للمرة الرابعة خلال سنوات التسعين، يعود معهد العالم العربي في باريس إلى تنظيم "مهرجان السينما العربية" الذي يكاد يكون المهرجان الوحيد المكرس للسينما العربية، إذ من المعروف أن مهرجان القاهرة الدولي يعرض أفلاماً من شتى أنحاء العالم، ومهرجان دمشق يعرض أفلاماً آسيوية وعالم ثالثية، إضافة إلى أفلامه العربية، أما مهرجان قرطاجالتونسي، الذي يقام مرة كل عامين مداورة مع المهرجان السوري، فإنه نصف - عربي، نصف - افريقي. للسينما العربية إذاً تبقى باريس، ومهرجانها الذي يقام كل عامين بانتظام منذ العام 1992، وريثاً لمهرجان آخر للفيلم العربي كان يقدم في العاصمة الفرنسية قبل ذلك. من خصائص مهرجان باريس الذي تشرف عليه الناقدة ماجدة واصف، أنه يعرض ما توافر من انتاج عربي في مجال الأفلام الروائية أو التسجيلية، الطويلة أو القصيرة، خلال العامين السابقين على كل دورة من دوراته. وهو، في هذا المعنى يكاد يعتبر مرآة ما، لحال الانتاج العربي الراهنة. من هنا إذا حكمنا على هذه الحال من خلال الشرائط التي اختيرت لتظاهرات الدورة الجديدة المتنوعة، لن نجد ما يسر هواة السينما كثيراً. إذ، وكما بات يحدث بحكم العادة، تأتي رياح الأفلام بما لا تشتهي سفن أهل المهنة وهواة الفن السابع. ومن جديد يعود السؤال حول غياب هذا الفيلم أو ذاك، هذا البلد أو ذاك، بل أحياناً حول الحضور الناقص لمخرج معين كان فيلم له أثار ضجة كبيرة، ضمن إطار العامين الفائتين. هنا على سبيل المثال يحضر اسمان أساسيان، على ما هناك من تفاوت في السن والخبرة والمكانة بين صاحبيهما: يوسف شاهين وايليا سليمان، بالنسبة إلى الأول، تفيد معلومات المهرجان ان فيلمه "المصير" سوف يعرض، لكن ضمن تظاهرة تحمل اسم "ليالي السينما العربية" وكممثل لمصر شراكة مع فيلم آخر اسمه "اسماعيلية رايح جي". تظاهرة "ليالي السينما" ويحار المرء بالطبع أمام هذه الشراكة بين فيلم كان من أبرز انتاجات السينما العالمية في العام الفائت وشارك في الدورة الخمسين لمهرجان كان، ومكن صاحبه من الفوز بالجائزة الخاصة بالخمسينية، وفيلم آخر، ربما كانت أهميته كلها تكمن في كونه الفيلم الذي اجتذب أكبر عدد من الجمهور لا أكثر ولا أقل. "المصير" بكل تأكيد يستحق مصيراً أفضل من هذا المصير بكثير، يستحق ربما أن يكون في مهرجان واحد مع "اسماعيلية رايح جي" ولكن ليس بالتأكيد على اللائحة نفسها معه. تظاهرة "ليالي السينما العربية" تضم إلى هذين الفيلمين فيلماً يمثل الجزائر شراكة مع فرنسا وبلجيكا من اخراج محمود زموري بعنوان "عربي مئة في المئة"، وفيلماً يمثل لبنان هو... "بياع الخواتم" ليوسف شاهين حقق في العام 1964 من تمثيل وغناء فيروز عن مغناة الرحابنة الشهيرة، وآخر من المغرب هو "نساء ونساء" لسعد شرايبي، وهو فيلم من انتاج حديث لاقى اقبالاً في الغرب ويعتبر من الأفلام الجيدة نسبياً. وجودته هذه تدفع، على أي حال، إلى التساؤل عما منعه من أن يكون في المسابقة الرسمية التي تضم أربعة أفلام من المغرب، أي ضعفي ما يعرض من انتاج مصر. وتتمثّل سورية في "ليالي السينما العربية" بفيلمي "الحدود" 1984 لدريد لحام الذي عرض وشبع عرضاً قبل الآن، و"جمال عبدالناصر" لأنور القوادري، وهو الفيلم الذي حققه هذا الأخير في مصر عن حياة الرئيس المصري الراحل، وأحدث، ولا يزال، الكثير من الاشكالات، مع ورثة الرئيس وأسرته، وإن كانت الرقابة المصرية قد أجازته. في هذه التظاهرة نفسها يبقى فيلم"الززوات" لمحمد علي العقبي 1992 وهو فيلم لا يسع المرء إلا أن يتساءل عما جاء يفعل هنا! ذكرنا بين "الغائبين" أعلاه، يوسف شاهين وايليا سليمان. ايليا يحضر على أي حال بفيلم قصير له عنوانه "الحلم العربي" حققه أخيراً بأسلوبه المميز السينما داخل السينما عن حوارات يجريها بصدد فيلمه المقبل مع الجمهور الافتراضي لهذا الفيلم. وكان الأحرى أن يتمثل هذا المخرج أيضاً بفيلمه "سجل اختفاء" وهو واحد من أفضل الأفلام العربية المحققة في الآونة الأخيرة، اختير في الولاياتالمتحدة كواحد من عشرة أفلام فضلها النقاد، وفي فرنسا صاحب عرضه التجاري ضجيج لم يحظ بمثله أي فيلم عربي آخر. ولا يزال على الصعيد العربي يثير التساؤلات والسجالات. حيوية نجومية مهما يكن، إذا كان هذا كله خارج المسابقة الرسمية فما الذي يبقى لهذه المسابقة؟ رست الاختيارات على فيلمين من مصر هما "هستيريا" لعادل أديب و"اضحك عشان الصورة تطلع حلوة" من اخراج شريف عرفه، وهذا الفيلم الأخير الذي خرج لتوه من مختبرات القاهرة، سيحظى بامتياز أن يكون نجماه ليلى علوي وأحمد زكي نجمي المهرجان وضيفيه. والاثنان أكدا حضورهما مما يعني أنهما سيخلقان حيوية نجومية لم تتوافر في الدورة السابقة كما كان ينبغي. وربما غطى هذا الحضور على عادية بقية أفلام المسابقة، أو بعضها على الأقل، إذ ثمة حديث عن تميز "ليلة القدر" الجزائر/ فرنسا لعبدالكريم بهلول، وعن "يا ولاد" أو "بيروت الغربية" للبناني الشاب زياد الدويري، وهو فيلم سبق أن عرض في واحدة من أهم تظاهرات مهرجان كان الموازية، وهو هنا سيكون فيلم الافتتاح. "يا ولاد" هو الفيلم اللبناني الوحيد في المسابقة، أما الجزائر، فإضافة إلى فيلم بهلول ستتمثل بفيلم مرزاق علواش الأخير والذي لم يعرض في أي مكان بعد "الجزائر - بيروت الذاكرة" وهو فيلم صوّر علواش معظم مشاهده في لبنان، عن مثقف جزائري يهرب من القمع والعنف في بلده إلى لبنان ما بعد الحرب. من المغرب، الذي لم يعرف على أي حال بوصفه بلداً منتجاً للسينما بكثافة، يأتي ثلث أفلام المسابقة، من "بيضاوة" أحدث أفلام عبدالقادر لقطع صاحب "حب في الدار البيضاء" إلى "مكتوب" لنبيل عيوش وسبق أن عرض وفاز في مهرجان القاهرة السينمائي، و"أصدقاء الأمس" لحسن بن جلون الذي يعتبر، دائماً، واحداً من آمال السينما المغربية الناهضة سبق له أن حقق "أعياد الآخرين" و"يا ريت". أما من فلسطين فيأتي "درب التبانات" لعلي نصار، كما يأتي من سورية فيلم "الترحال" لريمون بطرس وسبق له أن عرض في مهرجان القاهرة الأخير. وهناك من تونس فيلم "كسوة، الخيط الضائع" لكلثوم برناز فيلمها الروائي الطويل الأول بعد تجارب في السينما الشاعرية القصيرة و"غداً احترق" لمحمد بن اسماعيل. وفي هذا كله يلفت عدد الأفلام "الأولى" لاصحابها. طبعاً إذا كانت أفلام المسابقة الرسمية هي التي يكون لها، عادة، حصة الأسد من الاهتمام، فإن في المهرجان تظاهرات وأفلاماً أخرى، منها مجموعة من الأفلام اللبنانية القصيرة، ومجموعة من الأفلام المصرية والجزائرية والمغربية وفيلم من العراق بعنوان "حياة ساكنة" لقتيبة الجنابي. ومن العراق يأتي، كذلك، الفنان الكبير يوسف العاني، أحد مؤسسي المسرح والسينما في العراق، والذي يكرم تكريماً خاصاً، يتضمن عرضاً لستة من الأفلام التي مثل فيها أدواراً رئيسية أو أقل رئيسية، ومن بينها "سعيد أفندي" 1957 من اخراج كاميران حسني و"اليوم السادس" ليوسف شاهين، و"الملك غازي" لمحمد شكري جميل و"الخطاف لن تموت في القدس" لرضا الباهي. وإلى تكريم يوسف العاني هناك مجموعة أفلام ستقدم ضمن إطار ما يسمى ب "القسم الإعلامي"، من بينها فيلم "محمود درويش: الأرض كلفة" لسيمون بيتون وهو الفيلم الذي حققته ضمن إطار "كتاب القرن العشرين" سلسلة التلفزة الفرنسية الشهيرة، واعتبر من أفضل ما كرمت به القضية الفلسطينية وشاعرها الكبير، سينمائياً، حتى اليوم. ولأن مهرجاناً من هذا النوع لا يمكن ان يكون من دون جوائز، ستوزع هذه المرة أيضاً جوائز مالية وعينية على مجموعة الأفلام الفائزة. ولجنة التحكيم التي ستقوم بالمهمة "الصعبة" والمعرضة دائماً لكل أنواع الاحتجاج سيكون رئيسها الفخري كوستا غافراس مخرج "زد"، أما رئيسها الفعلي فهو أحمد راشدي، المخرج الجزائري المعروف، وفي عضويتها نضال الأشقر ومحمد برادة والمنتج الفرنسي جاك بيدو والمخرج التونسي فريد بوغدير وزميله المصري محمد خان، إضافة إلى المغني جورج موستاكي الذي صار لا مفر من حضوره في كل التظاهرات التي يقيمها معهد العالم العربي في باريس، وإلى هذه اللجنة التحكيمية الخاصة بالسينما الروائية هناك لجنة تحكيم أخرى خاصة بالسينما التسجيلية. بين 17 و26 تموز يوليو، تشهد باريس للمرة الرابعة، طوال عشرة أيام، عروضاً لأفلام عربية. تقول، رغم هناتها وتفاوتات أفلامها، وغياب من هنا وحضور مبالغ فيه من هناك، ان هناك سينما عربية، وان باريس تريد، من جديد، أن تكون ولو لأيام قليلة عاصمة هذه السينما