الشعر "كائن" يتجلى في المتعدد، ولهذا لا حقيقة لافتراءات موته. فكما كان "كلام" الفيلسوف "طموحاً حالماً" كي يصير شعراً ولم يصرْ، كذلك أرهص "الإيهام العلمي" بعلم الوهم، كي تصبح الروح رماداً ورفاتاً لوشيعة أحاسيس ورؤى ذلك الكائن... ولكنها لن تصبح! لا لشيء إلا لكونه يتمحور مع "جبلة" حيوية الحياة، عبر مجازات الأزمنة، منذ زمان "الظل" مروراً بوقت "الرمل" وقوفاً عند ميقات "الجزيئي اللانهائي"، تمادياً مع "الزمن الضوئي"، مع الأخذ بجليل الاعتبار "الوهلة المجازية" التي يعمل بها الشعر والفن عموماً، خروجاً على "الزمن التاريخي" الذي تتداوله "بنوك المعلومات" والوثائق، و"ثلاجات الجثث"... من دون مواربة أو مداراة أو تمويه، أو إلغاء... وقد أصر المفكر الياباني دايساكو إكيدا على وجوب الاعتراف، بقوله: "ان الذين يشعرون أدق الشعور بأزمة الحضارة الحديثة ويحسون بها، وبمنتهى الحدة، هم رجال العلم أنفسهم بكل تأكيد"! حركة الحياة إذاً، تكمن في مكوناتها ومعطياتها، وليست في بدائل مستجداتها الاستهلاكية وتسليعها المادي والروحي، انطلاقاً من المكننة وانتهاء بحرب النجوم المتأرجحة بأنشوطة "العولمة" فوق مصفاة العدم، مهما تكن تلك البدائل... لأن طاقة الحركة تتمحور في "إشراقة الجوهر"، لا في "الفضلات أو نفايات الاحتراق". إنّها سائحة في فضاءات الابداع، لا مخنوقة في "مراجل الاختراع". والإبداع هو إرادة وجودية وليس "مرسماً هندسياً" أو معادلة رياضية، من أي درجة كانت. أرى أن "موت الشعر" ومعه "ولادة ما بعد الحداثة" مقولتان خرقاوان، حيث لا وجود مادياً أو روحياً لهما، إلا في تقولات المشعوذين ومحترفي الهدم، وأوهام العولمة الجديدة، والملحقين المروجين لهذا الهلاك الطارئ... فالشعر قد يضمر، وقد يتوارى، وقد يتحيّد، وقد يُعدم، ولكنه لا يموت. فاضمحلال فاعلية الشعر أو انحساره، لا يعنيان موت الشعر أو الإقلال من جدواه. وعندما نتعثر بخائب ينادي بموت الشعر، فإنه يعني موته شخصياً فقط. إن إلغاء الآخر هو إفلاس الملغي، مهما تعالت الصرعات والصيحات بموت الشعر، لتكون الرواية بديلاً، وبموت السينما لينتصر "الفيديو كليب" أو "موت الحداثة" للافساح في المجال امام "ما بعد الحداثة"... وهكذا، حتى لجأنا الى استرجاع نزاهة "البدهيات" وصفاءها وحقيقيتها... فالمبدع هو الذي يموت، وعليه إعلان موته ونعيُه نفسه.