111 رياضيًا يتنافسون في بادل بجازان    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    "موديز" ترفع تصنيف المملكة الائتماني عند "aa3"    600 شركة بولندية وسلوفاكية ترغب بالاستثمار في المملكة    المملكة تعزز التعاون لمكافحة الفساد والجريمة واسترداد الأصول    «واتساب» يتيح التفريغ النصي للرسائل الصوتية    قصف إسرائيلي يودي بحياة العشرات في المدن الفلسطينية    آل غالب وآل دغمش يتلقون التعازي في فقيدهم    أمراء ومسؤولون يواسون أسرة آل كامل وآل يماني في فقيدتهم    ضبط 19696 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    "ليالي المحافظات" تنطلق في شتاء جازان 2025 بألوان التراث والفلكلور    بحضور سمو وزير الثقافة.. «الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    تحفيزًا للإبداع في مختلف المسارات.. فتح التسجيل في الجائزة السنوية للمنتدى السعودي للإعلام    فعاليات متنوعة    القِبلة    30 عاماً تحوّل الرياض إلى مركز طبي عالمي في فصل التوائم    الأكريلاميد.. «بعبع» الأطعمة المقلية والمحمصة    «النيابة» تدشن غرفة استنطاق الأطفال    «صواب» تشارك في البرنامج التوعوي بأضرار المخدرات بجازان    القبض على مقيم لاعتدائه بسلاح أبيض على آخر وسرقة مبلغ مالي بالرياض    مشكلات المنتخب    تأثير اللاعب الأجنبي    الزمالك يسقط في برج العرب ويواجه أول هزيمة في الدوري    الخليج يُذيق الهلال الخسارة الأولى في دوري روشن للمحترفين    فرع وزارة الصحة بجازان يطلق حزمة من البرامج التوعوية بالمنطقة    مستقبل جديد للخدمات اللوجستية.. شراكات كبرى في مؤتمر سلاسل الإمداد    "تقني‬ ‫جازان" يعلن مواعيد التسجيل في برامج الكليات والمعاهد للفصل الثاني 1446ه    خسارة إندونيسيا: من هنا يبدأ التحدي    ارتباط وثيق بين السكري والصحة النفسية    سالم والشبان الزرق    الجمعان ل«عكاظ»: فوجئت بعرض النصر    الحريق والفتح يتصدران دوري البلياردو    بوتين: الحرب في أوكرانيا اتخذت "طابعًا عالميًا"    موسم الرياض.. رؤية لسياحة مستدامة    المدى السعودي بلا مدى    1.7 مليون ريال متوسط أسعار الفلل بالمملكة والرياض تتجاوز المتوسط    معتمر فيتنامي: برنامج خادم الحرمين حقّق حلمي    قوة المملكة الاقتصادية ورفع التصنيف    الأساس الفلسفي للنظم السياسية الحديثة.. !    إسرائيل تستهدف قياديًا في «حزب الله»    إبر التنحيف وأثرها على الاقتصاد    «سلمان للإغاثة» ينظم زيارة للتوائم الملتصقة وذويهم لمعرض ترشح المملكة لاستضافة كأس العالم 2034    جمعية تآلف تحتفل باليوم العالمي للطفل بفعاليات ترفيهية وبرامج توعوية    فيصل بن مشعل يستقبل وفداً شورياً.. ويفتتح مؤتمر القصيم الدولي للجراحة    اختتام المؤتمر العربي لرؤساء أجهزة مكافحة المخدرات    ضبط شخص في عسير لترويجه الحشيش عبر مواقع التواصل    وزير التعليم يزور جامعة الأمير محمد بن فهد ويشيد بمنجزاتها الأكاديمية والبحثية    الطقس يهدد الولايات المتحدة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    1850 متدربا ومتدربة على المانجا في اليابان    "العوسق".. من أكثر أنواع الصقور شيوعًا في المملكة    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    ترمب يرشح سكوت بيسنت وزيراً للخزانة    سعود بن نايف يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    معتمر فيتنامي: أسلمت وحقق برنامج خادم الحرمين حلمي    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أكد في حديث الى "الحياة" اهتمامه بالبناء المغاربي والتسوية العادلة لقضية فلسطين ورفع التجويع عن شعب العراق . بوتفليقة : لا أحزاب إلا وفقاً لأركان الدستور وعباسي مدني مجاهد الجزائر مفتوحة لجميع أبنائها وهي غنية بالإمكانات الطبيعية والبشرية
نشر في الحياة يوم 28 - 07 - 1999

أجاب الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة عن مجموعة أسئلة خطية وجهتها اليه "الحياة"، فعرض الوضع الداخلي وآلية الخروج من الأزمة والأشواط التي قطعتها مؤكداً أن بلاده قادرة بإمكاناتها على رفع التحدي الإقتصادي. وأظهر حرصاً شديداً على احترام الدستور واعتباره حَكَماً في علاقات المؤسسات. وعبّر عن تفاؤله بالمسيرة المغاربية وعن اهتمام الجزائر بالتطورات العربية رافضاً الغياب "عن صنع الحدث" ومعتبراً أن المكانة التاريخية والجغرافية تعطي الجزائر "أهلية الحضور والمشاركة وإبداء الرأي".
صرح المسؤولون الجزائريون غير ما مرة في السابق، بأنه تم القضاء على الارهاب. هل يمكن تأكيد ذلك اليوم؟
- لست مسؤولاً عن تصريحات صدرت عن مسؤول في يوم من الايام. نعم اتحمل المسؤولية عن كل ما يتعلق بالقرارات السياسية، وبخاصة ذات الصبغة الدولية والتزام الاتفاقات المبرمة بين بلدي وأي بلد آخر. اما التزام تصريح أملته ظروف معينة في وقت معين لهذا المسؤول او ذاك فهذا امر غير وارد. والجزائر اليوم ليست جزائر الامس، وبامكانك ان تتحدث من الآن عن الأمس وعن اليوم، وبامكاني ان اؤكد لك اليوم ان الارهاب صار من الافعال الماضية في الجزائر.
ان عهد اللجوء الى التعبير السياسي بالعنف قد ولى من منطلق ما اتخذناه من مبادرات وقوانين جديدة تهدف الى الوئام المدني والمصالحة مع الذات. وحيث تتبلور الامور اكثر فاكثر اذا ما بقى مظهر من مظاهر العنف فمن شأن الشعب الجزائري بأجمعه ان يقتص لنفسه بالتعاون مع اجهزة الدولة لاجتثاث جذور الجريمة والمجرمين.
هناك مساحة ديموقراطية واسعة تسمح لجميع التيارات بالتعبير عن تطلعاتها واهتماماتها وبرامجها طبقاً لاحكام الدستور وقوانين الجمهورية. وما دون ذلك فهو خروج عن العرف والقانون، ويحارب بلا هوادة بكل وسائل القانون من قبل الدولة والمواطنين على حد سواء. لقد تعبت بلادي من مغامرات المغامرين، وفهم حتى اولئك الذين ضلت بهم السبيل ان ما عشناه من مأساة وطنية شوه سمعة البلاد وحط من وزنها وألحق اضراراً بشرية ومعنوية ومادية لا تغتفر على الاطلاق اياً كانت تبريراتها واسباب نشوبها.
إن الشعب الجزائري سيكون بالمرصاد لعبث العابثين بمصيره. وكل المتنبئين الذين اولدتهم مخاضات مجتمع دولي لا نتحكم فيه واختلطت فيه المفاهيم حتى اصبحنا لا ندري من أين تأتي الامور، ولا نعرف من هو الصديق ومن هو العدو. لقد سئمنا من شماتة الشامتين وسقطت امامنا اقنعة المنافقين الذين يتظاهرون بالمحبة والصداقة ويمكرون ويمكر الله لهم وهو خير الماكرين. لقد قررنا العزم على ان نأخذ بزمام مصيرنا لا سترجاع شموخنا وتألقنا وعزتنا وكرامتنا. لا كبرياء في هذا الموقف ولا نحن من المتعالين على الناس. نريد رقعة هادئة، آمنة تحت الشمس لا خوف للجزائريين فيها دون استثناء على اختلاف مشاربهم ولا هم يحزنون.
هل من مجال لاستيعاب جبهة الانقاذ في اللعبة السياسية بموازاة استيعاب عناصر جيش الانقاذ في الاجهزة الامنية؟
- من قال أن عناصر الجماعات المسلحة التي ذكرتها تم استيعابهم في الاجهزة الامنية؟ لماذا تحملون القرارات فوق ما تحتمل، فوق مدلولاتها وغاياتها؟ هل درستم جيداً هذا القانون؟ انه لم يتحدث عن مثل هذا الاستيعاب لا صراحة ولا ضمناً. والقانون لا يحتمل مثل هذه الاشارات خصوصاً عندما يتعلق الامر بمصير شعب.
دعني اعلمك اليقين: لقد عرفت الجزائر منذ اكثر من عقد ازمة سياسية واقتصادية واجتماعية ذهبت ببعض من ابنائها البررة الى ضلال السبيل. وانه كتوطئة لقانون الوئام المدني سجلنا بارتياح عودة الوعي للوطنيين الغيورين على بلادهم وهويتهم الاسلامية. فمنهم من لم يقترف ادنى جريمة عدا الخروج عن الطاعة واللجوء الى العصيان، ويريد اليوم رجعة كريمة الى الحظيرة الوطنية، فلا مناص لنا الا ان نرجعه الى الحظيرة الوطنية مبجلاً مكرماً معززاً. ومنهم من ذهبت بهم الأنفة عن طواعية واختيار حر لوضع طاقاتهم وامكاناتهم تحت تصرف الدولة لتصفية من اساؤوا الى سمعة الجزائر والاسلام. وهذا ما يمليه حق المواطنة الواعية وما يكبر المعنيين بالأمر في عيون الشعب الجزائري الغيور على سيادته واستقلاله وكرامته وتشبثه بقيم الاسلام. احييهم باسم الشعب الجزائري، تحية احترام واجلال وإكبار لاختيارهم هذا. لقد احسنوا صنعاً ولقنوا اعداء بلادنا الذين ذهبت بهم الشماتة بعيداً بعيداً، درساً لا يستهان بمعناه وجسدوا بموقفهم رسالة تاريخية لكل من يشككون في وطنية الجزائريين وتعلقهم المتين بقيمهم الروحية.
ومنهم من كان سجيناً غير طليق لأسباب مختلفة لا علاقة لها بسفك الدماء والاغتصاب والارهاب، تعاطفوا، عن قناعة او كره، مع المنظمات المسلحة وجادوا بالمال والسكن والمأوى الى غير ذلك من المساعدات التي بطبيعة الحال لا يشكرون عليها، ولكن لكل جواد كبوة. وفلسفة الوئام المدني تقتضي غض الطرف والتسامح وتجاوز المعضلات التي يمكن تجاوزها، فقررنا اطلاق سراحهم بالآلاف من منطلق ما يمليه الوئام المدني من الاخذ في الاعتبار اسباب الامور وتطورها ووصولها الى ما وصلت اليه مما لا تحمد عقباه عندنا، ويثلج صدور الحاقدين الماكرين الذين لا يتربصون الا السوء بالوطن وابنائه.
تأتي هناك تساؤلات الى حد ما مغرضة في اذهانكم في ما يتعلق بروابط بين الآلة والمحرك والمدبر والمنفذ والمنظر والضحية. كنت في منأى عن السلطة، في غربتي وعزلتي واعتزالي فصدر حكم قضائي بحل حزب صار اليوم محظوراً واكثر حظراً وفاءً لأركان الدستور الذي صودق عليه بغالبية اصوات الشعب سنة 1996. ولما كان انتخابي من منطلق ما يمليه هذا الدستور فلا حيلة لي ولا حول ولا قوة الا التشبث بأركان الدستور وقوانين الجمهورية. ولعلنا، ونحن حريصون على الديموقراطية اوجدنا مساحة فسيحة للتعبير عن التيارات السياسية والافكار الحرة التي لا تلجأ الى استعمال مقومات الهوية الجزائرية كما نص عليها الدستور من اسلام وعربية وأمازيغية حكراً لها للمتاجرة السياسية بجزائر هي اليوم اكثر منها في اي وقت مضى احوج ما تكون الى تضميد جروحها ولمّ شملها وايقاظها من سباتها العميق واستسلامها لقدر مأسوي اصبحنا اليوم مضرباً للأمثال في قساوته وعدم تبريره. اذن لا احزاب الا من جاء طبقاً لأركان الدستور ومتماشياً مع قوانين الجمهورية التي لا مجال لها للرجوع الى عهود مضت وخلت وآلت الى ما لا رجعة اليه.
مدني وبلحاج
رحب الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بتأييد زعيم "الجبهة الاسلامية للانقاذ" المنحلة الشيخ عباسي مدني هدنة الجماعات المسلحة. فما هو المطلوب منه الآن لكي يحصل على قرار برفع الاقامة الجبرية عنه؟
- ذكرت اكثر من مرة أن الشيخ عباسي مدني يتمتع بمعاملة حسنة جداً ترقى الى مستوى عال جداً. وقد عبرت عن حسن النية باطلاق سراح ما يزيد عن ألفي معتقل بسبب مساعدتهم الارهابيين طوعاً او كرهاً. وانني مصمم على اعادة الامن والاستقرار الى بلدي. ليصير كما كان بلد الأمن والجمال لا مكان فيه للحاقدين، اريد تضميد الجروح النفسية والجسمية لشعب لا يستحق الا الاكبار ولكنه وجد نفسه مجبراً على تجربة مريرة. وعندما نتأكد من حسن نيات الآخرين نهائياً فلا داعي بعد ذلك لأي نوع من القيود.
ولا يفوتني ان انوه بوطنية الوطنيين، ويكبر في عيني الشيخ عباسي مدني انتماؤه الى الرعيل الاول، اذ ساهم كمجاهد في اول عمليات اول نوفمبر 1954. هنا مشرب للوطنية لا يخون ولا يخان. ومهما كان حولنا من اسباب غيرت سلوكنا في يوم او آخر فان رجوعنا الى الوفاء لروح الشهداء الذين جادوا بأعز ما يملكون لكي تحيا الجزائر لهو مفخرة اليوم وغداً لكل من يستقون عبرة من هذه الدماء الزكية الطاهرة.
تأسفتم لحال الشيخ علي بلحاج الموضوع في السجن وتمنيتم ان يسلك الطريق التي سلكها قبله عباسي مدني، فهل يمكن ان نعرف هل ابلغكم رأيه في قرار جيش الانقاذ القاء السلاح واعلان عباسي مدني تأييده هذا القرار، علماً ان انباء صحافية جزائرية صحيفة "الخبر" افادت انه بصدد ارسال رسالة اليكم يؤيد فيها الهدنة؟
- يؤلمني في كل الحالات وضع السجين والمحروم من الحرية. لكن تطبيق القانون يملي ضرورته الحتمية. اني احلم بجزائر ينعم فيها كل مواطن بأهله وذويه وعشيرته، يلجأ فيها الى دفء عشه وخبز اهله وقهوتهم.
اني احلم بجزائر لا مصادرة فيها للافكار وحرية الرأي، يعيش فيها كل مواطن في اطار ما يسمح به القانون من حريات فردية وجماعية. اني احلم بجزائر لا تهميش فيها ولا اقصاء يتحكم فيها ضمير كل واحد بسلوكه، لكنني لا اجيئكم بجديد ان قلت ان حرية كل واحد منا تنتهي عند بداية حرية الآخرين.
ان العالم يسعى ويهرول جاداً الى التكنولوجيات السريعة التطور التي لا حظ لنا في الالتحاق بها، واننا وان كنا حريصين كل الحرص على التشبث بأصالتنا وقيمنا ومشاربنا الثقافية والروحية فلا مناص لنا من التعامل مع معطيات العالم، كما هو الآن لا كما نريده نحن. في هذا السياق لا اشك في أن المحنة انضجت الفرد والمجتمع وخلقت ظروف حياة كريمة لكل من يريد ان يعيش في وئام مع نفسه ومع الناس. الحوار مفتوح وسنقنع هؤلاء بقبول هؤلاء طبقاً لاركان الدستور وقوانين الجمهورية.
اني اعمل جاداً في هذا الاتجاه وأملي كبير في كرم الشعب الجزائري ورحابة صدره، واكبر في رحمة الله التي تسع كل شيء. ولكن، اليوم، لا يسعني ان اقول اكثر مما جاء في القرآن الكريم "انك لا تهدي من احببت وإنما الله يهدي من يشاء". نبتهل الى الله ونسأله الهديان لنا ولاخواننا أنى كانوا وكيفما كانت ظروفهم.
الخسائر وأسباب العنف
ما هو حجم خسائر الجزائر في المواجهات بشرياً واقتصادياً؟
- ما زلنا في فترة نقاهة، ولا يسعني الآن ان اعطي ارقاماً تكون دون حدود المحنة والامتحان او تتخطاها بتهور ومبالغة. ساعة التقويم لم تحن بعد. لكن الخسائر المعنوية والسياسية للجزائر والاسلام قد لا تقدر بأرقام مهما كبر حجمها ناهيك عن 000.100 قتيل على الاقل في كلا الطرفين وما يزيد على مليون من الأسر المنكوبة. اما الخسائر المادية فحدث ولا حرج.
هل لديكم قراءة خاصة لأسباب العنف؟ والى اي مدى كانت هناك عوامل خارجية وراءه؟
- للاجابة عن سؤالك هذا، ينبغي ان نعود قليلاً الى عهد حرب التحرير. من المعلوم ان الانجازات الكبرى التي تمت بين عقدي الستينات والسبعينات استمدت دفعها من ديناميكية حرب التحرير الوطني، ومن تلك الحماسة التي كانت في قلوب كل الجزائريين. وفي خضم ذلك كان تجسيد حق الجميع في التربية، والتمتع بالعلاج، والرعاية الصحية، وحق العمال في العمل وفي الدفاع عن مصالحهم، وبناء شبكة واسعة من المرافق الاجتماعية، واقامة قاعدة صناعية ذات بال، وتكوين طاقة بشرية معتبرة تأهيلاً واعداداً في معظم مجالات النشاط.
ان جملة هذه المنجزات التي كانت تحتاج الى تدعيم ما كانت تحمله من ايجابيات افرزت تحولات لم تنج من اختلالات كان لزاماً على ولي الامر السياسي ان يتعهدها بالاصلاح، ومن بعث تطلعات جديدة كان عليه هو كذلك ان يعمل بغية ايجاد ما يتسجيب لها.
بدلاً من ذلك ان ما حصل هو كسر الوثبة الانمائية ذاتها بحبس الاستثمار الانتاجي، وفي الوقت نفسه تشجيع الاستهلاك بلا طائل، وبخوض اعادة هيكلة الصناعة على غير هدى ولا تبصر، وتشتيت كفاءات التدبير، والانسياق اكثر فأكثر في التبعية للخارج.
فالاجراءات تلك، وآثارها على التنمية الاقتصادية والمجتمع، فتحت الباب لتكاثر النشاطات الطفيلية واستفحال مظاهر الرشوة وتفشي المحسوبية والمحاباة والتهافت، بنهم وجشع، على الثراء بلا عناء، والتباهي بمظاهر النعمة. فنجم عن هذه الانحرافات تفكك عُرى المجتمع، وتسفيه العمل والكد من حيث هما قيمتان اجتماعيتان، ومساس بثقة المواطن في المؤسسات مساساً بالغاً. واذ صارت البلاد على هذا القدر من التداعي والوهن فانها لم تقوَ على تحمل صدمة انهيار السوق البترولية عام 1986. فاحتدت مشاعر الحرمان وأدت بالبلاد الى نشوب احداث اكتوبر 1988، في حين افسح ضعف الدولة الطريق واسعاً امام التدخلات الاجنبية.
وكان للتصرفات التي اعتمدت الهروب الى الامام - معتدة باصلاحات اقتصادية شكلية منقولة عن انماط مبتذلة جيئ بها دونما ادنى مراعاة لخصوصية الاوضاع واطلاع عليها - كما اعتمدت المناورات الرامية الى نكث لحمة المجتمع، والتدهور المستمر لظروف معيشة المواطن، وتخلي الدولة عن وظائفها الاساسية، وعدم التورع عن الانصياع لنزوات الطموح الشخصي، وتعاطي التلاعب بالوازع الديني، ان عجلت بحدوث الأزمة التي باشرنا السعي الى تحقيق انفراجها. اما بالنسبة الى العوامل الخارجية التي قد تكون كما قلتم وراء العنف، فدعني ارَ فيكم جهينة وعند جهينة الخبر اليقين.
الإعلام السلبي!
هل سيفتح تحقيق في عدد من المجازر الموصوفة؟
- ليست لدينا مجازر موصوفة واخرى غير موصوفة، المجازر مجازر ومرتكبوها جهات جانية معروفة، تحمل صفة الارهاب، ومن العيب والمغالطة ان نعود الى التساؤل البيزنطي عمن يقتل من؟ نحن في الجزائر ادرى بحالنا. لقد لعب بعض وسائل الاعلام الاجنبية خصوصاً دوراً بعيداً عن النزاهة، بل كانت هذه داعمة للارهاب تصب الزيت على النار وتشوه صورة الجزائر في العالم وتحجب كل ما كان يجري فيها من مساع جبارة قصد الخروج من الازمة المتعددة الابعاد. ومن خلال سؤالك هذا يبدو ان هذا الدور الاعلامي الاجنبي السلبي ما زال قائماً على رغم ما قطعناه من اشواط معتبرة في طريق الوئام والمصالحة.
نعم. لا انفي ان الجزائر مرت بمرحلة قاسية كانت فيها وحشية الارهاب همجية وفي المقابل ظهر الوطنيون الى جانب الجيش الوطني الشعبي وقوات الامن المختلفة، ظهروا ابطالاً حقيقيين حافظوا بمساعدة الغالبية العظمى من الشعب على بقاء الدولة واقفة صامدة.
ها هي الجزائر تدخل طور النقاهة وبدأت تجني ثمار نضج شعبها بفعل المحن، هذا الشعب الذي ولى وجهه شطر المستقبل وتحقيق مطامحه في الديموقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية وباتت الافكار الهدامة الداعية الى الشر والتفرقة لا تنطلي عليه.
يؤخذ على الحكم الجزائري انه لم يحسن التعامل مع حقائق الوضع في البلاد. ومن الامثلة على ذلك التناقض الذي يظهر من خلال اعلانكم في ندوة كران مونتانا ان عدد ضحايا الازمة الجزائرية يبلغ قرابة مئة الف بينما كان رئيس الحكومة السابق السيد احمد اويحيى هاجم امام البرلمان في بداية السنة الماضية مروجي المعلومات غير الصحيحة التي تفيد أن عدد الضحايا في البلاد يقارب مئة ألف محدداً الرقم الصحيح ب26 ألف ضحية فقط.
وثمة مثال آخر على ذلك: كتبت الصحف في اكتوبر ونوفمبر 1997، ان الهدنة التي أعلنها جيش الانقاذ تمت بناء على اتصالات مع المؤسسة العسكرية لكن الحكومة الجزائرية نفت ذلك نفياً قاطعاً، وأكدت عدم حصول اتصالات مع هذه الجماعة المسلحة.
فهل يمكنكم أن تشرحوا لنا سبب ذلك التناقض في مواقف السلطات الجزائرية؟ وهل هناك صحة للمعلومات التي أفادت أن اتصال المؤسسة العسكرية ب"جيش الانقاذ" في 1997 شكل "تجاوزاً" لمؤسسة رئاسة الجمهورية أو لبعض المسؤولين فيها؟
- هل نحن بحاجة الى عودة الى السؤال الأول في صياغة جديدة؟ انني أراك تهتم بالشكل كأن شغلك الشاغل ينصب على احصاءات وصحتها أو عدم صحتها. فاننا نحن الذين نتألم يومياً مما أصاب وطننا نتأثر ولو لإراقة قطرة واحدة من دماء أبناء الجزائر أياً كان صفهم. فالمسألة ليست إذن مسألة شكل أو أرقام بل هي مسألة اجتهاد وايجاد السبل والوسائل الكفيلة باخماد نار الفتنة. ويبدو، يا سيدي، أن سؤالك ما زال بعيداً كل البعد عما يطمح إليه أبناء الجزائر من أمن واستقرار ووئام وتآخ وتسامح. وأعتقد ان من واجب كل الارادات المهتمة بما يجري في الجزائر والتي نكن لها الخير أن تسعى جادة الى جانب أبنائها وتساهم بقسطها في وقف النزف وتغليب المثل السامية التي دعا اليها ديننا الحنيف.
نأتي الآن الى الأرقام. قد يكون الرقم الأول الذي فاه به رئيس الحكومة السابق لا يعني إلا الأرواح التي ذهبت ضحية مباشرة مرفوضة للارهاب، وما جاء الرقم الذي لجأت إليه كعربون احصاءات قداستها قداسة آية قرآنية. لكنني لجأت الى تقدير شمولي في احصاء ما أريق من دماء كل الجزائريين في هذا الطرف أو الطرف الآخر. ولا أخالني بعيداً عن حقيقة حجم المأساة الوطنية. أما الاتصالات التي تشيرون اليها بين المؤسسة العسكرية وجهات أخرى خارجة عن الطاعة والقانون، من الجائز قد تحصل، لكن أغلب ظني أنها أقرب الى تعقيدات الروايات البوليسية المثيرة من حقائق حوادث الميدان التي تبقى في كل الحالات جارحة للوطنية ومؤلمة للضمير.
ما هي الخطوات الى مصالحة وطنية حقيقية بعد إقرار قانون الوئام؟ وما الفرق بين كلمتي المصالحة والوئام؟
- تتمثل هذه الخطوات في تطبيق القانون بعد قطع المراحل الضرورية وأبرزها مرحلة الاستفتاء. ومرة أخرى أراك تهتم بعد الأرقام بالألفاظ، كأنك لا تكترث بما هو منشود من وراء هذه الألفاظ، أي خلاص شعب من محنة ساهم في تعقيدها بقدر معتبر بعض الدوائر في الداخل وفي الخارج لأهداف لا تخفى عنا. وأما بخصوص الخطوات فانني تعجبت لانعدام اطلاعك على كل ما تم القيام به منذ 15 نيسان ابريل من أجل إحلال الوئام المدني. ومهما يكن من أمر فإن إحلال الوئام يندرج ضمن مسار طويل شاق ومعقد حيث يتطلب تضافر جهود كل الإرادات الخيرة.
يبقى أن من مخلفات الأزمة وتعقيدها ما استعمل كعنف اصطلاحي بين الأطراف التي تنتمي الى مشارب المصالحة الوطنية ومشارب الاستئصال والاجتثاث، والى جانب ما كنا نعاني ميدانياً وهو ما لا نحسد عليه كان يزيد الطين بلة ما يستعمله هؤلاء وهؤلاء من مصطلحات أصبحت مرفوضة عند هؤلاء وهؤلاء. وحتى في المجال اللغوي أصبح لزاماً علينا في منأى عن كل مجمع لغوي أن نلجأ الى تعابير جديدة نقصد بها الذهاب مباشرة الى الجوهر على حساب الكلمة والغلاف. من رفق لديكم بمحنة شعبنا وجزائرنا ولا آخالكم تتلذذون بما نصاب به بالمزيد من الكوارث.
عفا الرئيس الجزائري عن آلاف السجناء الضالعين في قضايا ارهابية. فما هي الكلمة التي توجهونها الى الاسلاميين الجزائريين الفارين الى الخارج؟ وهل يمكن أن يصدر عفو عنهم في حال عودتهم من المنفى؟ وما هو وضع الشيخ رابح كبير المسؤول عن الهيئة التنفيذية ل"الانقاذ"، علماً أنه من أشد مؤيدي الهدنة والقاء السلاح، وهو محكوم عليه بالإعدام لادانته بالتورط في عملية تفجير مطار هواري بومدين في آب اغسطس 1992؟
- الجزائر مفتوحة لجميع أبنائها الذين يحترمون الدستور وقوانين الجمهورية. كل جزائري مسلم ونحمد الله على ذلك ومن ثم لا فرق بين اسلامي أو لائكي أو علماني، الجزائريون سواسية أمام القانون. وأي شخص بريء من أي تهمة تتعلق بسفك الدماء والاغتصاب أو تفجير المفرقعات في الأماكن العمومية بامكانه أن يعيش في بلده آمناً مطمئناً. وعلى أي حال فإن لرئيس الجمهورية صلاحيات يلجأ اليها عند الاقتضاء بعد صدور الحكم القضائي الذي لا بد من القيام به طبقاً لقوانين الجمهورية.
تبقى هناك اجراءات أخرى سارية المفعول، تطبق على من حكم عليهم غيابياً. ولا أخفي عليك ان المحاكم قد تنازلت كلياً عن أحكام ثقيلة كانت صدرت من قبل غيابياً، وأعيد النظر فيها بمجرد مثول المتهمين أمام القضاء.
دار لقمان
هل هناك قوى تعارض المنحى التصالحي الحالي؟
- من الأكيد ان بعض الأفراد المتطرفين أو بعض الدوائر السياسية، لم يقتنع بعد بمضمون هذا القانون. ولعل انعدام الثقة الذي طبع العلاقة بين قيادة السلطة والشعب في السنوات الماضية هو السبب الرئيسي في تردد بعضهم، أما عامة الشعب فانها مع هذا القانون كما يبدو لي، وسنتأكد من ذلك من خلال نتيجة الاستفتاء. ومهما يكن فإن الجزائر اليوم بحاجة الى الوئام والعدالة والديموقراطية والنمو الاقتصادي وليست بحاجة الى المناورات التخريبية الهدامة.
هناك اتجاهات لا تجد مصلحتها إلا في بقاء دار لقمان على ما هي عليه من حال. وهي تنتفع مباشرة أو غير مباشرة من استمرار الأوضاع التي أصبحت تجارة مربحة لها تسمح في الوقت نفسه بالفصاحة والتشدق بالكلمات والتنظير. وهناك أطراف أخرى لم تخرج بعد من المراحل الانتقالية ولم تعط لاستقالة للرئيس زروال معناها الحقيقي في فتح المجال نهائياً امام المنافسة الحرة الديموقراطية للوصول الى سلطة الدولة. وما زالت هذه الأطراف تتعامل من منطلقات ولت، تتجاهل تارة فيها مؤسسات الدستور وترجع اليه تارة أخرى كملجأ أساسي، وتنوجد في مؤسسات الدولة من برلمان الى غير ذلك وتدعو في الوقت نفسه الى عقد المؤتمرات الشعبية بغية الوصول الى المصالحة الوطنية. إن للدولة أسساً وأركاناً ومراجع دستورية ومؤسسات وصلاحيات، وهي الجديرة وحدها بجمع الظروف المناسبة لإقناع الجميع بضرورة السلم المدني والمصالحة والوئام كمنطلق لا بديل منه لتنشيط الحياة الاقتصادية والاجتماعية وإعادة العزة والكرامة الى المواطن وإرساء الجزائر في مكانها من الإعراب في حظيرة الدول والأمم.
قال وزير الخارجية السابق الدكتور أحمد طالب الابراهيمي انه لا يعارض تقديم مساعدة الىكم إذا طلبتموها منه. فهل هناك امكان للتعاون بين رئيس الجمهورية ومنافسيه المنسحبين من الانتخابات؟ وكيف ترون امكان حصول مثل هذا التعاون؟
- لعلني عانيت من التهميش فترة طويلة من الزمن وأعرف مدى المرارة التي يعيشها المواطن في مثل هذه الحال. وثق بأنني لا أرد مساعدة إذا كانت مفيدة، خصوصاً من أصحاب التجارب الواسعة. وثق كذلك بأني لا أتردد في طلب المساعدة من أي جزائري إذا رأيت أنه يمكن أن يقدمها. واني مقتنع تماماً بأن الجزائر حافلة برجال ونساء قادرين على العمل جاهدين من أجل الخروج ببلادهم من المأساة والأزمة التي تعيشها منذ منتصف الثمانينات. التقيت كثيراً منهم أثناء الحملة الانتخابية فأيدوا برنامجي وهم الآن مستعدون تمام الاستعداد للمساهمة في إخماد نار الفتنة وهذا ما يجعلني متفائلاً بمستقبل هذا الوطن الغالي.
لا تعديل دستورياً
هل كانت لكم ملاحظات على أداء المؤسسات الدستورية في العهد الفائت؟ وهل تنوون اجراء تعديلات على الدستور مثلا؟
- تعديل الدستور غير وارد الآن، والمؤسسات الدستورية السابقة قامت بواجبها قدر المستطاع وتستحق منا التقدير والإكبار. لقد حافظت على استمرار الدولة، وسن القوانين التي بفضلها وصلنا الآن الى الديموقراطية التعددية وأي مؤسسة مهما كانت متكاملة لا تسلم من الملاحظات، والفضل في انطلاقتنا اليوم يعود الى تلك المؤسسات على اختلاف اختصاصتها.
ومهما يكن فإن متطلبات المرحلة تقتضي التقويم والتحليل الموضوعيين وليس المزايدة واصدار أحكام لا تسمن ولا تغني من جوع.
غطى الارهاب والمواجهات المسلحة على أزمات أخرى تعيشها الجزائر، البطالة، تراجع الانتاج الوطني، أزمة الشباب، السكن، هل من خطة لمعالجة هذه المشكلات؟ وبماذا تعدون شباب الجزائر؟ وهل تشركهم في السلطة؟
- لقد أعلنت بعد الفوز مباشرة في الانتخابات أن لدي محاور أساسية: المحور الأول هو استعادة الأمن والمحور الثاني هو التنمية، والتنمية تعني كل شيء ولكنها لا يمكن أن تتحقق من دون الأمن والطمأنينة والاستقرار. إن الأزمات التي ذكرتها تراكمت عبر سنوات طويلة من بداية الثمانينات واستفحلت في التسعينات وتعمقت مع الارهاب. ليس لدينا خاتم سحري لتوزيع الرفاهية على ثلاثين مليون جزائري بين عشية وضحاها، ولكن بالامكان التخفيف من هذه الأزمات والقضاء عليها تدريجاً والمسألة ليست مستحيلة. إن الجزائر غنية فعلاً بالامكانات الطبيعية والبشرية في وقت واحد ومجالات الانتاج خارج المحروقات ما زالت بكراً، والاستثمار الوطني والأجنبي بامكانه ان يحدث قفزة في الميدان الاقتصادي.
هل تنوي تجديد شباب جبهة التحرير؟
- تسألني كأنك لا تعلم أن الجزائر دخلت عهد التعددية. وهو عهد جديد يفسح الفرص لكل أبناء الجزائر أياً كانت انتماءاتهم السياسية للمشاركة في النهوض ببلادهم. وإذا قصدت التنظيمات الشبابية التي تنتمي الى حزب جبهة التحرير الوطني فعليك أن توجه سؤالك الى قيادة هذا الحزب الذي ترعرعت فيه ولست عضواً مناضلاً في قيادته مهما بقي في وجداني من رواسب التعلق بالحركات ذات الاتجاه الوطني والقومي.
الجيش والصلاحيات
الى متى يبقى الجيش جزءاً من اللعبة السياسية؟ وكيف تصف علاقتكم بالمؤسسة العسكرية؟
- اراك تصدر حكماً كأنك تتجاهل ما حدث في الجزائر منذ انتخابات 1995. هذه مسؤولياتك أمام القارئ الكريم ولن تراني أشاطرك الرأي. الواقع ان مهمة الجيش الدستورية واضحة وهي المحافظة على السيادة الوطنية وعلى الوحدة الوطنية، وعلى الطابع الجمهوري للدولة. الواقع كذلك ان للجيش الوطني الشعبي دوراً أساسياً في إنقاذ الدولة من الانهيار نتيجة التلاعبات السياسية بمقومات الهوية الوطنية والعواطف الدينية لهذا الشعب الغيور على اصالته. لكن ذلك لا يعني نفي الميول والقناعات لأفراد الجيش، فهم أولاً وأخيراً مواطنون يتمتعون بكامل الحقوق كبقية المواطنين، ومن حقهم أن يختاروا وان تتكون لكل فرد منهم قناعاته الخاصة التي يلتقي فيها مع الآخرين أو يختلف بها عنهم، وهذا من علامات التعددية والديموقراطية التي نحن بصدد بنائها. وعلاقتي بالمؤسسة العسكرية علاقة دستورية لا أكثر وأقل. أوَ لمستم في تصرفاتي من تنازل عن صلاحياتي الدستورية كاملة غير منقوصة؟ لن يكون هذا اليوم ولا غداً، مهما كلفني ذلك.
كيف تصفون علاقتكم بالبرلمان الحالي بغرفتيه؟ وهل تنوون الدعوة إلى انتخابات مبكرة؟
- أكدت أكثر من مرة أن الدعوة إلى انتخابات تشريعية أو محلية مبكرة ليست في مقدمة الأولويات. وليس من طبعي نقض تصريح بتصريح أو تغيير موقف بموقف ما دامت الظروف عادية ولا تدعو إلى مثل هذا التغيير، والعلاقة بين الرئاسة والبرلمان بغرفتيه تحكمها القوانين والمصلحة العليا للوطن.
الاتحاد المغاربي
هل من أمل باستعادة الاتحاد المغاربي حيويته؟
- محكوم علينا أن نتعاون في المغرب العربي لإعطاء الحيوية اللازمة لهذا الاتحاد. وبقطع النظر عن التكتلات المتنافسة في الساحة الدولية، فإن تكتل أقطار المغرب العربي تفرضه حقائق عدة لا يمكن تجاهلها، فاللغة واحدة، والدين واحد، والتاريخ واحد، والجغرافيا واحدة، والطموحات واحدة، وشعوب المغرب العربي لها مصير مشترك أحبت أم أبت. وبالتالي لا يمكن الصعوبات الظرفية العابرة اياً كانت وتعقيداتها أن تمنع مواصلة مسار بناء اتحاد المغرب العربي الذي يشكل حتمية تاريخية واقتصادية ستتحقق، طال الزمن أم قصر، بفضل ما ستبذله الأجيال من المجهودات المتواصلة.
الصحراء الغربية نقطة رئيسية في الخلاف مع المغرب، فما هو موقفكم من الدعوات المغربية للجزائر الى وقف دعمها لجبهة البوليساريو؟
- ليس هنا أي خلاف ثنائي بين الجزائر والمغرب بخصوص الصحراء الغربية، فموقف الجزائر في هذا الشأن كان دائماً موقفاً مبدئياً وما زال الأمر كذلك حيث لا نخرج ولن نخرج عما سيفضي إليه الاستفتاء الذي سيجري وفق قرارات الأمم المتحدة واتفاقية هيوستون المبرمة بين الطرفين المعنيين تحت إشراف الأمم المتحدة. والجزائر ستحترم القرار الذي سيصدره الشعب الصحراوي بكل حرية.
روجت صحف جزائرية مراراً في السابق ان الجماعات المسلحة الجزائرية تستخدم أراضي المملكة المغربية نقطة انطلاق للعبور إلى الجزائر. وقالت الصحف أيضاً إن المغرب يغض الطرف عن نشاط هذه الجماعات، فهل أنتم راضون عن مستوى التعاون الأمني بين المغرب والجزائر؟
- من الأكيد أن ما ينفع الجزائر ينفع المغرب وما يضرها يضره، والعكس صحيح. لا اريد ان أعود إلى تصريحات سابقة وأقوال صحف في أيام مضت. ما يهمني هو النية الصادقة للتعاون بين البلدين.
لقد تبادلت المراسلة مع أخي الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراه، وأنا على ثقة بأنه كان، رحمه الله، يكن لي وللجزائر من المحبة والتقدير ما أكن له ولشعبنا في المغرب الشقيق من محبة وتطلع إلى مستقبل زاهر للبلدين. ومن الأكيد أن أسباب التلاقي والتآخي والتضامن أعمق من عوامل الاختلاف. ولذلك فإن التعاون بين الجزائر والمغرب سيعود إلى مستواه الطبيعي مرضياً نافعاً في كل الميادين وهذا ليس صعباً ولا مستحيلاً على أي طرف، إذا تضافرت الجهود من أجل تغليب منطق التعاون وحسن الجوار بين البلدين.
ما هو الوضع الحالي للعلاقات مع المغرب؟ هل ستفتح الحدود قريباً؟
- ستجيبك الأيام المقبلة وما غد لناظره ببعيد.
ما الجديد في العلاقة مع ليبيا بعد حل أزمة لوكربي؟
- علاقة الاخوة باخوتهم ولا يمكن ان تكون إلا كذلك. لقد قلت وأعيد أن الحصار الذي تعرضت له ليبيا الشقيقة كان حصاراً ظالماً وجائراً ومن خلاله يظهر الكيل بأكثر من كيل من طرف القوى الكبرى في العالم، وليبيا لم تكن وحدها محاصرة، كنا جميعاً محاصرين، لم أكن في الحكم وكنت أتألم كمواطن عربي من هذه المعاملة.
وأمام هذا الجور في التعامل مع الدول النامية، يتعين علينا أن نتضامن وأن نتحد وأن نتكتل، لكي نكون قادرين على الاندماج في سياق العولمة.
ما هو الدور الذي تنوي الجزائر لعبه على الصعيد العربي؟ الموقف من القمة العربية؟ من احتمالات التسوية؟ من قضية فلسطين؟ من الحصار على العراق؟
- جميع هذه الأسئلة تتعلق بسؤال واحد، حال العرب اليوم؟ هي حال حزينة لكنها ليست قاتلة، نحن في خندق واحد مع كل العرب. طموحنا واحد، كرامتنا واحدة، وكآبتنا واحدة، وتمزقنا واحد، وسنعمل بكل قوة مع بقية القادة العرب على إثبات وجودنا وتأكيد كياننا، والمصالحة الشاملة، ثم يأتي التفكير الجدي في القمة العربية والتنسيق الفعال في تسوية قضية فلسطين تسوية عادلة، ورفع الغبن والتجويع عن شعبنا في العراق. إن حضارتنا بالأمس وإمكاناتنا لا تسمح لنا باحتلال المؤخرة دوماً وإلى الأبد.
هل يمكن الجزائر إستعادة نفوذها الافريقي والعالمي؟
- نحن لا نطمح إلى مثل هذا الدور، لكننا نرفض أن نكون غائبين عن صنع الحدث، نرفض أن نكون مجرد تابعين خاضعين لأوامر، ومكانتنا التاريخية والجغرافية تعطينا أهلية الحضور والمشاركة وإبداء الرأي. لقد ولى عصر الزعامات ولسنا في حاجة إلى برستيج ولا أبهة، نريد فقط أن نكون موجودين، وأن يكون وجودنا محترماً، وأن نتعاون مع الأشقاء ونضع معهم حداً لتجاوزات الآخرين.
هل تنوي القيام بزيارات لدول عربية؟ من هي ومتى؟
- لديّ علاقات شخصية متينة طيبة مع جميع القادة العرب والزيارات تفرضها أحداث وظروف دعها حتى تقع.
تحسن مع فرنسا
أعرب الرئيس الفرنسي عن سعادته بزيارة الجزائر عندما تسنح الظروف، هل هناك اتصالات لزيارة قريبة؟
- من الأكيد أن العلاقة بين الجزائر وفرنسا بدأت تتماثل للتحسن. ونحن نمد يد الصداقة والتعاون الى كل من يريد ذلك، وعلى الأخص فرنسا، بقدر ما تجنح للتعاون معنا آخذة في الاعتبار مقتضيات الحاضر وتطلعات المستقبل من دون نسيان الماضي.
لماذا تركيز النقد أحياناً على فرنسا ورئيسها وليس على غيرها من الدول الغربية التي تتخذ مواقف مماثلة؟
- لسبب بسيط جداً هو ان عدداً من الدول الغربية اتخذ منا مواقف بعيدة عن الصداقة مقلداً في ذلك فرنسا، ولذلك قلت إننا نحتفظ بالصداقة للدول الغربية التي عبرت عن ذلك، كما نحتفظ بمواقف أخرى للدول التي كانت لها ازاءنا مواقف لا توصف بالصداقة، والغريب أنها كانت في تلك المواقف مجرد تابعة.
تعودون إلى السلطة بعد غياب عقدين، تبدل فيهما العالم جذرياً، كيف تنظر إلى العالم الجديد، وكيف تتعامل مع قواعد اللعبة الجديدة سياسياً واقتصادياً وثقافياً؟ وإلى أي مدى يشدكم الحنين إلى الماضي؟
- لم أكن ضمن جماعة أهل الكهف حتى أفاجأ بالعالم الجديد. لقد كنت اتابع الأحداث العالمية متفرجاً متأملاً دارساً في صمت ومقارناً، ولعلني من هذه المواقع كنت مدركاً أكثر لعمق هذا التبدل، ومن الأكيد ان آليات التعامل مع العالم الجديد لم تقض كلية على القيم الإنسانية والحكم الخالدة، ومن هنا فإني متعلق بالحكمة القائلة: لا تكن ليناً فتعصر ولا يابساً فتكسر.
أما حنيني إلى الماضي فيتمثل في رغبة اصلاح السلبيات القديمة لو كان ذلك ممكناً وتحاشيها حاضراً. كما انني أحن إلى تنفس انسام العزة والكرامة لإعادة توزيعها من جديد على أبناء جلدتي وعلى المستضعفين في الأرض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.