نبيل الحلو فنّان يغرّد خارج السرب، و"مهرّج" يهذي يأساً وسخرية. فهذا السينمائي والمسرحي المغربي عنيف في انتقاداته، إذ يعتبر أن صندوق الدعم الذي ترعاه الحكومة "جعل الساحة تعجّ بالمتطفّلين". ويعترف أن مجالات التعبير ضيّقة، لكنّه مصمّم على التسلل من الثقوب الصغيرة. كما انّه يجاهر بأن الجمهور العريض لا يهمّه، وبأن أفلامه ستظلّ نسخاً غير كاملة نتيجة الظروف التي أنتجت فيها. أما زميله سهيل بن بركة، فيعتبر أنّه "صانع أفلام ورجل أعمال لكنّه ليس مُخرجاً"! بين السينمائيين المغاربة، يمثل نبيل الحلو ظاهرة. فهو الذي يؤلف مواضيع افلامه ويخرجها ويوزعها، وهو الذي يقوم بالتمويل والتمثيل... كما لو كان يسابق الزمن. وهذا السباق جعل منه المخرج الأكثر غزارة في السينما المغربية. ونلاحظ في أفلامه: "القنفوذي"، "الحاكم العام لجزيرة شاكر باكر بن"، "ابراهيم ياش"، "نهيق الروح"، "ليلة القتل"، كما في مسرحياته "مذكرات اليكسيس ايفانوفيتش نيكولاي كولكول تشخ مخ"، "الامبراطور شيشماتوري"، غرابة يتقصدها نبيل الحلو ويجهد في البحث عنها، لكنها تظل فضيلته الكبرى اقتحام عالم الفن الجميل. التقته "الوسط" وهو منهمك في الاعداد لتجربة مسرحية جديدة بعنوان "أوفيليا لم تمت": أما زلت تبحث عن الفانتازيا؟ هل ستظل الغرابة ميزتك الأساسيّة؟ - تتصف أعمالي فعلاً بهذه الميزة، لكن أمنيتي القيام باخراج اعمال واقعية. كيف؟ لا ادري. فالواقعية تتطلب اشياء كثيرة، لا سيما بالنسبة إلى بلداننا حيث الرقابة والرقابة الذاتية. ولا يمكن ان أحقق مشاريعي إذا لم تتوافر لها شروط التعبير. انطلاقا من هذه الحواجز اكتب قصصا تتراوح بين الفانتازيا والحلم من اجل الوصول الى شيء. ربما لم اصل الى شيء متكامل، غير ان عليّ ان استمر هكذا. في العديد من افلامك ومسرحياتك تسخر من حديثي النعمة ومن الروتين الاداري، وتتهم المؤسسات بالتسلط، هل نعتبرك مخرجاً مشاكساً؟ - نعم أنا مخرج مشاكس، أقولها بكل تواضع وبساطة. ان الفنان، أكان مسرحياً او سينمائياً او حتى مغنياً، له رسالة، او مهمة تجعله في موقف الناقد. فمثلما هناك صحافة لإنارة الرأي العام، هناك فنانون يمارسون النقد البناء. مع الاسف، نحن نعاني من صعوبات بالغة في ايصال رسالتنا، بسبب وطأة الرقابة الذاتية... لكن سيظل لنا هامش صغير، وأنا مصمّم على النفاذ ولو من خرم ابرة! هل نفهم انك غير راض عن وضعية الفنان المغربي؟ - نحن السينمائيين، بشكل عام، غير راضين عن وضعيتنا ووضعية السينما. فما زلنا نطالب بانتاج وطني بمعناه الاحترافي، وهذا لم يتحقق حتى الآن. صحيح ان بعض الافلام أنتج بفضل مساعدات ماديّة من الدولة. إلا أن تغيير نظام "المنحة" واتباع أسلوب المساعدات المسبقة المأخوذ من فرنسا، أضرّا بالسينمائيين الذين يبحثون سنوات وسنوات حتى يحققوا مشاريعهم. أنا لست راضياً، ولست الوحيد. فالمغرب، كأي بلد عربي، بحاجة الى تأسيس حركة سينمائيّة معاصرة، بحيث لا يعود المخرجون عاجزين عن تحقيق مشاريعهم. ومن دون عمل سينمائي سيموت الجميع. فاذا لم نقم بشيء جاد وحقيقي في هذا الميدان، سيضطر التقنيون للعمل في مشاريع الانتاج الأجنبيّة... وسيظل المخرجون يتعاطون مع افلام الاعلانات، ولن تبقى لنا بالتالي سينما. هل يفسر كل ذلك ابتعادك عن السينما؟ - أنا أرفض التهافت على صندوق الدعم الذي جعل الساحة تعج بالمتطفلين. كيف يمكن انجاز شريط جديد في ظل هذا المناخ؟ كيف أعمل وقد فقدت كلّ رغبة أو حماسة؟ لقد وجدت في المسرح ملاذاً وخلاصاً. كيف يعيش السينمائي المغربي؟ كيف تعيش انت؟ احاول ان اعتمد على السينما... ولكن من دون فائدة، لذا اضطر للعمل في المسرح، فالسينما لا تسمح لي بالعيش الكريم. منذ العام 1980 وافلامي لم توزع، وانتظر ان تكتشف افلامي الاخرى من قبل تلفزيونات عربية او اجنبية لأتمكن من توزيعها... حتى ذلك الوقت فأنا اعيش كفنان آكل واشرب وأدفع ايجار الشقة وفواتير الماء والكهرباء. وربما سأتمكّن من شراء معطف جديد في المستقبل. تتولى عادة كتابة افلامك واخراجها وتمثيلها. فهل نعزو ذلك الى نقص في الطاقات المحليّة؟ أم انّها حاجة إلى استعراض الذات؟ - أنا مضطر الى كتابة سيناريوهات افلامي، وتولّي عمليّات المونتاج والاخراج، لعدم وجود موازنة كافية للانتاج. أنا أوقف التصوير غالباً وأذهب إلى البنوك مقترضاً، فكيف تريدني أن أسدد حقوق من يتولى القيام بتلك المهام. أما بالنسبة إلى التمثيل، فأنا امثل عندما أجد الشخصية التي تلائمني. هناك من يرى أن مسرحك يفتقد التواصل المفترض مع الجمهور... - مسألة التواصل مع الجمور العريض غير مطروحة من أساسها في ما يخصّني. أنا أقدم مسرحاً من نوع خاص، لفئة من نوع خاص. وهي فئة محدودة، لا علاقة لها بالحشود التي تتهافت على بعض العروض المسرحية. اترك للمتفرج حرية الاختيار، فهو يحضر إذا رغب، واذا لم ينل العرض اعجابه فله ان ينصرف. من جانب آخر، تلاحظ انني لا اقدم اعلانات دعائية لعروضي في التلفزيون. ولا اقوم بجولات في المدن، لسبب واحد هو أن معظم المدن المغربيّة ليس فيها قاعة مسرح حقيقية. ولا أجد تفسيراً لهذا النقص، فكيف يعقل أن تقتصر الحركة المسرحيّة المغربيّة على مسارح قليلة في الرباط والدار البيضاء؟ لماذا تقتبس مسرحياتك من اعمال غربية؟ - اعمالي ليست كلّها مقتبسة، فقد كتبت الكثير منها بنفسي، مثل "سقراط" الذي حاولت فيه نقل الواقع السينمائي المغربي الى الخشبة. أنا لا اقتبس لمجرد الاقتباس. وحين اقتبس فلكي اقدم اعمالا تمنحني السعادة في الاداء، كونها تطابق افكاري وتصوراتي للاشياء. هل تشعر بالندم على دخولك ميدان الفن؟ لست نادماً. أنا سعيد... سعيد جداً. هذه حياتي وسأستمر فيها الى الأبد. ماذا اعطتك السينما؟ - المشاكل... والشعر الابيض. ألم تُكرم في يوم من الأيّام؟ - هذا لا يهمني، واعتقد انك تعرفني جيداً. عندما اكون في مهرجان اتحول مهرجاً كبيراً... أضحك، اتهكم، ألعب... ولكن مع الاسف الشديد هناك من لا يفهم سلوكي هذا. فبالنسبة إلى بعض الفنانين حضور مهرجان ما يعني الرصانة... وأنا ضدها. فأي مهرجان بالنسبة إلي هو حفلة ممتعة لا أبحث فيها عن التكريم. الذي يهمني هو ان اعمل، ان املأ حياتي بعمل ربما يعطي المشاهد شيئاً من المتعة. هل تعتبر الضحك فلسفة نبيل الحلو؟ - فلسفتي هي التواضع، ولكن ما معنى التواضع؟ سلوكي واحد مع الجميع. لا اريد ان اتخذ لنفسي طابعاً رزيناً، لأن الرزانة الحقيقية هي تلك التي في الداخل. هل تتضايق مما يكتب عنك؟ - أقرأ كل ما يكتب عن أعمالي... وأجد أحياناً أشياء جميلة ومشجعة. لكن هناك كتابات كثيرة قاصرة عن التحليل العميق. أعرض أحياناً في قاعة سيئة، شاشتها سوداء، فيأتي الناقد ليقول إن الصورة غير واضحة، كأنني أنا المسؤول... وهو بذلك يريد ان يتحدث عن التقنية... مثل هذه الكتابات اعدها سطحية. ما رأيك بأفلامك؟ - لو أعطيت لي الامكانات لأعدت تصويرها من جديد. لكنني أحب أفلامي، واعتبرها افلاماً جيدة... خصوصاً بالنسبة إلى السينما العربية التي أبتعد عنها شكلاً وموضوعاً. لكن أفلامي تظلّ نسخ عمل غير كاملة، نتيجة الظروف التي أنتجت فيها، ويجب ان تشاهد أكثر من مرة. أما أعمالي المسرحية فأعمل على اعادة تقديمها، لأن ذلك أقل كلفة من السينما. وأنا أعمل على اعداد جديد لمسرحية "السلاحف" التي سبق ان قدمتها في بداية السبعينات، وقد صدرت أخيراً في كتاب ضم الى جانبها مسرحية "شريشماتوري". وماذا عن الافلام المغربية؟ - بصراحة؟ قدّمت بعض أحسن الأفلام المغربية، إلى جانب مخرجين آخرين مثل مصطفى الدرقاوي ومؤمن السميحي وفريدة بليزيد والراحل محمد الركاب. هؤلاء الذين حملوا في قلوبهم هموم السينما. وأُكبر جهود محمد التازي وسعيد الشرايبي. ماذا عن الجيلالي فرحاتي وسهيل بن بركة؟ فرحاتي هذا صنف آخر من الاسماء السينمائية المغربية. إنّه مبدع وفنان، فهو مثلي يقاتل من اجل سينما مغربية جادة. وللحقيقة، هناك الأسماء التي تحمل الامل السينمائي، ولكنها مغيبة في ضبابية المركز السينمائي وسوداوية لجنة الدعم. أما سهيل فهو فنان محترف، بالمفهوم السينمائي، اي صانع افلام وليس مبدعا. انه رجل اعمال يقوم بانتاج افلامه مع الايطاليين دائماً، وعندما يعمل مع زملائه المغاربة، وبامكانياتنا سأقول له مرحباً. كيف جئت الى السينما؟ - كونت نفسي بنفسي. لم اكن اعرف ما هي الكاميرا الا عندما شاهدتها. ووقعت عيني على ثقبها، فوجدت عملها سهلاً وبسيطاً، وهكذا بدأت المغامرة معها. فقد اعطاني الله سبحانه وتعالى "دماغاً"، وقال: "اذهب فأنت فنان". وأرجو ان لا يأخذ القارىء هذه الاجابة مأخذ الجد، فالحقيقة انني درست السينما في فرنسا، كما درست المسرح في اكثر من جامعة. مثل جامعة الامم للمسرح، وعملت في مجال المسرح الجامعي. ولكنني وجدت الدراسة تقليدية جداً، ثم ان المدرسين كانوا يطردونني دائماً، لأنني كنت أناكدهم واتهمهم بالسذاجة والتبسيط