وأخيراً أصبح الحلم واقعاً، وحقق الملاكم البريطاني لينوكس لويس ما كان يصبو اليه منذ انطلاق مسيرته الاحترافية في العام 1989 وهو توحيد اللقب العالمي للملاكمة في الوزن الثقيل بعد فوزه على الاميركي ايفاندر هوليفيلد بالنقاط باجماع آراء الحكام. وكان لويس حرم من حقه في اللقب العالمي في الثالث عشر من آذار مارس المنصرم على حلبة ماديسون سكوير غاردن في نيويورك عندما اعلن الحكام تعادله وهوليفيلد مع انه كان متفوقاً على خصمه تفوقاً واضحاً بشهادة نقاد الملاكمة والمتفرجين على حد سواء. وجاء فوز لويس عشية الألفية الثالثة تتويجاً لمسيرة حافلة بالانجازات والعقبات خاض فيها بعد احترافه 37 مباراة ففاز في 35 مباراة منها 27 بالضربة القاضية وتعادل في واحدة وخسر واحدة، وسبق للويس ان احرز ذهبية الملاكمة للوزن الثقيل في أولمبياد سيول 1988 بعد اسقاطه الاميركي ريديك بووي بالضربة القاضية، وكان لويس يومذاك يحمل الجنسية الكندية. وإثر اعلان فوز لويس عمت الفرحة بريطانيا التي سهرت حتى الصباح لمشاهدة المباراة لأن اللقب عاد اليها بعد غياب طويل جداً، فآخر بريطاني احرز اللقب هو بوب فيتز سيمونز وكان ذلك في العام 1897. وآخر من احرز اللقب العالمي قبل لويس كان الاميركي ريديك بووي عندما هزم هوليفيلد في 13 تشرين الثاني نوفمبر 1992... ومع ان لبووي ثأراً على لويس، فقد رفض مواجهته واضطر الى التخلي عن حزام المجلس العالمي للملاكمة ورماه في القمامة. صحيح ان فرحة البريطانيين بفوز لويس كانت غامرة، لكنها لا تعادل فرحة فيوليت والدة لينوكس التي جلست الى جانبه في المؤتمر الصحافي الذي عقد بعد المباراة، وفي تلك اللحظة الرائعة قد يكون شريط الأيام الصعبة مرّ في ذهنها فتذكرت كيف كانت تنوي في شتاء 1964 اجهاض البطل يوم كان جنيناً في احشائها لأن والده تخلّى عنها، لكنها عدلت عن رأيها تحت إلحاح زميلاتها الممرضات في احد مستشفيات شرق لندن... وقد هاجرت مع وليدها الى كندا وغمرته بحنانها وسهرت على رعايته وتنشئته، وهو مدين لها بما وصل اليه الى كونه يعتبرها ملاكه الحارس. والمباراة التي خاضها لويس وهوليفيلد تميزت بالندية مع ارجحية طفيفة لمصلحة الأول، ومع ان البطلين قدّما عرضاً جيداً وبذلا كل ما بوسعهما حتى اللحظة الاخيرة فان المباراة لم ترق الى مستوى المواجهة بين محمد علي وجو فرايزر. وقد أعلن لويس بعد المباراة "هذا اللقاء كان اصعب من لقائنا على حلبة ماديسون سكوير غاردن لأن هوليفيلد استفاد من الدرس الماضي، وعرف كيف يتكيف مع اسلوبي في الملاكمة، لذا كان دفاعه افضل، وقد عرف كيف يسدد اليّ لكمات قوية. طوال مسيرتي الاحترافية كنت اعتبر نفسي في مهمة واليوم اعتبر انني أنجزت المهمة". ولويس الذي يصح ان نطلق عليه العملاق الجنتلمن، يمتاز بسلوك نموذجي على الحلبة وخارجها، فهو يحترم منافسيه، ولا تتملكه شهوة تدميرهم على غرار مايك تايسون مثلاً، ولم يؤثر عنه طوال حياته 34 عاماً انه قام بتصرف مشين او مخل بالنظام. وقد أوقفه رجال الشرطة مرة واحدة وذلك إثر عودته من كندا بعد احرازه ذهبية الملاكمة في اولمبياد سيول وكان يقود سيارة مرسيدس في ساعة متأخرة من الليل. في تلك الفترة لم يكن لويس معروفاً في الأوساط البريطانية. ولدى سؤاله هل هو صاحب السيارة اجاب بالنفي فطلب منه رجال الشرطة ان يخرج من السيارة. وحاول لويس جاهداً ان يشرح الموقف، فالسيارة التي يقود تخص مدربه وهي لاستعماله الشخصي ولكن جهوده باءت بالفشل لأنه كان يتعذر الاتصال بمدربه. وقد قاده رجال الشرطة الى السجن حيث قضى ما تبقى من الليل من دون ان يتشاجر معهم شأن سواه من ابطال الملاكمة، وفي صبيحة اليوم التالي تم الاتصال بالمدرب وتوضحت الصورة فاعتذر منه رجال الشرطة وأصرّوا على الفوز بتوقيعه للذكرى. ويمتاز لينوكس لويس بأناقته وهو يحرص على اختيار ملابسه من المخازن الراقية لكبار مصممي الأزياء، وهو يعيش حياة مترفة من غير اسراف اذ بلغ دخله من مباريات الملاكمة التي خاضها حوالي 50 مليون دولار، علماً انه تقاضى عن مباراته الاخيرة نحو 16 مليون دولار. وكان البرنس نسيم حميد أول مهنئي لويس على الحلبة ثم تبعه فرانك برونو بطل العالم السابق للوزن الثقيل وكريس يوبانك بطل العالم السابق للوزن المتوسط، وقد حرص لويس على الاشادة بهوليفيلد واعتبره مقاتلاً شجاعاً، وبدوره اشاد هوليفيلد بالبطل الجديد وتقبّل النتيجة رافضاً ان يحتج على قرار الحكام "لا يمكنني القول انني سعيد بقرار الحكام، ولكن عندما يكون مصيرك بين ايديهم فعليك ان تقبل بقراراتهم أياً كانت تلك القرارات"، وترك هوليفيلد امر اعتزاله الملاكمة معلقاً "سأذهب الى منزلي وأفكر ان كان ثمة سبب للعودة ثانية الى الحلبة". ولم يعترض دون كينغ متعهد اعمال هوليفيلد على النتيجة وقال: "أثبت لينوكس انه ملاكم عظيم، وأنا سعيد لأن عشاق الملاكمة شاهدوا مباراة كبيرة وغادروا الحلبة سعداء". اما ايمانويل ستيوارد مدرب هوليفيلد السابق ومدرب لويس الحالي فقال: "كان اللقاء بين هوليفيلد ولويس افضل من لقائهما السابق، واعتقد ان قوة لويس البدنية هي التي حسمت اللقاء لمصلحته" ثم التفت الى هوليفيلد وتابع قائلاً: "لقد اتحت لنا ان نشهد واحدة من اعظم مباريات الملاكمة خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة". والانجاز العظيم الذي حققه لينوكس في الوزن الثقيل لم يسبقه اليه سوى بريطاني واحد هو بوب فيتز سيمونز كما مرّ بنا، لكنه سبق لأربعة ابطال بريطانيين ان فازوا باللقب العالمي غير الموحّد وهم على التوالي ميكايل بنت المنظمة العالمية للملاكمة 1993 - 1994 وهيري هايد المنظمة العالمية للملاكمة 1994 - 1995 و1997 - 1999 وفرانك برونو المجلس العالمي للملاكمة 1995 - 1996 وهنري أكينواندي المنظمة العالمية للملاكمة 1996 - 1997 وهو حالياً المرشح رقم واحد لمواجهة لويس حسب تصنيف الجمعية العالمية للملاكمة. وفي الختام لا بد من الاشارة الى ان الاتحاد العالمي للملاكمة كاد يفسد على لينوكس لويس فرحته باللقب الموحّد اذ رفض ممثله ان يسلِّمه الحزام بسبب خلافات مالية، الا ان المسألة سويت لاحقاً واحتكر لويس الأحزمة الأربعة حتى نهاية القرن على أقل تقدير.