ما يفصل "عودة غوار" عن "مقالب غوار" ربع قرن خاض الفنان دريد لحام خلاله تجربة متباينة في تشخيص نمادج مختلفة من الشخصيات والأدوار. من دوره الغريب في مسلسل "وادي المسك" الى ابراهيم الدغري في "مسلسل الدغري" مروراً بعبدالودود في فيلم "الحدود"، وصولاً الى ابي الهنا في"احلام ابو الهنا" اجتاز الممثل الكوميدي الكبير أبرز مراحله الفنية. من هنا كانت عودة الفنان دريد لحام الى شخصية غوار في "عودة غوار"، نوعاً من المغامرة، إذ أنها عودة إلى البدايات الجميلة في مرحلة متقدمة عمراً ومغامرة. في هذا الحوار يجيب الفنان دريد لحام عن تساؤلات عدة طرحت حول تجربته ومغامرته: قيل ان الكوميديا العربية في انحسار، هل توافق على هذا القول؟ - لست مع هذا الرأي الآن، ولكن كان هذا في الماضي على شاشة التلفزيون وفي السينما وفي المسرح فقد كانت الاعمال الكوميدية طاغية وكانت الدراما قليلة ولكن عندما دخلت على هذا الخط أعمال درامية ذات ابعاد أخرى غير الكوميديا صار هناك إحساس بان الكوميديا انحسرت. وفي الحقيقة انها لم تنحسر، انما أخذت الدراما العادية دورها الطبيعي. من جملة الانتقادات التي توجه الى الكوميديا العربية انها اصبحت كوميديا الحركة والتهريج اكثر منها كوميديا الموقف والافكار والحوارات. - لا أفترض في كل موقف كوميدي بندقية أو أن له فعل طلقة رصاص اوشيء من هذا القبيل. الكوميديا هي الاضحاك، والفن هواصلاً للمتعة قبل ان يكون شيئاً آخر، ولكن اذا أضيف الى هذه المتعة الفكر يكون افضل، وإذا لم يكن هناك الا المتعة فما هوالغلط. هذا مع الاشارة الى ان هذا الاضحاك يجب ان يكون بعيداً عن الاسفاف. هل اصبح الفن الكوميدي استهلاكياً أو سياحياً كما قلت ذات مرة؟ - في الحقيقة أنني أطلقت هذه التسمية على المسرح فقط، وليس على الفنون الأخرى لان المسرح في الوطن العربي بصورة عامة اصبح يخاطب السياح اكثر مما يخاطب الفكر اوالمتلقي. والمسرح بشكل عام هو ابن بيئته وهو بهذا غير السينما او التلفزيون. بالنسبة للسينما ، انها تسافر والتلفزيون ينطلق عبر الفضائيات الى اقطار اخرى ولكن المسرح ثابت في بيئته ومدينته، ولهذا السبب ابتعد عن مخاطبة ابناء بيئته وابناء مدينته ليخاطب السياح واكبر دليل على ذلك ثمن تذاكره المرتفعة جداً والتي لا يقدر عليها ابناء البيئة. هل يعني ذلك انه يجب ان ينحصر عمل المسرحيين العرب ضمن بيئتهم؟ - بالتأكيد ان المسرح وجد اصلاً للتعبير عن البيئة، وقبل ان افكر بمخاطبة مواطنين عرباً يجب ان اتجه الى المواطنين الموجودين في بلدي اولاً. واذا توجهت اليهم في صدق وشفافية، فهذا يعني اني توجهت الى مسرح الوطن العربي كله، لان الصدق والبيئة المناسبة يجعلان المسرح ينطلق الى الاقطار الاخرى. على سبيل المثال لا الحصر، المسرح في مدينة عربي قصة عائلة مناضلة، مكافحة، فقيرة، في قرية ما، وبمجرد التعامل مع هذه القضية بصدق فهو بالتالي تحدث عن كل العائلات في قرى الوطن العربي لان البيئة الاجتماعية واحدة في الوطن العربي والحالات الاجتماعية الموجودة هنا يمكن ان تكون في اي قطر آخر، وبذلك هي تفرض نوع المسرح الواحد في كل الوطن العربي. هل قدمت "عودة غوار" نوعاً من التحدي، كي تتجاوز الانتقادات التي وجهت الى مسلسلك السابق "احلام ابو الهنا" ؟ ولماذا عدت الى شخصية "ابو الهنا" في القسم الاخير من المسلسل؟ - لم اقدمها رداً على الانتقادات اطلاقاً وطبعاً انا اقرأ النقد باحترام وبعضه آخذ به. والبعض الآخر لا يقنعني. فالنقد هو مرآة عمل الفنان، وبخاصة اذا كان صادقاً يرى بالعينين. فهو يرى السالب ويرى الموجب وهذا احترمه وأكنّ له الكثير من التقدير. اما النقد المبني سلفاً على مواقف شخصية فهذا لا احترمه. وبعض النقاد يكتبون مديحاً لانهم مع هذا الفنان،أو تربطهم به صداقة. وكثير من النقّاد يكتبون مدحاً لانهم أصلاً ليسوا اصدقاء مع الفنان. وهذان النوعان لا احترمهما. ان اهمية النقد تأتي من انه مرآة حقيقية لاعمال الفنان ومهما كان نوع النقد الموضوعي، فأنا احترمه ولا اعمل اي عمل كرد على اي نقد ودائماً آخذ بما يناسب دريد لحام. أما العودة الى شخصية "ابو الهنا" فلانني احب هذه الشخصية ولكن الناس لم يقدّروها. أردت ان يعرف الناس ان هذه الشخصية مهمة جداً حتى لو قدمت في شكل غلط في عمل سابق. ولكن في "عودة غوار" تعاطف الناس جميعاً مع هذه الشخصية وفهموها كما تعاطفوا مع برنامجين سابقين وهما "لحظة مع المرور"و برنامج "حقوق طفل"بالتعاون مع اليونيسيف. وأريد ان اشير الى ان "ابو الهنا" و"غوار" ليستا شخصيتين بل هما شخصية واحدة، لكن "ابو الهنا" هو "غوار" المتهور المهزوم. واذا شاهدنا أغنية "فطوم فطوم" لغوار وهو في السجن نشعر انه "ابو الهنا" وليس غوار الشرس - وليس غوار الذي غنّى "يامو يامو يا ست الحبايب يامو" بل "ابو الهنا" هو غوار المهزوم تحديداً المعروف عنه انه مشاكس ومنتصر. ألا ترى معنا ان "مهرجان الاغنية السورية" الذي تتولى ادارته يراوح بعد دورته الخامسة مكانه؟ - انه يراوح مكانه من حيث الشكل، ودائماً المهرجانات الدورية تبدو هكذا وتصبح عناوينها تقليدية. مطربون، وجوه شابة، الحان جديدة، تجارب، فعل ثقافي ... هناك دوماً عناوين تقليدية ولكن الجدة تكمن في مضامين هذه العناوين. اعتزلت المسرح، ولم تقدم عملاً سينمائياً بعد "الكفرون" .. وتقدم مسلسلات في اوقات متباعدة، هل يشغلك عن هذا كونك سفيراً لليونيسيف او مديراً لمهرجان الاغنية؟ - كوني سفيراً لليونيسيف ومديراً للمهرجان يخطف من وقتي الكثير وانا سعيد بذلك وطبعاً اقوم بهذه الاعمال مجاناً متبرعاً فانا اشعر ان وطني قد اعطاني الكثير، اعطاني هذه الجدران المليئة بالشهادات التي افخر بها. وأعتقد كذلك وأنا في هذه السن ان وطني له الكثير علي ومن الواجب ان أفيه شيئاً مما اعطاني. وهذا الإحساس عندي كإحساس حب الإبن لأمه بعدما ضحّت بالكثير من أجله، ويجب عليه ان يقدم لها شيئاً، ومهما قدم لها يشعر بانه مقصّر في حقها. وانا أحس انني مهما قدمت لوطني فانا مقصر وأعتبر أن هذه الأعمال هي نوع من انواع الوفاء: اعتبر نفسي مازلت هاوياً مع انه صار لي 39 سنة محترفاً للفن لكنني لا اقوم باي عمل عندي الا اذا كنت مقتنعاً به، ليس عندي هاجس ان اقدم فيلمين في العام او مسلسلين في العام الا اذا اتتني فكرة اقتنع بها حتى ولو بعد عشرة سنين. لماذا لجأت الى اخراج مسلسل "عودة غوار"؟ - ليست المرة الاولى التي اخرج فيها للتلفزيون. في بدايات التلفزيون كنت رئيساً لدائرة التمثيليات ثم رئىساً لدائرة المخرجين، وأخرجت اعمالاً كثيرة للتلفزيون ايام الابيض والاسود. اذن هذا الموضوع ليس جديداً عليّ. لكن بعد تجربتي في الاخراج المسرحي أخرجت ثلاثة افلام لي وهي "الحدود" و"التقرير" و"كفرون" ولقيت نجاحات عدة. وأعتقد ان اكثر انسان يفهم دريد لحام هو انا، وبخاصة بعد الاشكالات التي حصلت في برنامج مسلسل "ابو الهنا". ما رأىك بالكوميديا التي يخرجها هشام شربتجي و"مرايا" التي يقدمها ياسر العظمة؟ - لا تسأليني عن رأيي بأحد لأنني فنان ولست قاضياً، كما لست عضواً في لجنة التحكيم لأحكم على اعمال الآخرين، فانا احترم كل اعمالهم واحترم اعمال الشربتجي واعمال العظمة ولا اصدر احكاماً عليها سلباً كان ام إيجاباً. واذا حصرتني في زاوية ضيقة كثيراً فأدباً مني سأقول ، كلهم يعجبونني ولكني استطيع ان اقول عن ياسر العظمة تحديداً انه متعدد المواهب ويتمتع بحضور جميل وآسر وهذه ليست وجهة نظري كدريد لحام وانما كمشاهد. شربتجي قدم في "عيلة خمس نجوم" مسلسلاً لقي اقبالاً؟ - لا اعرف بالتحديد لكن الاشكال يبدأ في تكرار التجربة، إذ أصبح لدينا "عيلة ست نجوم" و"سبع نجوم" و"ثمانية نجوم" ... هل ترى في ظهور الكوميدي المصري محمد الهنيدي وسرقته شباك التذاكر من عادل امام طفرة ام ظاهرة صحية؟ لا هي طفرة ولاهي ظاهرة صحية. في الفن لا احد يحل محل احد ابداً. عادل امام فنان له تاريخ كبير لا يلغيه نجاح فنان آخر اطلاقاً والساحة تتسع لعادل امام ومحمد الهنيدي وآخرين كثر من امثالهم. فالفنان عبدالوهّاب لم يلغ أم كلثوم، وأم كلثوم لم تلغ عبدالحليم، وعبدالحليم لم يلغ فيروز. وفيروز لم تلغ وديع الصافي. لكل فنان خصوصيته المعينة وعادل له خصوصيته والهنيدي له خصوصيته. ظن البعض ان صعود الهنيدي كالصاروخ هو الغاء لعادل امام لكن نجاح الهنيدي ليس معناه الغاء عادل امام. الساحة تتسع لعشرات من هذا النمط. وكل واحد يعبّر عن شيء مختلف عن الآخروكل واحد له كوميديا خاصة به. وعلى مستوى الوطن العربي لم يلغ عادل امام دريد لحام، ودريد لم يلغ حسين عبدالرضا، وحسين عبدالرضا لم يلغ محمود جبر. كل واحد له خصوصيته التي يتميز بها. فنجاح واحد ليس سقوطاً للآخر. بالعكس تماماً انا اراه ارتقاء بالكوميديا الى الاعلى ولكن من يحب ان يصطاد في المياه العكرة يجعل منها معركة بين الزملاء والحمد لله لم يقعوا في فخ هذا الموضوع. هل صرفت النظر نهائياً عن تقديم عمل مشترك مع عادل امام؟ - الحقيقة لا يزال حلماً وان شاء الله سيتحقق ولكن لا نعرف متى