على هامش المعركة المشتعلة في القاهرة بين النجم الكبير عادل إمام والنجم الصاعد محمد هنيدي حول تحوّل "عرش الكوميديا" من الأول، الذي تربع عليه طيلة ربع قرن، الى الثاني الذي يصعد إليه بسرعة الصاروخ وبإيرادات غير مسبوقة في تاريخ السينما المصرية، التقت "الوسط" الفنان دريد لحام في منزله في "أبو رمانة" - احدى ضواحي دمشق - لتستطلع رأيه في تلك المعركة. دريد في عمره الحالي يعد شيخ الكوميديانات العرب كما انه يعتبر صديقاً حميماً لعادل امام ويفترض ان يجمع بينهما مشروع مشترك لفيلم بعنوان "وطن في السماء" يعد دريد له السيناريو حالياً. من هنا فان دريد يمكن اعتباره طرفاً "محايداً" يصلح للحكم في المعركة التي تعبر عن نفسها بقوة في القاهرة، خصوصاً مع التحدي الذي ألقى به عادل إمام في وجه المنادين باعتزاله وطرح فيلمه "الواد محروس بتاع الوزير" بكوميديا تعيد للأذهان انطلاقة إمام الى الصفوف الأمامية في طابور الكوميديانات المصريين. هذا الفيلم حصد ايرادات هائلة لكنها لم تتخط إيرادات فيلم هنيدي "صعيدي في الجامعة الاميركية" الذي نقل النجم الى مقدمة الصفوف وما زال في مكانه حتى الآن. يستغرب دريد لحام طروحات تلك المعركة ويراها مفتعلة لأن لكل نجم بصمة خاصة طلة لا تضاهيها بصمة نجم آخر. وأن بزوع نجم لا يعني إلغاء نجم آخر. فالساحة تتسع لألف هنيدي وبما لا ينقص من قدر إمام، لأن الأخير وراءه تاريخ حفره بأظافره ولا يمكن في يوم وليلة أن ينتهي كل هذا فجأة لظهور نجم جديد. ويرفض دريد الدعوة لاعتزال إمام فالفنان لا يعتزل بل يبقى لأن الأجيال تحتاج الى خبرته وعطائه، وإلا ما معنى العودة لأفلام اسماعيل ياسين التي تجتذب قطاعات من الجمهور حالياً. دريد لحام… في تصورك لماذا كل هذا الهجوم على عادل إمام؟ - أنا مستغرب أن يقول أحدهم إن عادل إمام لاپبد من أن يعتزل، استغرب طرح السؤال من الأصل، وأتساءل معكم ما سر هذا السؤال الهجومي، من وراءه؟، عادل لا يعتزل، فمهما كان عمر الفنان فإنه لا يعتزل. عادل قادر على الغوص في وجدان الناس، لا تزال آلته تعمل، ثم إن محمد هنيدي لا يلغي عادل ولا تاريخه، لكل فنان بصمة، لكل خصوصية. الساحة تتسع لعادل وهنيدي ودريد وغيرهم. وقد يكون وراء هذا الهجوم أن عادل ظل وحده ولفترة طويلة فوق القمة، يغرد وحيداً بعيداً عن السرب، فلما ظهر هنيدي تصور البعض أنه بديل عن عادل، او أن قوة ظهور هنيدي ستلغي وجود عادل. اقول لهم جميعاً إن أم كلثوم لم تلغ عبدالوهاب، ولا عبدالحليم ألغى كوكب الشرق، ولا فيروز عندما شدت ألغت عبد الحليم، ولا صباح أخذت من فيروز. كل فنان حالة خاصة لا تؤثر بالسلب على حالة الآخر، ممكن ان ينجح فنان أكثر من فنان ولكنه أبداً لا يلغيه. ربما السوق تغيرت، أو أن طبيعة الجمهور تغيرت ولم تعد في مصلحة عادل إمام، وربما السن أصبحت عائقاً أمام "الزعيم"، كما يلقبونه في القاهرة؟ - أبدأ من الآخر، من حيث السن، أي فنان يختار ما يلائمه. واعتقد أن عادل من الذكاء بحيث يختار ما يلائم سنه، ان يختار ايضاً ما يلائم مبادئه. وماضي الفنان يختلف حتماً عن حاضره لأن رؤى الفنان وآفاقه تتغير، تنضج، حتى نظرته الى الحياة تتغير. اذاً على الفنان ان يختار ادواراً تلائم هذه المرحلة او تلك. هنا تكمن المشكلة، وعلى قدر الاختيار الصحيح يكون النجاح والاستمرار. واعتقد ان عادل ذكي. مثلاً هناك سيدات في الخمسين يلعبن ادوار طالبات جامعة يضحك هؤلاء وقعن في المأزق، وعلى عادل ألا يقع في تلك الاشكالية عليه ان يختار وينتقي ما يلائم عمره. وفي تصوري ان مثل هذه الطروحات أقرب الى التهجم منها الى الموضوعية. هل ان ايرادات الشباك يعوّل عليها في بقاء نجم او ابتعاده؟ - عيني... على الدوام هناك بطل ينجح في فيلم وربما يفشل في آخر تهبط ايراداته، لله في خلقه شؤون، هناك واحد طويل وواحد قصير، حتى التفاح هناك واحدة حمراء ناضجة واخرى لم تعرف طعم النضج ولكنها تفاح، على اية حال. ممكن ألحان عبدالوهاب لا تعجبك وربما بعض أغاني عبدالحليم لا يروق لمزاجك، ممكن تحب أغاني بعينها لفيروز أكثر من غيرها. كون فيلم يتراجع عن فيلم لا يعني أن صاحبه هبط أو ضاع أو ان عليه أن يعتزل. أعود وأذكرك ببقية السؤال: هل تغير الجمهور في اتجاه آخر بعيداً عن مواضيع الكوميديا التي سادت في فترة وتوشك أن تنتهي الآن؟ - أولاً من الصعب ان تضع اطاراً لأسلوب التواصل مع الناس، أو قواعد محددة، من الصعب ان نقول هكذا تكون الكوميديا، هكذا تكون التراجيديا، هذه القوالب لا علاقة لها بالفن، لو كانت هناك قوالب لما كانت هناك حالة ابداعية في الفن.. الضحك ضحك، والبسمة بسمة، يجوز التكنولوجيا ساعدت على تطور الكوميديا في إطار تعظيم الخدعة، ولكن يظل الأصل هو الكوميديان. ألم أقل لك إن أفلام اسماعيل ياسين الأبيض والأسود تلقى رواجاً كبيراً جداً. هذا معناه، حسب سؤالك، أن طبيعة الجمهور اتجهت لمزاج الخمسينات، وانا أقول ابداً على الاطلاق ان، الحالة الابداعية لفنان عبقري مثل اسماعيل ياسين هي التي خلقت رواجاً لأفلامه الآن. ولكن أيضاً على الكوميديا أن تواكب مصدر العاطفة عند الجمهور. نحن شعب عاطفي إذاً لماذا نجح هنيدي كل هذا النجاح؟ - أتصور أنه لامس الشباب، عبر عنهم في فيلم يجسد آلامهم وأحلامهم، إضافة للمسة وطنية تسحر المشاعر حرق العلم الاميركي في باحة الجامعة الاميركية ونحن كعرب حساسون تجاه تلك النقطة، لو غنى أحد نشيداً نشارك ونبكي تعاطفاً وحباً، نحن كما تعرف شعب عاطفي وميال للحزن، حتى ألحاننا حزينة، وأغانينا حزينة، في المنطقة عندنا، الأغنية التي تجمعنا تبدأ بيا ويله. أنت بهذا تلغي حضور هنيدي بالأساس؟ - صبراً، أنا لا ألغي شيئاً. عندما شاهدت بعض أدوار هنيدي التي قدمه فيها عادل إمام، أحسست أن هذا الفنان مختلف، لافت للنظر، موهبة مختلفة، من الممكن ان يكون هناك عدد كبير من مطربين يؤلفون "جوقة" ولكن واحداً منهم فقط هو الذي يستطيع ان يغني وحده. هذا هو هنيدي، موهبة، تحسّ ان له حضوراً خاصاً نفس ما أحسست به مع بدايات عادل امام. وللعلم ربما يسهل الحديث عن الموهبة، ولكن مثلاً عادل امام موهبة يصعب اختصارها في سطور، لأنها موهبة مختلفة عن السائد، لها بريق خاص يخطف الابصار. معنى ذلك انك ترى في هنيدي مشروع نجم كوميدي من الاوزان الثقيلة؟ - يصلح لذلك هو ويصلح الف غيره، الساحة تتسع لأي فنان ما دامت موهبته حاضرة، احب ان اؤكد ان السنباطي لم يلغ بليغ حمدي، ولا بليغ حمدي الغى الموجي، لكل دوره ولونه. بعضهم يتصور ويجوز هذا خطأ ان اتجاه عادل امام الى الافلام السياسية أنقص من رصيده ككوميديان. وهو الآن يحاول استرداده وربما لا يستطيع؟ - بالعكس، أنا في رأيي تلك الأفلام زادت من رصيد إمام، أي فنان موضوع في مكان المنتخب من دون انتخابات، هو نائب عن الناس، وبالتالي لاپبد أن يكون لسان حال هؤلاء. ثم إن الأفلام التي يقولون عنها انها سياسية احب انا ان اصفها بأنها وطنية ولمست الناس، وتجاوب معها الجمهور وزادت من رصيد إمام. كما أن الفن لاپبد أن يحرك التفكير. صحيح ممكن أن يكون الهدف الضحك للضحك ولكن أيضاً هناك رسائل للفن يجب ألا تغيب عن الفنان خصوصاً من كان في حجم عادل إمام. والفن كما يقولون متعة للقلب والروح وهو اذا اضيفت اليه متعة العقل وحركة الفكر زادت قيمته. ربما لا يقبل الجمهور على تلك الرسائل السياسية التي تصفها بأنها وطنية؟ - عندي مقولة ان الجمهور دائماً على حق. ربما ينجح فيلم ما وقد لا يرضي اذواق المثقفين. وهنا على هؤلاء المثقفين ان يقفوا ويحللوا تلك الظاهرة ولا يهدموا المعبد. ولكنني اعتقد ان الرسائل الوطنية تصل الى الجميع، وهذا لا ينفي هدف الامتاع والتسلية، فالفنان عندما يرسم البسمة على شفاه انسان مقهور، فان هذا في حدّ ذاته هدف يجب الوصول اليه وبأية وسيلة حتى لو كانت تهريجية، وإذا تضمنت الرسالة مضموناً فكرياً فهذا أيضاً مطلوب، وأفضل عندي أن يكون للكوميديا هدف آخر غير الإضحاك. تعمل حالياً على انجاز سيناريو فيلم "وطن في السما" الذي ستلتقي فيه مع عادل إمام. بعضهم يتصور أن الفيلم هو الحل السحري لأزمة عادل في القاهرة ودريد في دمشق، أقصد أزمة قطبي السينما والمسرح في الوطن العربي، وإنقاذاً من عوامل السن وعزوف الجمهور؟ - هذا سؤال مرفوض، بل واستغرب هذا الطرح، نحن لسنا في حاجة الى انقاذ، ومن كان له تاريخ عادل لن أتكلم عن نفسي ليس في حاجة الى انقاذ لأن تاريخه يكفيه. وأين يقف هذا المشروع الذي يتصور بعضهم أنه كان حلماً ثم تحول وهماً كبيراً مع استمرار الكتابة عنه من دون أي تقدم يذكر. يقولون إنه مشروع للاستهلاك المحلي؟ - نعم هو ما زال حلماً، ولن أرد على بقية السؤال. ولكنها من دون شك خطوة تحتاج الى كثير من التأني. أين يكمن الخلل، لماذا العجلة متوقفة؟ - لا خلل ولا شيء.. أنا الآن اكتب السيناريو وسوف أخرج الفيلم، وعندي لك خبر جديد، البطولة ستكون مشتركة مع عادل إمام. والتمويل؟ - زمان كانت تلك مشكلة، ولكن هناك عروض تمويل كثيرة، مَن يمول؟ مَن ينتج؟ ليست هنا المشكلة. المهم أن أنجز السيناريو. أين أنت تحديداً؟ - موجود أمامك أدلي بهذا الحوار، وأمامي الكثير لأتعلم ولأقرأ ولأمثل. عندما تكون هناك فكرة مناسبة سأقوم بتقديمها فوراً. هل صحيح أنك اعتزلت المسرح؟ - نعم، اعتزلت المسرح ولي أسبابي، أنا عمري لم يعد مناسباً لهذا النشاط، والمسرح معاناة نفسية وجسدية أنا لا أقدر عليها. أنا الآن جد لثلاثة أطفال. نقطة أخرى المسرح الذي احب ان اقدمه هو مسرح يتحدث عن القضايا العربية من المحيط للخليج، وأنا أرى الآن أن القضايا الكبرى أصبحت هامشية في دوامة الاستهلاك، أصبح رغيف الخبز أكثر أهمية من قضية الوحدة العربية، وهؤلاء الغلابة عندهم حق. الطعام قبل كل شيء. تقصد ان جمهور المسرح تغير؟ - تغير اهتمام الجمهور، أصبح اهتمامه لقمة العيش، وعنده حق، نحن الآن نعيش نكبة خطيرة. لقد بتنا اليوم نختلق مبررات إنسانية للانفلاتات الاخلاقية. منذ 40 سنة عندما كنت تحاول ان ترشو موظفاً كان يشتمك وربما يبكي خجلاً، الآن هو يطالبك بالرشوة او ستجد بعد ذلك من يقول لك حرام ان تؤذي هذا الموظف، انه غلبان هذا مبرر انساني لانفلات اخلاقي. حرب الدراما نقلة في الحوار تبدو غريبة، بصفتك عازفاً قديماً على البيانو، كذلك على الاكورديون وكنت رئيسا للجنة تحكيم مهرجان الاغنية العربية الاول في القاهرة، هل ترى ان الاغنية العربية دخلت مرحلة انهيار بعد اختفاء جيل العمالقة؟. - أولا لا اوافق على الحديث عن مرحلة انهيار، لأن الارض العربية ولاّدة والسنوات كفيلة بأن تفرز لنا اصواتاً ومواهب جديدة، ليس بالضرورة ان تكون في عظمة القمم التي رحلت، لأن المواهب من هذا النوع الفريد صعب تعويضها وتحتاج الى سنوات ليظهر مثيل لها. ثانياً ان رصيدنا من هؤلاء العمالقة يكفي لعشرة اجيال مقبلة تسمع وتطرب، وبالتالي لسنا في حالة جوع غنائي. ثالثاً، طبيعة الجمهور تغيرت - كما قلت في حواري عن المسرح - ولا بد ان نعي ذلك. ورواج الاغنية الشبابية يؤكد ما ذهبت اليه، ياصديقي ايقاع الحياة تغير. واخيراً احب ان اوضح ان هناك فارقاً كبيراً جداً بين ان تكون الاغنية شبابية وان تكون هابطة، هناك خلط كبير، الاغنية الشبابية يمكن ان تكون جميلة وبالفعل هناك اغانٍ شبابية جميلة جداً. انت عاشق لفيروز وأم كلثوم وعبدالحليم، ألم يرق لمزاجك احد هؤلاء المطربين الشباب؟. - هاني شاكر، هو الأفضل على الساحة الآن. وأود ان ألفت النظر الى شيء هو انك كنت قديماً تسمع الاغنية فقط، الآن انت تسمع وترى، واحيانا تكتفي برؤية المغني او المغنية، واحيانا يكون شكل المغني اهم من صوته. الفيديو والفضائيات غيّرت المقاييس، لم يعد الصوت وحده يكفي بل الصورة تلعب دوراً خطيراً. في تصورك هل اثرت الفضائيات سلباً او إيجاباً على الحركة الفنية والثقافية؟ - الفضائيات برأيي لم تؤثرلا سلباً ولا ايجاباً. لأن كل الفضائيات اقيمت لأسباب اعلامية وليس لضرورات ثقافية. لأسباب دعائية وليست لضرورات معارفية، ولك ان تتصور ان نسبة المشاهدة قلت الى حد كبير لأنك احياناً تقضي الليل بطوله تقلب في القنوات من دون ان تستقر على قناة واحدة، ويمضي الليل من دون مشاهدة مركزة، وبالتالي انها عديمة التأثير. بعيداً عن الفضائيات، هناك من يعتقد بوجود حرب فنية بين القاهرة من جهة ودمشق وبيروت من جهة ثانية تتجلى الآن في الاغنية والدراما ووصلت الى المسرح؟ - كل ما يقال عن موضوع حرب او منافسة هو كلام غير اخلاقي، كلنا نعرف تماماً ان القاهرة كانت وستظل حاضنة الثقافة والفنون في العالم العربي، وأي فنان عربي يتمنى ان يكون له موطىء قدم في القاهرة. الدراما السورية لا تنافس الدراما المصرية ولا تحل محلها ولكن اخذت دوراً، كانت الدراما السورية غير منتشرة الا في قناة واحدة هي القناة الرسمية للتلفزيون السوري بعد ذلك فتح المجال للقطاع الخاص وأعطي مساعدات مادية ومعنوية فبرز القطاع الخاص في هذا المجال وأنتج دراما جيدة. ولكن تظل للدراما المصرية مواقعها، والدراما السورية أو الفن السوري قطعة من لوحة فسيفساء الفن العربي، وبوجود كل العواصم وكل الفنون تكتمل اللوحة. الفن تكامل وليس تزاحماً ولا تنافساً فقط. ومن يشعل هذه الحرب لا يستهدف خير هذه الامة. لكن القطاع الخاص سعى الى الربح فقط من دون رسالة اعلامية واضحة إلى درجة رواج ما يسمى بالمسرح السياحي في القاهرة مثلاً؟ - صحيح القطاع الخاص متهم بالسعي للربح والاستثمار من دون النظر الى المضمون، دخل الفن تحت لافتة القطاع الخاص التجاري أتى على حساب الفن والفنانين، وهنا مأزق قطاع عام فشل انتاجياً وأدى إلى هروب الجمهور ومعه الفنانون، ودخول ذوي النزعة التجارية وسيطرتهم على الساحة كرد فعل لهذا الفشل. الفشل الاخير وأقصد به فشل القطاع الخاص في انتاج اعمال هادفة لا يعني العودة الى القطاع العام، لأن التجربة المصرية في الانتاج الخاص لها بصمات مهمة وعلامات في تاريخ السينما والمسرح، كما ان رواج ما يسمى بالمسرح السياحي لم يلغ المسرح الجاد، وهناك مسرح مصري جاد وملتزم وتحت لافتة القطاع الخاص، فلنترك السوق تنظف نفسها بنفسها. إلا.. اسرائيل سؤال لا بد منه.. بعض المثقفين العرب يطالب بضرورة التعامل مع ثقافة الآخر، ويبررون ذلك بأن ثقافتنا اكبر واعمق واكثر قدرة على حسم العراك الثقافي لمصلحتنا، وانها فرصة لتذويب اسرائيل في محيط الثقافة العربية؟ - مرة سألني صحافي مصري في القاهرة، هل توافق على السفر الى اسرائيل قلت له هذا كلام فارغ، فأنا لن اوافق بالتأكيد على زيارة اسرائيل حتى لو تحقق السلام معها، لن استطيع الذهاب الى اسرائيل، لأنني غير مهيأ نفسياً، من الصعب محو خمسين عاماً من الحروب والكراهية. والمسألة ليست كما يتصور السياسيون، المسألة لا تحل بورقة وقلم ومعاهدة، المواطن العادي لن يستطيع ان ينزع قلبه، لن يغسل حبر المعاهدات مرارات القلب. انا مواطن عادي، اسأل اي مواطن عادي يجيبك عن هذا السؤال، صحيح ان السلام منطق عالمي وانساني ومطلب لكل الحضارات لكن السلام الآن استسلام، والحرب في ظل تفوق العدو انتحار. اذاً دعوني وشأني، أكره وأحزن، اما حكاية الذوبان تلك فهذه اكذوبة، نكته سخيفة. الحضارة ليست كثرة بشر، المسألة نوعية وليست كمية، التطبيع في ظل تفوق العدو انتحار. نحن داخلياً متحاربون متمزقون، فلنلملم الشتات، وأخشى ان يكون العكس صحيحاً، ربما ذبنا نحن في تلك الثقافة المزروعة قسراً في قلب عروبتنا