سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"الوسط" تحاور الرئيس السابق لاستخبارات الجيش اللبناني . غابي لحود : خضنا معركة سركيس لضمان انكفاء الجيش في ظل رئيس شهابي ترشيح فرنجية خلط الأوراق ونواب حنثوا بوعودهم 3
لا يتسع القصر لرجلين. وذات يوم لم يخف الرئيس شارل حلو مشاعره. قال لرئيس "الشعبة الثانية" في الجيش العميد غابي لحود "أشعر أن سركيس الرئيس وانني مدير التشريفات". ولن يتأخر حلو في ازاحة سركيس من القصر على رغم ممانعته. ويتحدث لحود عن فشل الياس سركيس في انتخابات 1970 الرئاسية وعن الجيش والسياسة وصولاً إلى انتخاب سركيس في 1976 وعودة الشهابيين إلى القصر في ظروف بالغة التعقيد. وهنا نص الحلقة الثالثة. كيف كانت علاقتك مع الرئيس شارل حلو؟ كانت جيدة للغاية على رغم شعوره بأنني شهابي حتى العظم. قال حلو "مرة" أمام زواره: "رئيس "الشعبة الثانية" ليس لي انه لفؤاد شهاب". ففاتحته فوراً بالموضوع وقلت له: "لماذا هذه الحساسية أنا في خدمتك بكل اخلاص لكن أنا شهابي كما ان اسمي هو غابي لحود". ولم يمر وقت طويل حتى لمس اخلاصي لمس اليد وأصبحت العلاقات ممتازة بيني وبين الرئيس حلو لكن ظل الشهابية كان يزعجه. ذات يوم قال لي: "شئت أم أبيت أنا أشعر في القصر ان الرئيس هو الياس سركيس وأنا مدير التشريفات. يطلب النواب مقابلتي فاستقبلهم. يتحدثون معي عن الأميركيين والسوفيات والطقس ثم يخرجون ويعرجون على مكتب سركيس وهناك يقولون مطالبهم الحقيقية وكأنهم يمرون على مكتبي لتبرير زيارتهم لمكتب سركيس". وفي النهاية تبلورت رغبته في ازاحة سركيس لكن دون خسارة الدولة لكفاءات الرجل، فعيّنه بعد أخذ ورد وممانعة من سركيس حاكما للبنك المركزي. كان سركيس صارماً ومستقيماً. لا يحب اللف والدوران. كان مؤمناً بالخط الشهابي ويشعر ان وجوده كمدير عام لرئاسة الجمهورية يشكل دعماً للصف الشهابي ولا يجوز له ان يضعف هذا الصف. لهذا كان مصراً على عدم ترك المنصب بمبادرة منه على رغم ان راتب حاكم البنك المركزي يفوق باضعاف راتبه في المديرية العامة لرئاسة الجمهورية. والحقيقة ان اخلاصه في معالجة الأمور لمصلحة الرئيس حلو لم يكن يقل عن اخلاصي أنا على الاطلاق. لماذا اخترتم خوض المعركة بالياس سركيس في الانتخابات الرئاسية في 1970؟ - كان الوضع صعباً. استقطاب داخلي ذو اتجاهات طائفية. وتصاعد في نشاطات المقاومة الفلسطينية التي بدا، غداة "اتفاق القاهرة"، انها لن تلتزم ما جاء فيه بسبب تعدد الفصائل وارتباطاتها. في هذا الوضع المعقد اتجهت الأنظار مجدداً الى فؤاد شهاب لكنه كان لا يقبل البحث بهذا الموضوع على الاطلاق. ذات يوم قلت له: "يا فخامة الرئيس البلاد تحتاج اليك والحمل ثقيل". فأجاب: "يا ابني الحمل ثقيل علي وعلى غيري. الفرق ان اللبنانيين سينتظرون مني اضعاف ما سينتظرون من غيري وأنا لا استطيع صنع المعجزات. إذا انتخبت سيعتبر اللبنانيون والسياسيون ان مهمتهم انتهت عند انتخابي وان على شهاب ان يحل المشكلة. غدا لمجرد ان ينزل فدائي واحد باللباس المرقط الى ساحة البرج، وهو ما ينتظر ان يحصل ويستمر، تعود المشكلة من أولها وتتبخر هالة فؤاد شهاب. الحلول السحرية غير موجودة". سألته: "من القادر في نظرك على ضمان مصلحة البلد في حال انتخابه؟" فأجاب: "الياس سركيس". وأضاف: "كل ما يرد في ذهني عما يجب عمله سيفعله من دون أن يحاسبه أحد على النتائج، وأنا مستعد للتشاور معه حين يرى ذلك مفيداً له. الشعب سيعطي سركيس فرصة أكبر وسيمهله، انا سيطالبني بالحل فوراً". عندها طلبت منه أن يمهلنا بعض الوقت قبل اعلان موقفه فوافق على الامهال فقط. وفي وقت لاحق وقبيل موعد الانتخابات زاره الوزير فؤاد بطرس فتدارسا مضمون كتاب العزوف عن الترشيح وتولى بطرس نصه وأذيع. كرامي يجد صعوبة وجدتم صعوبة في تسويق الياس سركيس؟ - هناك مسألة تستحق التوقف عندها بسبب ارتباطها بالعقلية اللبنانية عموماً وعقلية السياسيين خصوصاً. سركيس من عائلة متواضعة، عصامي صنع نفسه وتدرج في الادارة. ليس وريث زعامة ولا ينتمي الى نادي العائلات الذي يقدم السياسيين والزعماء. كانت بيني وبين الرئيس رشيد كرامي علاقة قوية وصريحة. عندما فاتحته بموقف الرئيس شهاب لجهة رغبته في تأييد ترشيح سركيس لم يتردد في القول ان الأمر صعب عليه فهو لا يستطيع ان يبكل جاكيتته أمام الياس سركيس رئيسا للجمهورية، وقد اعتاد على التعامل معه كمدير عام، أي كموظف. كان كرامي مستعداً لتأييد جان عزيز، وهو من تكتل "النهج" الشهابي، أو ميشال الخوري الذي يحظى بدعم شارل حلو. في النهاية تحدث شهاب مع كرامي فوافق على السير في معركة سركيس. رئيس المجلس صبري حماد كان شهابياً لا يلين وأيد سركيس منذ البداية. بيار الجميل رئيس حزب الكتائب قال لي: "لماذا لا أكون أنا المرشح؟" فأجبته: "ان الرئيس يجب أن يكون حكماً وسيحتاج الى زعماء للصف المسيحي مثلك. انت لا يمكنك أن تكون في آن زعيماً للصف المسيحي وحكماً بين المسيحيين والمسلمين كما يفترض برئيس الجمهورية ان يكون". لم يقتنع. الشعور الذي لمسته لدى كرامي لمسته أيضاً لدى كمال جنبلاط. قلت لجنبلاط أنت تعرف الرجل وسياسته على مدى عهدين. تكررت اللقاءات وفي النهاية قال جنبلاط ان "جبهة النضال الوطني" التي يرأسها لن تصب ككتلة ضد سركيس وانه سيترك الحرية لاعضائها. وشاعت في تلك الأيام مسألة الامتحان أي الأسئلة التي وجهها جنبلاط الى سركيس حول عدد من المسائل وقيل بعدها ان سركيس سقط في الامتحان. في يوم الانتخاب. اعتقد ان جنبلاط لم يؤيد سركيس الذي حصل على أصوات فؤاد الطحيني وسالم عبدالنور وبهيج تقي الدين من كتلة "جبهة النضال الوطني". أريد أن أوضح هنا مسألة مهمة. نحن اعتبرنا ان الاستمرار في تعاطي الجيش في الشأن السياسي قد طال وأن الوقت حان لتنظيم انكفائه، في محاولة لاستعادة صورته ودوره كمؤسسة هي لجميع اللبنانيين كما كان بقيادة فؤاد شهاب. باستقالته في 1960 حاول فؤاد شهاب لجم رغبة العسكريين في تخطي حدود دورهم لكن لم تمر فترة قصيرة حتى حصلت محاولة انقلاب القوميين، التعيسة الذكر، لتعود فتغرق الجيش في توقيفات وملاحقات. ثم جاءت قصة المقاومة في عهد شارل حلو لتعطي الجيش دوراً مستمراً في الحياة العامة. بعض الضباط تصرفوا كأنهم أعضاء في حزب حاكم. مغريات السلطة كثيرة. كانت بعض الشواذات تعاقب وأخرى تبقى بلا عقاب. شعرنا بخطورة الوضع. اقترحت على العماد جان نجيم قائد الجيش ووافقني على أن يكون موعد انتخابات الرئاسة موعد انكفاء الجيش وتخليه عن أي دور غير عسكري اضطلع به في العهدين الماضيين. واعتبرنا ان الانسحاب من السياسة يجب أن يحصل في ظل رئيس شهابي لأنه سيبدو حين ذلك وكأنه يحصل بمبادرة منه في حين ان الانسحاب في ظل رئيس غير شهابي، وتحديداً ريمون ادة، سيعتبر بمثابة انسحاب قسري يؤثر على هالة المؤسسة، وهي رأسمال أساسي في استقرار البلاد. ولهذا السبب وافقني ان يكون نشاطي علنياً في تأييد سركيس من خلال التصميم على الانسحاب من السياسة فور انتخابه. فاتحنا الياس سركيس بذلك وبارك. لم تكن حساباتكم دقيقة وفاز سليمان فرنجية؟ - الحقيقة ان الحسابات الأولية اجريت على أساس ان المنافسة ستدور بين سركيس وريمون ادة وكنا على ثقة ان سركيس سيفوز، ذلك ان سليمان فرنجية نفسه كان وعدني قبل ترشيح نفسه بتأييد سركيس وذلك خلال غداء على يخت جورج أبو عضل في الكسليك ضمنا نحن الثلاثة فقط. وكان فرنجية، من جهة أخرى، قد جاهر بمحاربته المقاومة الفلسطينية وانشأ "اذاعة صوت لبنان الحر" من زغرتا ابان احتدام المجابهة بين الجيش والمنظمات الفدائية. وبدا من تصرفه هذا كأنه يطمع في مزاحمة بيار الجميل على قيادة الصف المسيحي وهو قرار ضمني بالتخلي عن فكرة الترشيح لرئاسة الجمهورية التي تتطلب عكس هذا التصرف. اما كيف تمكن بالنتيجة، عندما قرر ترشيح نفسه، من كسب تأييد كمال جنبلاط وكتلة سلام على رغم موقفه المتطرف من المقاومة فهو انجاز يسجل له. خوض فرنجية المعركة غير كثيرا من المعطيات، وفاز على سركيس، أبرزها انه أزال من أذهاننا العماد نجيم وأنا الحاجة الملحة الى محاربة وصوله، فالفرق بين موقفه من الجيش وموقف ريمون ادة هو كالفارق بين الأرض والسماء. وعلى هذا الأساس كانت توجيهاتنا بالتصرف وكأننا منتصرون، ونصرنا تحقق باقصاء ريمون ادة وحسب. عبداللطيف الزين هل أعددتم مفاتيح انتخابية للتأكد من التزام الذين تعهدوا تأييد سركيس؟ - نعم. كم بلغ عدد الذين لم يتقيدوا بوعودهم؟ - أربعة أو خمسة؟ من الأبرز بينهم؟ - عبداللطيف الزين الذي كان يتردد بصورة مستمرة على سركيس ووعد بتأييده. وأحمد أسبر الذي قال انه سيؤيد سركيس الا اذا كان منافسه ريمون ادة، ومحمد دعاس زعيتر الذي غيّر موقفه لأسباب غير سياسية. هل علمتم ان ضباطاً من الجيش عملوا لإنجاح سليمان فرنجية؟ - علمت بذلك لاحقاً، لم تكن لنشاطهم اهمية تذكر. عين الرئيس فرنجية العقيد انطون دحداح مديراً عاماً للأمن العام، وجاء دحداح لاحقاً مع وزير الدفاع آنذاك الدكتور الياس سابا في زيارة رسمية الى اسبانيا. كنا في السابق كلفنا دحداح تطوير اذاعة الجندي وقام بعمل ممتاز. في اسبانيا كشف لي انه كان من أركان الفريق الذي خطط لفوز فرنجية بالرئاسة وانه اعتبر ان فرنجية هو الوحيد القادر على الفوز ضد سركيس وان النتائج اكدت صحة حساباته. في اي حال بعد حصول الحدث يمكن العثور على كثيرين يدعون انهم خططوا له. اتهمتم بأنكم مارستم ضغوطاً على ادريان جدي لتمويل سركيس؟ - أثيرت هذه المسألة في التحقيقات مع ضباط "الشعبة الثانية" وتبين بطلان التهمة وقال لنا جدي انه تعرض لضغوط لقول ما قاله في البداية. ادريان جدي كان يدفع لبعض النواب والشخصيات ولا علاقة للمسألة بمعركة سركيس. هل كلفتم نائباً حضور اجتماعات خصوم سركيس للاطلاع على خططهم؟ - كانوا أشطر منا فقد حضر عبداللطيف الزين كل اجتماعاتنا وأيّدهم في النهاية. جواب جوني عبده كنتم تراقبون الهاتف؟ - نعم. كيف؟ - اعتبر الجواب الذي أعطاك إياه جوني عبده في سلسلة "يتذكر" هو جوابي انا شخصياً. جمع المعلومات ضروري. كنتم تراقبون خطوط الصحف؟ - خطط الصحف والسياسيين. كنا نراقب خطوط بعض الشخصيات لمعرفة مضمون الاتصالات التي يتلقونها علماً انه كانت لنا ثقة كاملة بهذه الشخصيات. هل كنتم تراقبون خطوط السفارات السوفياتية؟ - نعم، لكن بعض السفارات كانت تعرف انها مراقبة فتحاول تزويدنا بتفاهات ويتضح ان لا جدوى من مراقبتها. هنا أريد ان اقول انه كان من المحرّم نقل اي معلومات شخصية بمعنى ان فلاناً يحب فلانة. هذه كانت ممنوعة. وكذلك الاشياء المالية الاّ اذا كانت مشبوهة. كنتم تتنصتون على كميل شمعون وريمون ادة؟ - وبلا فائدة لأنهما كغيرهما تعلّما ان لا يبحثا الامور الجدية على الهاتف. فؤاد شهاب نفسه كان يقول "يا أفنديي في فرنسا مكتوب على الهاتف نفسه "كن كتوماً فان الهاتف ليس كذلك" Soyez discret le Telephone me l'et pus". حصل جدل حول النتائج بعد فوز فرنجية بفارق صوت واحد؟ - حاول صبري حماده القيام باجتهاد لكي يقول ان ما ناله فرنجية ليس كافياً اي انه يحتاج الى 51 صوتاً من اصل 99 وليس الى 50. حصل هرج ومرج وثار سليمان فرنجية وجرى اتصال معي فكان موقفي بلا تردد ان فوز فرنجية يجب ان يُعلن وهذا ما حصل. خارج الجيش انتخب سليمان فرنجية رئيساً فماذا حلّ بكم؟ - فاز الرئيس فرنجية فذهبنا لتهنئته وأطلعناه على نشاطنا. قال: "من الآن فصاعداً Stop" اي انه يريد وقف النشاطات التي أثارت اعتراضات، فأبلغناه اننا نحن ايضاً نريد وقفها، واننا اذا تعاطينا علناً بمعركة الرئاسة فلهذا الغرض بالذات اذ كنا نتخوف من وصول ادة، اما وقد وصل هو فالجيش، بكل ارتياح، يلتزم ثكناته ولا يتعاطى السياسة. قال الرئيس فرنجية انه يرد تغيير ضبّاط "الشعبة الثانية" فطلبنا منه ان يتم ذلك ضمن عملية تسلم وتسليم كاملة تجعل الخلف ملمّاً كلياً بمتطلبات مسؤوليته فتبقى "الشعبة" فعّالة وقادرة على خدمة الدولة بالاتفاق مع العماد جان نجيم اخترنا ضبّاطاً من اصحاب الكفاءة بعدما امتنع الرئيس فرنجية عن تسمية أحد. بعدها طرحت فكرة إرسالنا ملحقين عسكريين وكانت المفاجأة تعييني في براغ. أثار الموضوع استغراباً وكان اللافت مبادرة لويس سفير مسؤول ال "سي. اي ايه" في لبنان اذ زار العماد نجيم ليقول له: "هذا التعيين يعني انكم تدفعون غابي لحود الى الموت فال كي. جي. بي قادرة على قتله هناك بحادث سيارة او بطريقة اخرى. وكان يشير الى ذيول احباط عملية خطف طائرة "الميراج" لم أعد أذكر ما اذا كان الرئيس فؤاد شهاب احبط كذلك بالأمر وتحدث مع الرئيس فرنجية ام ان العماد نجيم هو الذي فاتحه بالموضوع. كان جواب الرئيس فرنجية فورياً خصوصاً انه كان يقدّر الدور الذي لعبته في زغرتنا شقيقتي الراهبة وكان يسمّيها اختنا الراهبة. قال: "انا اريدهم ان يخرجوا لا ان يلحق بهم ضرر خصوصاً غابي". وهكذا تقرر ارسالي الى مدريد. قصة براغ ومبادرة المسؤول في المخابرات الاميركية دفاعاً عن سلامتي أعادت الى ذهني قصة "الميراج" لجهة لغز افتضاح امرها. ترى هل هم من دخل على الخط ليقع اطلاق النار وتنتهي القصة بالشكل الذي انتهت فيه. أم هو "الموساد". صدر القرار في 20 كانون الاول ديسمبر 1970 وطلبوا منا ان نغادر في 24 منه فطلبنا ان يسمح لنا بقضاء الميلاد مع عائلاتنا وهذا ما حصل ثم غادرنا وذهبت انا الى اسبانيا. كيف استدعيتم الى بيروت؟ - في اواخر 1971 استدعينا الى بيروت فذهبنا، وتقدمت من قائد الجيش العماد اسكندر غانم . قال غانم: "الرئيس يحبّك ولكن انت تعرف ان تجاوزات حصلت ويجب ان يحصل حساب لمرتكبيها". سألت: "من المقصود؟" فأجاب: "سامي الخطيب وسامي الشيخة ونعيم فرح وجان ناصيف". قلت: "اذا كانت المآخذ بسبب عملهم في الشعبة فأنا المسؤول اذ لم يكونوا يتجاوزون أوامري على الاطلاق. اما اذا كانت هناك اخطاء مسلكية شخصية من قبل احدهم فهذا شيء آخر". قال: "الموضوع جدي وسنلاحقهم بغية تسريحهم، اذا لم تغيّر موقفك فستسرّح على رأسهم، والافضل ان تقدّم استقالتك". قلت: "أعوذ بالله. لن أقدم استقالتي ابداً". فقال: "ستحالون إذاً على المجلس التأديبي". اتهامات ودعاوى صدرت عقوبات بحقنا ووزعنا على الثكنات ضمن اجراءات توقيف ليتمكن المجلس التأديبيي من استجوابنا وارسلت انا الى ثكنة مرجعيون. وأثرنا هذه النقطة لاحقاً اذ كيف يمكن اتخاذ عقوبة بحق شخص محال امام المجلس التأديبي قبل ان ينتهي المجلس من عمله وتثبت عليه التهمة. استمع المحقق الينا ثم اجتمع المجلس وقرر تسريحنا من الجيش وفقاً لما هو مطلوب منه. ذهبنا الى منازلنا في نيسان ابريل 1972 ولما تقدمنا بالدعوى امام مجلس الشورى استدعاني قائد الجيش العماد غانم مجدداً وقال لي: "يا غابي لا تكبّروا الموضوع". رفضت وأعدت عرض الاسباب. وفي مرحلة لاحقة وبغية إبطال الدعوى امام مجلس الشورى قرروا العمل على اصدار حكم من المحكمة العسكرية عملاً برأي قانوني انه اذا حصل حكم قضائي فذلك يقطع الطريق على الدعوى امام مجلس الشورى. غادرت الى مدريد فعائلتي كانت هناك. وخلال وجودي في العاصمة الاسبانية في منتصف 1972 حصلت الملاحقة بتهمة التعدي على الحريات والقيام بتوقيفات اعتباطية وإتلاف وثائق والتسبب بإفلاس ادريان جدي …الخ. وثبت لاحقاً ان كل هذه التهم ملفّقة وان اتلاف الوثائق لم يتعد كوننا اتلفنا أشياء غير مهمة أو أشياء يمكن أن تكون لها مضاعفات سلبية على الجيش. حصل التلف إبان التسلم والتسليم فهناك أوراق لا تعالج الا جزءاً من الأمر ولا تفيد من لم يكن حاضراً وعلى اطلاع على الظروف الكاملة، وسوء الفهم مضر. في 1973 كنت في اسبانيا حين تلقيت نبأ وفاة الرئيس شهاب. كلفت الصديق فؤاد الهبر ابلاغ الرئيس رشيد كرامي انني ذاهب الى الجنازة، لكن لا أريد أن أمثل أمام القضاء في هذا الوقت فهل ذلك ممكن وبماذا ينصح؟ غادرت مدريد الى روما حتى لا أتأخر اذا كان الجواب ايجابياً ولاستقل على الفور طائرة تابعة لطيران الشرق الأوسط الى بيروت. في روما اتصل بي فؤاد الهبر وقال: "الأفندي يقول لك ارجع الى مدريد". كان مؤلماً بالنسبة إلي ان لا أشارك في تشييع فؤاد شهاب. من الذي طرح فكرة المحاكمات؟ - اعتقد بأن عسكريين لعبوا دوراً في التحريض. بينهم من يريد تصفية حسابات معتبراً انه استبعد في ايامنا او هُمّش، وبينهم من يبحث عن دور او يطمع في جاه. قبل تلك المرحلة دخل الرئيس صائب سلام غرفة مراقبة الهاتف وأوقف عمل الرقابة؟ - هذه مواقف صوّرت كبطولات آنذاك لكنها هفوات. في كل دول العالم يجري التنصّت على الهاتف ثم ان الغاء الرقابة لا يحتاج إلا لقرار. لا ضرورة ابداً لخلع الباب والصور. لماذا فرّ رفاقك الى دمشق؟ - عرف سامي الخطيب من مصادر موثوقة ان الدولة تنوي اعتقاله مع رفاقه فغادروا سراً الى دمشق التي استقبلتهم استنتاداً الى التقدير الذي كان ل "الشعبة الثانية" في ذهن المسؤولين في سورية. والسر هو اننا لم نكن نعمل ضد سورية ومصالح سورية بل العكس اذ لم نتوان ابداً عن تقديم اي مساعدة متى كان تقديمها لا يمس مصلحة لبنان او سيادته. فندق في جزين مماذا تذمرت الحكومات السورية؟ - كان اكثر تذمرها من الصحافة اللبنانية وكان جوابنا الدائم اننا نبذل كل ما في وسعنا للحيلولة دون تعكير العلاقات لكن نحن نعيش في نظام ديموقراطي ولا سلطة لنا على الصحف. الحكم اللبناني يتعرض لحملات من الصحف والقانون هو الضمانة حين تتخطى الصحافة حدودها. وتذمرت ايضاً في بعض الاحيان من نشاط اللاجئين السياسيين السوريين لكن معالجة هذه الامور لم تكن صعبة. في فترة تفاقم التذمر السوري من اللاجئين السوريين في لبنان. استأجر الأمن العام في عهد توفيق جلبوط فندقاً صغيراً في جزين وطلب من اللاجئين السوريين المقيمين في بيروت والذين تشكو سورية من نشاطاتهم السياسية الاقامة فيه. بلورنا هذا الحل كي لا نطردهم كما كانت ترغب دمشق وأدى في النهاية الى النتيجة نفسها. أقام ثلاثة او اربعة اشخاص في الفندق في جزين وبعدها لم تكن هناك حاجة لمثل هذا التدبير اذ انصرفوا الى بلد آخر من تلقاء انفسهم. ما هو الحكم الذي صدر بحقكم؟ - صدرت أحكام مختلفة بعضها غيابي. وابتهج السياسيون المعارضون والصحف التي كانت تتحدث عن "الازدواجية" و"الاشباح". لاحقاً اتضح لدى الرئيس سليمان فرنجية ان التحريض لعب دوره فكان المخرج استدعاء من ذهبوا الى سورية. بذلت جهود وتبلورت فكرة تقول بأن يقدم الضباط طلبات التماس وتجاوب الضباط. عندما قدموا الطلبات قال فرنجية: "اذا لم يكن غابي لحود على رأسهم فلن أنهى القضية، لقد تعرض لأنه حمى مرؤوسيه، أريد التماساً منه ليشمله العفو". النائب السابق انطوان الهراوي كان رجل خير تمنى عليّ ان أقدّم التماساً. قلت له: "ارجوك ان تستعمل كل لباقتك لشكر الرئيس فرنجية ورجائي ان لا يوقف العفو عن الضباط بسبب عدم تقديمي الالتماس. أنا في وضع يسمح لي بتحمّل التضحية وأريد ان أسجّل اعتراضي على السابقة. اذ حكم مجلس الشوري ان لا حقوق لي سأقبل. انا اعلنت قبولي الذهاب للمثول امام المحكمة العسكرية لثقتي برجولة توفيق جلبوط وهو كان رئيس لها. قبل اسبوع من موعد مثولي فوجئنا بتعيين جورج غريب رئيساً للمحكمة وهو، عسكرياً، ضابط جيد لكنه غير قادر على الاعتراض اذا جاءته توجيهات بإصدار أحكام علينا. لم أحضر فحكمت غيابياً بالسجن عشر سنوات وصدر عفو عن الآخرين. في العام 1975 ذهبت الى لبنان وأوُقفت فور وصولي الى المطار وحاكمتني المحكمة في اليوم التالي وصدر الحكم ببراءتي فصفّقق العسكريون الحاضرون في قاعة المحكمة مع المصفّقين. الشهابيون يسترجعون القصر في 1976 انتخب الياس سركيس رئيساً للجمهورية بعد ست سنوات من فشلكم في إيصاله الى هذا المنصب بماذا شعرت؟ - أفرحني انتخاب سركيس وتأملت اخيراً لشعوري بأهمية العودة الى مواصفات معينة لدى الرئيس وفي الرئاسة. كان الياس سركيس وريثاً طبيعياً للتجربة الشهابية بما تعنيه من دراية. بحقائق التركيبة اللبنانية ورهان على مؤسسات الدولة وسياسة متوازنة تسهّل انخراط العائلات اللبنانية في الدولة بدلاً من توزيع الدولة على الزعماء والعائلات. وعلى الصعيد الشخصي كان سركيس اكتسب خبرة سياسية وادارية بفعل معايشته للرئيسين فؤاد شهاب وشارل حلو وبعدهما للرجل الذي نافسه على الرئاسة وربحها أقصد سليمان فرنجية. ولا يختلف اثنان على نزاهة سركيس وحرصه على المال العام ومشاركته المواطن العادي آلامه وآماله وتقديمه مصلحة الوطن على اي مصلحة شخصية. بهذا المعنى رأيت في انتخاب سركيس انصافاً بعد مماته لفؤاد شهاب الذي نصح بانتخابه قبل ست سنوات وتلكأ بعض اركان الشهابيين في فعل ذلك، وتعزية لي شخصياً اذ آمنت بحسن الخيار منذ اللحظة التي اشار الرئيس شهاب بذلك، لكن لسوء طالع لبنان لم يحالفنا الحظ. وبدا لي انتخاب سركيس شبيهاً بانبلاج الضوء بعد الليل على رغم شعوري ان الطريقة التي انتهى بها عهد فرنجية من اقتتال وانقسام طاول مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية تضع خله امام تحديات استثنائية ومهمات صعبة. كان وصول سركيس، آنذاك، مرهوناً بالحصول على تأييد ناخبين اثنين: داخلياً "الجبهة اللبنانية" وهي كانت ناخباً لا بد من تأييده لضمان فوزه، وخارجياً الناخب الاقليمي الكبير وهو سورية، وقد حصل على تأييد هذين الناخبين وفاز. هل جرى اتصال بينكما؟ - وكيف لا؟ اتصلت به هاتفياً وهنّأته. سألني اذا كان سيراني قريباً فأجبت: "في اول طائرة". كان مطار بيروت مقفلاً ولا بد من القدوم إما عن طريق مطار دمشق وإما عن طريق قبرص. اتصلت بسامي الخطيب واتفقنا على ان يكون في انتظاري في مطار دمشق ونغتنمها فرصة لنزور المسؤوليين السوريين ونشكرهم ثم نتوجه الى بيروت. وهكذا حصل. ليلة في دمشق أمضينا ليلة في دمشق زرنا بالمناسبة كلاً من العماد اول حكمت الشهابي والعميد علي دوبا وتركّز الحديث على الوضع في لبنان وتبادلنا التهاني بانتخاب الرئيس سركيس وقد عبّرا عن دعم سورية الكامل له. كان علي دوبا يتحدث اليّ وكأنه يخاطب القائد المقبل للجيش اللبناني فقد كان يعرف طبيعة علاقتي مع الرئيس سركيس. والى حدّ ما كانت الروحية نفسها موجودة في اللقاء مع الشهابي. تحدثنا مع دوبا عن الظروف التي ستواجه الرئيس سركيس وفوجئت بتوجيهه نقداً جارحاً الى رشيد كرامي وكمال جنبلاط وكأن الرسالة التي يضمرها الحديث هو ان تحجيم هذين الرجلين يجب ان يكون من مهماتي ومن مهمات العهد الجديد. وكان جوابي الفوري انه بوجود سركيس في رئاسة الجمهورية وغابي لحود في قيادة الجيش لن يكون موضوع كرامي وجنبلاط متعذر الحل. انا واثق من قدرتنا على جعل رصيد الرجلين يصبّ في النهاية في خدمة الدولة اللبنانية وفي خدمة علاقات لبنانية - سورية ممتازة. لم يلق ردّي ارتياحاً وتأكد ذلك لي لاحقاً، لكنني كنت اعبّر عن قناعتي وهي ان الدولة لا تستطيع تجاهل الزعامات الحقيقية ذات الصفة التمثيلية الفعلية لطوائفها ولا يجوز ان نحاول إلغاء هذه الزعامات بل عليها بذل كل جهد ممكن لجعل شعبية هذه الزعامات تخدم مشروع الدولة وتوسع قاعدة شعبيته. السلطة يجب ان تدرك الحساسيات والتوازنات وان تختار طرق المعالجة في رؤيتها الشاملة. وأقول بصدق ان أحداثاً كثيرة في عهد الرئيس السابق سليمان فرنجية كان يمكن تدارك حصولها او لجم انعكاساتها لو كانت الرؤية الشهابية هي الموجودة في السلطة. سأعطي مثالاً على ما أقول. لنفترض ان كارثة كاغتيال معروف سعد حصلت وارتفعت اصوات تتهم الجيش. اضافة الى التحقيقات، على الدولة المسارعة الى معالجة الامر مع الزعماء المسلمين. لو عدنا بالذاكرة تستوقفنا التظاهرات التي حدثت في بيروتالشرقية دعماً للجيش رداً على متهميه. فبدلاً من مطالبة الراغبين في التظاهر في الشارع المسيحي دعماً للجيش بالامتناع عن هذا العمل لأن نتائجه سلبية، للأسف بارك المسؤولون ردّ الفعل هذا، وانتدبوا ممثلين لهم لحضور المهرجانات التي أُقيمت تأييداً للجيش. هل كان في تفكير سركيس تعيينك قائداً للجيش؟ - كان هذا الامر بديهياً بالنسبة له. لكنه فاتحني انه خلال معركة الرئاسة شددت "الجبهة اللبنانية" على ضرورة أخذ رأيها في الاعتبار في المواضيع الحساسة وهذا من أبرزها. وباختصار كان الموقف كما يلي: الرئيس كميل شمعون يعارض بصورة قاطعة تعييني قائداً للجيش في حين كان الشيخ بيار يؤيد تعييني لكنه لا يريد مخالفة شمعون الرأي علانية، ويشير على النائب الراحل يوسف سالم لينقل الكلام الى الرئيس سركيس بقوله "ليأخذ الرئيس المبادرة ويضعنا امام الامر الواقع". لكن التطورات عقّدت الامور اكثر وفضّل الرئيس سركيس التريث. اما على صعيد ضباط الشعبة السابقين فقال لي بأنه التزم بأن لا يعودوا الى مراكزهم السابقة، وقد آلمني هذا الامر اكثر من عدم تعييني أنا قائداً للجيش. قال لي الرئيس سركيس: "انت تعرف انني لا احتاج الى من يقنعني بكفاءة واخلاص هؤلاء لكن هناك ضغوط وشروط… وقوى فاعلة على الارض يجب التعامل معها". وهل بحثتم في مَنْ سيتسلّم الشعبة الثانية؟ - نعم وفي ضوء ما تقدم اقترحت عليه اسم جوني عبده. وبرع جوني في المهمة. وقيادة الجيش؟ - قال لي الرئيس سركيس لن نتمكن من تعيينك الآن والمسألة تحتاج وقتاً. قلت له: الامر متروك لك. مرّت اسابيع قال لي الرئيس بعدها ان "الجبهة اللبنانية" لا تزال تعارض تعيينك وسأطلب من السوريين ان يساعدوني على اقناعهم وسأكلف الوزير فؤاد بطرس ان يثير الموضوع في دمشق الاسبوع المقبل، وربما يمشي الحال. ذهب فؤاد بطرس وحين عاد استدعاني سركيس وقال لي: "رجع فؤاد بطرس وبدلاً من الوعد بالمساعدة تلقينا نصيحة". قلت: "ما هي هذه النصيحة؟". فقال: "قالوا لفؤاد مش ليس من مصلحة الرئيس سركيس اغضاب الجبهة اللبنانية". حضر الى ذهني على الفور ما دار في اجتماعنا مع العميد علي دوبا فرويته له. بعدها قال لي: "يعطيك العافية، لو اخبرتنا لما كلّفنا فؤاد بطرس طرح الموضوع". تبين ان لا حظ لديك، فمن طرح اسم فيكتور خوري؟ - انا طرحت الاسم كبديل نظراً الى ميزاته العسكرية ولكون اتجاهه السياسي من خطنا في حدود تسعين في المئة، وهو شقيق ميشال خوري الذي عمل معي في "الشعبة". وكان يمكن ان يطرح اسم ميشال لرئاسة "الشعبة" بعدي او اسم جان ناصيف الذي كنت أعدّه لهذه المهمة عن طريق التمرّس بمختلف الفروع في الجهاز انا بنيت فوق الاساس الذي ورثته من انطون سعد. فحافظت على العلاقات والصداقات التي اكتسبتها للشعبة والدولة وقوّيتها، أزلنا بعض الشواذات لكن حرصنا على عدم المسّ بالبنيان وكنت اتمنى ان يتابع ناصيف هذه المهمة من بعدي. طبعاً كانت هناك حملة ضد عودة "الاشباح" وهي التسمية التي أُطلقت علينا وقد حرم الجيش بسبب هذه الحملة من تراكم الخبرات اذ انك لا تستطيع اختراع ضابط مخابرات بين ليلة وضحاها. ألم تتأثر علاقتك بسركيس بعجزه عن تعيينك قائداً للجيش؟ - لا، فعلاقتي به وبالخط الذي يمثّله أعمق بكثير من قصة هذا المنصب او ذاك. طلب مني، وكنت مقيماً في اسبانيا، ان اتردد باستمرار وكنت أزوره دورياً مرة كل ثلاثة اشهر او لدى حصول احداث وكنت اقيم لديه في القصر الجمهوري اذ لم يكن عندي بيت في لبنان. كانت لقاءاتنا للتحليل واستعراض الاوضاع. وكان الرئيس سركيس يبلغني انه يفكّر في اشراكي في احدى الحكومات وكنت اجيبه: "انا معك من دون مواقع ولم أحلم يوماً ان أكون سياسياً محترفاً او وزيراً، والمنصب الوحيد الذي لا استطيع ان ارفضه هو قيادة الجيش اذا تسنى ذلك فأنا عسكري وبالتصرف". مرّ العهد واستمرت العلاقة خلاله وقبل نهايته أعدت الى الجيش برتبة عميد وعُيّنت في القصر وشهدت نهاية العهد وهي كانت مؤلمة بسبب الاجتياح الاسرائيلي. من كان المطبخ الرئاسي في عهد سركيس؟ - كان حول الرئيس من دون تراتبية او تصنيف: فؤاد بطرس، جوني عبده، سامي الخطيب، احمد الحاج، رينيه معوض، كريم بقرادوني، فاروق ابي اللمع كذلك ميشال ادة وفريد روفايل كأصدقاء، وطبعاً كنت انا. في اول عهده عيّن سركيس اللواء احمد الحاج قائداً ل "قوات الردع العربية" لكنه لم يطق الشواذات وان يكون موقعه صورياً فطلب اعفاءه، وعُيّن سامي الخطيب بدلاً منه وانتقل الحاج الى منصب المدير العام لقوى الامن الداخلي. قام سامي بعمل ممتاز، اشاد لي الرئيس سركيس بمميزاته ولباقته في اكثر من مناسبة وكان يلخص لي الاشادة بعبارة "تربيتك صالحة". كنت تحب سامي الخطيب؟ - ولا ازال، كنت احب جميع ضباطي على السواء انما هو بدرجة اخصّ بالنسبة الى ما كان يتعرض له، مع عائلته، من مصاعب وتهديدات من جراء عمله. كيف كان سركيس يستشير كل هؤلاء؟ - كانت هناك حلقات حول الرئيس. كان هناك من يشركه في القرار ومن يكلفه مهمات محددة او يستمع الى تحليله. معنى ذلك ان ليس كل الذين وردت اسماؤهم كانوا يعرفون كل شيء. الممارسة جعلت فؤاد بطرس وجوني عبده على علاقة يومية مع سركيس اما انا فكنت على اطلاع عبر زياراتي الدورية. متى عرفتم ان الرئيس سركيس مريض؟ - فاتحني بذلك في السنة الاخيرة من عهده وكان هناك من يطالبه بالبقاء لسنتين او اكثر. قال لي: "يا غابي اضافة الى رفضي للمبدأ فإن صحتي لا تسمح لي". ابلغه الاطباء بمرضه وان المرض مرشح للتطور. لم يخرج سركيس من القصر ثرياً؟ - هذا الرجل العصامي كان قمة في النزاهة. كان درساً لكل مسؤول وموظف. لماذا عمل سركيس لاحقاً في مصرف يملكه النائب عصام فارس، هل كان في ضائقة مالية؟ - مع اقتراب ولايته من الانتهاء كان سركيس يعبّر امام اصدقائه انه لا يستطيع ان يبقى من دون نشاط معين بعد تركه الرئاسة، ولم يكن المرض ظهر عليه بعد. لم يكن لي دور في هذه المسألة لكنني أروى ما سمعته وهو ان عصام فارس النائب الحالي كان معجباً بسركيس وبالسياسة الحكيمة التي ينتهجها واقترب منه وأحبه وبادله الرئيس المحبة. قبيل نهاية العهد طرح فارس على الرئيس سركيس فكرة ان يتولى، بعد رئاسة الجمهورية، رئاسة مجلس ادارة مصرف يؤسسه فارس واسمه "ويدج بنك". راقت الفكرة لسركيس ووافق. ذات يوم أشاد سركيس امامي بعصام فارس ولم اكن اعرف الرجل وكان ذلك بعد اشتداد المرض على سركيس. قال لي انه مدين له جداً لمشاعره تجاهه. سألته عن السبب فقال لي انه طلب من فارس تعيين شخص آخر بدلاً منه لأن حاله الصحية لم تعد تسمح له بالقيام بواجبه كاملاً، وان فارس ردّ عليه برفض قاطع وقال له ستبقى الى ان تتعافى تماماً فوجودك بيننا بركة، ونحن مدينون لك، أثّر هذا الكلام في سركيس لأن فارس لم يطلب منه شيئاً يوم كان رئيساً. بطرس النموذج كيف تقوّم تجربة فؤاد بطرس؟ - كان الرئيس فؤاد شهاب يعتبر فؤاد بطرس نموذجاً لما يجب ان يكون عليه رجل السياسة ورجل الدولة في لبنان. يعود الفضل في اكتشافه لمدير الامن العام في حينه المقدم توفيق جلبوط. استوقفت الشهابيين في فؤاد بطرس مواصفات مهمة: الكفاءة والاستقامة والمسؤولية ووعي حقائق التركيبة اللبنانية والابتعاد عن الاسلوب الذي يسعى الى اكتساب شعبية ولو على حساب مصلحة الدولة والوطن. مسؤولية في انتقاء الخيار الافضل ومسؤولية في تحمّل تبعات القرار. واعتقد ان مواصفات فؤاد بطرس هي اليوم موضع تقدير غالبية اللبنانيين على اختلاف اهوائهم وميولهم الاسبوع المقبل: الاستقالة والسر