سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
روى ل "الوسط" سيرته وقصته مع العهود السودانية . حسن الترابي يتذكر نعم حاورت بن لادن خلال وجوده في السودان بريطانيا طالبتني بإخراجه وأميركا تحدثت الى آخرين 2
قبل أربعة اشهر طرحت "الوسط" على الرئيس عمر حسن البشير سؤالاً عما يتردد في الغرب من ان المشكلة في العلاقة مع السودان تكمن في دور الدكتور حسن الترابي، فأجاب: "الترابي من أفضل السودانيين معرفة بالغرب وثقافته ولغاته، وقد عاش فيه ودرس وتخصص، وهو يؤمن بالحوار والحسنى ويعبر عن ذلك في محاضراته التي يدعى لها من قبل أكثر المؤسسات العلمية والفكرية في الغرب. لذلك من التبسيط الشديد للمشكلة نسبتها الى شخص واحد، فهم يدعون ان الترابي يمسك بمقاليد كل شيء في السودان، وذلك أمر مستحيل لبلد فيه دولة ومؤسسات، بل وينسبون الى الترابي أموراً كثيرة تحدث خارج السودان، وهو بشر واحد لا يمكن ان يحيط بكل ذلك". ورداً على سؤال آخر عما تردده واشنطن عن وجود شبكات لأسامة بن لادن في السودان أو استثمارات قال الرئيس السوداني: "جاء بن لادن الى السودان في أعقاب الحرب الافغانية من مدخل الاستثمار في مجال الطرق والمطارات والزراعة، وهي مجالات ظل يعمل فيها وتعمل فيها شركات تابعة لأسرته منذ أمد طويل، وليس له أتباع أو شبكات تنبت بهذا المعنى في السودان سوى مجموعة قليلة من مساعديه ظلت حوله دائماً، وظلوا جميعاً بعيدين عن الاعلام واجهزته على أي مستوى، بل ولم يشاركوا حتى في مناسبات ونشاط المجتمع العادي. لكن اميركا جعلت منه بعبعاً ترى صورته في كل مكان وحتى بعد ان خرج من السودان ... وهي تعلم جيداً انه يعيش في شبه عزلة في بلد بعيد، لكن هواجسها تغلب معلوماتها". العدد 348، 28 ايلول - 4 تشرين الأول 1998. كان من الطبيعي ان نطرح الأسئلة نفسها على الترابي الذي قال ايضاً ان اسامة بن لادن دخل من باب الاستثمار. لكنه اعترف انه حاوره خلال وجوده في السودان. مشيراً الى ان بن لادن لا يطرح نفسه مفكراً اسلامياً. وكشف الترابي ان البريطانيين فاتحوه بموضوع وجود بن لادن في السودان وضرورة مغادرته وان الاميركيين تحدثوا مع جهات أخرى في الدولة، لكنه أكد ان بن لادن غادر طوعاً ولم يُخرج عنوة. قال الترابي ان السودان فتح أبوابه لكل العرب وان بين من جاؤوا الشبان الذين اعتبروا مجاهدين خلال مقاتلتهم السوفيات في افغانستان ثم أقفلت بلدانهم في وجوههم. وأضاف انه لا يحب الثورات بسبب ما تهدره من طاقات وما تخلفه من عنف وضرب وتخريب. وسخر من ادعاءات الغرب انه يمول الارهاب. وقال: "ليس لي حساب مصرفي أصلاً". وتحدث الترابي عن العلاقات المصرية - السودانية محملاً الجانب المصري مسؤولية نظرة فوقية الى السودان قال انها تشمل الحكومة والأزهر وحتى "الإخوان المسلمين". وأتهم ال "سي.آي.ايه" بأنها كانت وراء محاولة اغتياله في كندا. وهنا نص الحلقة الثانية. قصفت الولاياتالمتحدة هدفاً في السودان، هل كان هذا الصدام حتمياً؟ ألا تتحملون جزءاً من المسؤولية عن الوصول الى مرحلة الصدام؟ - كان الصدام مفاجئاً بالطبع في الخرطوم، لكنه لم يكن صدمة غريبة. ولربما استغربت ان يصوبوا الى هدف بعينه وحسبتهم سيقصفون أهدافاً أخرى. سياسات الولاياتالمتحدة كانت دائماً أسرع من الحملات الاعلامية والاقتصادية ضد من تعادي الى الحملة الهجومية. هذه طبيعة الشعب الاميركي. وأميركا أسست على العنف وإبادة الهنود الحمر وليس مثل سائر البلاد الأخرى التي تطورت سياسياً واستعمارياً. هناك احتلوا الأرض وأبادوا من عليها. العنف أقرب اليهم ونسبة جرائم العنف عندهم قياساً على عدد السكان لا توازيها نسبة في الدنيا. لم يكن غريباً بالنسبة لي سوى التصويب نحو الهدف. وسياسة اميركا نحو السودان كانت تتطور منذ حين لكنهم يئسوا من اخفاق كثير من محاولات استهداف السودان، ولذلك قامت عليهم طبيعة العنف فيهم ورمونا بالصواريخ. هناك مقولة عن صدام الحضارات، خصوصاً بعد انحسار الاتحاد السوفياتي السابق، كيف ترون هذه المسألة؟ - لا أريد ان أعمم، كما عمم الاستاذ الأميركي صمويل هنتنغتون في كتاب "صراع الحضارات" وتحدث عن الغرب جملة، لأن الغرب قوى لها اتجاهات مختلفة، لكن من سنن الله في التاريخ ان أيما ناشيء جديد، حتى لو كان في الطبيعة، لا بد ان يقاوم فيكسر غلاف الحبة ويكسر غلاف الأرض ويقوم نبتاً صغيراً يمكن سحقه بيسر حتى ينبت ويصبح شجرة. وكذلك التاريخ، فأيما حضارة وأيما ثورة وأيما قومة لقوم في فرنسا أو في الصين أو في التاريخ القديم أو الحديث، فإن العالم من حولها يريد حفظ التوازنات القائمة بميزانها الظالم. وقيام قوة جديدة يضرب هذه الموازين ولذلك يهجمون عليها لإبادتها في المهد قبل ان تقوى ويتعسر عليهم ذلك. وأميركا لم تكن سابقة لأوروبا. وبريطانيا هي التي كانت تستعمرنا وتعرفنا وتصيبها الغيرة أكثر مما تصيب أي بلد أوروبي آخر وكذلك الى حد ما الأخوة في مصر. هذه مستعمرة خط أمنهم القومي يقتضي ان تظل محكومة بقوى ضعيفة حتى لا تقوى وتأخذ نصيبها من الماء. دولة امكاناتها الواعدة لا تقارن بمصر أصلاً، سكانها نصف سكان مصر ولكن امكاناتها أضعاف أضعاف مصر. من العسير على أحد ان يرى مستعمراً سابقاً بدأ يصعد وينافسه في الاسلام وفي النمو المادي والعروبة كذلك. وكذلك بريطانيا لا تقبل ان تخرج الانكليزية من التعليم وان تخرج من القوانين ومن التجارة ايضاً. هم الذين حرضوا علينا أميركا وتداعت معهم قوى وهيئات ضغط. والسياسات الخارجية في اميركا لا يصنعها الشعب الاميركي وليست ديموقراطية اصلاً وهي ترسل الى الرئاسة أو البرلمان من دون منهج خارجي لأن الاميركيين لا يعلمون شيئاً عن العالم. وهيئات الضغط التي لها مصالح عالمية صهيونية كانت أو نحو ذلك تجد الساحة مفتوحة أمامها. هذه هي التي ركزت علينا وصوبت علينا سياسة اميركا فجاءت هذه السياسة متأخرة بعض الشيء وبدأت بالحملات الاعلامية والاشاعات، وحملاتهم الاعلامية أكثر سذاجة كأن يكتب عنّا أننا بلد إرهابي وأوروبا تعرف جيداً أننا لا نعرف الإرهاب في حياتنا السياسية أبداً. وثانياً، تثير مسألة مثل الرق وهي مسألة يستحي الأوروبيون من ترديدها، بالطبع هناك بعض الصحف تعكس ذلك. وثالثاً حقوق الانسان. هذه كلها مبادرات اميركية، وتلت ذلك القطيعة الاقتصادية، وحدثنا الأميركيون وقالوا لن تجدوا شيئاً من أوروبا أو من أخوانكم العرب أو الأممالمتحدة. وبالفعل قطعوا عنا ذلك، لكن الهجمة الإعلامية لم تضر أهل السودان، بل على العكس زادتهم صلابة، والهجمة الاقتصادية لم تضرهم، بل صرفتهم الى ان يعولوا على أنفسهم بدلاً من الاعتماد على الأعطية والمنح والقروض، وبدأ يتفجر اقتصاد من تحت أرجلهم وبجهدهم لا بجهد أجنبي، وبعد ذلك حرضوا علينا الدول من شرقنا اثيوبيا واريتريا علناً بالمال وبالسلاح، لكن في الشرق الآن دولتان بدأتا تصطرعان وأهلكتا الأسلحة الاميركية بينهما. وكذلك جنوباً وجنوباً غربياً بلدان اضطربا اوغندا والكونغو. يئست اميركا ولما كان الرئيس بيل كلينتون في حال يريد صرف الأنظار عنه، قال اختاروا لي موضعاً، وكان السودان من المواضيع الواردة في قائمتهم. وقال هل هو مصنع كيماوي خطير جداً؟ حتى لا تكون المسألة مدمرة للآلاف من البشر لأنه يخشى ذلك. فقالوا: لا فيه حيل داخلية. فظن انه تصنيع محدود يمكن ان يضربه ويقتل عشرات فقط أو مئات فصوب عليه لهذا الغرض. نحن لا نستغرب لأنها حركات يائسة من اميركا. وم ذلك يمكن لأميركا ان ترتد وتعود الى علاقات أفضل معنا، والأميركيون أسهل من أوروبا. فالأوروبي إذا خاصمك يستغرق وقتاً حتى تتبدل الحيثيات والتقديرات عنده، وإذا صالحك كذلك. أما الأميركي فيمكن ان يخاصم اليوم ويصالح غداً. هذا يعني ان لا صدام حتمياً مع الغرب؟ - لا. أنا لا أوافق على هذا. ولا صدام حضارات؟ - أنا لا أوافق. هذا الرجل هنتنغتون لا يعرف شيئاً عن الاسلام، وهذه هي الطبيعة الأميركية، كانوا يصوبون كل التصويب على الاتحاد السوفياتي. الكاوبوي الأميركي يصوب بندقيته إليه. الآن يبحثون عن هدف آخر وهذه طبيعة انسانية، فالانسان يبحث دائماً عن هدف يسميه الشيطان. عن عدو؟ - يسميه الشيطان، وحتى الاخلاقيات يجسدها والاخلاقيات الطيبة يجسدها في ملاك فيقول هذا ملاك وهذه ملاك. أحب امرأة أو شخصاً فهذا ملاك وذلك شيطان. هذا الكاتب لا يدرك أن مبادرات الثقافة الاسلامية نحو الغرب ليست مبادرات عدائية. وهي تدافع عن نفسها، في الحروب الصليبية مثلاً أو الاستعمارية، لكنها لا تبادر الى استغلال الآخر وسلبه. سكان الجزء الجنوبي من العالم قد ينتشرون ويتكاثرون عدداً لكن تاريخهم لم يشهد الهجمات التي عرفها الاسكندر والرومان من قبل ثم أوروبا الحديثة العدوانية التي لا بد أن تدافع عن نفسك حتى تصدها. هذه الساحة الجنوبية تريد العلاقات العالمية لأن فيها مسلمين والاسلام يرى أن المسيحية منه، وهو ينتسب الى ابراهيم ويرى ان المسيحية من دينه. المسلمون يرون ان المسيحيين من دينهم؟ - مسلمون لله. وكلمة مسلمون جاء بها سيدنا ابراهيم. فهؤلاء كلهم على ذات الملّة. التعايش بين الاسلام والمسيحية ممكن؟ - نعم. هنا النظرة الى المسيحي كأنه واحد منا. والمسيحيون عاشوا بيننا منذ ظهر الدين الاسلامي، ولم تقم حروب دينية استأصلتهم كما قامت حروب بين الطوائف في أوروبا الغربية وضد اليهود وبين طوائف الكاثوليك والبروتستانت. وثانياً، المسلمون يلتقطون الثقافات وهم في المنطقة الوسطى من العالم ويروون عن رسولهم "اطلبوا العلم ولو في الصين". أخذوا من هؤلاء وأخذوا من الهند ومن الرومان والاغريق. نحن نأخذ العلم يميناً ويساراً ونتصل مع الآخر ونشترك معه في العلم وفي السلع. المسلمون كانوا يأخذون السلع من الشرق ليس سلباً، وانما تجارة ويبيعونها للغرب تجارة. والغرب ظن لأنهم طريق تجارة ولذلك لا بد ان يستولي عليهم أولاً ولذلك سلط عليهم أول هجوم استعماري. هذا الرجل لا يعرف تاريخ المنطقة ولا ثقافاتها. خذ الهند مثلا، هذه ثقافة لبليون شخص معهم مسلمون ولم يصطرعوا أصلاً. والاسلام حكم الهند مئات السنين ولم يكره هندوسياً. هو لا يقرأ شيئاً عن التاريخ، ولذلك فإنه تحدث عن الصراع بعقله الأميركي العنيف. وأوروبا الغربية فيها أجيال جديدة بدأت تتحرر من الروح الاستعمارية للأجداد وبدأت تدرك ان العالم كله أصبح قريباً بعضه من البعض، وان من الخير ان يتبادل العلم والتجارة. هناك قوى كثيرة في الغرب عقلها أرشد وأسلم لبناء القرية العالمية ليصبح العالم قرية واحدة متماسكة ومتواصلة. وحتى الأوروبيون باتوا الآن أكثر انفتاحاً نحو جيرانهم ونحو الآسيوي والافريقي. هناك من يقول ان السودان ينتهج منذ "ثورة الانقاذ" سياسة تكاد تحوله الى كوبا اسلامية ويثير مخاوف جيرانه من تصدير نموذج ما من التغيير. لماذا لا تستقر العلاقات مع مصر؟ - أولاً، لا تقارن السودان بكوبا فهذه مقارنة سطحية جداً لأن كوبا عدوة لأميركا. انظر الى كوبا الآن والى أين تتجه. كانت شيوعية ولكن الى أين تتجه الآن؟ لا أحد يدري. لكن السودان له وجهة ثابتة، هو لا يبحث فقط عن الخصومات فإذا درت شمالاً دار يميناً أو العكس. السودان قامت فيه روح أصالة. والشريحة العليا من شباب السودان الذين تعلموا منذ القديم كانوا غربيين. هذه الشريحة العليا التقطها الغرب ودرّسها في داخليات سكن داخلي وباللغة الانكليزية، فأصبحوا غربيين بلغتهم وحياتهم وزيّهم ورؤاهم، ولكن قامت فيهم روح تمرد على الاستعمار. وغالب المتمردين على الاستعمار قالوا نمضي شرقاً نحو الاتحاد السوفياتي. والشرق الذي مضوا نحوه أصوله كلها غربية وفلسفته غربية فهو تمرد غربي. لكن نشأت بين هؤلاء وأولئك روح أصالة تقول نريد أصالتنا الوطنية في هذا الوطن وهذه الأرض، فقامت روح الدين في هذا البلد. هذا أمر طبيعي، والسياسيون والعسكريون الذين خلفوهم كانوا وطنيين فقط وضد الغرب. ولذلك كان الرئيس السابق ابراهيم عبود أول حاكم عسكري سوداني مع حركة عدم الانحياز، والذين خلفوه كانوا اشتراكيين مثل سائر الاشتراكيين في العالم العربي والافريقي. وكان معظم العسكريين والسياسيين اشتراكياً في رؤاه العالمية وشعاراته وأهدافه وموازناته. وبعدهم جاء الاسلام، كنت تراهم بين الطلاب وبين الخريجين جنوداً كانوا أو ضباطاً أو خريجين يقودون العمل السياسي أو الأدبي. زحف الاسلام حتى على الرئيس السابق جعفر نميري الذي كان أصلاً يسارياً شيوعياً. وتزايد الزحف حتى جاء هؤلاء الجنود في هذه الموجة. أي قارئ للتاريخ يمكن أن يقرأ هذا. الاسلام بهذه الطريقة هو تمرد على تجربة أوروبا. أوروبا جربت مع المسيحية التي استوردتها من المنطقة الوسطى في العالم وأخذتها كنائس وقام ملوك وثوار ضد الكنيسة من أجل العلم والحرية والديموقراطية والفن وحرية المال. وهزمت الكنيسة في كل الساحات وسدت عليها أبواباً. والمسلمون رأوا أمراً مشابهاً اذ وقع صراع منذ قديم الزمان بين القراء المثقفين الذين رأوا ان الخلافة بعد الرسول تمضي بالشورى والانتخاب. لكن بعد ذلك بدأت صراعات القبائل كما تراها في الأمويين والعلويين والعباسيين والفاطميين واستبدت السلطة بالسلطان وأبعدته عن الدين حتى لا يحكمها الدين وأبعدت الاقتصاد ايضا من الدين حتى لا يحكمه كما أبعدت العلم والفن. وانفصل الحكم عن الدين كما حصل في أوروبا. السودان قام على هذه التجارب وهي تجارب انحطاط وليست تجارب تقدم. الفصل بين الدين والدولة في رأيك انحطاط... - هو انحطاط فإما أن تؤمن بالله وإذا آمنت به فهو في كل مكان. وحكمة الله لا يمكن أن تعني فقط أن الله حكيم يهدينا كيف نصلي له ولا يدلنا كيف نسوس اقتصادنا وسياستنا وعلمنا وهو العليم. كل الديانات المسيحية والاسلام تحدثنا عن إله في كل مكان وقوته مطلقة وعلمه مطلق وحكمته مطلقة. السودان قام على هذه النظرة التوحيدية لكل الحياة تحت عبادة الله. هل هي أول تجربة من نوعها؟ - نعم بمعنى ان تصل الى مستوى الحياة العامة وتدخلها كلها في الدين، لكن قامت حركات كثيرة طرحت شعارات دخول الدولة في الدين. الآن هذه الشعارات تطبق بشمول فلا تكتفي بالسياسة بل تصل الى الاقتصاد مثلاً. هذه أول تجربة تنشأ لنشاط مؤسسات اقتصادية في العالم الاسلامي ترجع الى الدين وعدالته بين الناس وعدم الظلم والاستغلال. الآن ليس لدينا تفريق بين معاهد دينية ومدارس في السودان، وباتت كلها شيئاً موحداً. تجربة ومخاوف هل تعتقد أن طبيعة التجربة السودانية تثير المخاوف؟ هل تعتبر ان الخوف من هذا النموذج يمنع العلاقات مع مصر ان تصبح طبيعية؟ - نعم، لم يقع خلاف أصلاً بين السودان ومصر في قضية أخرى، وقضية حلايب حيلة، لأن الحدود هم الذين رسموها مع الانكليز قبل مئة عام ولا يمكن ان يكتشفوا الآن انها خطأ ويقولون ان هذا الخطأ يقع عليكم. لم يكن هناك حتى رسام أو كاتب سوداني بين الذين رسموا هذه الخريطة. البريطانيون والمصريون رسموا لنا حدودنا وحدودوها كرها، نحن كنا مهزومين مقتولين. السبب الأساسي هو كيف يقوم بلد، يسمون سكانه على المستوى الاجتماعي وليس الرسمي برابرة، ويحاول ان يصعد نحو القيم المشتركة ويحاول ان يسبق اليها. هذه غيرة، مع ان مصر أغنى اسلامياً وثقافة وصلة بالتاريخ الاسلامي من السودان. ولا فرق في الموقف من السودان بين الحكومة والأزهر ولا حتى الاخوان المسلمين في مصر. كل الحياة في مصر ترى ان السودان كأنه كان عبداً لك حررته أو تحرر بجهوده وبدأ الآن يصعد في مقامه الاجتماعي وينافسك. هل يتشابه موقف الأزهر وموقف السلطة في مصر؟ - رجال الدين ورجال السياسة في مصر موقفهم مصاب بهذا، ونحن نتجاوز عن هذا ونعلم انه موقف تاريخي مثل الشاب يريد أن يستقل عن أسرته ولكن أمه وأباه لا يزالان يعاملانه كطفل فيحدث نوع من التوتر في مرحلة التحرر. وبعد قليل يرضون به فهم يكبرون وهو يقوى. هذا التغيير في السودان خرج من عباءة "الاخوان المسلمين". - نعم، خرج من عباءات أغلب الحركات الاسلامية. وأنا لا ألومها لأن الحركات تبدأ بالشعارات مثل الثورة الفرنسية بدأت بشعارات حرية ومساواة وإخاء، لكنها استغرقت قرناً لتحقيق هذه الشعارات حتى بعد انتصارها، ومرت بها عهود ارهاب وعهود ديكتاتوريات تعرفها. هذه الحركات هي التي أشارت الى أن الدين هو كل الحياة ومنها أيضاً "الجماعة الاسلامية" في باكستان التي نتعامل معها بثقافة أبو الأعلى المودودي لأنها تعرضت للهجوم البريطاني ذاته. و"الاخوان المسلمون" في مصر نحن نأخذ من ثقافتهم مثل مساهمات سيد قطب ومحمد الغزالي وكتبهم وتجربتهم ومساهمات فكرية أخرى في شمال افريقيا مثل ما قدمه مالك بن نبي وعلال الفاسي. نحن منفتحون على كل هذه التجارب ونقرأها والتجربة في السودان تطورت وكانت اقتصادية ودعوية وعلمية وفنية وعالمية حتى قبل أن تصل الى أن تكون دولة. وهي تحاورت في عالميتها مع كل العالم وليس مع المسلمين فقط. مصر لديها مأخذ عليكم لاستقبالكم قوى تستخدم العنف في مصر مثل الجهاد الاسلامي والجماعة الاسلامية؟ - أولاً، السودان فتح أبوابه لكل العرب من دون اذن دخول، لأنه في ثغر العالم العربي. والثغر دائماً ينشغل بالقلب أكثر من انشغال القلب به، لأنه عرضة لكثير من الضغوط الثقافية، ولذلك فتح أبوابه للعرب حتى يأتوه مستثمرين أو صحافيين أو مثقفين. أراد أن ييسر عليهم الدخول إليه لأنه يُعنى باللغة العربية أكثر مما يُعنى بها متوسط العالم العربي. لكن جاء بعض هؤلاء الذين كانوا يسمونهم مجاهدين في أفغانستان، وأميركا والعالم العربي، الذي أرسلهم وسلحهم قلبهم بعد ذلك ارهابيين لأنه خاف منهم. فهؤلاء إذا عادوا إلى بلادهم يقاتلون من أجل الحرية ويستشهدون من أجلها ويمكن أن يكرروا تجربتهم، ولذلك لا يؤذن لهم ان يعودوا إلى بلادهم. كثير من هؤلاء وجد السودان بلداً مفتوحاً فدخله. أما رؤاهم الفكرية فهي لا تتنزل إلى برامج حياة، كما تتنزل برامجنا لأن برامجنا حية وهي الآن مؤسسات. هم يبقون على مستوى الشعارات والمبادئ العليا فقط، وقد يشتط بعضهم فيكفر كل ما يجري في السودان. لا صلة بيننا وبينهم فكرياً. أسامة بن لادن هل حصل حوار بينك وبين أسامة بن لادن أثناء اقامته في السودان؟ - نعم، حوار محدود، فهو كان يبني في السودان طرقاً ومطارات وهو من أسرة تعمل في هذا المجال. لم يكن رجلاً يدخل في الساحات الفكرية والصحافية، لم يكتب عنه في الصحافة ولم يُرَ يوماً فيها. فيم تحاورتم؟ - تحدثت معه عن أفغانستان وعن اننا كنا نخشى ان يترك الروس وراءهم بعد خروجهم منها أناساً ثوريين تمرسوا بتخريب الباطل والاستبداد الأجنبي، ولكنهم لم يتمرنوا على شيء آخر فيحدث لهم ما حدث للثورة الفرنسية وكل الثورات الأخرى. قلت له إنني كنت أتحدث مع الاخوة في أفغانستان قبل سقوط كابول وكيف يجب أن يحضروا لما بعد تحرير البلاد. وحدثته عن ذلك وأن كابول سقطت قبل أن يتهيأوا لذلك ولم يكن لديهم استعداد لإقامة مجتمع مسلم على مُثُلهم. هل هو مفكر إسلامي؟ - ليس على هذا المستوى، مستوى أن تنزل المبادئ والشعارات إلى سياسات وبرامج، وان تترجم السياسات والبرامج في مؤسسات وعلاقات ونظم. كيف تنظر إلى حركته الحالية؟ - ليست له حركة واسعة، طبيعة الإنسان أن يخاف من الساحر ويراه في كل مكان، والغربيون يقدرون ان العالم كله بن لادن ويبحثون عنه في كل أنحاء العالم. هو ذهب إلى بلد بدأ يغيب عن الساحة الإسلامية. الإسلاميون كانوا يذهبون إلى أفغانستان، لكن رجاءهم فيها خاب الآن ولذلك بدأوا يتركونها، وهو ذهب إلى منطقة خفية لا صلة له فيها. لكن الأميركيين ردوه الآن إلى الواجهة. هل انقطع الحوار الفكري بينكما بعد خروجه من السودان؟ - نعم، ليس بينه وبين أحد حوار فكري، والمنطقة التي يوجد فيها منطقة صراع ولا تقع فيها حوارات فكرية. كيف أخرج من السودان؟ بناء على طلب الأميركيين أم أطراف أخرى؟ - جاء طلب من البريطانيين نيابة عن الأميركيين. والمملكة العربية السعودية لم توجه ضغطاً مباشراً إلى السودان، وهي لطيفة أصلاً. هو شعر بأن وجوده يحرج العلاقات بين السودان والسعودية، والبلدان تربطهما علاقات وثيقة جداً. العلاقات طيبة جداً ومن السودانيين نحو مليون مواطن يعملون في السعودية ولم يطردوا واحداً منهم، وهو ما كان يريد أن يحرج هذه العلاقات. هل غادر طوعاً؟ - غادر طوعاً. نموذج طالبان الآن يوجد نموذج طالبان وهو نموذج سني... - أرجو أن لا تشغلني كثيراً بسني وشيعي، أنا لا أؤمن بالطائفيات ولا بالمذهبيات ولا الصوفية. أنا أقرأ لكل المتصوفة ولكل المذاهب. تقسيم شيعة وسنة عمره 1400 سنة. أنا لا أقبل بذلك ولديّ الجرأة لأن أطلب أن لا تسميني شيعياً ولا سنياً. صحيح ان طالبان في الدائرة التي تسمى سنة، وفي دائرة تاريخية لطلاب معاهد دينية من باكستان. ذهبوا إلى أفغانستان واحتجوا على الساسة الذين اصطرعوا بعد أن حرروا أفغانستان ولذلك أرادوا أن يبعدوهم ويحكموا هم. لكن هذا النموذج الذي يحطم أجهزة التلفزيون ويمنع التصوير، ما رأيك فيه؟ - هذا نموذج، كما قلت لك، له النية الطيبة والشعار. لا يعرف عن البرامج فقهاً أو تطبيقاً وكان يمكن أن نتحاور معه. ألا يوجد حوار مع الملا عمر مثلاً؟ - الحكومة السودانية لا تعترف بهم وتعترف بالحكومة السابقة، لكننا بدأنا فتح حوار معهم. السودانيون وحدهم بين العرب الذين فتحوا حواراً مع كل الأطراف الأفغانية. هل تعتبر أن النموذج السوداني أقدر على الحوار مع العالم؟ - لا نزكي أنفسنا. السودان بلد منفتح له تسعة جيران، وهو البلد العربي الافريقي الوحيد الذي يجاور هذا العدد من الدول، وأهله يجدون الترحيب أينما ذهبوا في العالم العربي. والسودان منفتح عربياً وافريقياً وآسيوياً وأوروبياً أكثر من المشارقة من العرب. والإسلام لم تدخله حكومة، وإنما صعد من القاعدة الشعبية. وتجربة السودان الإسلامية ليست ثورة صراع وحرب ضد آخرين، وإنما قامت من المؤسسات والطلاب والشعب وبنت المؤسسات قبل الدولة وصعدت إلى أن أصبحت دولة. لذلك كله يسير علينا الحوار مع الأوروبيين ومع الشيعة ومع طلاب معاهد تقليديين، لأنك تجد في السودان الثقافتين التقليدية والحديثة ولا تجد فصلاً بين العلماء التقليديين والإسلاميين كما تجد في بلاد عربية أخرى. حتى الوطنية ليست حادة عندنا والسودانيون هم الذين توظفهم صحف العالم للهجوم على حكومة السودان الحالية والتي سبقتها والتي سبقت تلك أيضاً. لن تجد مصرياً خارج مصر يوظف للهجوم على الحكومة المصرية حتى إذا كانت تسجن حزبه، نحن ليست لنا وطنية وإنما منفتحون على العالمية القادمة. كان سيئاً فينا أنه لم تكن فينا وطنية نتوالى فيها ونتوحد تماماً. الآن فقط نربط أطراف البلد بالاقتصاد وبالطرق والهاتف، لكننا أنواع من البشر وأنواع من اللغات نحو مئتي لغة، وبفضل هذه الطريقة نحن أكثر انفتاحاً. نحن على أبواب قرن جديد، هل ترى تجارب تغيير إسلامية في المنطقة في العقد الأول من القرن المقبل؟ - أراها، ليس بالتمنيات، فأنااعرف العالم العربي والمثقفين وأتابع الساحة بدقة. لاشك في أن هناك طلائع نهضة من تحت الشعوب العربية نحو ما يوحدها وما ينهض بها وما يبدل بعض الصور غير الطيبة التي تتحكم في اقتصادها وسياستها. هل تتوقع تجارب عنيفة في التغيير؟ - التاريخ كله يقول إن توترات قد تحدث بين الجديد والقديم. هذه التوترات قد تتفاقم إلى عنف. لماذا تقوم ثورات في العالم كما في فرنسا وروسيا والصينوبريطانيا وأميركا. الديموقراطية ذاتها لم تأت عفواً وإنما بثورات. التغييرات الكبيرة تستدعي قوة دفع والقديم يخشاها فيضغط ويتدافعان بالقوة. أنا لا أحب الثورات، ولا أقصد انني ضدها لأنه إذا لم يكن هناك مخرج غير المقاومة، فيجب أن تقاوم من أجل حريتك والتعبير بحرية عن رأيك. لكن الثورات تكلف طاقات تبيد وتتناسخ وتتساقط بعضها ضد بعض، وهي تخرج لنا خلفاً جديداً يحب العنف والضرب والتخريب مهما كانت نياته وشعاراته طيبة، ويستغرق وقتاً طويلاً للنزول من عالم الشعارات العنيفة إلى سياسات وبرامج لطيفة تنفع الناس وتوفر طاقاتهم وتجمعهم، أحب التطور باللطف لا بالعنف وبالسلام لا بالصدام. صدور هذا الكلام عن اللطف لا العنف عنك مستغرب، لأن صورتك في الغرب انك تفضل العنف والحسم؟ - هذه أوهام، ويظنون انني أمول الارهاب في العالم، وأنت تعلم ان السودان من أفقر البلاد، هم يعلمون أنني لست من الأغنياء في هذا البلد، وليس لي حساب مصرفي أصلاً. ممارسات الإسلاميين في الجزائر يمكن أن يكون الرد الأول عليها أن السلطة بدأت بالعنف لكن البيانات التي نتلقاها... - قبيحة، لكل الشعب الجزائري وليس للإسلام وحده. قبيحة لكل الشعب الجزائري الحاكم والمحكوم والراعي والرعية معاً. هذا من القبح أنه يلوث علينا سمعة العرب وسمعة الإسلام وسمعة الجزائر خاصة. الجزائريون أهل جبال، وأهل الجبال قساة وليسوا كأهل الوديان والزراعة، هذه طبيعة الإنسان. ولذلك قاوم الجزائريونفرنسا التي أرادت بلادهم جزءاً منها وسقط منهم مليون ونصف المليون شهيد. الجزائريون يحملون خلافاتهم فوراً إلى القوة. يأسف المرء أن يقول إن الغربيين لا يريدون للإسلام ان يأتي والمسلمون قاوموهم في شرق البحر الأبيض المتوسط وفي شمال افريقيا وحموا فلسطين لسنين طويلة وحموا الهند. وإذا ولدت الحرية إسلاماً، فإنها ستلد استقلالاً سيضطر الغرب إلى التوازن معه بعدل. الغربيون لا يريدون ذلك، بل يريدون ان يظل العالم الجنوبي مسخراً مستغلاً مستعمراً. لذلك لما رأوا ظاهرة الإسلام في تركيا اجهضوا الديموقراطية. وليتهم كانوا تركوها لأنها على الأقل كانت ستأتي بقوى إسلامية ستكلف وهي حاكمة ان تبحث عن برامج وسياسات وتنتقد من هنا وهناك فترشد بالنقد. إذا لم أجد ناقدين ناصحين حولي، فإنني لا أتطور. تركيا شهدت الأمر ذاته، وفي السودان حصل معنا الأمر ذاته، نحن دخلنا في حكومة مع رئيس وزراء سابق وجاءته مذكرة من القوات المسلحة قالوا له فيها اخرج هؤلاء واخرج برنامجهم، وكانت فيها أشياء أخرى. قالوا له إذا لم تفعل ما جاء في المذكرة، فإننا سنقلب الحكم عليك، فأخرجنا. لا توجد حريات أصلاً. هذا بالضبط مثل تركيا. والآن أبعدوا حزب الرفاه في تركيا، وهو كان في ائتلاف ولم يطبق شريعة إسلامية ولا يتحدث عنها، لكنهم يرتابون فيه. الغربيون هذه سياساتهم، إذا وجدت مسلماً فلا تعطه حرية، وفي بلادهم يسجن المسلم وحقوق الإنسان لا تنطبق عليه. لكن هنا في السودان لا يوجد ايمان بالطغيان على المجتمع، ولذلك بمجرد ان تمكن مشروع الإسلام في البلاد، أصبحت البلاد تنفتح ودخلت الحرية الصحافة بمنهج وهي ستدخل الآن إلى الأحزاب. محاولة اغتيال تعرضت لمحاولة اغتيال في 1992؟ - أميركية. لكنها كانت في كندا؟ - في كندا، لكن المحاولة أميركية، ذهبت إلى أميركا وتحدثت أمام لجنة من الكونغرس وحاضرت أمام أساتذة جامعات وعقدت لقاءات واسعة وأقمنا ندوات في لقاءات كثيرة وأجريت مقابلات اذاعية وتلفزيونية وصحافية والتقيت كثيرين. هم قرروا أن هذا الرجل خطير، تركوني اذهب إلى كندا وقالوا للكنديين تخلصوا من الرجل. لم يتصلوا بالأمن الكندي، وقابلني بعضهم وقالوا إنهم شعروا بخطر عليّ ونبّهوا الشرطة، لكن الشرطة كانت مع أميركا في هذا الموضوع. والشاب السوداني الذي نفّذ الهجوم؟ - هو مدرب الكاراتيه في الشرطة، قالوا له اقض عليه. ولم التقه في حياتي. جاءني في المطار ووجه إليّ ثلاث ضربات. واحدة منها كانت كافية، لكن أمر ربنا لم يكن أتى. فقدت الوعي في المستشفى واستيأس مني الأطباء وقالوا إنني فقدت الذاكرة، وقالوا لأسرتي انني لم أعد أصلح، "وربما ينطق بعد خمس سنوات فعلموه الكتابة والقراءة". لكنني قمت بعد ثلاثة أسابيع. وقيل لي انني اثناء اغمائي كنت محاطاً بالأجهزة وكان نصف يدي مشلولاً وانني ابعدت كل هذه الأجهزة والأنابيب عني، وان الأطباء خافوا من هذه الحركة التي لم أكن واعياً بها. وقال لي الطبيب الذي زارني في الخرطوم في آخر يوم في المستشفى ان ماحصل معجزة أو سحر الاسبوع المقبل: في خضم التقلبات السودانية