صراع الهبوط يجمع الأخدود بالفتح.. وضمك ينتظر العروبة    السعودية تستضيف النسخة ال 27 لبطولة مجلس التعاون الخليجي للجولف في جدة    فيصل بن بندر يرعى احتفال ذكرى يوم التأسيس    "غينيس" توثق أكبر عرضة سعودية احتفاء بذكرى يوم التأسيس في قصر الحكم    من فينا المبتكر؟    88% نموا بالتسهيلات الممنوحة للشركات    الأحساء مركز لوجستي عالمي    73994 عقارا جديدا بالتسجيل العيني للعقار    برعاية الملك منتدى دولي لاستكشاف مستقبل الاستجابة الإنسانية    الجامعة العربية: محاولات نزع الشعب الفلسطيني من أرضه مرفوضة    يوم التأسيس.. يوم التأكيد    مسيرات الحب في ذكرى يوم التأسيس    ريال مدريد يستعيد نغمة الانتصارات    " أضواء العريفي" تشارك في اجتماع تنفيذي اللجان الأولمبية الخليجية في الكويت    مدرب الفتح: سنواصل الانتصارات    «غينيس» توثق أكبر عرضة سعودية احتفاء بذكرى «يوم التأسيس» في قصر الحكم    عجيان البانهوف    ضبط (3) مقيمين مخالفين لتلويثهم البيئة بحرق مخلفات عشوائية في منطقة مكة المكرمة    رئيس "سدايا": يوم التأسيس .. اعتزاز ممتد على مدى ثلاثة قرون من الأمجاد والنماء    فيلم رعب في بروكسل    مصر مش بس حلوة هي كلها حاجة حلوة !    دولة التنمية ودول «البيان رقم 1»    ماذا يعني هبوط أحُد والأنصار ؟    الاتحاد على عرش الصدارة    واشنطن تقترح «نهاية سريعة» لحرب أوكرانيا    لماذا يحتفل السعوديون بيوم التأسيس ؟    وزارة الداخلية تختتم مبادرة "مكان التاريخ" احتفاءً بيوم التأسيس في المركز الأمني التاريخي بالجبيلة    محمد بن زقر في ذمة الله !    «الثقافة» تختتم حفلات يوم التأسيس ب «ليلة السمر» مع رابح صقر في أجواء استثنائية    الاتحاد صديقي    الأمر بالمعروف في جازان تحتفي "بيوم التأسيس" وتنشر عددًا من المحتويات التوعوية    أطماع إسرائيلة مستمرة ومساع لتدمير فلسطين    الجهات الأمنية بالرياض تباشر واقعة إطلاق نار بين أشخاص مرتبطة بجرائم مخدرات    أمير الرياض يعزّي في وفاة الأميرة العنود بنت محمد    الملك وولي العهد يهنئان عددا من البلدان    تركيب اللوحات الدلالية للأئمة والملوك على 15 ميدانا بالرياض    إحباط تهريب 525 كجم من القات    هيئة الهلال الأحمر بنجران ‏تشارك في احتفالات يوم التأسيس 2025    فرع "هيئة الأمر بالمعروف" بنجران يشارك في الاحتفاء بيوم التأسيس    حملة توعوية عن "الفايبروميالجيا"    وادي الدواسر تحتفي ب "يوم التأسيس"    برعاية مفوض إفتاء جازان "ميديا" يوقع عقد شراكة مجتمعية مع إفتاء جازان    آل برناوي يحتفلون بزواج إدريس    برعاية ودعم المملكة.. اختتام فعاليات مسابقة جائزة تنزانيا الدولية للقرآن الكريم في نسختها 33    بنهج التأسيس وطموح المستقبل.. تجمع الرياض الصحي الأول يجسد نموذج الرعاية الصحية السعودي    «عكاظ» تنشر شروط مراكز بيع المركبات الملغى تسجيلها    علماء صينيون يثيرون القلق: فايروس جديد في الخفافيش !    انخفاض درجات الحرارة وتكون للصقيع في عدة مناطق    لا إعلان للمنتجات الغذائية في وسائل الإعلام إلا بموافقة «الغذاء والدواء»    ضبط وافدين استغلا 8 أطفال في التسول بالرياض    لا "دولار" ولا "يورو".." الريال" جاي دورو    انتهاء المرحلة الأولى بتسليم 4 جثامين مقابل "محررين".. الخميس.. عملية تبادل سابعة لأسرى فلسطينيين ومحتجزين إسرائيليين    جدة التاريخية تحتفي بيوم التأسيس وتحتضن فعاليات ثقافية وتراثية متنوعة    تمنت للسعودية دوام التقدم والازدهار.. القيادة الكويتية: نعتز برسوخ العلاقات الأخوية والمواقف التاريخية المشتركة    تعزيز الابتكار في صناعة المحتوى للكفاءات السعودية.. 30 متدرباً في تقنيات الذكاء الاصطناعي بالإعلام    مشروبات «الدايت» تشكل خطراً على الأوعية    جمعية رعاية الأيتام بضمد تشارك في احتفالات يوم التأسيس    لائحة الأحوال الشخصية تنظم «العضل» و«المهور» ونفقة «المحضون» وغياب الولي    









بوتفليقة : الجيش ليس مؤسسة فوق المؤسسات لن نسمح بعودة من أقصاهم الشعب المصافحة مع باراك لا تحتمل التأويل
نشر في الحياة يوم 29 - 11 - 1999

عشية الانتخابات الرئاسية في الجزائر حاورت "الوسط" المرشح عبد العزيز بوتفليقة العدد 376، 12 18 نيسان ابريل حول برنامجه وأولوياته فرد قائلاً: "الأمن والاستقرار أولاً... والحلول في اطار احترام الدستور والجمهورية". فاز بوتفليقة وتسلم بلاداً غارقة في الخوف والدم وجمهورية أثخنتها النزاعات والشكوك والتجاوزات. وفي غضون شهور نجح الرئيس الجديد في اطلاق سلسلة مبادرات داخلية أعادت إلى الدولة زمام المبادرة وقلصت مساحة العنف ومهدت لمعالجة الشأنين الاقتصادي والاجتماعي. وعلى الصعيد الخارجي نجح الرئيس في أن يعيد الى بلاده بعضاً من حضورها السابق دولياً واقليمياً.
بعد سبعة أشهر عادت "الوسط" لتطرح على الرئيس الجزائري أسئلة عن تقويمه لهذه الفترة وعن المشكلات الأمنية والسياسية والاقتصادية فضلاً عن هموم العلاقات الجزائرية المغربية وملفات أخرى.
عن استمرار بعض أعمال العنف قال بوتفليقة: "إن ما يقع الآن هو في الغالب أعمال لصوص وبغاة يسطون على أموال الناس وأعراضهم". وعن احتمال قيام حزب اسلامي يشارك فيه قياديو "جبهة الإنقاذ" قال: "لا مجال للحديث عن عودة من الباب الخلفي لمن أقصى نفسه أولاً ثم أقصاه الشعب ثانياً". وانتقد الذين يصورون الجيش الجزائري وكأنه "مؤسسة فوق المؤسسات" مؤكداً انه لا يمكن أن يقف موقفاً سلبياً من عملية الوئام المدني وقد برهن على ذلك". ودعا الى وضع المصافحة التي تمت بينه وبين رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك، خلال تشييع العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني، في سياقها الزمني والمكاني بعيداً عن التأويلات.
سيادة الرئيس، في الاستفتاء الأخير جدد الجزائريون ثقتهم بشخصكم وأعطوا تفويضاً واسعاً لنهج الوئام المدني، كيف تنوون توظيف هذا التفويض، وما هي الأولويات؟
- لقد شاع في الأوساط المغرضة، خصوصاً عند كثير من الدول، أن الشعب الجزائري منقسم، وأنه يخضع لتيارات عدة، مما جعل الأزمة تطول ويستعصي حلها. وزاد في الطين بلة ما يروجه نوع من الصحافة عامة، وجزء من الصحافة الوطنية. ولقد نسي هؤلاء وهؤلاء ان الشعب الجزائري شعب مسالم، وأن ما حدث ليس وليد وضعية خاصة نشأت في بلادنا وتطورت وتفاقمت الى أن صارت الى ما وصلت اليه، بل هي وضعية نشأت عند غيرنا ووجدت عندنا ظرفاً ملائماً. ولكن يبقى أنها غريبة عن مجتمعنا كل الغرابة. فكان لا بد من تحسيس المجتمع الدولي بحقيقة الأمر، وحمله على رد فعل مناسب يقحمه بصورة مباشرة في عمل منسق لمحاربة ظاهرة الارهاب. بقي بعد كل هذا أن يقول الشعب الجزائري كلمته ليثبت للجميع بُعده عما علق به من تهم وإيحاءات مغرضة. فكان الجواب واضحاً لا تشوبه شائبة، وكان الإجماع على ضرورة إحلال السلم والوئام المدني. وتسألون كيف سأوظف هذا النجاح الذي هو فعلاً بمثابة تفويض لإكمال المسعى.
إن مفهوم الوئام المدني كما طرحته على الشعب الجزائري، وكما فهمه الشعب، هو حركية كاملة يقصد منها حل الأزمة وإزالة آثارها. لذلك فالمسعى عملية طويلة النفس يتعين من خلالها تغيير وجه الجزائر الحالي، وذلك بوضع الآليات المناسبة لحل كل المشاكل التي تعاني منها بلادي. فهي أولا مؤسساتية تقوم بالدرجة الأولى على استرجاع سلطة الدولة وهيبتها، وهذا شرط أساسي في عملية الوئام المدني. وسلطة الدولة في مفهومنا سلطة تمارس في حدودها المقررة لها قانوناً، مما يفرض مواصلة العمل على ترسيخ الديموقراطية مع ما تتطلبه من وعي بالمسؤولية، وتحقيق وحماية للحريات العامة، وتعميق لثقافة الدولة.
وهي ثانياً دفع للنشاط الاجتماعي بأكمله من إعادة تنشيط الحياة الاقتصادية والثقافية لإحداث التفاعل الضروري بين إشباع الحاجة الاجتماعية، وتدعيم قوة الدولة الاقتصادية كشرط أولي للقضاء على المديونية وتأهيل الجزائر لدور مهم في محيطها الجيوسياسي والاقتصادي، هذا المحيط الذي هو مغاربي، وعربي ومتوسطي. ويتبين من كل هذا ان ما صادق عليه الشعب الجزائري يوم 16 سبتمبر أيلول 1999 هو امتداد لمصادقته على البرنامج الذي كنت اقترحته عليه في 16 ابريل نيسان 1999، وهو البرنامج الذي انتخبت على أساسه رئيساً للجمهورية.
كيف تقوّمون حصيلة الشهور الأولى من عهدكم، وهل من دروس يمكن استخلاصها، وهل تفكرون في تأسيس حزب يكون دعامة توجهكم؟
- أقول لكم قبل كل شيء ان الأزمة الخانقة التي تعاني منها بلادي لا يمكن أن تزول آثارها بين عشية وضحاها. وإذا كان لا بد من حصيلة، عن هذه الشهور القليلة، والتي لا يمكن أن تشكل مقياساً ولا معياراً لنشاطنا، كما لا يمكن لهذه الحصيلة أن تكون مقنعة خاصة بالنسبة الى من لا يعيش الواقع اليومي للشعب الجزائري، هذا الواقع الذي رُسمت له طوال سنين كثيرة صورة قاتمة جداً، لكن ربما تكون هذه الصورة المشوهة نفسها هي عنصر المقارنة الموضوعي للحكم على ما تم خلال الأشهر الأخيرة حكماً منصفاً.
لقد شرعنا، من دون تردد، ومن دون تأخر، في تطبيق ما نراه أمراً استعجالياً بالنسبة الى الشعب الجزائري، والذي يتوقف على انجازه كل النشاط الاجتماعي بالمعنى الكامل، وهو عودة الطمأنينة للنفوس، والأمن والاستقرار للبلاد، وإزالة الخوف، وفتح أبواب الأمل على مصراعيها، فكانت سياسة وعملية الوئام المدني، وما ترتب عنها من تحديد إطار قانوني ملائم لها، وتهيئة الجو الاجتماعي والسياسي ليس فقط لقبولها، بل أكثر من ذلك لاعتناقها وتبنيها كمرحلة لا مفر منها لضمان عودة الوحدة الوطنية الى التماسك، وعودة التضامن الوطني لمواجهة المشاكل العديدة القائمة - بما في ذلك المشاكل السياسية - والرهانات المطروحة على الساحة الدولية والتي كان من اللازم أن تندرج فيها بلادي بعد غياب طويل.
فتحقيق الوئام المدني على رغم أنه مسعى يحتاج الى وقت، خطا خطوات عملاقة، ويظهر ذلك من خلال الحياة اليومية وهي اليوم في وضع أكثر انشراحاً، وأكثر تفتحاً.
ومن جانب آخر كان لا بد من تغيير نظرة الآخرين لبلادنا على جميع الأصعدة، السياسية منها أو الاقتصادية والاجتماعية، مع تحميل المسؤولية لمن يجب أن تُحمّل له، لأننا ننطلق من حقيقة أساسية، ذكرتها في الرد على سؤالكم الأول، وهي أن الأزمة الخانقة التي عانت منها بلادي ذات خيوط متشعبة، منها ما تولد عن أوضاع داخلية قد نتحدث عنها، وأوضاع خارجية وجدت لها منفذاً الى جسم المجتمع، فساهمت في تفجيره وإضعافه. وتلاحظون معي، من دون شك، أن هذه النظرة تغيرت وأخذت علاقات الجزائر مع العالم الخارجي تأخذ مجراها الطبيعي.
وربما أكثر من هذين الجانبين اللذين ذكرتهما في هذه العجالة عن الحصيلة، جانب اجتماعي وسياسي لا يمكن تحديد قيمته بالنسبة الى مجتمع تهالك على نفسه مدة عشرين سنة كاملة، وهذا الجانب هو عودة الوعي، وتحسين منهجية تناول المشاكل المطروحة، إذ هناك ديناميكية جديدة أخذت تسري في المجتمع، وهذه الديناميكية تعتمد أساساً على:
1- الحوار وحرية التعبير عن الرأي.
2- ادراك عمق الأزمة والإرادة الراسخة في تجاوزها بالعمل على إزالة آثارها.
ولهذه الديناميكية نتيجتان أساسيتان هما: ترسيخ الديموقراطية بكل ما تحمله في طياتها، والكشف، وبحدة، عن كل المشاكل الاجتماعية التي كانت الوضعية الأمنية قد غطتها الى حين.
إن تفاعل هاتين النتيجتين في وضع "اللاأزمة" الجديد يفرض تلقائياً تفاقم الوضعية الاجتماعية، ان لم يتم العمل بجد وبسرعة على حل المشاكل الاجتماعية. وهذا ما هو جار الآن على قدم وساق. فنحن بصدد وضع المناهج والأساليب ورصد الوسائل للبدء في حل هذه المشاكل، أقول للبدء في حلها، وليس لي عصا موسى أو خاتم سليمان لأحلها في آن واحد وفي لمح البصر.
تشكيل الحكومة
التأخير في تشكيل الحكومة الأولى في عهدكم اثار تساؤلات حول أسبابه، هل السبب وجود خلافات بين الأحزاب الأربعة الداعمة لكم أم انه نتيجة صراعات سابقة؟
- ان وضع الحكومة الجديدة والتأخر في تشكيلها آثاراً تساؤلات عدة. قد تكون هذه التساؤلات منطقية ومشروعة، ولكن قد تحمل في طياتها عناصر وعوامل مغرضة. قد يرى بعضهم ان التأخر في تشكيلها يدل على كذا وكذا من الأسباب، وتتوجه الأنظار والاهتمام مباشرة الى صراعات محتملة. ولقد أكدت مرات عدة أنني جئت الى الحكم راغباً في المساهمة في حل مشاكل بلادي، وانني في ذلك لن أقبل ضغطاً من أحد. وإذا كانت هناك صراعات، وهذا من طبيعة كل مجتمع سياسي، فإن هذه الصراعات لا تخصني كرئيس للجمهورية. ذلك انه من الطبيعي جداً أن تبحث كل العناصر السياسية المتفاعلة في الساحة، عن موقع لها في هذه الساحة، والحكومة أحد هذه المواقع، لكن يجب أن نعود في هذا الأمر الى طرح الحقائق القانونية كما هي، ليتبين لنا أن مسألة الحكومة ليست مشكلة، ولا يمكن أن تشكل مشكلة يتعين الوقوف عندها طويلاً.
فهل البلد يعيش من دون حكومة؟ سؤال أول! هل تم اسقاط الحكومة من طرف المجلس الشعبي الوطني بالطرق الدستورية المقررة لذلك؟ سؤال ثان. هل أطيح النظام والحكومة معاً؟ سؤال ثالث!
الحقيقة أنني جئت الى الحكم بطريقة تعد سابقة في دول العالم الثالث وسابقة أولى في بلادي، وهي أن رئيساً للجمهورية قرر تطبيق مبدأ التداول على السلطة، وفتح الباب أثناء عهده وقبل نهايته بوقت طويل، فتح الباب لانتخابات رئاسية مسبقة ومتعددة، وتم انتخابي من طرف الشعب الذي اختار بكل سيادة أحد المرشحين على أساس برنامجه السياسي. وتم التنصيب بصورة عادية، وقدم رئيس الحكومة آنذاك وفي وقته، استقالة حكومته، كما تقضي بذلك الاجراءات الدستورية، لكنني، وأنا رئيس جديد للجمهورية، فضلت أن تستمر الحكومة في أداء مهامها من دون تحديد لهذه المهام، ومن دون تحديد أجل لإنهاء هذه المهام.
لذلك فإن هناك حكومة قائمة تؤدي مهامها الدستورية.
فالموضوع إذاً لا ينحصر في تغيير أناس بأناس، ولو كان الأمر كذلك لما تعذر الأمر نظراً الى كثرة المستوزرين في السوق الجزائرية التي أصبحت تبيح الاقتداء بشوقي: "وللمستوزرين وإن ألانوا/ قلوب كالحجارة لا ترق".
ذلك أن التحول من الاقتصاد الاشتراكي الى اقتصاد السوق حلل ما كان حراماً وحرّم ما كان حلالاً بما جاء به من تحول فجائي، والجزائر منبطحة لا حول ولا قوة لها إلا صندوق النقد الدولي، والصقور متربصة بالغنيمة. وهبت من كل فج عميق طيور جارحة على الجزائر ففعلت بها ما فعلت، ولا أشكك في صدق المصلحين، ولكن تراني في وضع انتخبت فيه في اطار دستور مليء بالتناقضات، وحكومة تروح وحكومة تجيء، ومؤسسات دستورية تتراشق فيها الأحزاب بالتشكيك بمصداقية بعضها بعضاً، وقوانين مذهلة ما أنزل الله بها من سلطان. إذاً لا بد من تفكير يأخذ في الاعتبار العلاج الفوري لما هو عاجل جداً، والموضوع يكمن في استتباب الأمن والسلام والاطمئنان بالذات، والتطرق من ثمة الى ترميم ما يصلح ترميمه، وتجديد ما لا مناص من تجديده، وتنحية ما هو عبء ثقيل على موازنة الدولة من دون انتاج، وتقويم القوانين الواهية، وبناء دولة القانون التي، في اطار وحدتها، تتكامل وظائف الأجهزة التنفيذية والتشريعية والقضائية بما يتطلبه الوضع من اصلاح اداري وجبائي وجمركي ومدرسي وجامعي، وفي سلك العدالة والقضاء، الى غير ذلك من الورشات التي لا بد أن تأخذ في الاعتبار ما تفرضه ضرورة الدخول فوراً في عصرنة الأمور من إعلام آلي، وهاتف لاسلكي متطور، وغير ذلك من العوامل التي استجدت في ميادين الحياة الخاصة والعامة.
لا أريد أن أحكم على أحد، لكن كلما كنت أمام وضع يتساوى فيه زيد مع عمرو، لا أرى فائدة من تغيير عمرو بزيد ولا زيد بعمرو. ما دامت دار لقمان على حالها، فإن الحكومة الحالية لها ما لها، وعليها ما عليها. وبصفة اجمالية لا هي اليوم أسوأ، ولا هي أحسن من حكومة أخرى، والأوضاع التي أسلفت الحديث عنها باقية كما كانت.
لصوص وبغاة
قضية الوئام حظيت بتأييد داخلي واسع جداً أكده الاستفتاء وبدعم دولي لافت، لكن أعمال العنف لا تزال مستمرة، كيف ستتعاملون مع هذه المشكلة؟
- قال الشعب كلمة الفصل في موضوع السلم المدني، وطريقة استرجاعها، وصدرت قوانين وتنظيمات واجراءات لتشكيل الاطار القانوني الميداني لتطبيق ذلك. وبالتالي فإن العملية جارية حسب ما تقرره هذه القوانين والاجراءات. ولقد أكدت مراراً أن السلم في متناول اليد لكن تحقيقه يتطلب وقتاً تلعب فيه تهدئة الخواطر الدور المهم، كما يتطلب الأمر صبراً كبيراً، ورباطة جأش.
ان تحقيق الوئام المدني لا يمكن أن يتم بين عشية وضحاها، لذلك فإن ما يقع في بعض الأحيان ليس غريباً، وليس مفاجئاً، وعلينا أن نتحلى بالحكمة لتحاشي كل انزلاق قد يعيدنا الى نقطة الصفر، وهذا ما ينتظره أعداء الجزائر من الداخل والخارج، واعتقد بأن الشعب الجزائري واعٍ كل الوعي وسيفوِّت الفرصة على من يصطادون في الماء العكر.
لكن دعني أقول لك إن ما يقع الآن هو في الغالب أعمال لصوص وبغاة يسطون على أموال الناس وأعراضهم، وهذه ظاهرة ناتجة من وضع اجتماعي يتم الآن علاجه، وستتقلص هذه الأعمال بتحسين هذا الوضع، لكنها لن تزول وهي موجودة في كل البلدان، وتدخل ضمن ظاهرة الإجرام العادي الذي تتصدى له الدول بالمتابعة والملاحقة والاصلاح.
أما في ما يتعلق بالأمور السياسية وما يفرضه القانون، فإن المجتمع له ما له، والفرد له ما له، وعليهما ما عليهما. قانون الوئام المدني ساري المفعول ويعالج الأمراض تدريجياً، ولا يعدو كونه وصفة ذلك الطبيب الذي يعالج يومياً، لفترة قد تقصر أو تطول، مرضاً خطيراً تأصل وتجذر في أرجاء البلاد.
لقد أجبنا على ما كان للدولة أن تفعل من الناحية السياسية، ومن الناحية القانونية كذلك، وأذكر ان القانون ساري المفعول الى 13 كانون الثاني يناير من العام 2000.
ولا يبقى على الدولة إلا أن تستعمل كل الوسائل المباحة للسلطات التنفيذية في جميع البلدان، لضمان الأمن والطمأنينة والاستقرار للجميع. فاللص يعامل كلص، والمجرم كمجرم وقطاع الطرق كقطاع الطرق. تبقى المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي قد تبعث ببعض الناس الى أعمال اليأس، فلا بد من الاهتمام بها ومعالجتها تدريجياً كذلك. ولكن في كل الحالات، حتى اليأس لن يبرر، لا في الجزائر ولا في غير الجزائر، ما لا يقبله الضمير، ولا الوطنية، ومن باب أحرى وأولى الشريعة نفسها. فالعين بالعين، والسن بالسن والأذن بالأذن والجروح قصاص...
هناك حزبان اسلاميان يشاركان في الائتلاف الحكومي هما "النهضة" و"حماس". هل تعتقدون بأن الوضع يحتمل قيام حزب اسلامي آخر يمكن أن يشارك فيه قياديو "جبهة الانقاذ" ويعبر عن سياستهم؟
- اعتقد بأن سؤالكم هذا يرمي الى طرح قضية تم الفصل فيها من زمان. لذلك لا مجال للحديث عن عودة من الباب الخلفي لمن أقصى نفسه أولا، ثم أقصاه الشعب ثانياً. هناك قوانين تضبط هذه المسائل بدقة، وتنظم الحياة السياسية. أنا لا أقول بأن هذا التنظيم هو الأمثل، لكن وجوده يفرض علينا تطبيقه واحترامه، خصوصاً أننا نسعى بكل ما أوتينا من قوة ومن صبر على الشدائد، الى اقامة دولة القانون التي تجمع الشمل، وتتصدى للعاقين من أبنائها بصرامة القانون وبما يتطلبه الموقف من حلم الدولة الذي لا تخلو منه روح قانون الوئام.
كيف يمكن ترجمة شعار "لا غالب ولا مغلوب" الذي طرحتموه؟
- ان الذي شن حرباً على عدو هو الذي يتحدث عن "غالب ومغلوب"، أما نحن فإننا ما زلنا نعتقد جازمين بأن من كانوا في الصف الآخر كانوا وما زالوا اخواننا في الدين واخواننا في الوطن، ولسنا من العاقين لهذا الوطن ولا لهذا الشعب لتذهب بنا نشوة القوة، وأبهة السلطة وصولجانها لنقصي بجرة قلم، وبإرادة مستبدة، وبتعسف الظالم المتجبر، أبناء من شعبنا، فهم فلذة من فلذات أكبادنا! وإذا جرتهم ظروف ووضعيات مختلفة الى السير في طريق مسدود فإن من واجب الأمة أن تفتح لهم الصدر الواسع، وقد فعلت من دون تردد في استفتاء 16 سبتمبر أيلول الماضي. ولا اعتقد بأن هناك انساناً عاقلاً في هذا البلد الطيب يعتقد بأن هناك "غالباً ومغلوباً"، بل ان هناك وئاماً مدنياً.
ودعني، ولا تتحرج مني، أقول لك بصراحة أخوية انك استعملت شعارا لا علاقة له اطلاقاً بالمأساة الوطنية، وربما استوردته من قضايا أخرى هي، وان طرحت للمنطقة المغاربية، لا علاقة لها على الاطلاق بما جرى بين الجزائريين أثناء العقد الأخير.
في ضوء تجربة الشهور الماضية كيف تقيمون تجاوب المؤسسة العسكرية، وهي تحملت أعباء المواجهة مع المتشددين، مع خطوات الوئام؟
- لقد أعطي للجيش في هذا البلد اسم أو وصف هو في الحقيقة كلمة حق أريد بها باطل، دعونا نوضح الأمور، ونعيد المسائل الى نصابها. لا أدري كيف ظهرت هذه التسمية وكيف دخلت القاموس السياسي، فإذا كان المقصود بذلك هو أن الجيش مؤسسة من بين مؤسسات الدولة كما ينص على ذلك الدستور، وبالمفهوم والمكانة اللذين يحددهما القانون، فهذا عين الصواب، وهذا هو الواقع القانوني والفعلي في الميدان. أما إذا أُضفي على المصطلح معنى آخر، وخفي، يقصد من ورائه المساس بسمعة الجيش وتشويه دوره، باعطائه وضعاً متميزاً يجعله "مؤسسة فوق المؤسسات"، فهذا غير صحيح بالمرة، وما هو سوى منحى مغرض.
فهل كان الجيش الوطني الشعبي يوماً أكثر من أداة للدفاع عن الدولة الجزائرية؟ وهل كان في يوم من الأيام أكثر من ضامن للوحدة الوطنية؟ وهل كان تدخله في يوم من الأيام إلا في إطار الاستجابة لأمر من سلطة الدولة التي يشكل أحد دواليبها؟
من هنا لا بد أن ينطلق كل تقييم لنشاط الجيش كمؤسسة من مؤسسات الدولة، ولقد قلت مرات عدة ان الجيش الوطني الشعبي يحتل مكانة خاصة في الجزائر، ويعود ذلك الى ان إعادة بعث الدولة الجزائرية بعد عهد استعماري طويل، يعود فيه الفضل الأكبر لجيش التحرير الوطني الذي فرض في الميدان وضعاً لا يطاق بالنسبة الى الاستعمار، الذي سلم بضرورة الاستقلال، وكان الاستقلال. ان هذا الماضي المجيد أعطى مكانة خاصة معنوية أكثر منها تسلطية للجيش في المجتمع السياسي الجزائري. وخلال الأزمة الحادة التي عرفتها البلاد كان لا بد من اقحام الجيش الوطني الشعبي في عملية مواجهة الموقف، وسعياً لاستعادة الأمن المفقود، في وضعية لا تحسد عليها الجزائر، وهي وضعية تضعضعت فيها هياكل الدولة وتلاشت شيئاً فشيئاً سلطتها. أقول واؤكد "إقحام" وليس "اقتحام" الجيش، اقحامه في وضعية "دفاع وطني" ومهمة دفاع وطني بما في ذلك من جانب أمني لم يكن على الاطلاق مجهزاً له. وكان، ان صح التعبير، "مكرهاً أخاك لا بطل".
وقام الجيش بالمهمة التي كلف بها وفي الحدود التي تقتضيها مهمة "الدفاع الوطني" هذه. وقدم خدمات جليلة لا ينكرها إلا عاق، ولسنا من العاقين ولا من الجاحدين. فقد تصدى للموقف بكل رزانة وحكمة، ومكن من المحافظة على النظام الجمهوري، وأكثر من ذلك ساهم مساهمة فعالة في إرساء قواعد الديموقراطية، وما كنا لنصل الى عهد "الوئام المدني" لو لم يقم الجيش الوطني الشعبي بالتصدي للوضع بما يتطلبه، ولتهيئة الظروف لاستتباب الأمن. فالجيش الوطني الشعبي ليس داعية حرب. ولا يمكن أن يقف موقفاً سلبياً من عملية الوئام المدني وقد برهن على ذلك.
بل، أحب من أحب وكره من كره، لا بد من الوقوف وقفة إجلال واحترام أمام جميع شهداء المأساة الوطنية، وبخاصة أفراد الجيش الوطني الشعبي وأفراد الأمن الوطني الذين لم تكن لهم لا ناقة ولا جمل في الموضوع إلا الحفاظ على مؤسسة الجمهورية، والدفاع عما تبقى من هيبة الدولة والمحافظة على وحدة البلاد تراباً وشعباً، والذود عن الأفراد والممتلكات والمجتمع.
يطالب بعض الأصوات المعارضة برسم حدود لدور الجيش الجزائري في صناعة القرار السياسي، فما هو تعليقكم؟ وهل تحتاج المؤسسة العسكرية إلى بعض التغييرات؟
- عناصر الاجابة في ما قلته منذ قليل، لكن اضيف فقط إلى ذلك ان الحدود المطلوب رسمها، حددت من قبل في الدستور الذي يبقى المرجع الأساسي لعمل مؤسسات الدولة، والجيش الوطني إحدى هذه المؤسسات.
إن الله لا يستحي من الحق. لقد دأبت الصحافة الدولية على استهداف الجزائر لإسقاط مؤسساتها الواحدة تلو الأخرى، وهي إذ تركز اليوم على الجيش، فهي لا تريد من وراء ذلك إلا انهيار الجزائر برمتها حيث أن الجيش الوطني الشعبي بقي وحيداً في الساحة كالعمود الفقري للدولة. لن تجدوا، لا اليوم ولا غداً، ثغرة لدي تتسربون منها للمساس بالمؤسسة العسكرية. وقد يكون من عدم المسؤولية، بل من التخلي عما تمليه الوطنية الصادقة، ان ينطلق الإنسان من نظريات ضبابية، واطروحات نظرية لا علاقة لها بواقعنا الوطني ليصل إلى الحلول الانتحارية التي لا أرى فيها فائدة لا للجزائر ولا لشعبها، مهما خدمت مصلحة بعض الأشخاص الذين، عن وعي أو عدم وعي، ينفذون في بلدهم مخططات أجنبية عدائية.
شبكة الفساد
عبرتم عن عزمكم على وقف الهدر والفساد. هل يمكن ضرب شبكة المصالح الواسعة التي تشكلت على مدى سنوات والتي تردد أنها تسللت إلى مواقع غير مدنية؟
- إن الحديث عن الهدر والفساد والمصالح التي نسجت شبكتها في ظل الأزمة وقبل ذلك بقليل، يجرنا للحديث عن سلطة الدولة وهيبتها، وكذلك عن دولة القانون. إن هذا المصطلح الذي تبنيناه، أي مصطلح دولة القانون، ليس نغمة نرددها لتهدئة الخواطر أو لدغدغة العواطف، بل اننا نعطيه مفهومه الكامل، ونسعى إلى تحقيقه بالفعل، وسيكون تحقيق ذلك الحل الجذري لمسألة الفساد والهدر.
إن المسألة ليست هينة، وقد قلت هذا مراراً وأمام الملأ، لأن المسألة أخذت طابعاً خطيراً بإضفاء الشرعية عليها، إذ سُنت قوانين ملائمة لتشجيع وحماية الفساد، مما يستوجب إعادة النظر في كثير من القوانين والاجراءات التنظيمية. فإذا سقط القناع القانوني الذي استحدث في ظروف تعرفونها يُصبح من السهل إعادة ترتيب البيت الجزائري بما يضمن شفافية المعاملات ومطابقتها للقوانين.
ولكن أراكم مرة أخرى تخدشون في مصداقية، بل كرامة، الجيش الوطني الشعبي، وأنتم بما لديكم فرحون باستعمالكم عبارة "المواقع غير المدنية". الفساد فساد، لا يوصف بالمدنية أو العسكرية، والرشوة رشوة، ولا يليق أن نقول إنها مدنية أو عسكرية، والقانون لن يكون قانوناً إلا إذا تساوى في تطبيقه بأخطائه أو صوابه، المدنيون والعسكريون كأسنان المشط. لا مجال للتمادي في تقسيم الجزائر إلى مدنيين وعسكريين.
بعد انتخابكم وجهتم إلى العالم دعوة لمساعدة الجزائر على تجاوز مشاكلها الاقتصادية، هل لمستم تجاوباً وخطوات عملية؟
- نعم، وجهت رسالة إلى العالم الخارجي طالباً مساعدة الجزائر على حل مشاكلها الاقتصادية، ولا بد من النظر إلى مسألتين:
الأولى، ان بلادي عاشت طوال عشرية كاملة في جو من الرعب والعذاب مما ألب عليها اقطار الدنيا، خصوصاً تلك التي بيدها الحل والربط. لا تنسى ان هناك من المبادرات التي دعت إلى وضع الجزائر تحت المراقبة الدولية، هذا مع فرض حظر غير معلن على بلادنا.
الثانية، ان الوضع الجديد الذي نحن فيه والذي أخذت فيه بلادي تسترجع انفاسها لتنطلق والذي يشهد تحسناً جد ايجابي ويكاد يكون كاملاً بالنسبة للوضع الأمني، لم يصل بعد إلى درجة إزالة المخاوف نهائياً.
إذاً، فالتجاوب يسير تدريجياً إلى ما هو منتظر والمعالم التي وضعناها والضمانات التي أعطيناها ستأتي بثمارها في القريب إن شاء الله، وأنا متفائل جداً في هذا الميدان.
بعد انتخابكم ساد تفاؤل بالنسبة إلى ارساء قواعد جديدة في العلاقات مع المغرب عكستها الرسائل المتبادلة والاتفاق مع العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني. وفجأة عادت الأمور إلى نقطة الصفر. سمعنا كلاماً جزائرياً يحمل طرفاً مغربياً المسؤولية، كما سمعنا كلاماً مغربياً يحمل طرفاً جزائرياً المسؤولية. أنتم اليوم على رأس الجزائر والقيادة العليا للقوات المسلحة، كيف تنظرون إلى المرحلة المقبلة؟
- بالنسبة إلى العلاقات الجزائرية - المغربية، ليس هناك من سبيل لتحسينها إذا ما لم نقض نهائياً على رواسب الماضي، وليس هناك من اسلوب سوى الحوار المباشر إذا توافرت النية الصادقة في الوصول إلى علاقات نزيهة تضمن تحقيق حسن الجوار وكذا المصلحة العليا لكل طرف. إنني لا ازايد على وضع يُظن ان فيه من التهريج أكثر ما فيه من الجد.
قد يكون لي تصرف آخر لو كنت مواطناً بسيطاً، أما وأنا على رأس الدولة الجزائرية، فإن مسؤولياتي لن تسمح لي مهما كانت مشاعري، ان أتاجر بالمصالح العليا للجزائر.
كيف ترون السبيل الأمثل لإنهاء النزاع الدائر في الصحراء؟
- إن مسألة الصحراء الغربية أصبحت مسألة دولية، وضع في شأنها برنامج من طرف الأمم المتحدة، يرتكز جوهرياً على مبدأ تنفيذ واحترام تقرير المصير للشعب الصحراوي، وهو السبيل الذي مرت به الجزائر بعد حرب تحرير دامت ثماني سنوات، وكثير من البلدان. ولقد وقعت في شأن قضية الصحراء الغربية طبقاً لمبدأ تقرير المصير في الشفافية، وكان ذلك في بوسطن تحت اشراف السيد جيمس بيكر اتفاقيات بين الأطراف المتنازعة، لا بد من التأكيد مرة أخرى أن الجزائر تؤيد المسعى الأممي وكذلك الموقف الذي تمخض عن اتفاق "بوسطن". والجزائر على استعداد دائماً لما قد يطلب منها في هذا الإطار وليس سواه.
تتأهب الجزائر لاستقبال قمة اتحاد المغرب العربي، هل ترون المناخ مناسباً لعقدها أم التأجيل وارد لأنه تؤيدون عقد قمة عربية بحضور العراق، إلى أين وصلت هذه المساعي؟
- إن الجواب الذي يمكن أن اقدمه في خصوص القمة المغاربية والقمة العربية التي يحضرها العراق، هو فقط ان المساعي جارية لإحداث الجو الملائم للقمتين، وأفضل ألا أؤثر على العمل الديبلوماسي في هذا الشأن.
العلاقة مع واشنطن
فسرت زيارة قائد الاسطول السادس الأميركي إلى الجزائر في أيلول سبتمبر الماضي على أنها رسالة دعم، كيف ترون آفاق التعاون الجزائري - الافريقي، خصوصاً بعد الحديث عن دعم عسكري أميركي محتمل للجزائر، خصوصاً من الأطلسي؟
- إن التفسير الذي يمكن أن أقدمه لزيارة الاسطول السادس الأميركي للجزائر هو ما يجب ان يندرج في عملية تشكيل جديد للعلاقات الدولية بالنسبة للعالم أجمع، وليس فقط بالنسبة للجزائر. ذلك ان كثيراً من المفاهيم تغير منذ التسعينات وسيتغير في المستقبل، لأن العالم مقبل على أسلوب جديد وآليات جديدة وكذلك وسائل جديدة في ميدان العلاقات الدولية في شتى مجالاتها.
وعليه، فإن علاقاتنا مع كل من يريد أن يتعامل معنا من الأفضل ان تكون اختيارية نراعي فيها مصالحنا ونستفيد من امكانات لا نملكها وخبرات نحن في حاجة إليها. فنحن على أطراف وأبواب عوالم مختلفة ولا نملك ان نغير عوامل الجغرافيا، ولا عناصر الجيواستراتيجية التي من الأفضل أن ترسم معنا ولا تُرسم من دوننا أو ضدنا. هذا ينطبق على الولايات المتحدة والحلف الأطلسي والمجموعة الأوروبية. وبصفة أخرى نحن نتعامل مع عالم سنة 2000 بما آتانا به من معطيات لم تأتنا بها الأوائل. نلين بما تمليه المرونة حيث وجبت، ونبقى صامدين في موقع القدرة على الصمود. كانت السياسة الدولية إما مبادئ أو مصالح، ويبدو لي اننا دخلنا في عالم أقل ما يقال عنه إنه يتسم بامتزاج المبادئ مع المصالح.
تباينت ردود الفعل على المصافحة بينكم وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود باراك خلال تشييع الملك الحسن الثاني، ماذا بعد المصافحة؟ وهل هناك خطوات لإقامة علاقات؟ وما هي الشروط؟
- لقد أثارت مصافحتي، صدفة لرئيس وزراء إسرائيل ردود فعل مختلفة، وأسالت كثيراً من الحبر. وانك لتسأل عما بعد المصافحة. وأقول لك بصراحة ليس هناك قبل ولا بعد! يجب أن يعاد ادراج الحادثة في سياقها الزمني والمكاني، وليس هناك بعد ذلك من تأويل آخر سوى ذاك الذي أوضحته أمام الشعب الجزائري ومن دون تردد.
لكن دعني أقول صراحة، تلك الصراحة التي التزمت بها إلى حد الآن، والتي لن أحيد عنها أبداً. لا أحد يجهل موقف الجزائر بالنسبة إلى القضية الفلسطينية، وهو موقف لن يتزعزع أبداً.
إن الجزائر لا تتنصل من هذه المسؤولية، وهذا أيضاً موقف مبدئي وقفناه مع فلسطين، وسنقفه معها إلى نهاية المطاف، أي تحقيق ما يصبو إليه الشعب الفلسطيني. ومن جانب آخر كان نضالنا على مر الأجيال من أجل الأرض ولا نقبل أبداً كما لم نقبل بالأمس، ان يضيع شبر واحد من أراضينا العربية، لذلك نقف مع كل من تحتل إسرائيل شبراً من أراضيه، كسورية ولبنان، فإذا تحقق ان تصرفت إسرائيل بالنسبة إلى جيرانها تصرف الدولة المسؤولة، وراجعت موقفها بالنسبة إلى الأرض العربية، فإذذاك سيكون لنا موقف آخر.
إنني لم أخف هذا الموقف أبداً، كما انني لا أتبنى موقفاً جديداً، فهو موقف الشعب الجزائري منذ كانت قضية فلسطين. ولا خلط بين ما تمليه الظروف من كريم الاخلاق في التعامل بين الناس والمزايدات العشوائية حول قضايا جوهرية لا بيع لنا فيها ولا شراء. سلامنا مع إسرائيل لا ينفصل عن سلام سورية ولبنان وفلسطين مع إسرائيل. وكل ما حدث بالصدفة لا يثنينا عن موقف يمليه الضمير بالنسبة إلى حقوق الشعب في احترام حرمة ترابها، وتقرير مصيرها بنفسها، وعدم المساس بوحدة تراب الغير انطلاقاً من عدم توازن في القوة المادية أو السياسية.
ما هي آفاق التعاون الفرنسي - الجزائري؟ وهل لعودة "الف اكيتان" إلى قطاع النفط الجزائري دلالة خاصة؟ وهل هناك مشروع قمة مع الرئيس جاك شيراك؟ وهل تعاني العلاقات الفرنسية - الجزائرية من تغير في المصالح والحسابات؟
- يرى بعضهم ان مستوى العلاقات الجزائرية - الفرنسية هو مؤشر صحة بالنسبة إلى الدولة الجزائرية. هذا استنتاج خاطئ ولا يقف على أساس منطقي أو موضوعي. كل ما في الأمر ان السياسة الفرنسية، وخلال عشريتين كاملتين، وبصفة أدق في العشرية الأخيرة، أساءت لبلادي أيما إساءة، لذلك كنا ننتظر المبادرة من الطرف الفرنسي بالدرجة الأولى. الواقعية تملي ان ينظر المرء إلى محيط بلاده النظرة التي تضمن تحقيق مصلحة الوطن بالدرجة الأولى. لذلك هناك كثير من العوامل تفرض علينا تعاوناً ما مع فرنسا، وليس لي أن اعدد هذه العوامل، فهي معروفة، ومعروفة جداً، لذلك إذا عادت شركة كبيرة للعمل في الجزائر فأنا اعتبر ذلك مؤشراً، نعم، ولكن أيضاً بداية طريق.
لا يعرف خبايا العلاقات الجزائرية - الفرنسية إلا الضالعون في الشؤون السياسية. فهي علاقات تاريخية وثقافية اتسمت، طوال قرن ونصف قرن، بصراع الحضارات وصراع ما يجعل الشعب الفرنسي صديقاً متميزاً عند الشعب الجزائري والعكس بالعكس. كلها عوامل تعطي شحنة عاطفية قوية لكل تقارب، واليوم وقد وقعت اتصالات مباشرة مع الرئيس الفرنسي والوزير الأول الفرنسي ووزير الداخلية ووزير الخارجية، وعدد كبير من المسؤولين السياسيين، وطنيين ومحليين، انقشعت سحب كثيرة، وبدأ صحو الجو يطغى على العموم، ونحن نسعى بجد، من هنا ومن هناك، لإصلاح ما أفسده الزمن، وارجاع المياه إلى مجاريها، وجعل العلاقات الجزائرية - الفرنسية متميزة ونموذجية في جميع الميادين، وفي طليعتها، بطبيعة الحال، العلاقات السياسية والودية بين كبار المسؤولين في كلا البلدين.
ملف التعريب ملف قديم وشائك. كيف سيتعامل الرئيس بوتفليقة مع هذا الملف؟
- لقد أدت هذه المسألة إلى مزايدات، وقراءات وذهب الناس فيها شيعا مختلفة. والمسألة في نظري بسيطة وبسيطة جداً، وتتعلق أساساً بمسعانا الى إحلال دولة القانون، ونشر ثقافة الدولة، تلك الثقافة التي ترفع من درجة الوعي الى الحد الذي يضمن استقرار المؤسسات بضمان استقرار التصرفات. لذلك هناك نصوص دستورية ونصوص قانونية يتعين العمل بها وحمل الناس على احترامها مع اعتبار ان المسائل المتعلقة بالثقافة حساسة وتحتاج الى كثير من الحكمة.
ماذا يقول الدستور في تعريفه للهوية الوطنية؟ انها تنبني على أركان ثلاثة هي الاسلام والعربية والأمازيغية. اذاً أرى ان الدستور رسم الاسلام دينا، والعربية لغة رسمية ووطنية، والأمازيغية عرقاً وثقافة. لا خروج من هذا المثلث. كان ويبقى وسيظل دستورنا الإسلام دين الدولة، والعربية اللغة الرسمية والوطنية الوحيدة. وكل تجديد في هذا الموضوع لا يأتي الا عن طريق استفتاء وطني شامل لا إقصاء فيه ولا تهميش. تبقى مسألة اخرى، ما أسميه دون خجل "المتاجر السياسية". ما دمنا على ثقة من قوة هويتنا، ولا رغبة لنا في التشكيك فيها، لا بد من ان نقول بأن اللغة الوطنية والرسمية ليست حكراً لفريق على آخر، وليست زنزانة يسجن فيها التراث الثقافي البشري. ان التحديات التكنولوجية الجديدة تفرض علينا ان نتعلم اللغات، كل اللغات الأجنبية، دون تفريط في ما نتعلمه منها، وان نتفتح اكثر على امكانيات الحاسوب والمعلوماتية والانترنيت، والمواصلات بالأجهزة النقالة او الجوالة، الى غير ذلك من المستجدات التي نعرفها، والتي لا نعرفها وقد تفاجئنا. ويخلق ما لا تعلمون…
اذا كنا نعرف من نحن لا تضيع هويتنا ولا لغتنا، ولا ثقافتنا في سوق البشرية المتنوعة الواسعة. نأخذ ما نحن في حاجة اليه ونعطي للآخرين ما هو لدينا من العطاء، ولن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.