قال الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة أن مسعى الوئام المدني "لم يفشل وأنه جار في الطريق الذي أراده الشعب". واعتبر في حديث الى "الحياة" ان أعمال العنف التي تحصد أرواح العشرات عمل "ترهيب" يهدف الى "تعكير الجو الايجابي جداً الذي نشأ منذ تطبيق قانون الوئام المدني" كما يراد به "التأثير على من اقتنع بالمسعى وأراد وضع السلاح". وعن المطالب بتمديد مهلة قانون الوئام المدني التي تنتهي في 13 كانون الثاني يناير المقبل، شدد الرئيس بوتفليقة على انه "من حيث المبدأ لا أملك ان أمدد أو أقلص أي وقت مما حدده القانون". وأضاف: "هذا أمر لا مساومة فيه حيث يتعلق بهيبة الدولة وصدقيتها". وتناول في حديثه العلاقات مع المملكة المغربية وفرنسا، واعتبر ان الحديث عن العلاقات مع اسرائيل أخذ أهمية لا يستحقها في الوقت الراهن. كيف تنظرون الى تصاعد اعمال العنف في الفترة الاخيرة، وهل يعني ذلك فشل مسعى الوئام المدني الذي باشرتموه مذ تموز يوليو الماضي؟ - اشكركم على تمنياتكم وتهانيكم لمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، وأبادلكم هذه التهاني والاماني التي اقدمها من خلالكم الى قرائكم الكرام. كما انني اشكركم شكراً جزيلاً على سؤالكم الموجّه المغرض. اما بالنسبة الى سؤالكم، فإن مسعى الوئام المدني لم يفشل ابداً، انه جار في الاتجاه الذي أردناه وأراده الشعب الجزائري. فنجاحه يكمن في انه فسح المجال بالنسبة الى من رفعوا السلاح في وجه مجتمعهم، ليتحملوا مسؤولياتهم كاملة. فكان ان تبين الخيط الابيض من الخيط الاسود، فعاد الى جادة الصواب من كان فعلاً يريد مخرجاً مشرفاً ويبحث عنه. وهناك العنف، واعتبر انه بلغ نقطة اللارجوع، فقطع على نفسه طريق الرجعة. وهذا امر مؤسف حقا لان مسعى الوئام المدني فتح فعلاً آفاقاً سياسية وقانونية لم تكن متوافرة من قبل. ويعلم الله انني زرعت في المجتمع الجزائري بذور الصفح والتسامح، بل اكثر من ذلك شيئاً من التفهم الذي لا يصل الى حد التبرير، لان الذي وقع لا مبرر له ولا يمكن ان يغفر هذا بجرّة قلم ليصبح كأنه لم يكن، ومع ذلك وجد الشعب الجزائري طريقاً الى المصالحة. اما عن اعمال العنف، فإنني احيلكم الى ما كنت قلته قبيل استفتاء الشعب الجزائري على مسعى الوئام المدني في 16 ايلول سبتمبر 1999 من ان الوئام ونهاية العنف لن يكونا بأي حال من الاحوال يوم 17 ايلول 1999، وان العملية ستحتاج الى وقت والى تضحيات جديدة. لذلك فإن ما يجري الآن ليس سوى عمل يريد ويُراد به تعكير الجو الايجابي جداً الذي نشأ منذ تطبيق مسعى الوئام المدني. بل القصد هو التأثير على من اقتنع بالمسعى وأراد وضع السلاح، وهذا يدخل في عملية ترهيب، كما ان القصد واضح: ان المواقف التي اتخذت عن قناعة لمواجهة ما يجري، مواجهة فيها عنصر جديد هو الدعم الشعبي الكامل مما يؤدي حتماً الى عزل اكثر ونهائي لدعاة العنف. وهذا وحده كفيل بتقليص نشاطهم تدريجياً. أثار مقتل عبدالقادر حشاني تساؤلات عن الجهات التي نفّذت العملية. هل هناك توضيحات جديدة عن الجهات التي دبّرت العملية؟ - قلت ان اغتيال عبدالقادر حشاني آلمني كثيراً لان عملية مسعى الوئام المدني تفقد احد الاقطاب الذين عملوا بجد واخلاص لاحلال سياسة السلم في المجتع الجزائري، هذه السياسة التي يحتل فيها مسعى الوئام المدني حيزاً مهماً. ان هذه العملية الشنعاء وان تم القبض على مباشر ارتكابها ما زالت بين ايدي المحققين، للوصول الى معرفة مدبريها. قبل اشهر من انتهاء آجال قانون الوئام المدني تعالت اصوات تعلن محدودية القانون وانه غير كاف كلام السيد محفوظ نحناح. فهل ينتهي الوئام المدني بعد 13 كانون الثاني يناير ام ان هناك كيفيات اخرى لتفعيل هذا المسعى؟ - القول ان المهلة التي حددها القانون لتحقيق مسعى الوئام المدني غير كافية يُرد عليه بأن المهلة حُددت وُنصّ عليها في قانون صادق عليه البرلمان بغرفتيه، وحظي بتأييد شعبي منقطع النظير. وهذا امر يجعل امانة اخرى في عنقي، وهي تتمثل في التزام ما ينص عليه القانون. وعليه فانني من حيث المبدأ لا املك ان أمدّد او أقلّص اي وقت حدّده القانون. وهذا أمر لا مساومة فيه، اذ يتعلق بهيبة الدولة وصدقيتها. قلتم انكم ستستعملون كل الوسائل المتاحة لدى الدولة بعد 13 كانون الثاني وانكم لن تأخذوا في الاعتبار احتجاجات الدول. هل يعني ذلك ان الجزائر مستعدة للتخلي عن شركائها الاجانب في تطويق ظاهرة الارهاب؟ - انني لا أقبل الربط الذي جاء في سؤالكم بين محاربة الارهاب والتعامل مع الشركاء الاقتصاديين الاجانب. عناصر الاجابة توجد في سؤالكم، وهي مسألة الاحتجاجات التي يمكن ان تصدر من هؤلاء او اولئك عند استعمال الوسائل الملائمة لاستئصال الارهاب من المجتمع الجزائري. فلو تتبعت بواعث مسعى الوئام المدني ومراحله لتبين لك ان من يبقى في الساحة رافضاً مناوئاً للمسعى يعرف نفسه مجرماً يقع تحت طائلة القانون، لان الدولة تكون قد استنفدت كل السبل والوسائل السياسية والنفسية، ولا يبقى امامها سوى التصدي للجريمة بما تستدعيه من وسائل لقلع جذورها. ولن يلوم الجزائر كدولة تفرض عليها سيادتها القيام بكل واجباتها في حفظ السلام والامن، سوى من يدعم، بطريقة او بأخرى، الجريمة في الجزائر، ويغطي ذلك بكلام مزعوم عن كفالة "حقوق الانسان". لذلك فان التصدي للجريمة عمل من صميم صلاحيات الدولة، وكل من ينكر هذا يضع نفسه ضمن دائرة الجريمة كفاعل اصلي او كشريك. اما شركاء الجزائر فانهم يفهمون ولا شك ان الشراكة تعني تبادل المصالح، ويفهمون ايضاً ان صلاحيات الدولة محددة ومتعارف عليها، وليس لهم ان يربطوا بين التصدي للجريمة وعملهم كشركاء الا بالقدر الذي يخصّ امنهم فقط، وهذا ايضاً يدخل ضمن مهمات الدولة. وستضطلع الدولة بكل مهماتها في هذا المجال وفي غيره من المجالات. التقيتم مسؤولي احزاب الائتلاف قبيل الاعلان المرتقب عن الحكومة الجديدة. هل بالامكان معرفة طبيعة هذه الحكومة وما هي الرهانات التي ترفعونها من خلال هذه الحكومة؟ وما هي المقاييس التي اعتمدتم عليها في تشكيلها؟ - ان المشاورات جارية مع مسؤولي الاحزاب المتمثلة في البرلمان وسيتم اعلان تشكيلة الطاقم الحكومي قريباً. اما عن الرهانات فإنها تنصب اول ما تنصبّ على ما يكون لهذه الحكومة من قدرة على العمل الجماعي المنسق، والكفاءة اللازمة لتطبيق البرنامج الذي زكّاه الشعب الجزائري عندما منحني ثقته. فالمقاييس اذن تتمثل في اشتراط المؤهلات الاخلاقية والوطنية والعلمية. العلاقات الجزائرية - المغربية تعود مرة اخرى الى السطح. هل هناك مساع لاعادة العلاقات بين البلدين الى مسارها الطبيعي، وهل صحيح ان الجزائر قبلت بعقد القمة المغاربية في عاصمة اخرى؟ - مسألة العلاقات بين الجزائر والمغرب الشقيق من القضايا الاساسية التي تنال عندنا كل الاهتمام، وانها لا تعود كل مرة الى السطح لانها دائماً على السطح. هناك اتصالات لم تنقطع بيننا، وكل طرف يصرح بنية تذليل الصعاب من اجل تناول الملفات المعلقة بين البلدين. ان الامل كبير في ان تُحلّ المشاكل لتعود العلاقات الى المستوى اللائق الذي يرجوه البلدان معاً. انني، في ما يخص بلادي، لن اقبل الانسياق الى العودة الى الاساليب القديمة التي اعتمدت الى حدّ الآن في التعامل مع تقلبات العلاقات بين الجزائر والمغرب، وهي الاساليب التي لا تخرج عن نطاق العواطف. انه بات من واجبي ان ابحث، في معالجة علاقاتنا مع هذا البلد او ذلك من البلدان المغاربية، عن اعتماد الأساليب والمعايير والضوابط نفسها التي اعتمدتها البلدان الاوروبية في ما بينها. فلا بد لنا من الخروج من الطقوس الاحتفالية العاطفية الى معالجة القضايا والمشاكل بما هو مطلوب من المنهجية والعقلانية من خلال بعث عمل اللجان، وحملها على اداء ما عليها من تحضير جاد نزيه لاتخاذ القرارات المنتظرة على مستوى اعلى المسؤولين. اما بالنسبة الى القمة المغاربية والمكان الذي ستعقد فيه، فان ذلك ايضاً يدخل ضمن المساعي القائمة لتصفية الاجواء. يتردد من حين الى آخر ان هناك اتصالات ولقاءات مع المسؤولين الاسرائيليين. هل هناك، فخامة الرئيس، مثل هذا النوع من الاتصالات سواء سراً او علناً، وما الذي يمنع اقامة علاقات تجارية محدودة في الوقت الراهن؟ - ان قضية العلاقات مع اسرائيل اخذت من الاهمية ما لا تستحق في هذا الوقت. وانني اتعجب من اعادة طرح اسئلة كان جوابنا علينا صريحاً وواضحاً، ولا يقبل اي تأويل في اي اتجاه كان. ليس هناك اي اتصال، لا سراً ولا علناً. ان موقفنا واضح في هذا الصدد: لا يمكن ان نقيم علاقات من اي نوع كان الا ضمن الاطار الذي حددناه مرات ومرات، وهو الاطار الذي يضمن تحقيق سلم حقيقي بين العرب واسرائيل. موقفنا مبدئي من الوجهة القومية والتماشي مع الشرعية الدولية. من الجهة القومية فلن نُستعمل، لا اليوم ولا غداً، ورقة ضغط تقلص من امكانات المناورة لأشقائنا في سورية ولبنان وفلسطين. ولن تستعمل الجزائر لعزل اشقائها. اما من ناحية الشرعية الدولية، فلا مناص لاسرائيل من تطبيق قرارات مجلس الامن بمغادرة لبنان من دون قيد وشرط، ولا مناص لها من عدم المساس بوحدة سورية وترابها بمغادرة الجولان، ولا مناص لها من اعطاء الفلسطينيين حقهم في دولة مستقلة ذات سيادة كاملة، وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين. وبالتالي أرى ان موقفنا توأم لموقف المملكة العربية السعودية على سبيل المثال من جملة اقطار عربية اخرى. على رغم التحسن الكبير في العلاقات الجزائرية - الفرنسية، على مستوى الموفدين، الا ان ذلك لم يصل بعد الى تهيئة الظروف لعقد قمة بين مسؤولي البلدين. ما هي الملفات ذات الاولوية التي تتوجب معالجتها، وهل تنوي الجزائر توسيع علاقاتها مع فرنسا في الجانب العسكري؟ - ان موضوع العلاقات الجزائرية - الفرنسية موضوع متشعب ودقيق لاعتبارات عدة منها السياسية ومنها الاقتصادية ومنها حتى التاريخية والثقافية، مما يدل دلالة قاطعة على ان هناك ملفات في حاجة الى اعداد وترتيب. وكذلك هناك مواقف يجب ان تتضح، كما ان هناك احكاماً مسبقة يجب ان تزول من حيث اتت. اننا حريصون على اقامة علاقات متينة مع فرنسا، علاقات تبنى اولاً وقبل كل شيء على المصالح المشتركة والمنفعة المتبادلة. واذا تمكّنا من جعلها ممتازة ومتميزة في هذا الاطار من المنفعة والمصلحة المشتركتين، فلمَ لا؟ اما الاولويات فانها غير مطروحة من جانبنا كشرط مسبق. كل ما في الامر ان ذلك متروك للخبراء عند تحديد جداول الاعمال التي توضع بموافقة الدولتين.