عكفت الحكومة اليمنية اخيراً على اصدار مشروعات قوانين لسد النوافذ التي ترى ان الريح تنفذ من خلالها، وتمثل ثغرات تتسرب منها احزاب المعارضة وهكذا اصدرت مشروعات قوانين التقسيم الاداري والاختطاف، ثم "تنظيم المظاهرات والمسيرات والتجمهر". صدر كل من المشروعين الاولين بقرار من رئيس الجمهورية لغياب مجلس النواب في اجازة طبقاً للمادة 95 من الدستور. واقرت الحكومة القانون الثالث وارسلته الى مجلس النواب لاستكمال الاجراءات الدستورية بشأنه. وكما مثل هذا المشروع الاخير "ثالثة الأثافي" لدى الحكومة لأهمية موضوعه لأنه سد اكبر نافذة في وجه ريح المعارضة فان احزاب المعارضة اعتبرته "شر الثلاثة" و"قاصمة الظهر" ومن ثم بدا كأنه أسفر عن نتيجة عكسية بأن فتح لريح المعارضة نوافذ جديدة لم تكن في الحسبان، على رغم ان الحكومة اقرت اعداده من حيث المبدأ في 24 حزيران يونيو الماضي، عقب تظاهرات الاسعار، الى جانب قانون جرائم الاختطاف. وبدأت معارضة الاحزاب له وهو لا يزال مجرد بند في اجتماع الحكومة وخبراً في وسائل اعلامها، إلا أن وقعه كما ظهر بعد اعداد المشروع واقراره كان اشد من التوقع لدى احزاب المعارضة بحسب رد فعلها تجاهه، وفي مقدمتها الحزب الاشتراكي الذي عبّرت صحيفته الاسبوعية في اليوم التالي، عن اول ردود الفعل تجاه المشروع فوصفته بأنه تضمن قيوداً على الحريات العامة، "بهدف تضييق الهامش الديموقراطي المتبقي للجماهير، وأن صدوره بالصيغة والمضامين الواردة فيه" أمر يبدو باعثاً على القلق والخشية لدى الاحزاب والتنظيمات السياسية من القيود والتقنينات الجديدة لحرية التعبير عن الرأي بالطرق والوسائل السلمية، خصوصاً ان الحكومة أقرت المشروع "دون مشاورة للقادة السياسيين او الخبراء القانونيين الذين يفاجأون باصدار قوانين جاهزة دون تمريرها على مجلس النواب". جاء مشروع القانون، الذي تضمن 25 مادة في خمسة فصول، موضع انتقاد حاد وموضوع مناقشات واسعة بين الاوساط السياسية والقانونية. ومن خلال مشاركة "الوسط" في جوانب المناقشات ومن مجمل الحوارات التي اجرتها مع عدد من الاكاديميين والقانونيين والنواب وقادة المعارضة يمكن القول ان هذه المصادر اكدت ان المشروع يهدف الى "الغاء الحق الدستوري للمواطن في التظاهر والمسيرات السلمية او تعطيله الا في حالات نادرة" وذلك لما فرضه من قيود وشروط. وانصبت حدة الانتقاد على جوانب رئيسية من المشروع، ابرزها فرض شروط مشددة على التظاهرات او المسيرات، منها تشكيل لجنة تتقدم بطلب الى ادارات الامن قبل اسبوع على الاقل من موعد التظاهرة وان يشرح الطلب موعدها ومكان انطلاقها وخط سيرها وانتهائها واسبابها واهدافها وشعاراتها وتوقيعات رئيس واعضاء اللجنة. ومنها: ان اجراءات الطلب تعني ضمناً تعطيل التظاهرة، اذ ان عدم الرد على طلب اللجنة بعد اسبوع من تقديمه، يعتبر رفضاً ضمنياً، تعود بعده اللجنة الى التظلم لوزير الداخلية فاذا جاء رده بالرفض جاز لها الطعن لدى المحاكم. وهذا، كما ترى المصادر السالفة، تعطيل للتظاهرة حتى يمر موعدها قبل الترخيص. كما اعتبر المشروع اللجنة المنظمة للتظاهرة مسؤولة بكل اعضائها مسؤولية تضامنية عن أي مخالفات لما تضمنه الطلب ومسؤولية جنائية ومدنية عما تسفر عنه التظاهرة من جرائم وأضرار. ورأت المصادر ان ذلك يمثل "اجحافاً بحق اللجنة وتحميلها فوق مسؤولياتها ومخالفة لثوابت القانون الجنائي الذي يعتبر الجناية تخص مرتكبيها". واعطى المشروع في الفصل الثالث سلطات الامن الحق في تعديل موعد التظاهرة او مكانها لاعتبارات امنية، وفي استعمال القوة ضدها اذا كان الغرض ارتكاب جريمة او التأثير في عمل السلطات العامة، وفضها في خمس حالات، منها اذا لم تحصل التظاهرة على اذن مسبق او خرجت عن اهدافها او تخللتها هتافات تدعو الى الفتنة. واعتبرت المصادر ان هذه "عبارات وشروط عامة يرجع تفسيرها للسلطات الامنية لتستند اليها لقمع أي تظاهرة" . وفي الفصل الرابع، حدد المشروع العقوبة بالسجن لمدد تراوح بين اسبوع وسنتين، او بغرامة مالية من ألف الى 200 ألف ريال تتصاعد العقوبات بحسب ما تقع فيه التظاهرة من المخالفات الواردة في القانون، ومنها الاشتراك في تظاهرة من دون اذن مسبق او بعد امر بمنعها او رفض الامر بمنعها او حمل سلاح ناري او آلة تسبب الوفاة او الضرر الجسماني. واخذت المصادر على المشروع انه اقتصر في نصوصه على واجبات المتظاهرين وعقوباتهم والمحظورات عليهم وحق السلطات في اتخاذ الاجراءات ضدهم من دون ان يذكر حقوق المتظاهرين في ناحيتي تنظيم التظاهرات والتظلم ضد قرار الرفض، كما انه لم يذكر واجبات سلطات الامن تجاههم ولا الممارسات المحظورة ضدهم، "كأن القانون محاكمة وادانة مسبقة للتظاهرات والمتظاهرين بلا دفاع او محامين"، طبقاً لما قاله السيد محمد المقالح لپ"الوسط". واضاف ان هذا المشروع وفر للسلطات كل المبررات والذرائع "لرفض التظاهرات والغائها وقمعها من دون ان يقدم وسيلة واحدة لحماية المتظاهرين". وانه يعني باختصار "ان لا تقوم تظاهرة او مسيرة ضد السلطة او اي شخص او جهة فيها وان تقتصر على التأييد". وتابع المقالح القيادي في حزب الحق ان هذا ليس فقط ضد الحقوق الدستورية للمواطنين، بل ليس في صالح السلطة بأي حال "لأنه يعني ان يلجأ الناس في التعبير عن آرائهم واحتجاجهم الى الاعمال المحظورة في الخفاء". ووصف قيادي في المنظمة اليمنية للحقوق والحريات العامة المشروع، بأنه يختلف اختلافاً كاملاً مع الدستور ومع التزام الدولة تجاه الاعلان الدولي لحقوق الانسان، وقال الدكتور محمد عبدالملك المتوكل ان المشروع يجر المجتمع الى العنف ويشجع على استخدام السلاح. واضاف في تصريحه لپ"الوسط" ان المفترض في السلطة ان تشجع الناس على العمل السلمي والديموقراطي في التعبير عن آرائهم، لا ان تضع العوائق امامهم "فالمشروع يعني في النهاية ان لا تسير تظاهرات الا خلافاً للقانون". وفي كل الاحوال، فان هذا القانون لا يزال مشروعاً، والكلمة الاخيرة في اقراره او الغائه او تعديله لمجلس النواب، مع الأخذ في الاعتبار ان انتقاده لم يقتصر على المعارضة، ولهذا فان المراقبين يعتقدون بأن تعديله راجح وان الغاء صيغته امر لا يزال وارداً. الا ان صدور قانون من هذا القبيل امر لا مناص منه في نهاية المطاف