أطلق الشيخ صبحي الطفيلي الأمين العام السابق ل "حزب الله" وأحد أبرز مؤسسيه، حركة شعبية سماها "ثورة الجياع" ضد الحكومة اللبنانية والحكم عموماً، لتجاهلهما الفقر والمحرومين في كل لبنان، خصوصاً في البقاع وتحديداً في منطقة بعلبك - الهرمل ولانهماكهما في الفساد على انواعه. وفي اواخر شهر أيار مايو الماضي قام اهالي حي السلم في الضاحية الجنوبية ب "تحرك بيئي" أدى الى احراق محرقة النفايات في منطقة العمروسية. وأثار ذلك قلق الناس والسلطة لاعتبارات متنوعة اهمها اقتراب موعد اطلاق "ثورة الجياع" والخوف من ان تؤدي هذه الثورة ليس فقط الى انفصال البقاع عن الدولة رسمياً من خلال امتناع اهله عن دفع الرسوم والضرائب وثمن المياه والكهرباء والهاتف، وهو انفصال قائم عملياً ولا يقتصر على الجنوب وحده، بل ايضاً الى تحول العصيان المدني الذي دعت اليه "الثورة" عصياناً غير مدني كان احراق العمروسية "بروفة" له. وفي 4 تموز يوليو قام الطفيلي بثورته التي اقتصرت على تجمع شعبي واسع الى حد ما تخللته خطابات وشعارات معادية كلها للحكومة والحكم. واستمر الأمين العام السابق ل"حزب الله" في تحركه سواء بالخطب او من خلال اجتماعات مطلقاً التهديدات، وكان ابرزها منع نواب ووزراء من دخول منطقة البقاع، الأمر الذي اربك السلطة ورعاتها الاقليميين، اي سورية، فحصلت مداخلات فعلية معه. في هذه الاثناء شكل الطفيلي مجلساً للاعيان وراح يتصرف - نظرياً على الاقل - على اساس انه يريد اقتطاع منطقة البقاع - الهرمل من خلاله. وفي شهر كانون الثاني يناير الماضي فصلته قيادة "حزب الله" من الحزب بموافقة ايران بعد عجزها عن اقناعه بالتخلي عن حركته التي تؤثر سلباً على الحزب، وأوقفت مخصصاته المالية التي تردد انها كانت تبلغ حوالي عشرين ألف دولار أميركي شهرياً. فرد باحتلال حوزة دينية كانت اقامتها في بعلبك قبل سنوات بعد طرد عناصر "حزب الله" منها. لكن عناصر "الحزب" طوقتها ثم انسحبت بعد وصول الجيش. فوقع اشتباك مسلح بين القوى الأمنية ورئيس جماعة الطفيلي في اعقاب رفضه اخلاء الحوزة، وسقط قتلى وجرحى من انصاره ومن الجيش ومن الاهالي. واستعيدت الحوزة وألقي القبض على كثيرين من مؤيدي الطفيلي الذي تمكن من الإفلات. ما أسباب "ثورة" الطفيلي وخلفياتها الحقيقية؟ لقد دارت تساؤلات وتعليقات كثيرة يمكن ايجازها في النقاط الآتية: 1 - الهدف من التحرك تصحيح مسار "الحزب" الذي ساهم الطفيلي في تأسيسه وتولى امانته العامة، وتحديدا المسار الإسلامي، لأنه اقترب كثيرا من حال "الانحراف"، في رأيه، عندما قررت قيادته دخول اللعبة السياسية في لبنان بكل بشاعتها، من باب الانتخابات النيابية وعندما رسخت هذا الدخول معطية بذلك هذه اللعبة والنظام القائم عليها تغطية "شرعية" لا يستحقانها. "ثورة مستقلة"؟ 2 - رمى الشيخ الطفيلي من "ثورة الجياع" الى تأمين موقع له فاعل، سياسياً ودينياً، بعدما نجح "حزب الله" على رغم دخوله اللعبة السياسية اللبنانية، في فرض نفسه فريقاً اساسياً في المعادلات السياسية والوطنية والشعبية والشيعية. ومن أبرز اسباب نجاحه المقاومة الشرسة التي يقودها ضد الاحتلال الاسرائيلي في الجنوب والبقاع الغربي. وقد ادى ذلك الى تهميش الشيخ الطفيلي سنوات عدة قبل ان ينجح في اعادة فرض نفسه. 3 - استقلالية تحركه في بدايته عن اي قوة اقليمية مؤثرة في لبنان، لكن كثيرين يكادون ان يجمعوا الآن على ان تحركه ما كان ليستمر، وان في مد وجزر، لولا تساهل سورية معه وتسامحها. ذلك انها ليست القوة الاقليمية الاولى في لبنان فحسب، بل هي القوة الاقليمية الاولى والاكثر تأثيراً في منطقة البقاع مسرح تحرك الطفيلي و"ثواره"، وهي المنطقة الاستراتيجية في مواجهة اسرائيل. وانطلاقاً من ذلك كان من الصعب على الأمين العام السابق ل "حزب الله" القيام بتحرك او الاستمرار فيه من دون موافقة دمشق، لا بل يرجح كثيرون ان تكون سورية تركت الطفيلي "يتورط" بإعلان "ثورة الجياع" وبالدعوة الى العصيان المدني لتحقيق جملة اهداف، اولها احتواء هذا الشيخ الذي عرف باستقلال شخصيته وطبعه العنيد والمتصلب واستعصائه على الاحتواء والذي يهدد استمراره سياسات سورية عدة، بعضها يتعلق بلبنان وربما بدورها فيه، وبعضها الآخر بالمنطقة وتحديداً باحتمالات انهاء الصراع العربي - الاسرائيلي، علماً ان الطفيلي لم يبد مرة واحدة، على الاقل علناً، عداء لدمشق. و"التورط" المذكور يسهل الاحتواء لا بل يجعل تلافيه صعباً، لأنه ضد الدولة والنظام والتركيبة الحاكمة، وبات تالياً في حاجة الى رعاية وحماية تحولان دون تكتل من يستهدفهم ضده، لكنهما ليستا من دون مقابل. والهدف الثاني توظيف "ثورة الجياع" ذات الاسباب المبررة لابقاء السلطة اللبنانية، وتحديداً رئيس الحكومة رفيق الحريري، تحت الضغط المستمر، لأنه لا يزال بحاجة لسورية ودورها في لبنان، مع انه لا يوحي لها بالكثير من الاطمئنان، سواء بسبب حجمه الداخلي والعربي والدولي الكبير، أم بسبب عدم اقتناعه بممارسات لها في لبنان على رغم احجامه عن ترجمة هذه الاقتناعات عملياً. ويعود هذا التوظيف الى اسباب عدة منها ان الشخصيات والجهات المحلية السياسية والنقابية التي نفذت هذا الدور بجدارة طوال سنوات لم تعد قادرة على متابعته بعدما استنفدت طاقاتها. ومنها ايضاً ان الفئات الاخرى الرسمية تضررت من التصدي المباشر للحريري شعبياً على الاقل الامر الذي فرض تراجعها وان تكتيكيا حفاظا على رصيدها الكبير، ومنها ثالثاً وجود مبرر فعلي وحقيقي لتحرك الشيخ الطفيلي خصوصاً الاهمال والحرمان المزمنين لمنطقة البقاع، وبعلبك خصوصاً، ومنها الوجود الفاعل لقائد "الثورة" داخل التيارات الاسلامية الاصولية الشيعية في لبنان. الوضع الشيعي وثالث الاهداف ترتيب الوضع الشيعي المؤثر جداً في البلاد بطريقة تحول دون نجاح ايران في استقطاب ابناء الطائفة الشيعية كلهم، مستفيدة لتحقيق ذلك من تزايد نمو "حزب الله" في الاوساط الشيعية الذي رعت تأسيسه ودعمته بسبب مقاومته الشرسة لاسرائيل. طبعاً، لا يزال هناك تحالف استراتيجي بين سورية وإيران ولا يبدو انه مرشح للانفراط، على الاقل في المستقبل المنظور. وتعرف ايران دور سورية المباشر في حماية الحزب والمحافظة عليه وتعترف به وتعرف انها لا تعارض نفوذها داخله وداخل التيارات الاسلامية التي يشكل عمودها الفقري، لكنها تعرف ايضاً ان ذلك يبقى مرتبطاً بالاستراتيجية السورية العامة سواء في لبنان أم في المنطقة، وان اي تجاوز للحدود لن يتم التساهل معه. اما رابع الاهداف وآخرها، والمشيرون اليه يناصبون سورية العداء، فهو "شرشحة" الوضع اللبناني بمفاصله وتفاصيله وخلق اجواء ناقمة في البقاع تدفع اهله او فاعلياته الى تفضيل التعاطي مع سورية مباشرة على التعاطي مع السلطة اللبنانية، وتسمح لدمشق اذا تعرضت لضغط اسرائيلي او اميركي او اسرائيلي - اميركي كي تتخلى عن لبنان او عن طريقة وجودها فيه، بالاحتفاظ بالبقاع للسبب الاستراتيجي نفسه وربما لأسباب اخرى ايضاً. بماذا يرد الشيخ الطفيلي. عندما زرناه قبل فترة في الضاحية الجنوبية لبيروت، استنتجنا من حديثه المعطيات الآتية: - لم يبحث الشيخ الطفيلي يوماً عن موقع سياسي ولم يسع للحصول على اي سلطة سياسية. والادلة على ذلك كثيرة لعل ابرزها رفضه اقتراح رفاقه في قيادة "حزب الله" تولي امانته العامة بعد استشهاد امينه العام السيد عباس الموسوي من جراء غارة اسرائيلية استهدفته وعائلته قبل اعوام في الجنوب. وقد دعم الطفيلي السيد حسن نصر الله لتولي هذه المسؤولية البالغة الاهمية وقام بالتحرك والنشاط اللازمين داخل قيادة الحزب لترتيب خلافة الموسوي على هذا النحو. 2 - الشيخ الطفيلي على خلاف مع القيادة الحالية ل "حزب الله" منذ العام 1992 بسبب معارضته الاشتراك في الانتخابات النيابية التي جرت في ذلك الوقت، لكنه على رغم ذلك آثر التريث وترك هذه القيادة تكتشف انها اخطأت بعملها. كما تحاشى القيام بأي عمل يؤذي الحزب ويعطل المقاومة الشرسة التي ينفذها ضد الاحتلال الاسرائيلي لأجزاء من لبنان، وتحركه الهادئ منذ شهر أيار مايو الماضي ليس للانتقام من الحزب وتحديداً من قيادته وليس للعودة الى الواجهة السياسية او الاسلامية او الحزبية. اما لماذا كان قرار المشاركة في الانتخابات خطأ، وربما انحرافاً، فلأن "حزب الله" اسلامي. وانطلاقاً من العقيدة الاسلامية لا يجوز له كما لأي مسلم التعامل مع الظالم، والسلطة اللبنانية او النظام اللبناني، او اللعبة السياسية اللبنانية، قائمة على الظلم، الا في 3 حالات محددة. الأولى ان يكون التعامل بقصد تحقيق اختراق غير ظاهر لأهداف امنية او استعلامية وما شابه تساعد في تطبيق العقيدة الاسلامية والنظام الاسلامي. والثانية ان يكون التعامل نتيجة اكراه من الظالم، اي غصباً عن ارادة الاسلاميين. والثالثة ان يكون التعامل بهدف احتلال موقع معين واستعماله لتحصيل حقوق المستضعفين ولتقوية الاسلاميين في تطبيق عقيدتهم. هذه الحالات الثلاث لم ينطبق عليها اشتراك "حزب الله" في انتخابات العام 1992. ولا في انتخابات العام 1996. والحالة التي ينطبق عليها هذا الاشتراك في رأي الطفيلي والاوساط القريبة منه هي مسايرة السلطة الظالمة او الحكام الظالمين من اجل تحقيق مكاسب معينة معظمها سياسي. وهذا امر يضرّ الاسلاميين ويغطي الظالمين. ويستدرك المقربون من الطفيلي بقولهم انه لم يلجأ الى العصيان قبل ان يستنفد المحاولات مع قيادة "حزب الله"، وكانت آخرها قبل انتخابات 1996، اذ التقاها مرات عدة وطرح عليها تقويم تجربة 1992 والتخلي عن تكرارها لان آثارها كانت سلبية، لكنها لم تقتنع. وكان طرح هذا الامر على الدكتور علي اكبر ولايتي وزير الخارجية الايراني السابق قبل انتخابات العام 1992 وطلب منه بوصفه ممثل دولة ساهمت في استنهاض الحركة الاسلامية في لبنان وفي العالم وتحديداً في تأسيس "حزب الله"، ان يقنع قيادة الحزب بالتراجع عن الخطأ. الطفيلي اكتشف او بالاحرى تأكد، لأنه كان يعرف الموقف الايراني قبل ذلك، ان القيادة في طهران لا تزال تغطي قيادة الحزب حتى في موقفها الايجابي من الانتخابات النيابية. اذ انه سمع من ولايتي "اشادة" بتجربة الاسلاميين في الاردن وباشتراكهم في الانتخابات قبل الاخيرة. و"اشادة" اخرى بالاسلاميين الاتراك الذين وصلوا الى السلطة من خلال الانتخابات عبر حزب "الرفاه" وزعيمه نجم الدين أربكان. وسمع منه ايضاً توقعاً بأن يتكرر ذلك مع اسلاميي لبنان. لكن نهاية تجربة كل من اسلاميي الاردن واسلاميي تركيا، في رأي الطفيلي والاوساط القريبة منه، كانت حزينة وقاسية، وهذا الموقف مسجل، اي انه مدون اثناء المحادثات "ويا ليت" المعنيين في بيروتوطهران يرجعون الى الارشيف. 3 - ينفي الطفيلي اي دور مباشر او غير مباشر لسورية في اطلاق "ثورة الجياع"، وفي الدعوة الى "العصيان المدني"، علماً ان جهات لبنانية وخارجية لا تزال غير مقتنعة بغياب هذا الدور. لا بل انها تؤكد ان العلاقة بينهما لم تكن جيدة في الماضي، وان توتراً سادها في مناسبات عدة كان اهمها اصطدام عدد من جماعة الطفيلي مع عناصر امنية سورية وسقوط قتلى سوريين، ما استدعى توجه مسؤول امني سوري رفيع الى منزل الطفيلي لمطالبته بتسليم المسؤولين عن الحادث، مدعوماً بتطويق عسكري سوري لبلدته، لكنه رفض تسليمهم. وعندما ابلغ اليه المسؤول السوري ان ذلك يعني مواجهة عسكرية، وقف الطفيلي ونزع عمامته وقال "الله أكبر"، مشيراً بذلك الى استعداده للمواجهة. ويستغرب الطفيلي تساؤل بعضهم عن موقف سورية من حركته واقتناع بعضهم الآخر بدورها فيها، لأن تحركه لبناني اساساً ولانه يقع تحت السقف الذي حددته سورية لأي تحرك في لبنان. فلسورية، في رأيه ورأيها، مشروع امني في لبنان، يقضي بحماية نفسها عبر القضاء على اي مصدر خطر محتمل عليها بواسطة لبنان او اللبنانيين، كما كانت الحال احياناً في الماضي. ولها ايضاً مشروع سياسي فيه. والمشروعان لا يتعرض لهما الطفيلي بأي سوء، لا بل يقبلهما ويعترف بأحقيتهما وربما يساهم في انجاحهما. وما يتعرض له هو المشروع الاقتصادي للسلطة اللبنانية وتحديداً لرئيس الحكومة رفيق الحريري الذي يقول الطفيلي انه مبني على اسس مؤذية للبلاد. ومنها ثانياً اعتماد سلم اولويات في اعادة البناء والاعمار ينعكس سلباً على الاوضاع المعيشية للناس فيزيد حرمانهم حرماناً وفقرهم فقراً. ومنها اخيراً تهيئة لبنان لمرحلة جديدة كل ما فيها مخالف للاسلام والعروبة والوطنية. وهنا يسمع الطفيلي اسئلة تعترف بتقصير الحكومات الحريرية في مجال انماء المناطق المحرومة وتحمل الحكومات التي سبقتها حتى قبل الحرب في لبنان مسؤولية ذلك. لكنها في الوقت نفسه تتناول مزاحمة العمالة السورية البالغة مئات آلاف الأشخاص للعمالة اللبنانية ودور ذلك في تردي الاوضاع الحياتية للمواطنين. لكنه على رغم اعترافه بمضمونها فإنه لا يعتبرها عاملاً حاسماً في هذا التردي. ان التصدي للمشروع الاقتصادي الرسمي الذي ينفذه الحريري وحكومته والسلطة كلها لا يؤذي سورية، في رأي الطفيلي وأوساطه، لا بل يفيدها، بدفعه في اتجاه ترتيب الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي، وذلك مفيد لها لأنها لا تستطيع تحمل تدهور كبير جداً له، فضلاً عن انها لن تستطيع تلافي تحميلها مسؤوليته او جانباً منه من جهات محلية وخارجية. وهو مفيد لها ايضاً لانه يلغي حالة سياسية قد يستغلها العدو ضدها. وعندما يسأل الطفيلي عن المشروع السياسي السوري في لبنان يكون الجواب الفوري انه موجود في اتفاق الطائف، لكن الافاضة في شرح علاقات البقاعيين بسورية واللبنانيين منذ القديم قد تعطي ملامح جواب آخر، فأهل البقاع كانت حمص والشام سوقهم التقليدية وليس بيروت. والبقاع اقرب اليهما منها، بل ان بيروت اقرب الى دمشق من تل ابيب وواشنطن وغيرها من العواصم الاجنبية. "ان لسورية حلم ما يجب عدم تجاهله". ويقول الطفيلي انه راقب الوضع الاقتصادي المتردي منذ مدة، وقرر التصدي له، لكن ليس بمفرده بل بالتعاون مع الجميع خصوصاً "حزب الله" الذي هو عضو فيه، بل انه طرح على قيادة الحزب ان تعد دراسة علمية للوضع، لا سيما في البقاع تضمنها تصورات لمعالجته على ان يتفقا بعد ذلك على آلية التحرك لتنفيذها. لكنه لم يحصل في النتيجة على التجاوب الذي اراده فتحرك منفرداً عندما ابلغته قيادة الحزب انها لا توافق على تحركه. طبعاً، لن يؤدي ذلك الى اقتتال او الى صدام مع "حزب الله"، قال الطفيلي يومها، "نحن حزب الله ونحن المقاومة ونحن حريصون عليها الى اقصى الدرجات. الا ان ذلك لا يعني هدنة او تساهلاً مع الدولة، مع السلطة ومع الظالمين الذين يجوعون الشعب. فملاحقتهم ستستمر على رغم كل القرارات الرسمية، وليس في ذلك اي تدمير للدولة ولهيبتها ولمؤسستها. لأن الدولة التي لا تحترم مواطنيها وتجوعهم او تسكت على جوعهم لا تتمتع بأي هيبة او اي احترام". هل ارتكب الطفيلي خطأ ما جعل اللقاء السوري - الايراني يرفع عنه الغطاء الذي سهل للسلطة ضرب حركته على رغم نجاحه في الفرار؟ لقد ارتكب خطأ فادحاً عندما تحول خطراً فعلياً على "مسلمات" وطنية واقليمية، فاضطر السلطات اللبنانية المختصة الى اتخاذ قرار بالتصدي له عسكرياً، كما اضطر سورية الى دعم هذا القرار وتغطيته. والاثنان مطلوبان اذ ان غيابهما كان سيؤثر جدياً في تنفيذه. وأبرز "المسلمات" ثلاث هي الآتية: 1 - السلم الاهلي في لبنان. وهو كان سيتأثر حتماً لو سمح للشيخ الطفيلي بالانتقال من النشاط السياسي الى النشاط العسكري، وتحديداً لو سمح له باقتطاع منطقة في لبنان والتصرف بها على اساس انه الآمر الناهي مبعداً عنها الدولة بكل مؤسساتها وأجهزتها المدنية والعسكرية. وهو كان سيتأثر ايضاً لو تركت الامور في منطقة بعلبك - الهرمل تتفاعل بحيث تؤدي الى صدامات مسلحة مباشرة بين جماعته و"حزب الله". ذلك ان الصدامات كانت ستدخل المنطقة بسبب الطبيعة العشائرية السائدة فيها الى ساحة للثأر على نطاق واسع، الامر الذي يهدد هيبة الدولة وسلطة القانون، وهذا الامر كاد ان يحصل قبل أيام بعدما فصل "حزب الله" الطفيلي من عضويته عندما اختطفت عناصر من جماعة الاخير سيارتين تابعتين ل "الحزب" وعندما احتلت عناصره حوزة علمية دينية في مدينة بعلبك. لكن حزم الدولة ودعم سورية ومرونة قيادة "حزب الله" او ربما "شطارتها" حالت دون ذلك. والسلم الاهلي كان سيتأثر اخيراً لو ترك الشيخ الطفيلي يقتطع منطقة لبنانية لنفسه نظراً الى ما كان يمكن ان يثيره ذلك لدى جهات لبنانية من اصل "ميليشياوي" تعاملت معها الدولة بحزم عندما ظنت أو اشتبهت بانها تعمل لإبقاء سيطرتها الفعلية على المناطق التي كانت خاضعة لها. 2 - مقاومة الاحتلال الاسرائيلي لأجزاء من الجنوب والبقاع الغربي. وهي كانت ستتأثر حتماً لو سمحت الدولة، ومن ورائها سورية، للشيخ الطفيلي بتحقيق مكاسب بوسائل غير سياسية. ذلك ان "حزب الله" المستهدف اساساً من تحركه لا يستطيع قبول هذا الوضع، الامر الذي يشرع الابواب امام صدامات مسلحة. 3 - العلاقة التحالفية الاستراتيجية بين سورية وإيران. وهي كانت ستتأثر حتما لو تركت سورية الطفيلي يمعن في تحدي "حزب الله" لأن نجاح الطفيلي يعني اضعاف الحزب والمقاومة وتالياً تقليص الدور الايراني في ازمة الشرق الاوسط أو انهاءه، فضلاً عن وضع الايديولوجيا الاسلامية الاصولية كلها في لبنان في خطر. وسورية لا تجد مصلحة لها في فك هذه العلاقة مع ايران على الاقل في المرحلة الراهنة. واضافة الى ذلك اخطأ الشيخ الطفيلي لأنه حاول تخيير سورية بينه وبين "حزب الله"، وكل عاقل يعرف من ستختار دمشق في المرحلة الراهنة. ولأنه اضعف جهات في السلطة وفي المعارضة حاولت توظيف تحركه من اجل تغيير واقع سياسي واقليمي معين ذي مفاعيل سياسية وداخلية كبيرة، كان هو يطالب بتغييره. ولأنه ازال من يد سورية ورقة كانت تستعملها لابقاء الساحة البنانية، خصوصاً الساحة الشيعية، في ظل توازن معين يحفظ مصالحها ومصالح لبنان كما تراها. ولبنان كان يفضل الا يخطئ لأنه في غنى عن ارباكات تهدد سلامه الاهلي الهش، لكنه افاد من خطئه لإقناع من لم يكن مقتنعاً بانه قادر على الوفاء بالتزاماته في حال نجحت عملية السلام وانه قادر على صون السلم الذي تحقق فيه. وسورية بدورها كانت تفضل الا يخطئ لكنها افادت من خطئه اذ اظهرت بدعمها او بتغطيتها تصدي الدولة اللبنانية له امكان الافادة منه في علاقاتها مع الخارج، خصوصاً الأطراف التي طالما تساءلت عن القوى المستمرة في راديكاليتها حتى بعد انحساب اسرائيل من لبنان والتي يعتبر الطفيلي منها. هل انتهى الشيخ صبحي الطفيلي وحركته؟ لا شك في ان الضربة التي تلقاها ستعطل هذه الحركة الى حد كبير. لكن انتهاءها رهن بالقبض عليه. ذلك ان بقاءه فاراً من وجه العدالة يعزز قدرته على الاستمرار خصوصاً ان نجاحه في البقاء على هذا النحو لا يعتبره كثيرون من اللبنانيين بريئاً على الإطلاق