الآن وقد هدأ غبار معركة الانتخابات الاسرائيلية يمكن اجراء تقويم عام لدور اصوات الناخبين العرب في تلك المعركة ولأداء الاحزاب والقوائم السياسية العربية، ودور الوسط العربي في التأثير في سياسة الحكومة الاسرائيلية لجهة عملية السلام والمساواة للأقلية العربية في اسرائيل. وكان الهدف الأساسي في حملة الاحزاب العربية اسقاط رئيس الوزراء الليكودي بنيامين نتانياهو كأولوية عليا، والسعي لتحقيق المساواة للمواطنين العرب الفلسطينيين في اسرائيل. رداً على اسئلة من "الحياة" سجل السيد محمد بركة رئيس الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة الذي فازت جبهته بثلاثة مقاعد في الكنيست الجديدة الثاني والثالث معه هما عصام مخول وتمار غوجنسكي النقاط الآتية: "أولاً، حدث انحسار واضح في عدد الاصوات العربية المعطاة للأحزاب الصهيونية. ثانياً، ارتفع عدد النواب الفائزين عن الاحزاب والقوائم العربية بعضوية الكنيست من 9 الى 10. ثالثاً، كان للصوت العربي دور حاسم في اسقاط نتانياهو". واستدرك بركة قائلاً: "الآن يجب ان نقف في وجه زعيم حزب العمل، مرشح قائمة اسرائيل واحدة الفائز بمنصب رئيس الوزراء ايهود باراك، خصوصاً لمعارضة لاءاته الأربع بخصوص الحل مع الفلسطينيين. الآن تبدأ معركتنا الحقيقية، ويجب ان نناور من اجل تحقيق تقدم حقيقي في عملية السلام والمساواة للجماهير الفلسطينية في اسرائيل وتحسين الوضع الاجتماعي عموماً". لكن هل يتوقع ان يفي باراك بالنقاط والوعود التي وردت في مطالب القائمة العربية الموحدة والتجمع الوطني الديموقراطي والقوائم العربية عموماً؟ قال بركة: "اولاً، لا يمكن تخيل وضع اسوأ من ذاك الذي ساد في ظل حكومة نتانياهو. وأرى انه برغم النقاش الحاد بيننا وبين باراك، فإن ثمة هامشاً لا بأس به. اذ ان الاتفاقات مع الفلسطينيين ستنفذ". اي اتفاقات؟ "واي ريفر والخليل، وستبدأ مفاوضات اكثر جدية على الحل الدائم مع الفلسطينيين، وسيجري العمل لتجديد المفاوضات على المسار السوري من النقطة التي بلغتها في عهد كل من اسحق رابين وشمعون بيريز". والواقع ان الشخصيات العربية في اسرائيل تجمع على الاعتراض على الخطاب السياسي لباراك وتهاجم بشدة الخطوط الحمر التي تحدث عنها في حملته الانتخابية وكررها في خطابه فجر أمس. وعلمت "الحياة" ان باراك حصل على 94 في المئة من اصوات الناخبين العرب وان نسبة التصويت بين العرب بلغت 73 في المئة، علماً ان النسبة القطرية بلغت 70 في المئة. كذلك علمت "الحياة" ان القائمة العربية الموحدة تلقت من حزب العمل بعد الانتخابات تأكيداً بأن لا تنصل من الاتفاقات معها على القضايا التي تعني المجتمع العربي. ولفت محمد الدراوشة الى ان الدلائل تشير الى ان باراك سيسرع في تنفيذ الاتفاقات الموقتة مع الفلسطينيين. وقال: "لقد راهن العرب في اسرائيل على حصان افضل من الشيطان السابق، ونعتقد ان باراك سيعمل على ايجاد حل نهائي مع الفلسطينيين لكن هذا سيستغرق بعض الوقت". ما رأي الصحافي العربي فايز عباس الذي يعمل في صحيفة "يديعوت احرونوت" في أداء الاحزاب العربية في اسرائيل؟ وهل سيتنصل باراك الآن من تفاهمه مع القوائم العربية بخصوص مطالب الاقلية العربية، وقد صار بوسعه تشكيل ائتلاف حكومي يهودي واسع يغنيه عن دعم النواب العرب؟ أكد عباس ان الغالبية الساحقة من الناخبين العرب صوتت للاحزاب العربية وان هذه النسبة كانت في الماضي اقل من 40 في المئة والبقية الأكبر من الاصوات كانت تذهب الى قوائم عربية مرتبطة بالاحزاب الصهيونية. اما هذه المرة فحصلت الاحزاب والقوائم العربية على اكثر من 70 في المئة "وهذا يدل على ازدياد وعي الناخب العربي". و"المأخذ الوحيد" لعباس بالنسبة الى الناخبين العرب هو ان نحو 18 الف صوت تقريباً من اصواتهم ذهب الى حركة شاس الدينية اليهودية السفاردية وحزب "اغودات اسرائيل" الديني "وهذا يعود الى ان وزارة الداخلية الاسرائيلية كانت في عهد حكومة نتانياهو في يد حركة شاس. وأكثر وزارة يتعامل معها العرب في اسرائيل هي وزارة الداخلية التي تمول السلطات المحلية، وقد جرى ابتزاز رؤساء تلك المجالس البلدية حتى يحصلوا على موازنات اكبر لمجالسهم". وأضاف عباس ل"الحياة" انه يسمي ذلك "اغتصاباً سياسياً". لم يشر عباس الى ما اذا كان رؤساء المجالس البلدية العربية هؤلاء فكروا في احتمال هزيمة نتانياهو وخروج وزارة الداخلية من يد شاس. لكنه حمل على الدعاية الانتخابية للجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة "التي حملت بشدة على عزمي بشارة، وانشغلت هي والقائمة العربية الموحدة في ما اذا كان سيسحب ترشيحه لمنصب رئيس الحكومة". وأضاف: "الالتهاء بتلك القضية الانسحاب ادى للتركيز على اسقاط نتانياهو وعدم التركيز على انتخابات الكنيست. وكانت الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة توجه دعايتها للشباب اليهودي لسعيها الى البرهنة على انها قائمة عربية - يهودية". وعبر عباس عن اعتقاده بأن الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة "خسرت" الشيء الكثير اذ انخفض عدد مقاعدها من 5 الى 3 "مما يعني انحسار ما كان لها من تأييد في الوسط العربي بعد ان كانت الحزب الوحيد فيه لسنوات طويلة حداش". لكن رئيس الجبهة محمد بركة يشير الى ان جبهته لم تخسر مقعدين وانما خرج منها كل من هاشم محاميد وهذا فاز الآن عن القائمة العربية الموحدة وعزمي بشارة الذي فاز عن "التجمع". لكن الصحافي والاذاعي العربي سليم شحادة الذي يعمل في مؤسسات اعلامية عدة منها "راديو 2000"، وهو اذاعة خاصة تبث من الناصرة بالعربية، يقول ان "ثمة خيبة أمل في الوسط العربي من النتائج التي حققتها القوائم العربية قياساً بالآمال التي كانت معلقة بداية حملة الانتخابات على تشكيل اطار عربي موحد يضم اكبر عدد ممكن من التيارات السياسية". وأشار الى ان الفكرة فشلت بسبب "خلافات عقائدية وفكرية، خصوصاً بين الحركة الاسلامية والشيوعيين". وقال ان فكرة انشاء اطار عربي موحد ليست جديدة "لكن السيد عبدالوهاب دراوشة رئيس الحزب الديموقراطي العربي الناطق باسم القائمة العربية الموحدة جدد طرح الفكرة، وكان هناك شبه اتفاق عليها بينه وبين عزمي بشارة، لكن الخلاف دب على مواقع المرشحين على القائمة الموحدة المنشودة". وأبدى سليم تشاؤماً تجاه امكان تعاون باراك مع ممثلي الوسط العربي في الكنيست في تحقيق مطالبتهم بالمساواة للمواطنين العرب في اسرائيل، مشيراً الى ان بوسع باراك ان يشكل ائتلافاً حكومياً يهودياً مريحاً بالنسبة اليه "ولن يكون للنواب العرب دور في بلورة القرارات الحكومية". وكان كل من عزمي بشارة وقادة القائمة العربية الموحدة تحدثوا عن تفاهمات توصلوا اليها مع باراك قبل الانتخابات بشأن حقوق الاقلية العربية في اسرائيل، وفيما نفى باراك ان يكون قد اعطى اي تعهدات، الا انه كان معروفاً لدى الجميع ان يوسي بيلين، من كبار شخصيات حزب العمل اجرى اتصالات واسعة مع الاحزاب العربية. وذكر بشارة في مناسبة اعلان سحب ترشيحه لمنصب رئيس الحكومة السبت الماضي ان حزب العمل ابدى "موقفاً ايجابياً" تجاه كثير من مطالب المجتمع العربي حسب ما عرضها "التجمع" الذي يرأسه، وأبدى "استعداداً لتلبية" ستة مطالب اخرى محددة تتعلق باعادة اراضي الروحة قرب ام الفحم، وبعض القرى العربية غير المعترف بها، وخطة لتشغيل اكاديميين عرب، وأخرى لبناء مساكن لذوي الدخل المحدود من العرب، والغاء ديون ضريبة الاملاك بأثر رجعي، والتعامل ايجابياً مع قوانين سيقترحها نائبا "التجمع". وقد برزت القائمة العربية الموحدة التي تضم خمسة احزاب كقوة يعتد بها في الوسط العربي 5 نواب وتشكل الحركة الاسلامية والحزب الديموقراطي العربي عمودها الفقري ومعهما جبهة الوحدة الوطنية ولجنة المبادرة للوحدة الوطنية والحركة التقدمية - التحالف الوطني. ويعرف عن الحركة الاسلامية في اسرائيل استعداد كوادرها لأداء العمل التطوعي في خدمة المجتمع العربي. ويُعد "التجمع الوطني الديموقراطي" ظاهرة سياسية جديدة في الوسط السياسي العربي في اسرائيل برغم عدم وجود اي اختلاف جوهري بين اهدافه وأهداف الأحزاب والقوائم العربية الاخرى، خصوصاً القائمة العربية الموحدة. وربما كان سبب تميزها هو ترشيح رئيسها عزمي بشارة نفسه لرئاسة الحكومة مما سلط عليه الاضواء الاعلامية ومكنه من ايصال صوت الاقلية العربية المهضومة الحقوق الى الصعيد الدولي، على الأقل خلال حملة الانتخابات الاسرائيلية.