كنت أسير على شاطئ البحر خلال الإجازة عندما تلقيت أغرب مكالمة هاتفية ممكنة، فقد اتصل بي رجل على الهاتف النقال وقال بلهجة انكليزية صحيحة: مبروك. شابا اينو حامل. واسرعت أنكر أي علاقة لي بحملها، ثم وجدت ان الحديث ليس عن خادمة اثيوبية حيث شابا اسم شائع وتعني سبأ، وانما هو عن كلبة يابانية أصيلة من نوع شابا اينو، اشترينا جروا من مالكها على أمل ان تحمل يوماً، إلا انها لم تفعل، ونسيت الموضوع ومئة جنيه دفعناها على الحساب، حتى جاء الرجل يبارك لي. قلت له "الهنا مشترك"، وتذكرت أن آخر اتصال بيننا كان قبل شهور عندما شكا لي من ان الكلبة ترفض ان يقربها كلب استقدمه خصيصاً من بلدها لمطارحتها الغرام. وأذكر انني اقترحت عليه ان يغير الكلب كولونيا ما بعد الحلاقة، فربما كانت الكلبة لا تحب رائحته الحالية. ونسيت الكلبة الحامل ومالكها مرة اخرى، لولا ان الرئيس بيل كلينتون ذكرني بهما، فهو لا يظهر في صورة هذه الأيام، إلا وقربه كلبه "بدي" في انتهازية واضحة لاستدرار العطف عليه عبر الكلب. وهو ربما كان نجح أكثر لو ان كلبه من نوع "بلادهاوند" الانكليزي، بأذنيه الطويلتين وعينيه الحزينتين كأنه يبكي. إلا ان كلب الرئيس من نوع "لابرادور رتريفر"، وهذا يصلح للصيد أكثر من استدرار الشفقة. ولاحظ صحافي أميركي ان "بدي"، والكلمة بالانكليزية تعني صديقاً، ليس فقط أفضل صديق للرئيس، بل ربما كان صديقه الوحيد، أو هو صديق الرئيس الوحيد الذي لا يواجه استدعاء من المحققين لسماع شهادته في فضيحة مونيكا لوينسكي. ونقول: "بَدْي" لو حكى. الا انه لا يحكي مهما بلغ من ذكاء، فعيّه أهم ما فيه، ولن يستطيع المحققون اغراءه أو تهديده للحديث عما شاهد في الغرف الصغيرة في البيت الأبيض. وكنت سمعت طرفة عن ذكاء الكلب تروى بشكلين مختلفين: الأول عن رجل يقول انه يلعب شطرنج مع كلبه. ويقول سامع: لا بد انه كلب ذكي جداً. ويرد الأول: لا. أنا أغلبه معظم المرات. اما الشكل الثاني فهو عن رجل يقول انه يلعب مع كلبه البوكر. ويقول سامع: هل الكلب لاعب ماهر؟ ويرد الأول: لا. عندما يكون ورقه ممتازاً يهز ذيله. وإذا اضطر كلينتون الى الاستقالة تحت وطأة الفضيحة فهو قد لا يجد أحداً يلعب معه الورق الشدة غير كلبه. وربما هزمه الكلب، فبعد ان ترك دوايت ايزنهاور الرئاسة، في نهاية ولايته الثانية ومن دون فضيحة طبعاً، قال بخبث انه لاحظ ان اصدقاءه أصبحوا يغلبونه بسهولة أكبر في الغولف منذ أصبح رئيساً سابقاً. وبما أنني اقتنيت كلباً باستمرار، وكانت لي تجارب مع "كلاب" تدبّ على رجلين، فإنني استطيع ان اتحدث عن الموضوع بثقة، فالكلب أفضل من أي قطة، على الرغم من اسمه، إلا انه يحتاج الى عناية، في حين ان القطة تتمتع بنوع من الاستقلال الذاتي. وبما ان بيل كلينتون عنده حديقة كبيرة الى الجنوب من البيت الأبيض ومساعدون، فاقتناء كلب يناسبه، خصوصاً انه لا يريد ان يكتب في الجرائد انه شوهد يداعب "قطة" لما تحمل الكلمة من معانٍ. وربما كان هذا هو السبب الذي جعله يتحول من القطة الرئاسية "سوكس" الى "بدي"، وكان عندي كلب لا يأكل من يدي، بل من رجلي، وعندما شكوت انه عض رجلي يوماً، سئلت: هل وضعت عليها شيئاً؟ وقلت: لا، لأنه يحبها ناشفه. هذا الكلب كان صعباً عنيداً فأخذته الى مدرسة طاعة، وهو استفاد، فقد بقي يعض رجلي، إلا أنه أصبح يعتذر بعد عضّها. وأسخف ما سمعت هو ان الكلب الذي ينبح لا يعض. طبعاً هو لا يعض عندما ينبح، ولكن عندما يتوقف عن النباح، يجب على الضحية ان يهرب بسرعة من أمامه. واكتب واشعر بأنني ربما كنت أتحامل على كلينتون، فكل رئيس سبقه كان يملك كلباً أو قطة. وهناك مثلها اليوم في 10 داوننغ ستريت في لندن. غير انني لا أرى كلينتون مع "بَدْي"، إلا وأفكر في ان علاقتهما تتجاوز الصداقة البريئة، وان بيل يستغل صداقة "بدي" لخدمة مصالحة الشخصية الضيقة. وربما كان "بَدْي" كلب الساعة إلا ان "فالا" كلب فرانكلين روزفلت، اشهر تاريخياً. وقبل هذا وذاك كان للرئيس يولسيس غرانت حصانان مشهوران، اسم احدهما "مصر" والآخر "سنسيناتوس"، وكان يقودهما بنفسه على شاطئ البحر في لونغ بيتش. ولكن لا نحتاج ان نذهب بعيداً في تاريخ الرئاسة الاميركية فقد كان لبرباره وجورج بوش كلبة مشهورة هي "ميلي"، كتبت عنها السيدة الأولى كتاباً حقق مليون دولار. وهو المبلغ نفسه الذي حققه كتاب هيلاري كلينتون عن القطة سوكس. وذهب المليونان للاعمال الخيرية. ولا اعتقد ان بيل كلينتون سيؤلف كتاباً عن "بدي"، على الرغم من ان مليون دولار اغراء كاف، وانما اعتقد انه يكفيه من كلبه ان يستدر العطف عليهما، فاختتم بالذي قال: ان الذي يقتني كلباً جبان، لأنه لا يجرؤ على عض الناس بنفسه. ولا بد ان بيل كلينتون يتمنى لو يستطيع عض المحقق كنيث ستار، ولا بد انه سيطعم كلبه لحماً بقرياً طازجاً طيلة عمره اذا عض المحقق نيابة عنه