"كانت أكاذيب بنيامين نتانياهو اكثر ذكاء من أكاذيب ايهود باراك"، هذا هو الرأي المنسوب، أمس، الى الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. وقد توصل الى هذا الاستنتاج بعد شهر من تسلم باراك رئاسة الحكومة الاسرائيلية، في حين انه أمضى شهوراً مديدة قبل ان "يكتشف" نتانياهو. تفاصيل أخرى ص3 وأضاف عرفات انه تلقى من الرئيسين الأميركي بيل كلينتون والمصري حسني مبارك عرضاً لمحادثاتهما مع باراك، واكتشف انه عرض أمامهما آراء تخالف ما سمعه شخصياً منه. ومن جهة ثانية طالب كبير المفاوضين الفلسطينيين من الإدارة الاميركية التدخل "لضمان تنفيذ الاتفاقات بشكل وثيق وأمين" خصوصاً ان عمليات الاستيطان مستمرة ليس في "هارحوما" فقط انما ايضاً في رأس العامود. وكرر باراك في حديث الى التلفزيون الاسرائيلي ما كان ذكره من ان العد العكسي لتطبيق "واي" سيبدأ اواخر هذا الشهر. نشرت الصحف الاسرائيلية كلام عرفات وكأنه ملاحظة عادية. والسبب ان هذه الصحف كانت محشوة بالأخبار والتعليقات التي تنم عن خيبة أمل كبيرة من هذا الرجل "الفائق الاتكال على ذكائه". لم يتردد يوئيل ماركوس هآرتس في عنونة مقاله "الخوف من باراكياهو" متسائلاً هل هو "عبقري أم سياسي هاوٍ". وكذلك انتقده حامي شاليف في "معاريف". ولكن الهجوم الأشد عنفاً، لأنه الأكثر تمثيلية، جاء من زئيف شيف الوثيق الصلة بالمؤسسة العسكرية. ومؤدى ما قاله المعلق المعروف ان باراك فقد فرصة البدء بمبادرة كبيرة يدشن بها عهده، وسخر من السرية التي يضربها رئيس الوزراء حول أفكاره بالإشارة الى ان هذه المبادرة هي "إما غير موجودة أو ان أحداً لا يعلم عنها شيئاً". ويأتي كلام أمس في سياق تصاعدي بدأ قبل أيام. إذ أن اوري افنيري طالب باراك بأن يسمع بأذنين، اسرائيلية وفلسطينية، قبل إعلان موقف أو رسم سياسة. ووجد عكيفا الدار صياغة موفقة عندما شرح سلوك باراك بقوله: "إن نتانياهو عندما كان يريد التملص من اتفاق كان يقول ان موقفه مفيد للاسرائيليين، أما باراك فإنه، أمام الحالة نفسها، يقول ان موقفه مفيد... للعرب". وجاء ذلك تعليقاً على الحملة التي يشنها رئيس الوزراء وتزعم بأن دمج تنفيذ "واي ريفر" بمفاوضات الوضع النهائي، وهذا ما يرفضه عرفات، انما هو في صالح الفلسطينيين ولخيرهم! ولأن المصائب لا تأتي الا مجتمعة، فإن اختيار باراك وزراء معينين لتوسيع حكومته وُوجه بانتقادات شديدة. وكانت يائيل دايان الأشد عنفاً، اذ اتهمته بأنه كذب عليها وعلى الحزب واختار بدلاً عنها امرأة سبق لمؤتمر "العمل" ان وضعها في أسفل لائحة المرشحين للكنيست. أضافت دايان انه لا يضيرها في شيء ان تنضم الى شمعون بيريز وابراهام بورغ وعوزي بارام الذين لم يذهبوا بعيداً مع باراك لمجرد أنهم ليسوا قريبين منه. وفي الواقع أظهر الرجل عجرفة مبالغاً فيها. ففي الوقت الذي يتعرض لانتقادات في الحزب سمح بتسريب خبر يقول انه اجتمع مع الأمين العام ل"العمل" من أجل مفاتحته ب"حل الحزب" وتشكيل تنظيم جديد باسم "اسرائيل واحدة" وهو الاسم الذي اطلقه على لائحته الانتخابية. غير ان هذا السلوك المتعالي حيال الذين دعموه لم يمنعه من ان يدفع رشوة لخصومه باعتبار انه اقنع وزراء "شاس" بالموافقة على التوسيع عبر زيادة المخصصات المالية لمدارسهم الدينية! غير ان النكتة الفعلية كانت قصة "المبعوث السري" الذي أوفده باراك الى عرفات. فالجانب المحزن في ذلك هو انه استبعد الوزراء ممن لهم خبرة في التفاوض مع الفلسطينيين يوسي بيلين، حاييم رامون، شلومو بن عامي، امنون شاحاك، وأحاط نفسه بمستشارين يفترض ان يقوموا بمهمات خاصة ثم استبعدهم، وأوفد المحامي جلعاد شير للقاء صائب عريقات، فإذا به يفكر في الاستقالة، وإذا ب"الموفد السري" رجل أعمال كان في الجيش. أما الجانب المضحك فهو ان اسم هذا "الموفد السري" ليس سرياً على أحد طالما انه على كل شفة ولسان: اسحق سيغيف. لقد دفع نتانياهو ثمن اصطدامه بحلفائه ورفض التقيد بالتزامات اسرائيل الدولية. وباراك يمارس، منذ شهر، الأمرين معاً. فموقفه من "واي ريفر" بات معروفاً، أما اصطدامه بحلفائه فيعبر عنه الإشكال مع بيريز: وعده بوزارة التنمية الاقليمية المستحدثة، غير انها من دون ملاك أو صلاحيات. وفي حين جرى تكليف مديرين عامين في وزارات عديدة أمر البحث عن مجالات عمل للحائز على جائزة "نوبل"، فإن وزير المال ابراهام شوحاط، وهو قريب جداً من باراك، حسم أي خلاف، أول من أمس، بتصريحه أنه قد لا يجد، في الميزانية الجديدة، أموالاً كافية لتشغيل وزارة يدل اسمها على الطموحات الكبيرة... لصاحبها!