تدهورت الأوضاع بصورة مفاجئة على حدود عدد من دول القرن الافريقي على عكس كل التوقعات القائلة بأن النزاعات في المنطقة ستجد حلاً عاجلاً. وفي خطوة تعكس انتكاس الانفراج الذي أعلن عنه الوسطاء في النزاع الاثيوبي - الاريتري وفي الخلاف الاريتري - السوداني تحولت حدود البلدان الثلاثة إلى ثكنات عسكرية وأغلقت الحدود بينها أمام رعاياها، وأعلنت حالة الاستنفار والتعبئة العامة، حيث أكد شهود عيان ان الآلاف من جنود الدول الثلاث انتشروا على طول الشريط الحدودي. وشهدت اديس ابابا سباقاً محموماً بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان بعد يوم واحد من زيارة رئيس الحركة جون قرنق لأديس ابابا، فسارعت الخرطوم الى الاتصال بأديس ابابا بواسطة رسالة خطية من الرئيس عمر البشير إلى ملس زيناوي ورسالة أخرى من وزير الخارجية السوداني مصطفى إسماعيل عثمان إلى نظيره الاثيوبي والأمين العام لمنظمة الوحدة الافريقية الدكتور سالم أحمد سالم. وكشفت مصادر ديبلوماسية سودانية ل"الوسط" ان رسالة البشير تتضمن آخر التطورات للخلاف الأميركي - السوداني، واتهاماً لوزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت بالتدخل في شؤون الداخلية للسودان عن طريق دعمها العلني لحركة التمرد. وتسبب هذا التوتر في إعادة اغلاق الحدود السودانية - الاريترية التي تم فتحها إثر اتفاقية الدوحة. وأكدت مصادر أميركية ان الوضع على الحدود السودانية - الاريترية لا يقل خطورة عن التوتر السائد على الحدود الاثيوبية - الاريترية، مشيرة إلى زيارة الدكتور جون قرنق إلى كل من اثيوبيا وكينيا واوغندا، واجرائه لقاءات وصفتها بالسرية مع قادة الدول الثلاث. وترددت معلومات عن وصول باخرة مجهولة الهوية إلى ميناء مصوع محملة بالأسلحة الثقيلة والخفيفة لحساب المعارضة السودانية مولتها واشنطن عبر طرف ثالث. وكشفت المصادر ان قرنق قدم مذكرة لقادة دول "ايغاد" لمناقشتها في قمتها المقبلة. إلا أن المراقبين يعتقدون ان محادثات قرنق مع كل دولة على حدة تركزت على تصعيد العمل العسكري ضد الحكومة السودانية وإقامة آلية عسكرية مع تلك الدول وتصعيد المواجهات العسكرية التي بدأت تزداد احتمالات وقوعها اثر تنامي الخلاف بين واشنطنوالخرطوم، وان الدكتور قرنق يسعى لاستعادة نشاطه العسكري الذي تأثر باندلاع الحرب الاثيوبية - الاريترية وانشغال اوغندا بحربها مع جارتها الكونغو الديموقراطية، وانشغال دول شرق القارة بالاقتتال في ما بينها، الأمر الذي أصاب حركة المعارضة السودانية بالشلل. والواضح ان قرنق أظهر من خلال جولته سياسة حسن النيات والابتعاد عن سياسة الانحياز ذات الصلة بالنزاعات. وتمكن حتى الآن من الابتعاد عن سياسة المحاور في النزاع الدائر بين اديس ابابا وأسمرا... ويعتبر أكثر الشخصيات التي تمكنت من إقامة علاقات متوازنة مع الطرفين، مما ساعده على الابقاء على علاقات هادئة مع الجميع.