فردي، لا يشاور، يحتقر الحزب، لا يقيم وزناً للحلفاء، يهمل الوزراء، يعتبر نفسه في مهمة سرية، متعال، يختار مستشارين لا يستشيرهم، يحوّل المنصب الحكومي الى رئاسة على الطريقة الاميركية، الخ… هذه بعض الصفات التي تطلقها الصحافة الاسرائيلية على رئيس الوزراء ايهود باراك. وليس خصومه الذين يفعلون ذلك انما مؤيدوه ايضاً. ولقد ذهبت مثلاً الكلمة التي قالتها نائبة عمالية هي ابنة الجنرال الاشهر موشيه دايان: "لم يسبق لرجل ان جعلني انتظره كل هذه الساعات الطوال!" لقد فعلها باراك. استدعاها ليشاورها في "الوجوه النسائية" في الحكومة ثم... تناساها. غير ان القريبين من الرجل يتحدثون عن صفات اخرى. فهو يعرف كيف يقيم علاقات حميمة. يشاور. يستمع جيداً. يزن قراراته مع حفنة من المحيطين به. ومع انه شديد الرهان على ذكائه الشخصي فانه "يعطي اذناً" لمن يثق به. يضيف هؤلاء ان المشكلة هي عدم معرفة الجمهور الواسع ب"النواة الصلبة" التي تحيط بباراك. يجب، اولاً، استبعاد الاقطاب الباقين من حزب "العمل". فرئيس الوزراء يتعمد تجاهل شمعون بيريز. ومع انه اصغر منه عمراً بحوالي العقدين فإنه ينظر اليه، احياناً، وكأنه مراهق حالم. لذا وضعه في مستودع وزارة التعاون الاقليمي التي يعجز الجميع عن تحديد صلاحياتها. وهو اذ يشعر بقرب من حاييم رامون ويعتبر ان اسحق رابين لفت نظره اليه فانه يخشى "حمائمية" هذا الاخير ومزاجه المتقلّب ورغبته المعلنة في وراثة الحزب. اما يوسي بيلين فان العلاقة معه اكثر تعقيداً. فباراك يريد جوانب من افكار بيلين ولكنه لا يريده في موقع القادر على تنفيذها. وهكذا، مثلاً، في المجال الاقتصادي - الاجتماعي، فبيلين، اليساري في ما يخص عملية السلام، وسطي جداً في ما يخص التوجهات الداخلية. وباراك يستعير منه الكثير. وحتى في ما يتعلق بالتسوية فان باراك بات شبه متبن لاطروحة بيلين حول الانسحاب من لبنان وحول تقسيط الحل النهائي مع الفلسطينيين. شلومو بن عامي، في رأي باراك، اكاديمي اكثر من اللزوم، يرى فيه شخصاً قد يميل الى تطبيق دراساته الجامعية حول المرحلة الاندلسية على صعيد العلاقات بين اسرائيل والعرب! الواضح ان القاسم المشترك بين هؤلاء جميعاً ان اياً منهم لا يملك ماضياً عسكرياً. ولذا استنتج معلّقون اسرائيليون ان هذا الماضي شرط ضروري، ولو غير كاف، من اجل الدخول في دائرة "المحظوظين" الضيقة. يفيد تحقيق قام به صحافيان فرنسيان يهوديان ونشراه بالفرنسية في باريس في كتاب بعنوان "ايهود باراك صقر السلام" ان هذه الدائرة تكاد تقتصر، عملياً، على اربعة اشخاص سبق لهم العمل، في فترة او اخرى، تحت امرة باراك في "سييريت ميتكال"، او سرية النخبة التابعة مباشرة لرئاسة الاركان والتي اقدمت على عمليات وفّرت لها سمعة استثنائية. اول هؤلاء الفرسان الاربعة دورون كوهين. وهو من مواليد طبرية 1953 وتعرف الى باراك وهو مراهق. قاتل في السرية عام 1971وتعرف هناك على يوني رافائيلي بحيث بات اصدقاؤهما ينادونهما "التوأم". شاركا سوية في حرب 1973على الجبهة السورية التي يتميز باراك بعلاقة خاصة معها باعتبار انه نال اول وسام له بعد عملية فيها. والملاحظ، في هذا المجال، ان الكثير من المتصلين به بشكل او بآخر، خدموا على الجبهة الشمالية وتأثروا بذلك، فدورون كوهين يقول انه لن ينسى في حياته منظر رفيقه في السلاح شاي شاهار وهو يموت برداً في جبال الجولان الصقيعية. تزوج باراك من نافا شقيقة دورون. وتزوج هذا الاخير من هيلا ابنة رئيس الاركان السابق ديفيد بن اليعازر الذي سبق له ان اشرف على عمليات قادها رئيس الوزراء الحالي. ترك كوهين الجيش مع انه محاط بعسكريين سابقين او في الخدمة. وشرع يمارس كمحام متخصص في دعاوى الشركات ذات التقنية العالية. ويقال ان كلمته كانت وازنة في تشجيع "صهره" على الانخراط في العمل السياسي… ولو ادى ذلك الى دخول حزب العمل. لقد دفعه الى وضع بيريز جانباً وأسس مجموعتي عمل تمهدان لخوض المعركة الانتخابية واظهر براعة فائقة في جمع الاموال للحملة سواء في اسرائيل ام لدى اليهود في الخارج. يوني رافائيلي هو الصديق المشترك للاثنين، باراك وكوهين. ولقد كان، طبعاً، في السرية ورافق باراك في عملية فردان 1973 التي استهدفت اغتيال القادة الفلسطينيين في قلب بيروت: ابو يوسف النجار، وكمال عدوان، وكمال ناصر. وهو يؤكد انه هو "المرأة الشقراء" التي اكثرت الصحافة من الحديث عنها بعد العملية ويشير الى ان باراك وضع "باروكة سوداء" وانهما تدربا كثيراً معاً على بعض مظاهر السلوك الانثوي. واذا كان رافائيلي تزوج من يوسي تامير ثم طلّقها فان باراك اختارها لتصبح وزيرة الاستيعاب في حكومته. ويلتقي يوني مع دورون في ان كليهما رجل اعمال ناجح جداً ويقول عنهما باراك، مازحاً "انهما مجرد امتداد لشخصي". تعرف رئيس الوزراء الحالي على يوني كورين في الجيش. ونشأت بينهما صداقة جعلته الفارس الثالث في هذه المجموعة. ولقد رافق باراك لسنوات عدة، وهو، حالياً، صاحب شركة خاصة تعمل في قطاع الاعلانات ولكن الصلات التي سبق ان اقامها في اميركا تخدم باراك في منصبه الجديد. العضو الرابع في "الحرس القريب" هو حاييم مانديل شيكيد. ويبدو ان اختصاصه ادارة مكتب باراك سواء في رئاسة الاركان ام رئاسة الوزراء. ونظراً الى التمركز الكبير للصلاحيات بين يدي رئيس الحكومة فان مدير المكتب هو، ببساطة، اكثر نفوذاً، من اي وزير. شيكيد من مواليد عائلة ذات صلة وثيقة بالحركة الدينية في نسختها المتطرفة قومياً. فأبوه كان مسؤولاً في الحزب الذي تفرّع عنه "الحزب الوطني الديني" حزب المستوطنين. وكانت العائلة تسكن في الشمال الا انها غادرته "هرباً" كما يقول حاييم، من التحرشات السورية المتتالية، وانتقلت الى نتانيا. انضم حاييم، المتطرف اكثر من والده، الى حركة "بني عكيفا" القريبة جداً من الحاخام العنصري المعروف مائير كاهانا. ونشط فيها. وعندما مال الى الاعتدال، عام 1977، اقترع للحزب الذي أسسه في تلك السنة الانتخابية… ارييل شارون! الا ان موعده مع الشمال لم يتأخر كثيراً. فلقد قاده شارون الى غزو لبنان وهو يقول ان التجربة اثّرت فيه كثيراً فبات ميالاً الى القوى اليسارية التي ناهضت الغزو. التقى مع باراك مرتين. الاولى في "السرية"، ثم في قيادة المنطقة الوسطى عشية الانتفاضة، قبل ان ينتقل الى ملازمته. اذا كانت هذه هي الدائرة الصغرى التي تحيط بباراك فإن الاوسع منها تضم رجالاً من نوع اسحق هيرتزوغ، امين سر رئاسة مجلس الوزراء، وهو ابن للرئيس السابق حاييم هرتزوغ، وداني ياتوم، وتسفي شتاوبر، واوري ساغي، ويوسي جينوسار. ويتحدر هؤلاء، جميعاً، من الجيش ومن "السرية" او من المخابرات. والواضح انهم هم الذين سيلعبون ادواراً حاسمة في المفاوضات ياتوم، وشتاوبر وساغي على المسار السوري، وياتوم وجينوسار على المسار الفلسطيني. ويطمئن باراك اليهم الى حد انه قاد معظمهم الى السكن، كجيران، في قرية صغيرة "كوشاف يائير" ولم يرتضوا جيرة، من خارج الاطار الضيق، الا رئيس الاركان شاوول موفاز ومساعده عوزي دايان! قد يقول قائل ان اقرب الناس الى الرجل زوجته. حسناً. لقد تعرف ايهود على نافا وأحبها عندما كانت تخدم في…الاستخبارات العسكرية. نماذج من "صقر السلام" "ايهود باراك، صقر السلام" هو عنوان الكتاب عن رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي. الكاتبان هما بول هنربيت ليفي رئيسة تحرير "اذاعة الطائفية اليهودية" في فرنسا، وحاييم موزيكان مدير المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا، اي ان الاثنين على قدر معقول من الاطلاع. وبما ان المكتوب عن باراك قليل جداً كتاب واحد عنوانه "الجندي الاول" فان الاصدار الجديد يغري بالقراءة. لا يلبث الاحباط ان يصيب كل مغامر بتصفح ورقات الكتاب. فهو اذ يورد معلومات لافتة، واذ يستعير الكثير من الكتاب الآخر، فانه يضجّ بعبارات الثناء والاطراء على الرجل بلغة تثير خجل الدعايات المبتذلة. يتبنى المؤلفان وجهة نظر اسرائيل بالكامل في كل القضايا التفصيلية. وهما اذ يعترضان على شيء فعلى ما اعترض عليه باراك لدى بنيامين نتانياهو. ان هذا من حقهما شرط ان يكونا، وهما من هما، على اطلاع ولو دقيق على احوال الفلسطينيين والعرب ووجهة نظرهم. هذه عينة من اخطاء يرتكبانها. 1 - لقد اعلنت "ايلول الاسود" عن مسؤوليتها عن خطف طائرة سابينا الى مطار اللد. ولكن قائد العملية قريب جداً من… جورج حبش الذي تولى تدريبه على تقنيات الاغتيال. ص 109 2 - يستغرب الكاتبان ص 177 دعوة سورية الى مؤتمر الحوار المتوسطي بين العرب واوروبا علماً انها لا تملك حدوداً بحرية! 3 - يؤكدان ان السلطات السورية اتخذت مبادرات ايجابية حيال باراك بينها "وقف العمليات الارهابية انطلاقاً من الحدود السورية". ص 225 4 - يخلطان مرة بين الجبهة الشعبية و"ايلول الاسود" وثانية بينها وبين الجبهة الديموقراطية عند الحديث عن عملية فردان ص 119 ويعتبران، بالمناسبة، ان فردان تبعد 10 كلم عن البحر! وعندما ينتقلان الى تناول عرب 48 يصبح نواف مصالحه نواف ماساشا. خطأ مطبعي؟ ربما. ولكنهما يجزمان ان لقاء حصل بين باراك والنائب العربي عزمي بشارة، وهذا خطأ وان من نتائج هذا التقارب تعيين هاشم محاميد في لجنة الخارجية والامن ص 36 - 37 علماً ان بشارة شن هجوماً على محاميد لهذا السبب بالذات. وطالما ان "الخلط" قائم فإن محاميد هو الذي اعتبر "حزب الله" حركة تحرر وطني في حين ان بشارة هو قائل هذه الكلمات!