السؤال يثير ارتيابي، ويستوجب مجموعة ملاحظات: - تسألون عن تراجع الشعر، فما الذي تقدّم عندنا أيّها السادة؟ - من يملك ان يقرر بدقة حال الشعر اليوم؟ من اجرى دراسة او مسحاً او استفتاء بهذا الصدد؟ في امسيات شعرية معينة يبدو لنا الشعر بألف خير، وفي سواها يبدو على اسوأ حال. يبدو التعميم هنا ككل تعميم مربكاً ومرتبكاً وناقصاً. - يبدو لي ان الذين يتحسّرون على الشعر يتحسرون على الشعر الذي اعتادوه هم. وعندما يتساءل احدهم اين الشعر؟ فانه يقصد شعراً محدداً في ذهنه هو. - الشعر الرائج في اجهزة الاعلام والجوائز التي تمنح للمتقاعدين والمفلسين ومؤتمرات الشعر المسلوقة قد تعطي انطباعاً بموت الشعر كله. - عاش الشعر مع الانسان عبر كل العصور وسوف يعيش ويستمر. فاللحظة الشعرية مبثوثة في سلوكاتنا اليومية حتى وان لم نكن واعين بذلك.- العرب الناهضون في القرن العشرين ظنوا ان الشعر ضرورة حربية وسلاح من اسلحة النصر. ثم جاءت الهزائم التاريخية المتوالية، فعقّلتهم وانضجتهم، فتركوا الشعر يذهب لحال سبيله ويسترد صفته الاساسية كأحد الفنون الجميلة. - القصيدة الحديثة ولدت في غمار حركة التحرر العربي، فخلعت عليها الجماهير المتفائلة والناهضة مهمات تحريرية ليست لها. وحين استسلم العرب لشروط اعدائهم، لم تعد الجماهير اليائسة المحبطة تتوقع ان ينصرها الشعر بعد ان هزمها القادة والجيوش والاحزاب والتاريخ نفسه! - اما الجرائم التي ارتكبها النقد العربي الحديث، والجرائم التي يرتكبها معظم الجامعات والمدارس بحق الشعر فتحتاج كتاباً مستقلاً وسيكون كتاباً مملاً جداً بالتأكيد.