عقد "حزب الله" مؤتمره الذي تداوله الإعلام اللبناني كثيراً وانتخب للمرة الثالثة على التوالي السيد حسن نصرالله أميناً عاماً، كما ادخل سلسلة تعديلات على قياداته والهيئات الأساسية فيه. وقد خالف بذلك قانون الحزب أو دستوره الذي يسمح بولايتين متعاقبتين للأمين العام. لكنه تحوط لهذه النقطة بإدخال تعديل على هذا القانون او الدستور. إلا ان الذي لم يعرف ما إذا كان التعديل تم على الطريقة المألوفة في الانتخابات الرئاسية اللبنانية بأن يقتصر على مرة واحدة أو هل هو دائم. ولكن النتيجة في الحالتين واحدة، فالسيد نصرالله سيستمر ثلاث سنوات اضافية في الموقع الذي شغله ست سنوات سابقة. أما بعد انقضاء هذه المدة فإن احداً لا يعرف ما سيحصل، باعتبار ان التطورات مرهونة بأوقاتها. ماذا يعني التجديد مرة ثانية للسيد نصرالله في الامانة العامة ل "حزب الله"؟ هذا السؤال طرحه كثيرون سواء قبل انعقاد المؤتمر المشار اليه عندما كانت المعلومات المتوافرة تؤكد كلها حتمية التجديد الثاني له او بعد موافقة القاعدة الناخبة في الحزب على هذا التجديد. وحاولوا ايجاد اجابات عنه ونجحوا الى حد كبير في ذلك معتمدين على تحليلهم للوضع اللبناني والسوري والايراني ولأداء الحزب في ضوء هذه الاوضاع كلها اكثر من اعتمادهم على كلام مباشر من قيادته أو من المسؤولين البارزين فيه. وأبرز تلك الاجابات ما يأتي: 1 - يعني التجديد الثاني لنصرالله في الامانة العامة ل "حزب الله" وكذلك لمعظم قيادته وإنْ بالانتخاب، على رغم التغييرات الطفيفة التي حصلت، نجاح هذه القيادة في الانتصار على التحدي الذي رفعه علانية في وجهها العام الماضي الشيخ صبحي الطفيلي اول امين عام للحزب منذ تأسيسه، ونجاحها ايضاً في احتواء الآثار السلبية التي تركها تحركه على الحزب - قاعدة وكوادر قيادية - وعلى جمهوره داخل الطائفة الشيعية، وفي الوقت نفسه في الحؤول دون أن يخلف هذا التحرك آثاراً جديدة من شأنها إلحاق الضرر به على اكثر من صعيد. ذلك ان حركة الطفيلي أو "ثورة الجياع" التي أعلنها لم تكن وليدة ساعتها في رأي الحزب. فهي اعلان رسمي لخلاف مستحكم نشأ بينه وبين قيادة الحزب بزعامة السيد نصرالله. وأسباب الخلاف او عناوينه كانت سياسية لكنها تعلقت ايضاً بالنهج الذي اراد الطفيلي فرضه على الحزب وهو لا يحترم، في رأي خصومه، أنظمة الحزب وقوانينه. إذ أراد فرض نهجه الحزبي والسياسي على قيادة الحزب وكوادره وقواعده على رغم وقوف غالبية هؤلاء ضد ذلك النهج. وعندما عجز عن ذلك عمد الى احراج الحزب عن طريق القيام بتحرك منفصل من شأنه بلبلة القواعد والكوادر الحزبية فضلاً عن انصار الحزب ومن شأنه ايضاً شرذمة واضعاف المقاومة لإسرائيل وافساح المجال امام قيام حركة اسلامية اصولية شيعية منتظمة تقف على يسار "حزب الله". وانتهج في ذلك سياسة وضع الشيعة عموماً وجمهور "حزب الله" في مواجهة قيادته، من خلال تبني قضايا محقة في جوهرها مثل الجوع والفقر والتردي الاقتصادي واهمال المناطق المحرومة، مخيراً اياها بين قبول نهجه وسياسته وتالياً قيادته وبين تزعمه حركة تضعف "حزبها". إلا أن قيادة الحزب كانت اكثر واقعية وحكمة وحنكة، إذ حاولت التوصل الى تفاهم مع الطفيلي بالحوار المباشر وكذلك بمساع جدية قامت بها الجمهورية الاسلامية الايرانية - راعية "الحزب" - وسورية - حليفة الفريقين والقوى الفاعلة الوحيدة على الساحة اللبنانية منذ تشرين الاول اكتوبر 1990. ولما لم تنجح محاولة القيادة بسبب تصلبه وعناده استعملت الاسلوب نفسه الذي استعمله معها، فوضعته اولاً في مواجهة السلطة اللبنانية التي وان غذى بعضها تحركه او غض النظر عنه لاعتبارات داخلية صرفة، كانت تركز على منعه من تهديد السلم الاهلي والامن والاستقرار. ووضعته - ثانياً - في مواجهة الجمهورية الاسلامية الايرانية التي اعتبرت تحركه تمرداً عليها، ولا سيما بعد رفضه نصائحها وافشاله وساطاتها المتكررة. ووضعته - ثالثاً - في مواجهة سورية التي تساهلت معه في البداية انطلاقاً من سياسة ثابتة تقضي بتجميع أوراق يمكن استعمالها لاحقاً وعند الحاجة في الداخل او الخارج لتعزيز موقعها او لمنع محاولات اضعافه والتي لا تستطيع ان تتساهل فيها معه إذا مسّ السلم الأهلي والاستقرار الأمني على نحو خطير، وإذا ضرب صدقية حلفائها المتنوعين ورصيدهم الشعبي والسياسي. ووضعته - رابعاً وأخيراً - في مواجهة الحزب - قيادة وقاعدة. إلا أن الانتصار على الطفيلي ليس كاملاً. لأنه لا يزال طليقاً في الجرود، ليس لعجز القوى الامنية العسكرية اللبنانية والسورية عن القبض عليه، بل لأسباب أخرى منها ان القبض على الطفيلي سيجر الى تحقيقات قد تكشف أموراً كثيرة لا مصلحة لأحد في كشفها، خصوصاً الحزب وإيران وسورية. وقد تكون في مصلحة اسرائيل والولايات المتحدة الاميركية. ومنها ايضاً ان القبض على أحد مؤسسي حركة المقاومة الاسلامية لإسرائيل يؤثر سلباً على المقاومة، مع ما في ذلك من تفاوت في معاملة الخارجين على القانون في لبنان. ومنها ان الطفيلي لم يعد يستطيع الاضرار بأحد الآن لكنه يبقى قادراً على الاضرار في حال احتاجت اليه القوى الاقليمية، وفي مقدمها سورية. ومن هنا ابقاؤه في جروده. 2 - يعني التجديد الثاني لنصرالله ولمعظم قيادة الحزب انتصار النهج السياسي الداخلي الذي اتبع وكان أساس الخلاف مع الطفيلي. ويقوم هذا النهج على قواعد أساسية عدة أبرزها - أولاً - الاشتراك الفاعل في الحياة السياسية اللبنانية. وقد بدأ ذلك في 1992 بمشاركة "الحزب" في الانتخابات النيابية التي أبلى فيها. وبمشاركته ثانية في استحقاق مماثل العام 1996. وأبلى ايضاً بلاءاً حسناً وان كان أقل درجة من أداء 1992 لأسباب تتعلق بالتوازنات داخل الطائفة الشيعية كما تراها سورية، وبمشاركته مرة ثالثة في استحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية في 1998 وأظهرت النتائج انه في صعود، خلافاً لأحزاب أخرى اظهرت النتائج أنها في حال دفاع عن مواقع سابقة. ويحتمل ان تزيد المشاركة المذكورة بتمثيل الحزب في الحكومة الاولى التي ستؤلف في العهد الرئاسي المقبل الذي يفترض ان يبدأ نهاية تشرين الثاني نوفمبر المقبل، وذلك أمر كان يطالب به الطفيلي عندما كان يصر على رفض المشاركة في الانتخابات النيابية. ثانياً: الفعل في الحياة السياسية اللبنانية من خلال انفتاح "حزب الله" على التعاون مع الاحزاب والشخصيات السياسية، والمرجعيات الدينية في لبنان، في اطار صيغة جبهوية، على رغم الصعوبات الكثيرة التي تعترض ذلك. ومن الصيغ التي قد يفكر بها بعضهم تلك التي تضم الاحزاب الدينية، أو ذات التوجه الديني، والمرجعيات الدينية لمواجهة الاحزاب والحركات العلمانية المرفوضة من كل هؤلاء. لكن صعوبتها تكمن في ان الرفض المذكور قد لا يكون كافياً لإنجاح صيغة كهذه، نظراً الى الاختلاف بين اعضائها المحتملين، حول قضايا كثيرة بعضها جوهري، وتكمن ايضاً في قيام صيغة من الاحزاب والشخصيات العلمانية في المقابل، الأمر الذي قد يقسم البلاد، بطريقة تؤثر في الاستقرار والوضع العام، في ضوء المواجهة القائمة مع اسرائيل التي تقتضي تجميعاً لنقاط الإلتقاء لا الخلاف. ومن الصيغ أيضاً، واحدة تشبه "الحركة الوطنية"، التي انهاها الاجتياح الاسرائيلي للبنان في 1982، وهي اقرب الى التحقق من "الجبهة الدينية"، اذا جازت تسميتها كذلك. لكن تعترضها بدورها صعوبات متنوعة، مثل موسميتها واختلاف أطرافها المحتملين على قضايا جوهرية، الأمر الذي يحصر فاعليتها بقضية معينة أو وقت محدد. ثالثاً: الحرص على عدم شرذمة الطائفة الشيعية على رغم التمسك بإبقاء التنافس السياسي الديموقراطي داخلها مفتوحاً. وينطلق هذا الحرص من عدم وجود أي مصلحة ل "حزب الله" في تحويل التنافس السياسي والانتخابي الشديد مع حركة "أمل"، وتحديداً مع زعيمها نبيه بري رئيس مجلس النواب، وكذلك الحساسيات والفروقات العقائدية، صراعاً حاسماً او حرباً ضروساً، لاعتبارات متنوعة. منها معرفته بأن ذلك خط أحمر عند سورية، لان كلا الفريقين حليف استراتيجي لها، ولأنهما يشكلان معاً الحليف الاستراتيجي الاوحد، او على الاقل الابرز على الساحة اللبنانية. ومنها ايضاً حرصه على استمرار مقاومة الاحتلال الاسرائيلي، الذي لا بد ان تتأذى كثيراً من الخلاف مع "أمل" وقد تجلى هذا الحرص، اثناء تعاطيه مع "مشكلة" الطفيلي قبل اشهر ، وكذلك على الطريقة التي انتهت بها، اذا كانت قد انتهت. رابعاً: استعداد "حزب الله" للتعاون جدياً، مع رئيس الحكومة رفيق الحريري، الذي يبدو ان التغيير في الرئاسة الاولى لن يطاوله بنتائجه، في كل القضايا والموضوعات السياسية والوطنية. وينطلق هذا الاستعداد من أمرين. الاول: ملاحظته جدية الحريري في التعاطي مع القضايا الوطنية، وآخرها قيادة مبادلة اشلاء جندي اسرائيلي سقط اثناء اعتداء وحدة كوماندوس على لبنان بزهاء مئة من الاسرى والشهداء اللبنانيين. والأمر الآخر: اقتناعه بأن رئيس الحكومة، على رغم اخطائه المعروفة، يبقى الأقدر على معالجة القضايا والمشكلات القائمة، لاعتبارات مختلفة، وبأنه لن يستطيع غيره في المرحلة الراهنة وخلال المرحلة الاولى من العهد الرئاسي المقبل أن يقوم بهذه المعالجة، كما انه لم يكن في وسعه تحقيق ما حققه حتى الآن، على رغم ضخامة كلفته. إلا أن "الحزب" يريد تعاوناً حقيقياً، ويرفض ان يكون غطاء أو مطية لأحد. أما القاعدة الخامسة فتتمثل في توسيع آفاق مقاومة الاحتلال الاسرائيلي بحيث لا تبقى مقتصرة على الطائفة الشيعية في معظمها وبحيث تتحول وطنية يشارك يها كل اللبنانيين الراغبين في ذلك على تنوع انتماءاتهم الطائفية والمذهبية والحزبية والسياسية. ومن هناك كانت "سرايا المقاومة" التي انشأها الحزب منذ أشهر وفتح أبوابها للجميع ولكن ليس من دون تدقيق حرصاً على سلامته وعلى سلامة المقاومة واستمرارها. ومن هنا ايضاً كان انفتاحه على المرجعيات الدينية المسيحية وفي مقدمها البطريركية المارونية. ومن هنا أيضاً كان انفتاحه على الاحزاب المسيحية على رغم عدم جواز اطلاق هذه التسمية عليها لتحول معظمها ضباطاً بلا عسكر وعلى التيارات المسيحية حتى التي تملك توجهات محلية مختلفة ومواقف غير ايجابية من سورية، حليف "الحزب" وصاحبة الكلمة الفيصل في لبنان. هل تحفظ النجاحات التي حققها "حزب الله" في لبنان بقيادة امينه العام السيد حسن نصر الله وابقاؤه في موقعه مرة ثالثة مستقبل وضع المقاومة و"الحزب"؟ إن استمرار الاحتلال الاسرائيلي لأجزاء من الجنوب والبقاع الغربي يبقي المقاومة متوهجة ويساعد في توسيع قاعدتها الوطنية. اما زواله فإنه لا بد ان يؤثر فيها. لكن تأثره يختلف باختلاف طريقة زواله أو اسلوب انسحاب الجيش الاسرائيلي المحتل. فإذا كان الانسحاب نتيجة تسوية سلمية لبنانية وسورية مع اسرائيل، في اطار عملية السلام المستمرة منذ اعوام، فإن "المقاومة" العسكرية قد تتوقف على رغم رفض "الحزب" هذه التسوية من منطلق عقائدي وايديولوجي. لعدم القدرة على استمرارها في ظل رفض لبناني - سوري، وفي ظل التزامات من بيروت ودمشق. لكنه يكون جاهزاً لاستئنافها في حال وجود استراتيجيا عربية واسلامية شاملة للتحرير، ذلك ان القدس وفلسطين هما قضية الأمة كلها اسلامية كانت او عربية. واذا كان الانسحاب نتيجة تسوية امنية غير مباشرة. مقبولة من لبنان وسورية، فإن تصرف المقاومة لن يختلف عن تصرفها المشار اليه، اما اذا كان انسحاباً من طرف واحد فإن كل الخيارات تبقى مفتوحة. مع الاشارة، الى ان "الحزب" المقاوم ليس متهوراً، وإلى ان سورية مشهورة بحساباتها الدقيقة. أما وضع "حزب الله" ودوره مستقبلاً فيختلفان باختلاف التطورات الاقليمية المرتقبة وأبرزها اثنان، الاول: انتهاء الاحتلال الاسرائيلي للبنان او استمراره، فالاستمرار يضاعف قوة الحزب ويفتح آفاق ترسيخه وانتشاره. والانسحاب يجعله فريقاً من جملة الفرقاء على الساحة السياسية والحزبية اللبنانية، ويجعل وضعه ودوره رهن تطوراتها. والتطور الآخر هو العلاقة بين ايران راعية "حزب الله" ومؤسسته، وسورية داعمته وحاميته في وجه اعداء الداخل والخارج. وهذه العلاقة لا تزال حتى الآن تحالفاً استراتيجياً ولا احد يعرف ماذا سيكون تأثير تناقض طرفي هذا التحالف في حال حصوله على "الحزب"، خصوصاً اذا ادى اليه تناقض مصالح كل منهما الاقليمية واللبنانية. فهناك من يعتبر ان التناقض يضعف "الحزب" لأنه "ايراني" جوهراً ولأن الغلبة في لبنان لا يمكن ان تكون إلا لسورية في حال اختلفت مع ايران. ويرى الآخرون ان التناقض لن يؤثر فيه، لأنه أضحى سورياً بسبب وجود سورية في لبنان، ولحاجته الى دعمها وحمايتها