ولا اتصور بأن نتحدث في السياسة عن التفاؤل والتشاؤم، فهذا حالة نفسية بينما السياسة تنطلق من خلال الحالة الموضوعية الميدانية. وعندما ندرس الواقع في الجمهورية الاسلامية في ايران من خلال المتغيرات او التيارات المتجاذبة، فماذا نلاحظ؟ نلاحظ ان النظام كيفما قصدته، ليس نظاماً مغامراً ولا يعتقد بأن القمع المباشر على الطريقة العربية يمكن ان يؤدي الى نتيجة. ولذلك يستطيع النظام ان يلعب لعبة الانتخابات حتى نهاياتها. وبالنسبة الى الشيخ ناطق نوري في الانتخابات الرئاسية كان حسب الاعلام وغيره اقرب منه الى النظام. وكان هذا النظام قادراً على ان يدخل في اللعبة، لكنه منحها الحرية السياسية، والتي انتهت بانتخاب السيد محمد خاتمي بأكثر من عشرين مليون ناخب. وهذا لم يحدث في اي دولة من دول العالم الثالث. نحن نفهم ان هناك قاعدة في النظام، وهي انه لا يستعمل العنف بالطريقة الشاملة التي تحوله الى ظاهرة، ربما يحدث بعض القمع، من خلال جهاز امني او محاكمة او اغلاق جريدة، ولكنك تشعر انها مفردات جزئية… وهي مدوزنة. - لهذا قال لي كبار القادة في طهران، عندما كنا نتحدث عن الحريات. "اننا نرصد اربعة مواقع كبرى للعلمانية في ايران، ونحن نعرفها جيداً ولكن ليست لنا مصلحة في قمعها". لذلك في تصوري قد تكون لقيادة النظام، لا سيما السيد خامنئي، له آراؤه وافكاره، لكنها مخلصة لبقاء ايران في مستوى التوازن. واتصور ان السيد خاتمي، لا يبتعد عن السيد خامنئي في الخطوط الكبرى للمسألة. فموقع السيد خامنئي يفرض اسلوباً، يختلف عن الاسلوب الذي يفرضه موقع السيد خاتمي. لقد لاحظنا مؤخراً في حديث للسيد خامنئي عن الحريات قوله: "انا مثقف ولا اخاف من الفكر الآخر، وليس من الطبيعي اذا كان هناك فكر مضاد ان نقمعه، بل علينا ان نستوعبه". ولاحظنا ان السيد خامنئي ذهب الى الجامعة مرات عدة وحاور الطلاب، وهذا لا سابق له. ان الشخصيتين اللتين تمثلان العنوان الكبير للنظام قد تختلفان في الرأي لكنهما لا تبتعدان عن قاعدة هذا النظام، وهي ولاية الفقيه. انهما تختلفان على طبيعة هذه الولاية. - انه خلاف في التفاصيل، لذلك فان اي خطر على اصل الولاية، لا يمكن ان يقبل به أي منهما. النقطة الاساسية في الخلاف هي بين ان يملك الولي الفقيه ويحكم وبين ان يملك ولا يحكم. - انا اشك في ان الولي الفقيه يملك ولا يحكم. ألا تعتبر ان المشكلة هي في موقع ولاية الفقيه: فوق القانون أم تحته؟ - السيد خامنئي قال بنفسه للسيد خاتمي عندما سأله كيف يرى ولاية الفقيه هل هي فوق القانون ام تحت القانون، ان الولاية تحت القانون، لان الدستور الايراني وجد قبل ولاية الفقيه والصلاحيات التي اعطيت لولاية الفقيه في الدستور نفسه، هي صلاحيات تمثل قانوناً في ايران، لذلك ليس من الطبيعي ان نتحدث عن انها فوق القانون، لانها هي جزء من القانون. نعرف ان هناك ولاية الفقيه التي تتحرك من موقع شخصاني، وهذا لا يؤمن به حتى المنظرون لولاية الفقيه لأنه لا بد ان يرجع الى اهل الخبرة . في هذه النقطة ننتقل الى ما يثيره الجدل. هناك في ايران الآن حياة سياسية، على الاقل في الدائرة الاسلامية، لانه توجد صحافة تتحدث عن كل شيء. وهناك الخطباء الفقهاء وغيرهم يتحدثون ايضاً بالصوت العالي. وهناك ايضاً المسؤولون الذين يتحدثون عن اية مشكلة بحيث لا يسمحون للذين يصطادون في الماء العكر. انت لا تعتقد بأن هذا الخلاف يمكن ان يصل الى حالة الصدام؟ - في تصوري ان القائمين على الخلاف وعلى التنوع السياسي مثل "روحانيات مبارز" و"روحانيون مبارز" لن يصلوا بالامر الى الصدام. لكن توجد مجموعات اخرى غير روحانيات وروحانيون؟ - لكن هناك خوف ان يحدث ما حدث حتى الآن اغتيال المثقفين فما تحدثت عنه الانباء قد يكون سببه ان اشخاصاً متدينين يخترقهم اشخاص آخرون ويحدثونهم عن ان تكليفهم الشرعي هو ان يقتلوا او يجرحوا هذا او ذاك، ولكنني اعتقد بأن هذا لا يمكن ان يصل الى مستوى الظاهرة. اود ان ندخل اكثر في التفاصيل. عندما نسمع كلاماً لآية الله يزدي عن ان الحكم هو فقط للعلماء وما يجره عن الكلام عن "طالبان" ايران، هل توافق على هذا التعبير؟ - انا لا اوافق على هذا التعبير. واعتقد بأن الرجل لا يمثل ما يقصده السيد خامنئي، ومن الطبيعي انه لا يمثل السيد خاتمي. وفي ايران حرية في الحديث عن مسألة ولاية الفقيه. بعضهم يعتبر ان ولاية الفقيه فوق القانون ولكن هناك اشخاص لا يقبلون. وهناك من يقول ان الفقيه يمثل الحاكمة التنفيذية، ولا بد له ان يتبع الاسس الشرعية في حكمه، وان يرجع الى اهل الخبرة، حتى انهم يعتبرون الانتخابات في ايران نوعاً من الشورى التي تقدم للفقيه. ونحن نعرف، انه منذ الامام الخميني وحتى الآن، لم يتحفظ الولي الفقيه في ايران على نقاء ذاته. المشروع الخاتمي برأيك يتحرك تحت عباءة النظام؟ - مشكلة مشروع خاتمي، ان الناس اعطته احلامها التي هي فوق الواقع. المسألة هي عندما تريد ان تحل المشكلة الاقتصادية في بلد مترامي الاطراف مثل ايران، وفي ظل اسعار النفط الحالية، وفي واقع تدمير البنية التحتية التي لا يزال النظام يعمل على اعادة بنائها من جديد كيف يمكنك ان تحقق مشروعاً اقتصادياً ناجحاً. لكن مشروع خاتمي مدني اكثر مما هو اقتصادي. - اما المشروع المدني فانه يحتاج الى تخطيط مستقبلي لان الشعب الايراني يعيش فوضى في المسألة الثقافية، لا سيما في المسألة الدينية. ولذلك فان الحديث عن الثقافة او المواقع الاجتماعية يحتاج الى نوع من التوعية الاجتماعية بحيث يمكن للشعب ان يستوعب فيها كل هذه الخطوط الفكرية الجديدة لينسجم معها. لا تنس انه اذا كان 20 مليون ايراني انتخبوا محمد خاتمي، فانه يوجد 40 مليون او اكثر يحملون افكاراً اخرى ويتصورون الحكم بطريقة اخرى. مثلاً هناك من يتصور ان الحاكم بمجرد ان يحكم فلا بد ان يمنع السفور ويفرض الحجاب ويحول القانون باجمعه الى قانون اسلامي وما الى ذلك. بينما يفكر البعض الآخر بأن هذه عملية تدريجية حتى تتهيأ لكل قانون جديد ظروف جديدة، مشكلتنا في هذا الشرق اننا نختصر المراحل ونفكر دائماً بالمطلق، مع انه للانتقال من مرحلة الى مرحلة، لا بد ان نخطط وندرس الارض. ايران تعاني من الحصار الاقتصادي والحصار السياسي والحصار الاعلامي وانت في هذا الجو تريد ان تخطط. نلاحظ ان عملية اشغال خاتمي بالمشاكل الفرعية بدلا من الاهتمام بالاصل يمنع اختصار المراحل او التخطيط. - هذا من سيئات الديموقراطية التي لم تنضج بعد. ومن الطبيعي ان كل فريق يحاول ان يشجع فريقه وان يضعف الفريق الآخر، وهو مخلص في ذلك لانه في المنطق الاسلامي يعتقد بأنه يؤدي واجبه الشرعي. انا لا اقول ان هناك خطراً، لكن هناك قلقاً ونوعاً من الاهتزاز ولا بد ان نراقب حركة الواقع الشعبي والواقع الرسمي. نحن لا ندعي ان النظام في ايران نظام معصوم محاط من امامه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله بالضمانات وما الى ذلك. من الطبيعي هناك ثغرات فوق العادة موجودة، وعلينا ان نتذكر في قلقنا هذا، كيف كانت المخابرات الاميركية تدخل الى النظام السوفياتي. ولذا فان المخابرات الدولية التي تتحرك قد تنفذ الى كثير من نقاط الضعف. المشروع الخاتمي، هل هو برأيك فصل ضمن مراحل، ام هو عملية تطوير موضوعية داخل الثورة؟ - انا اعتقد بأنه عملية تطوير موضوعية ولكنها تحتاج الى شروط لم يتحقق اكثرها في الساحة الايرانية. ولكن هذا المشروع استطاع ان يوجد مناخاً ملائماً وان يعطي فرصة للحرية ولو من خلال حرية الصحافة. لقد استطاع السيد خاتمي ان يعطي فرصة للحريات السياسية والإعلامية وحتى الثقافية. وهناك كثير من المطبوعات التي تنتقد ولاية الفقيه وقد تنتقد النظام وما الى ذلك… اذا اخذنا ذلك في اطار مرور عشرين سنة على الثورة، فهذا يعني ان جزءاً من عملية النضوج المطلوب قد حصل… - انني اعتقد بأن الذين يقودون الثورة مخلصون وجادون في حل المشاكل، ولكن التحديات الخارجية والداخلية بالاضافة الى هذا الوضع الاقتصادي الصعب قد تعطل الكثير من المشاريع. بالنسبة الى الرئيس خاتمي، من الملاحظ ان عملية انضاج الوضع تتم على شريحتين او طبقتين في المجتمع الايراني، وهما العلماء وطلاب الحوزات من جهة وطلاب الجامعات من جهة اخرى. فهل ترى ذلك عملية ايجابية. - اعتقد بأنها عملية ايجابية لانها من مشروع السيد خامنئي الذي لا يزال يواجه المشاكل الصعبة وهي تحديث الحوزة. هناك فكرة تحديث الحوزة، مما يعني تحقيق الشرط الضروري والطبيعي لاعادة الجسر، او لايجاد الجسر بين الحوزة والجامعة. ولكن هناك مراكز قوى قوية جداً في داخل الحوزة قد تقف ضد انطلاق عملية التحديث بشكل طبيعي. لكن هذه القوى هي طرف اساسي في الحكم. - علينا ان نعرف انه في ايران لا يستطيع شخص لوحده ان يتصرف كمركز قوة مثلما يحصل في مراكز قوى في العالم العربي. لا يستطيع شخص له رأي معين ان يتصرف بحيث يمثل خطراً على النظام، قد يتكلم بحسب رأيه كما يريد، وقد يتصرف بعض التصرفات الجزئية لكنني اعتقد بأن القرار الاكيد هو للسيد خامنئي. وهناك جيل من الشباب في الحوزة ينفتح على عملية التحديث لا سيما ان الكثير من هؤلاء الشباب ينتسبون ايضاً الى الجامعة بحيث يدرسون في الحوزة والجامعة في الوقت نفسه. اين تقع مشكلة آية الله منتظري في هذه العملية؟ - اعتقد بأن مسألة الشيخ منتظري، انطلقت من كونه قوة تريد ان تتسلم، اي انه مركز ديني يريد ان يستعيد دوره في النظام وذلك بطريقته الخاصة. من الطبيعي انه هو احد جوانب الصراع ولكنني اعتقد الان انه لا يملك الكثير، على الاقل في الجانب الفعلي في مسألة الصراع. ألا تعتقد بأنه ضمير النظام؟ - اعتقد بأن الحديث عن ضمير يحتاج إلى دقة أكثر، والقضية نسبية، فالذين يعارضون النظام لا بد لهم أن يعتبروا كل معارض للنظام، لا سيما إذا كان يملك حجماً فقهياً أو حجماً اجتماعياً معيناً، لا بد أن يعتبر ضميراً له. أما الآخرون فإنهم لا يأخذون بذلك. بالمناسبة، ما الفرق بين الشيخ وآية الله، خصوصاً انكم قلتم الشيخ منتظري؟ - الشيخ كلمة تعطى لكل طالب علم ولكن آية الله تمثل لقباً علمياً. وما موقع منتظري أو صفته، هل لديه هذا اللقب العلمي؟ - لماذا؟ الشيخ منتظري لديه اللقب العلمي آية الله العظمى، لأنه مُقلد. عندما يقال عن منتظري إنه ضمير الثورة، فلأنه كان الوحيد أيام الإمام الخميني الذي قال لا على رغم كل الشرعية التاريخية والثورية والفقهية التي كانت للإمام؟ - صحيح، لكن المفاجأة هي أنه فقد موقعه أيام الإمام الخميني. طبيعي، بسبب مواقفه هذه. - مثل هذه القضايا تحتاج إلى دقة. بالنسبة إلى الجامعة، ماذا يعني أن يكون تنظيم "تحكيم وحدث" الذي يعد قادته من أبرز القيادات الثورية في بداية الثورة، قد أصبحوا الآن أكثر راديكالية وتشدداً بالمعنى اليساري، إذا صح التعبير. هل تعتبره تحولاً أم تطوراً؟ - عندما تقول تطوراً لا بد لك أن ترصد القاعدة الفكرية التي يرتكز عليها. هل لدى هذه المجموعة الكبيرة من الناس فكر معين في خطوطه التفصيلية في المسألة الثقافية والاجتماعية والسياسية. أنا أتصور أن هناك نوعاً من الحيرة في هذا الجيل الطلابي، كأنه يبحث عن هوية، لذلك لا استطيع أن أقول إن جامعة طهران تمثل تياراً فكرياً معيناً يمكن أن يؤكد نفسه في الواقع الإيراني الحالي. هل يعني ذلك ان خاتمي ليس لديه تيار فكري واضح وإنما هناك مجموعة استقطابات؟ - لذلك يمكن أن نقول إن طرح السيد خاتمي هو طرح ولاية الفقيه، لكن مع تحديث مفرداتها. الكلام عن تحديث الحوزة، ينقلنا إلى قضية المرجعية ؟ - هناك جانبان في هذه القضية: هناك مرجعية تقليدية تتحرك في أساليبها ومفرداتها وذهنيتها بالاسلوب الذي تحرك فيه خط المرجعية في التاريخ، وهو الخط التقليدي الذي يقتصر فيه المرجع على الفقه والاصول وعلى الاتصال بمقلديه من خلال الفتاوى التي يرسلها إليهم جواباً على استفتاءاتهم وإدارة مسألة الحقوق الشرعية، من الخمس والزكاة في نظام تقليدي معين، وبعض المشاريع الخيرية لهذا المرجع هنا وهناك، من دون أن يتحرك في الافق الثقافي العام، أو في الواقع المعاصر بالطريقة التي يشعر فيها بمسؤوليته عن الحركة الثقافية والحركة السياسية والحركة الاجتماعية، وهذا هو الغالب في المراجع. يوجد نوع من المرجعية يعتبر أن الأمر يتلخص في المفتي الذي يقدم الفتاوى، وهناك نوع ثانٍ يرى ان المرجع هو الذي يرجع إليه الناس في كل ما يواجههم من علامات استفهام ومن خلال التطورات والتحديات السياسية والاجتماعية وهذا النوع من المرجعية لا يزال يتحرك ببطء جداً وفي نطاق حرب مسعورة ضده. ربما كان السيد خامنئي يحاول أن يتحرك في هذا الاتجاه. وإذا كانت هناك مشكلة من هذا النوع من التداخل بين شخصية المرجع وشخصية الولي الفقيه، فربما نجد ان هناك بعض الشخصيات الأخرى تتحرك على هذا الصعيد. أنا لديّ مشروع للمرجعية يعتبر ان على المرجعية أن لا تكون شخصانية، بل أن تكون مؤسسة، بحيث تجمع كل الدراسات التي يحتاجها المرجع لتقدم له في كل علاقة جديدة، وفي كل وضع جديد، وأن تحفظ هذه الملفات للمرجع الجديد، عندما يموت المرجع السابق، وأن تتم عملية المرجعية عبر انتخابات من علماء المسلمين الشيعة في العالم، بحيث يكون هو على رأس هذه المؤسسة . وقد ضربت مثالاً ليس دقيقاً أزعل كثيرين، وهو مثال البابوية في هذا المقام. فالبابا مجرد شخص ينتخبه الآخرون ولكن ليس له سلطة مطلقة، فهناك مؤسسة الفاتيكان، وقلت ان هذا المشروع للمرجعية هو مشروع المستقبل. عندما أتحدث عن مرجعية المؤسسة لا أريد أن أتجاوز كفاءة الشخص ومركزه، لأنه لا بد أن تكون للمؤسسة قيادة. لكنني اعتقد بأنها لا بد أن تحمل مواصفات لا تقتصر على الفقه والاصول، بل تمتد إلى الثقافة السياسية والاجتماعية، لأن المرجع عندما يدير الأمور، فإنه يديرها بخبرته وثقافته. مشكلة المرجعية حالياً، هي افتقادها إلى مثل هذا الاتفاق الذي تتحدث عنه. هل يعود ذلك إلى تداخل ولاية الفقيه بالمرجعية؟ - في تصوري ليست المسألة في ظاهرة المرجعية، فنحن، بعد الإمام الخميني، لم نلتق بمرجعيات تتحرك في الدائرة التي تحرك فيها الإمام الخميني تزاوج الفقه بالسياسة إلا ما كان من مرجعيات السيد خامنئي أو المرجعيات الناشئة. أنا اعتقد بأن المسألة ليست مسألة التداخل بين المرجعية والولاية، بل هي نتيجة هذا التنوع التاريخي في المراجع لدى المسلمين الشيعة الذي يتم تحت تأثير الاختيار الشخصي للمقلدين أو لبعض الناس الفضلاء في هذا المجال، ومن الطبيعي أن ينشأ في الصراع بين المرجعيات بعض التعقيدات أو التفرقة أو ما شابه ذلك، والاستقلالية التي تميز المرجعيات ميزة تاريخية جيدة لكنها تحتاج إلى نوع من التنظيم