يعتبر هاني الراهب أن "الأدب تحليل للواقع بغية تغييره"، ويؤكّد أنّه حتّى الآن لا يعرف لماذا فُصل من اتحاد الكتّاب العرب في سوريّة! كما يطرح الأديب السوري المتخصص في الأدب الصهيوني نظريّة المحاورة مع العدوّ من موقع قوّة، فإذا "حاورت عدوّاً وأنت جاهل تكون في وضع استسلامي، وإذا حاورته ولديك الأسلحة المعرفيّة، فستنتصر عليه"... خاض صاحب "الوباء" في أساليب أدبيّة عدّة، من الوجوديّة إلى الواقعيّة السحريّة مروراً بالرواية التاريخيّة،. في الحديث عن الرواية السورية يبرز اسم هاني الراهب كواحد من اكثر الكتاب اجتهاداً في تطوير ادواته الفنية، وأكثرهم تنويعاً في طرق الموضوعات المختلفة، على رغم هاجس الهزيمة الذي يسيطر على عوالمه الروائية. فهاني الراهب استفاد من الاجواء الوجودية في روايته الأولى "المهزومون" التي فازت بجائزة مجلة "الآداب" العام 1961، ولعب ببراعة لعبة الازمنة والامكنة في روايتيه "شرخ في تاريخ طويل" 1970 و"الف ليلة وليلتان" 1977. وفي رواية "الوباء" استعاد مرحلة الحرب العالمية الأولى بملحمية تقترب من الواقعية السحرية، الى ان اتت نظريته حول "المعادل الروائي" بتجربتين لم تلقيا القبول المشجع وهما: "بلد واحد هو العالم" 1985 و"التلال" 1988. ولكن هاني الراهب لم يتوقف عن الكتابة والتجريب، فكان مشروعه الروائي خماسية "كل نساء المدينة" التي صدر منها حتى الآن "خضراء كالمستنقعات" 1992 و"خضراء كالحقول" 1993 و"خضراء كالبحار" 1999 والمنتظر ان يصدر منها "خضراء كالعلقم" و"خضراء كالقلب"، اضافة الى رواية بعنوان "رسمت خطاً في الرمال"، يأمل ان تشكل اعادة نظر ابداعية في تجربته السابقة. وهاني الراهب اضافة الى هذا كله مترجم قدم كتباً نوعية للمكتبة العربية، واكاديمي متخصص بالأدب الصهيوني. كما انه شخصية ثقافية لها وزنها على صعيد السجال الثقافي، وقد أثارت طروحاته حول فهمه جوهر الصراع العربي - الصهيوني، جملة من المواقف المتباينة، كان ابرزها قرار اتحاد الكتّاب العرب في سورية قبل سنوات قليلة، فصله من عضويته. "الوسط" التقت الروائي السوري هاني الراهب، وكان هذا الحوار الذي بدأ بالأدب وانتهى بالسياسة. منذ روايتك الأولى "المهزومون" والهزيمة تكاد ان تكون قاسماً مشتركاً في كل اعمالك؟ هل الأدب محاكاة للواقع ام محرض على الحلم؟ - الأدب هو تحليل للواقع بغية تغييره، ومحاولة اكتناه عوامل التحقق والفشل في الفرد والجماعة، ويمكن ان يكون بشيراً او نذيراً. أما الرؤية التي انطلقت منها هي اننا شعب مهزوم لنا احلامنا وتطلعاتنا، لكن الهزيمة تكمن فينا، ورواياتي هي محاولة لتسجيل هذا الصراع بين عناصر الهزيمة المتأصلة وبين القوى الدافعة فينا لترسيخ انسانيتنا وترقيتها. روايتاك "الوباء" و"الف ليلة وليلتان" تندرجان ضمن ما اصطلح على تسميته "الرواية التاريخية" التي شهدت فورة كمية في سورية. كيف تفسر الأمر؟ - حتى مطلع القرن وأواسطه كانت هناك مرحلة نهوض عربية وعملية تواشج بين الذات والواقع. كنا نجد انفسنا في التاريخ ونجد التاريخ شاغلنا، لذلك اتسعت الرؤية وتعددت المحاور من اجتماعية وتاريخية وشخصية لأننا كنا نحلم ونسعى لتحقيق حلم كبير، فجاءت الرواية على قدّ الحلم. الآن تجد روايات صغر حجمها بحد ذاته في مؤشر الى انكماش ذلك الحلم، وعندما تأتي الى مضمونها تجد ان العنصر الذاتي هو المهيمن، وهي روايات مهمة فنياً لكنها كدلالة تقول ان الحلم انكسر وانه لم يبق امامنا الا احد امرين، فإما الانغلاق وإما المصالحة. الروايات التي تعتبرها صورة لانكسار الحلم يعتبرها آخرون خروجاً من دائرة الواقعية المغلقة وبالتالي ولادة جديدة للفن الروائي في سورية. - هذا صحيح ويذكرني بكابوس الواقعية الاشتراكية الذي فرض على الانتاج الروائي، وكان مؤذياً للغاية في عملية ابداع رواية عربية، هذه نقطة. نقطة اخرى انا قلت ان هذه الروايات الجديدة متميزة فنياً وهي ايضاً تخاطب نزعة الانكفاء المتفشية الآن بسبب انكسار الحلم، لكنها مقتصرة على محور واحد هو المحور الذاتي، وغير قادرة على حمل المحاور الاخرى. وأعتقد ان الفن الروائي الجيد اذا كان له ان يولد يجب ان يتخلص من مسلمات الواقعية. ان ارقى ما في ادبنا العربي القديم هو الأدب اللاواقعي، مثل حي بن يقظان، وألف ليلة وليلة، والسير والملاحم الشعبية، ففي تلك المؤلفات يختلط الواقع بالفانتازيا على نحو سبقنا فيه أدب اميركا اللاتينية. هل هذا الكلام يشمل تجربتك الواقعية؟ - هو كذلك بالدرجة الأولى، وأرجو ان تكون روايتي المقبلة "رسمت خطاً في الرمال" نموذجاً لاعادة النظر التي اتوخاها. ومشروعك الروائي الحالي "كل نساء المدينة" هل يندرج في هذا السياق؟ - هو تعبير عن النكسة التي اصابتنا بها الانظمة واللغة العربية، وعندما تقرأها ستجد انها مكتوبة بلغة ميتة، خالية من ادعاءات لغة اواسط القرن، لغة الاشارة، ولغة الوهم. قال نبيل سليمان بعد ان نشرت مقالك في مجلة "العربي"، الذي فهم بأنه دعوة للتطبيع مع اسرائيل: من نصدق الراوي ام رواياته؟ في اشارة منه الى تناقض رواياتك مع طروحاتك. الحوار ليس تطبيعاً - حسب رؤيتي انا دهشت من ان تلك المقالة فهمت كدعوة للتطبيع، لأن التطبيع مستحيل بيننا وبين اسرائيل ما دامت العقيدة الصهيونية هي عقيدة النظام والدولة. وإذا فهم بعضهم ان التطبيع يعني معانقة القتلة والسفاحين فهذا فهم بائس. اما الحوار فهو ليس تطبيعاً اذا تحقق ضمن شروط معينة، اهمها التنسيق مع القيادة السياسية. انه نضال ضد اغتصاب الأرض ولكن بطريقة جديدة. يجب ان نميز بدقة بين التطبيع بالمعنى الشائع المبتذل الذي يستثمره تجار المناصب الثقافية، والحوار، بمعنى اقامة مناظرات على مستوى عالمي لشرح الجانب الاخلاقي والحقوقي والتاريخي للصراع بيننا وبين الصهيونية. وهذا التمييز لم يقم به نبيل سليمان علي رغم ذكائه الوقاد. فقد نظر نظرة سكونية محدودبة الى تاريخ عمره نصف قرن، واعتبر ان العالم العام 1995 هو نفسه العالم العام 1955. وظل يرسف في وهم ان بوسع العرب ان يحرروا فلسطين، وان من يقول بغير ذلك ويرسم رؤية جديدة على هذا الأساس، يكون تطبيعياً بالمعنى الساداتي الانهزامي. ورغم ماركسية هذا الروائي، فانه لم يستطع ان ينتبه الى ما يجيء به التاريخ من تغيرات. انا اعتقد ان من واجب المثقفين العرب ان يشرحوا للاسرائيليين ان هؤلاء يعيشون في ضلالة، وان التاريخ لا يعطيهم حقوقاً في فلسطين. وان الحل الافضل هو التعايش من دون ادعاءات ايديولوجية مدمرة. تحجر فكري اذاً ما تفسيرك لهذه الحملة التي شنت عليك وقرار فصلك من اتحاد الكتّاب؟ - اعتقد ان هناك تفسيرات عدة أولها الجمود والتحجر الفكريان، والعجز عن مراجعة الحسابات الثقافية، رغم ان التبدلات والتغيرات الجذرية التي حدثت في الخمسين سنة الاخيرة، تدعو الى ذلك. ثانياً هناك فئة تتولى مناصب القيادة الثقافية في الوطن العربي ويهمها ان تبقى في مناصبها. وخير وسيلة لذلك هي ان تتبنى مواقف اصولية لها جاذبيتها الكبيرة المستمدة من تاريخ مضى، وإشهارها كسيف مسلط على كل رؤية تشاركها الهدف لكنها تختلف معها في الوسيلة. وأي تجديد يهدد مراكز هؤلاء هم ضده. وسبب ثالث هو الجهل، معظم الذين يتولون المناصب الثقافية في الوطن العربي لا يعرفون الا القليل القليل عن تاريخ الصهيونية، والأقل الأقل عن تاريخ فلسطين، وبالتالي فهم عاجزون عن ممارسة اسلوب الحوار الذي صار الآن سمة شاملة للمجتمع الدولي. بسبب هذا الجهل يعتقدون ان الحوار يعني التسليم للعدو. طبعاً اذا حاورت عدواً وأنت جاهل تكون في وضع استسلامي. اما اذا حاورته ولديك الأسلحة المعرفية، وهي وفيرة جداً، ستنتصر عليه. انا حتى الآن لا اعرف لماذا فصلت من الاتحاد، ولم أتلق قرار فصلي، ولم استدع الى الاتحاد رسمياً لمناقشة ذلك المقال، وإنما سمعت مثلما سمع غيري بقرار الفصل، ولا اعلم ما اذا كانت قد عقدت محكمة في غيابي ام انه قرار اتخذ في جلسة. كنت أتمنى ان يخصص الاتحاد مؤتمراً عاماً طارئاً لمناقشة التطبيع، لاتخاذ موقف باسم الاتحاد يلزم جميع الاعضاء عندما يقر بشكل ديموقراطي. لكن هذا لم يحدث، ومسألة التطبيع لم تناقش حتى الآن الا بانفعالية شقيرية نسبة لأحمد الشقيري غير مجدية. من حيث المبدأ لا يوجد احد من العرب، المؤمنين بعروبتهم، يمكن ان يتآخى مع المؤسسة الصهيونية. التطبيع بهذا المعنى مستحيل، ومن جانب آخر لن يوجد في المؤسسة الصهيونية من يتنازل ويقبل بالتآخي مع العرب، فمن اين يأتي التطبيع؟ لكمة على الوجه هل توضح لنا ما الذي دعوت اليه بالضبط؟ - انا دعوت الى التصدي للمجهود الثقافي الصهيوني الذي يحاول تصوير فلسطين وكأنها يهودية منذ الأزل، وقد جربت ذلك في انكلترا عندما كنت احضّر للدكتوراه. في البداية تصديت للدعاة الاسرائيليين هناك كمستمع، وبسبب ذلك صارت النوادي الثقافية المحلية في انكلترا تدعوني شخصياً للحديث عن وجهة النظر العربية. وكان ذلك عام 1972 - 1973. منذ ذلك الحين وأنا اعتقد - وبخاصة بعدما اصطدمت مع مثقفين ومثقفات صهاينة في انكلترا ونلت من احداهم لكمة على وجهي - ان في وسعنا. ان نواجه الفكر الصهيوني وجهاً لوجه ونفحمه ونهزمه منذ ذلك الحين وأنا أقول: ان خير وسيلة للقضاء على الكيان الاستيطاني الاستعماري الصهيوني هي تركه وشأنه. لأن اليهود معروفون عبر تاريخهم بالاقتتال الداخلي. وهم لم يتحدوا الا عندما يهددهم خطر خارجي. وقد تأكد لي ذلك بمقتل رابين، الذي يعني لي بداية الاقتتال الداخلي في اسرائيل. طبعاً سيكون كلامي خطأ كله لو ان بوسع العرب الانتصار على اسرائيل، وطبعاً نحن لدينا مسلمات ومصالح قومية، وهذه لا يمكن العبث بها، فالعرب عموماً وسورية خصوصاً لا يمكن ان يقبلوا اقل من سلام الشجعان. أنت تراهن على تناقضات المجتمع الاسرائيلي، ما الضمانة لنجاح مثل هذه المراهنة؟ - مصيبتنا اننا لا نقرأ عن اسرائيل لا الأدب ولا المجتمع، ولا التكوّن الديموغرافي الاثني. هل تعلم ان اسرائيل تتكون من مئة وثلاث قوميات؟ كيف سينسجم يهودي من الحبشة مع يهودي من المانيا؟ في هذه المسألة هم يراهنون على الزمن؟ - وأيضاً على خلق وهم ان العالم معاد لليهود وهذا ما يوحدهم، لكن اذا انقشع هذا الوهم يعود المجتمع الاسرائيلي الى التفكك. الآن توجد في اسرائيل مافيات للاغتيال والسرقة، ويوجد فيها شرخ متعاظم بين الاشكنازي والسفاردي، وهو يزداد فاعلية كلما ازداد احساس الاسرائيليين بتوقف الحرب بينهم وبين العرب، وهناك نزعات التطرف المدمرة لدى اليمين الاسرائيلي المتدين وعوامل تفكك اخرى ليس هنا مجال لتعدادها. كليشيهات وشعارات هل حاورت مثقفين عرباً بهذه الافكار؟ - المثقفون العرب عبر تنظيماتهم ومؤسساتهم الثقافية غير عابئين بالكيان الصهيوني. لا اذكر ان مؤتمراً ثقافياً عربياً واحداً عقد وبحث في الايديولوجية الصهيونية، او في مسألة اعرف عدوك، او كيف نواجه الحرب الثقافية الصهيونية، خصوصاً الجانب التاريخي منها، التي تشنها اسرائيل علينا في سائر انحاء العالم. اينما ذهبت الآن تجد العالم الثقافي يؤمن بحقيقة الخرافات والاساطير الصهيونية، ويجهل حقائق التاريخ. ونشكر الله ان مفكراً فرنسياً قد فعل ما لم يفعله المثقفون العرب هو روجيه غارودي. الفعاليات الثقافية العربية مقصرة حتى الاتهام في تعريف القارئ العربي بالصهيونية والتصدي لها، وهم لا يملكون سوى الكليشيهات والشعارات. اما المجهود الثقافي الذي يخبر العالم ان فلسطين عربية منذ اكثر من اربعة آلاف سنة فهو ليس في سلم اولوياتنا. وهذا لا يعني عدم وجود مثقفين يعرفون التاريخ والايديولوجيا معرفة تدعو الى التقدير والاحترام. لكن هؤلاء مغيبون. ما رأيك بما قام به الراحل لطفي الخولي من تحركات على صعيد تنظيم مؤتمرات الحوار مع المثقفين الاسرائيليين؟ - المجهود الثقافي يجب ان يتناسب مع المجهود السياسي، والمثقفون لا ينبغي لهم ان يسبقوا القيادة السياسية، لذلك يفضل ان يكون هناك تنسيق مع القيادة السياسية في اي مجهود ثقافي لأن مسألة السلام لم تحسم بعد، ونحن لا نقبل بأن نمنح المؤسسة الصهيونية اعترافاً مجانياً. لذلك فأي حوار مع المثقفين الاسرائيليين يجب ان يتم بمعرفة القيادة السياسية، او بإشراف منظمات دولية مثل اليونسكو. لكني لست مستعداً للتشكيك بنيات لطفي الخولي، فهو كان مناضلاً عريقاً وعقلاً نفخر به. هل تؤمن بوجود تناقضات جذرية بين المثقفين الاسرائيليين، لا سيما انك مختص بالأدب الصهيوني؟ - بالطبع. فمن خلال دراستي الاكاديمية علمت بوجود كتاب لامعين في اسرائيل توصلوا الى ان يرفضوا المشروع الصهيوني، وأن يدركوا الحيف الذي لحق بالعرب وضرورة التعايش الانساني بدلاً من الاقتتال. انا لا اعتبر هؤلاء اعداء لي، وبالتالي يمكن عبر اقامة اتصالات متفق عليها ان يكونوا مكسباً للقضية العربية. اما الادباء والمفكرون من طينة نتانياهو فالسبيل الوحيد هو ان نتصدى لهم في ندوات عالمية، ومن موقع العداء والتحدي وليس من موقع التطبيع. ما المانع ان تنظم اليونسكو عدداً من الندوات مثلاً عن تاريخ فلسطين، والصراع الصهيوني - العربي، والفكر المتعصب وما يجره من ويلات على البشرية، وتدعو الى هذه الندوات متخصصين من الطرفين يتحاججون ويتناقضون؟ وأنا متأكد من اننا سنكسب. فكل يوم يمر يكتشف علماء التاريخ اشياء جديدة تؤكد ان التاريخ اليهودي لا يشكل الا نسبة ضئيلة من تاريخ فلسطين. نتانياهو يستحيل ان نكون في حال سلام معه، لكن حال السلام ممكنة مع عاموس عوز. أي مستقبل؟ هناك صف عريض من المثقفين العرب، بمن فيهم كثير من مثقفي فلسطينالمحتلة العام 1948، باتوا يؤمنون الآن، بأن اليمين واليسار، والصقور والحمائم، هما وجهان لعملة صهيونية واحدة، والاختلافات بينهما ليست اكثر من لعبة تبادل الأدوار. - اجد هذا القول خاطئاً على صعيدين: صعيد الواقع الادبي، الذي يقدم انتاجات من مختلف الاجناس الادبية والفنية، وهذه الانتاجات ذات موقف انساني اصيل، وموقف تعايشي ومؤمن بالسلام. والصعيد الثاني هو ان هذه الفترة التي نعيشها الآن لا تتسم بصراع بين اليمين واليسار، فاليسار في العالم الثالث انهار، وفي العالم الأول نقح مواقفه بحيث تآلف تماماً مع اليمين. خذ مثال شرويدر وبلير وكلينتون وجوسبان. الاحزاب الاسرائيلية متفقة على قواسم مشتركة، هذا صحيح. ولكن ماذا تقول في شمعون بيريز الذي يعلن عن تأييده لقيام دولة فلسطينية من على منصة فلسطينية، ونتانياهو الذي يعلن: الموت ولا قيام الدولة الفلسطينية؟ هناك شرخ حقيقي وعميق في المجتمع الاسرائيلي، وأحد اسبابه الرئيسية الموقف من الدولة الفلسطينية، والانسحاب من لبنان والجولان. قلت قبل قليل ان نتيجة المحاججة التاريخية ستكون لمصلحة العرب، ومع ذلك تجد ان ايديولوجيتهم تعتمد في جزء كبير من مقولاتها على التاريخ؟ - الايديولوجيا الاسرائيلية قائمة على اساس الاسطورة والخرافة، وهذا ما اكده تيودور هرتزل عندما طرح موضوع الوطن القومي لليهود، قال هرتزل مفضلاً فلسطين على اوغندا: فلسطين ستكون افضل لأن الاسطورة ستكون عاملاً مشجعاً لليهود على الهجرة اليها. وهذا اعتراف صريح من هرتزل بأنها مسألة اسطورة وليست تاريخاً. ليس لدى الايديولوجية الصهيونية ما تعزز به مزاعمها سوى الكتب الدينية التي كتبت وأعيدت كتابتها مرات عدة والتي لا تستند الى وثائق تاريخية من اي نوع كان. التاريخ مئة في المئة ضد الصهيونية والتاريخ هو تاريخ كنعان. وأنا اغتنم هذه المناسبة لأوجه للرئيس ياسر عرفات نداء لتسمية الدولة التي ينوي الاعلان عنها باسم جمهورية كنعان العربية. كيف ترى المستقبل الذي ينتظرنا كعرب؟ - حدثت في السنوات الخمسين الاخيرة تطورات بالغة الأهمية، وعلى المثقف ان يتتبعها. ففي المؤتمر الاخير للحركة الصهيونية، حدثت تغيرات جذرية في ايديولوجيتها. فقد اعلنت الحركة اعترافها بحق الفلسطينيين، وبأنها تسببت في القتل والتشريد، وقبلت بوجود شعبين على ارض كانت تعتبر ملكاً حصرياً لليهود. من جهة اخرى ونحن على ابواب قرن جديد نشهد انحساراً شبه مأسوي للفكر القومي العربي، وتعززاً شبه مأسوي للنظام الاقليمي العربي، ونشهد ايضاً الغاء شبه تام لدور الجماهير والثقافة لمصلحة تصالح الانظمة. هذه تغيرات خطيرة جداً. وشخصياً لا آمل بأن تقوم المؤسسات الثقافية بمناقشتها. وبالتالي اعتقد ان المستقبل سيزداد سوءاً بالنسبة لنا. ولعل اخطر بوادر هذا السوء هي المصالحة شبه التامة بين الواقع والطموح، بين الأدباء والمفكرين الذين قادوا عملية التحرر والثورة والليبرالية، وبين الانظمة. الساحة الثقافية الآن باتت بشكل او بآخر، تحت سيطرة التفكير الاصولي المتحجر. الآن اي محاولة لفهم التراث والتاريخ، تواجه بنوع من التنكيل بها او بصاحبها، لذلك يبقى التراث والتاريخ سكونيين مغلقين، وتبقى الاجيال الجديدة منقطعة عنهما