ارتفاع أسعار النفط إلى 81.63 دولارا للبرميل عند التسوية    «أبل» تستعد لإبهار العالم بتحديثات كبيرة في مؤتمر المطورين    الفرصة ما تزال مهيأة لهطول أمطار على مكة وجازان وعسير والباحة    وزراء خارجية 10 دول افريقية يشددون على الحاجة لإصلاح مجلس الأمن الدولي    «وزير الخارجية فيصل بن فرحان بحث مع لافروف الجهود المبذولة تجاه الأوضاع الإقليمية والدولية    وزير الداخلية يتفقد المشاريع التطويرية في المشاعر    حمزة إدريس مساعداً إدارياً في الاتحاد    صّيف في الباحة تراها أروق    بدء منع دخول المركبات غير المصرحة للمشاعر المقدسة    وزير الإعلام يدشن "ملتقى إعلام الحج" بمكة    بينالي الفنون الإسلامية 2025 بجدة    "الصحة": ارتفاع درجات الحرارة أكبر تحديات الحج    البديوي يرحب بقرار مجلس الأمن لاعتماد الاقتراح الجديد لوقف إطلاق النار بغزة    الرئيس التنفيذي للمساحة الجيولوجية يناقش التعاون الجيولوجي في كازاخسان    أمن الحج.. خط أحمر    «الدفاع المدني»: تجنبوا الزحام وراعوا كبار السن في المسجد الحرام    ربط رقمي لحوكمة إجراءات التنفيذ الإداري    تعزيز بناء الجدارات للمنشآت الصغيرة والمتوسطة بغرفة الشرقية    مانشيني ل«عكاظ»: المنتخب سيذهب لكأس الخليج بالأساسيين    إثراء يفتح باب التسجيل في مبادرة الشرقية تبدع بنسختها الخامسة    هل يصبح عمرو دياب منبوذاً ويواجه مصير ويل سميث ؟    بأمر خادم الحرمين: استضافة 1000 حاج من ذوي شهداء ومصابي غزة استثنائياً    عربات كهربائية للطواف والسعي    اللامي ل«عكاظ»: ناظر سيعيد العميد لطريق البطولات    لميس الحديدي تخطت السرطان بعيداً عن الأضواء    الأمير عبدالعزيز بن سعود يقف على جاهزية قوات أمن الحج    توفير الوقت والجهد    وزارة الداخلية تصدر قرارات إدارية بحق (10) مخالفين لأنظمة وتعليمات الحج    طقس حار إلى شديد الحرارة على الشرقية والرياض والقصيم    نائب أمير مكة اطلع على المشاريع وخطط التشغيل.. المشاعر المقدسة.. جاهزية عالية لاستقبال ضيوف الرحمن    عبدالعزيز بن سعود يرعى الحفل الختامي للمنتدى الأول للصحة والأمن في الحج    وزير الداخلية يتفقد عددًا من المشاريع التطويرية في المشاعر المقدسة    كأس العالم للرياضات الإلكترونية يطرح الحزمة الثانية لتذاكر البطولة    للمعلومية    يتصدر بنسبة نمو 67 %.. " روشن".. قفزة نوعية في" السوشيال ميديا" عالمياً    أمير المدينة يوجه باستمرار العمل خلال أيام إجازة عيد الأضحى    أفضل أيام الدنيا    نجاح تدابير خفض درجات الحرارة في الحج    غزة.. مشاهد موت ودمار في «النصيرات»    "ميتا " تزوّد ماسنجر بميزة المجتمعات    مريضات السكري والحمل    استثمار الوقت في الأنشطة الصيفية    " نبتة خارقة" تحارب تلوث الهواء    ساحة المحاورة تحتاج إلى ضبط    أندية المدينة.. ما هي خططك للموسم القادم ؟    "نادي نيوم" يتعاقد مع البرازيلي رومارينيو    لماذا يشعر المتبرعون بالسعادة ؟!    الحويزي.. المفاوِضُ الناجح من الثانية الأولى!    الحج.. أمن ونجاح    الرئيس المتهم!    خط أحمر.. «يعني خط أحمر»    إخراج امرأة من بطن ثعبان ضخم ابتلعها في إندونيسيا    منصة إيجار.. الإلزامية لا تكفي ولا تغني عن الشفافية    البذخ يحتاج لسخافة !    الدفاع المدني يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية المتنقل "لا حج بلا تصريح" بجدة    نائب أمير الشرقية يطلع على أنشطة «تعاونية الثروة الحيوانية»    عرض عسكري يعزز أمن الحج    محافظ القريات يرأس المجلس المحلي للمحافظة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوسط" حاورت مرشد "الجماعة الاسلامية" اللبنانية . فيصل مولوي : نحن من فكر حسن البنا ولبنان ليس مؤهلاً لحكم إسلامي
نشر في الحياة يوم 29 - 06 - 1998

من بين المفاجآت التي أسفرت عنها الانتخابات البلدية والاختيارية الأخيرة في لبنان بروز قوة "الجماعة الاسلامية" التي تعتبر امتداداً فكرياً ل "الإخوان المسلمين" الذين انطلقوا من مصر وتوزعوا على العالم الإسلامي. فقد اظهرت "الجماعة" انها قوة اساسية في صيدا تستطيع ان ترجح كفة فريق على آخر، وأنها في طرابلس قوة مهمة جداً تتفوق حتى على الزعامات التقليدية أو العريقة. وأنها في بيروت قوة منظمة. وان وجودها في عكار وإقليم الخروب لا يستهان به على الإطلاق. لقد دخلت "الجماعة" الحياة السياسية اللبنانية بقوة من باب الإنتخابات البلدية مؤكدة ان وجودها في الوسط الشعبي السني كبير، ويبدو أنها ستستمر ما لم تحصل تطورات تدفعها الى الانكفاء الذي كانت عليه او تفرضه عليها.
انطلاقاً من ذلك توجهت "الوسط" الى مرشد "الجماعة" العام الشيخ فيصل المولوي وحاورته في منطلقات الحركة الأصولية وتوجهاتها العقائدية والسياسية.
من هي "الجماعة الإسلامية" في لبنان؟
- "الجماعة الإسلامية" في لبنان مجموعة من الشباب المسلم اللبناني الذي ينطلق من الإسلام. والإسلام، كما هو معروف، شامل لكل نواحي الحياة ويعالج القضايا السياسية والإجتماعية والإقتصادية كما المسائل الدينية، سواء المتعلقة بأمور الغيب والعقيدة أم بالتعامل بين الناس.
هذا المفهوم الإسلامي الشامل هو المفهوم العقائدي الذي ينطلق منه شباب الجماعة الإسلامية. الى جانب هذا ينطلقون من واقعهم كلبنانيين الذي يفرض عليهم التعايش مع إخوانهم في الوطن حيث هناك مصلحة واحدة للجميع بالإضافة الى تاريخ واحد من الحياة المشتركة والموجودة من قديم الزمان على الأرض اللبنانية التي فيها قدر كبير من التسامح والأخلاقيات.
ماذا تمثل "الجماعة" سياسياً ودينياً في لبنان؟
- سياسياً "الجماعة" تمثل قوة سياسية واضحة على الساحة اللبنانية كانت مغيبة بفعل عوامل كثيرة، لكن ظروف الإنتخابات البلدية أظهرتها بشكل واقعي يعبر عن حقيقة وجودها الذي ليس فيه تضخيم. والحجم الذي ظهر في الإنتخابات البلدية الأخيرة ليس أقل من حجمها الحقيقي. هذا هو حجمها الحقيقي وهي موجودة على الساحة اللبنانية كتيار ديني إسلامي يحمل كثيراً من المنطلقات الإسلامية التصحيحية بالنسبة الى الكثير من الأفكار السائدة.
ما هو الفكر السياسي ل "الجماعة" المستند الى الدين؟
- الفكر السياسي المستند الى الدين، يقوم أساساً على موضوع العيش المشترك في لبنان، لأنه امر مطلوب من الناحية الإسلامية وهو قدر اللبنانيين جميعاً ولا بديل منه سوى الإنهيار والإنفجار والتمزق. الا أنه لا بد أن يكون على أساسين: البر وأعلى درجات حسن الخلق، والقسط وهو أعلى درجات العدل. وعلى هاتين القاعدتين يمكن ان يقع العيش المشترك دائماً. ونؤكد هذا المعنى، فهو اساسي في فكرنا السياسي المتعلق بالواقع اللبناني.
العيش المشترك
هناك إعتراف في كل الأديان بأن العيش المشترك أساسي في الإسلام، خصوصاً في ما يتعلق بالديانات التوحيدية. لكن السؤال يتعلق بنوعية هذا العيش، فمثلاً هناك عقائد إسلامية تعتبر انه يمكن للمسيحيين ان يكونوا أهل ذمة او انه لا يمكن ان يحكم غير مسلم المسلمين. فما رأيكم كجماعة العيش المشترك على الواقع اللبناني؟
- أهل الذمة مصطلح فكري شرعي، معناه أن المسلم يعتبر غير المسلم في ذمته أي في قلبه مسؤول عنه وعن حماية حريته ودينه وحياته كلها. الجزء الثاني من هذا المصطلح هو الجزية، وهو مصطلح تاريخي مقتضاه ان من يعيش في هذا المجتمع الإسلامي هو بلا شك يستفيد من كل عطاءاته فلا بد له ان يشارك فيه. هذه المشاركة أخذت صيغة الجزية باعتبارها كانت صيغة معروفة في التاريخ قبل الإسلام، لكن الإسلام لطفها الى حد كبير وألغاها في الوقت الذي اقبل المسيحيون على المشاركة العسكرية لحماية البلد. كأنه اعتبر ذلك بديلاً من الجزية. ثم اعتبر الإسلام ان هذه المساهمة هي مقابل مسؤولية المجتمع الإجتماعية عن هؤلاء غير المسلمين كمسؤوليته عن المسلمين. يعني انه اذا كان محتاجاً ترفع عنه الجزية تقديراً لهذا الظرف. وبذلك اعطيت الجزية معنى إجتماعياً اكثر من معناها الاصلي الذي هو معنى الدولة المستعمرة. ومع ذلك نقول ان لبنان ليس مؤهلاً لقيام حكم إسلامي عقائدي، كما انه ليس مؤهلاً لقيام اي حكم أحادي الجانب. طبيعة لبنان وتكوينه هكذا.
ان طرح هذه المسألة ليس واقعياً في اي حال من الأحوال. انما ليس معنى ذلك ان ذلك ليس طرحنا العقائدي. نحن نعتقد بأنه من الأفضل للعالم كله ان يعيش في ظل حكم إسلامي، لأن الحكم الإسلامي يضمن العدل لجميع الناس أكثر من أي حكم آخر.
من هذا الباب نعتقد بأن إخواننا من غير المسلمين لا يمكن أن يكونوا مظلومين في هذا المجتمع الا مثل ما قد يظلم إخواننا المسلمون، لأن اي حاكم فيه شيء من الإستبداد او المصلحية سيظلم المسلمين والمسيحيين. لكننا نحن نشعر في تاريخنا أن العلماء هم الذين كانوا يتوجهون للدفاع عن المسيحيين إذا ظلمهم الحكام. وقصة الإمام الأوزاعي معروفة ومشهورة.
نحن نعتقد إذاً ان لبنان في حد ذاته غير ممكن ان يكون فيه حكم آحادي الجانب. ونعتقد بأن هذا الحكم اذا قام - ولا يقوم الا برضى الناس وبإختيارهم - فإن فيه مصلحة. واذا لم يرد الناس ان يقوم فليس من شأننا ان نرغم احداً على أمر لا يريده. ليس ذلك وارداً في أدبياتنا ولا نعتبر انه وارد في الأحكام الشرعية.
الأمر الثاني أيضاً ان الجزية والذمة هي صيغة مطروحة من المسلمين. وإذا لم يقبلها غير المسلمين فيمكنهم ان يطرحوا ما عندهم، ونتفق على صيغة اخرى، لأن صيغة الجزية ليست صيغة وحيدة في التاريخ الإسلامي والشريعة الإسلامية. فصيغة اليهود والتعايش معهم كانت بلا جزية من دون اي تعامل مشترك. إنما هناك توافق بين الجانبين على رفض العدو الخارجي وعلى التعايش.
يقال ان هذا الطرح، الذي يرد في الخطب الرسمية، هو ظرفي حتى امتلاك القدرة على اقامة النظام الإسلامي الأحادي أي التمسكن حتى التمكن. ويعطي القائلون مثلاً على ذلك تكوين "الجماعة الإسلامية" فهي كانت مؤلفة من مجموعة جمعيات إسلامية، من بينها حركة التوحيد، التي حكمت طرابلس لفترة وتصرفت بشكل يخالف الأفكار التي تطرحها الآن، وكانت جزءاً من تكوين "الجماعة الإسلامية" فلماذا لم تقولوا هذا الكلام في تلك الفترة ولم تترجموه عمليا؟
- لأننا في الواقع لم نكن المسيطرين على حركة التوحيد التي كانت في الأصل فرعاً من "الجماعة الإسلامية". حركة التوحيد أنشأها الشيخ سعيد شعبان رحمه الله وهو كان في "الجماعة الإسلامية" التي كانت في بداية تكون افكارها بالنسبة الى الساحة اللبنانية. وأفكارها الإسلامية لم يطرأ عليها تعديل. لكن خلافاً وقع بين الشيخ سعيد وبين إخوانه في "الجماعة الإسلامية" غير الموقف من القضايا السياسية اللبنانية والإقليمية، ودفعه الى الخروج من "الجماعة" والى إنشاء هذه الحركة.
بطبيعة الحال، "الجماعة" التي تدعو الى التعايش مع غير المسلمين على أسس معقولة لا يمكن ان ترفض التعايش مع المسلمين مهما كانوا متشددين او مخالفين. لذلك كانت خلال حكم حركة التوحيد موجودة، لكن لم يكن عندها أية مسؤولية. وكانت دائماً موجودة من قبيل الناصح الذي يعالج الأمور بحكمة ويحاول قدر الإمكان التقليل من هذا التصلب. وكانت نصيحتنا أصلاً للشيخ سعيد الذي كان مع إقامة دولة إسلامية في طرابلس، ان هذه المقولة لا يمكن ان تكون في مصلحة الناس ولا في مصلحة لبنان وكنا نرفضها. وهذه نقطة أساسية.
فنحن غير وارد عندنا التمسكن حتى التمكن. إن شاء الله غير وارد. ونحن نصرح بما نعتقد بكل صراحة ووضوح.
هل "الجماعة الإسلامية" جزء من تنظيم إسلامي يتجاوز لبنان، سواء بالفكر أم بالتنظيم؟
- بلا شك، "الجماعة الإسلامية" جزء من فكر الشيخ حسن البنا رحمه الله الذي أطلق الإسلام العصري بنظرته الشاملة والسياسية ايضاً والرغبة في السعي مع جميع الناس لإعادة حكم الله الى حياة المسلمين. وهو الذي قام بهذه الدعوة بالشكل الذي ينسجم مع واقع الحياة الحديثة التي يعيش فيها الناس. فكر الإمام البنا ورثه الإخوان المسلمون كحركة كتنظيم في العالم العربي، وفي كثير من العالم الإسلامي، اما نحن فجماعة لبنانية صرفة، لكننا متأثرون بشكل كبير بفكر حسن البنا، وهذا التأثر قد يدفع بعضهم الى اعتبار اننا جزء من تنظيم "الإخوان المسلمين"، علماً اننا قد نؤيد في بعض القضايا تنظيمات "الإخوان" وقد نخالفها في قضايا اخرى. فنحن في فكر إسلامي واحد لكن الفكر المحلي قد يتأثر من بلد الى آخر.
ألم يزعجكم هذا المزج بينكم وبين "الإخوان المسلمين" عندما حصلت الصدامات مع "الإخوان" في سورية؟
- كان موقفنا متميزاً عن "الإخوان المسلمين" في سورية منذ الوقت الاول. والسلطات في سورية كانت تدرك هذا الأمر، لذلك لم تعاملنا كما عاملت "الإخوان". وما هو معروف أننا متأثرون بفكر "الإخوان"، وحتى النظام في سورية قد يعتبرنا إخوانا، لكن لنا وجهة نظر اخرى قد يتعايش معها، وهذا القدر موجود في تعامل النظام مع الكثير من حركات "الإخوان المسلمين" خارج سورية كتعامله مع "الإخوان المسلمين" في الأردن. بالاضافة الى أن "الإخوان المسلمين" في سورية يعتبرون انهم جرّوا او أضطروا الى السير في خط لم يرضونه لسبب أو آخر.
هل قمتم كجماعة إسلامية بدور في ترتيب العلاقة بين السلطات السورية و"الإخوان المسلمين"، مما أدى الى الإفراج عن البعض وتحسين المناخات؟
- في الحقيقة، نحن قمنا بشيء من هذا القبيل، لكن لا نعتقد بأن جهودنا وحدنا كان لها أثر الجهد الاصلي. ان النظام السوري يريد الإنفتاح على الجميع وانهاء القضايا، وهذه مسألة واضحة.
لقد جرت مداخلات من اكثر من جهة، ونحن من بين هذه الجهات في محاولة التقريب.
كيف هي علاقتكم الآن بسورية، خصوصاً أن لها دوراً اساسياً جداً في لبنان؟
- علاقتنا بسورية جيدة جداً، في مسألتين: الاولى موقف سورية المتميز في الصراع مع اسرائيل وهو موقف عربي وإسلامي صامد جداً وموثر فعلاً في مجريات هذا الصراع. ونعتقد بأنه يصب تماماً في موقف الحركات الإسلامية الشعبية، سواء داخل فلسطين أم خارجها. والتلاقي في هذه القضية التي تعتبر اهم قضية في العالم العربي مهم جداً ويؤدي في طبيعة الحال الى تجاوز الكثير من الخلافات الاخرى.
المسألة الثانية الدور السوري في لبنان، نشعر انه كان دوراً ايجابياً في اعادة لحمة البلد وتوحيده مع الانطلاق في إعادة النظر في الظلامات التي كانت موجودة في محاولة إيجاد وضع جديد للحوار. في هذا الدور نحن متوافقون تماماً مع الدور السوري. واعتقد ان قضيتين كبيرتين سياسيتين تفرضان التلاحم وتدعوان الى تجاوز الكثير من القضايا التي كانت سبب خلاف في الماضي.
الاصوليون السنّة موجودون من زمان في بيروت وطرابلس وصيدا، مثل عباد الرحمن، لكن فعاليتهم لم تكن في الحجم الذي هي عليه اليوم. فهل استمدوا هذه القوة من الاصولية الشيعية التي اطلقتها الثورة الإسلامية في إيران، ام ان الحساسيات المذهبية عند المسلمين حتمت قيام أصولية سنيّة في مواجهة الأصولية الشيعية؟
- الأصولية السنيّة بهذا المعنى موجودة قبل الأصولية الشيعية بكثير. هذا العمل الإسلامي بدأ منذ الخمسينات وكنا في اطار عباد الرحمن، لكن حركة عباد الرحمن، اكتفت في مرحلة معينة بالتركيز على الجانب الخيري والعقائدي والأخلاقي وأرادت ان تبتعد عن الجانب السياسي، فحصل حوار داخل الحركة ادى الى خروج مجموعة باسم "الجماعة الإسلامية" لكن بتفاهم وليس بعراك، على اساس ان هذه المجموعة تريد ان تأخذ الإسلام كحركة مجتمعية شاملة، وتشتغل في كل القضايا بما فيها القضية السياسية. وحتى الموضوع اللبناني. هذا حصل في الستينات. الحركة الإسلامية السنّية في العالم العربي كله كانت في ذلك الوقت متأثرة بالجو الناصري المنتشر في العالم العربي كله ما أدى الى تحجيم هذه الحركة حتى في لبنان.
بعد 1967 عندما وقعت الهزيمة، أصيب التيار الناصري ومعه التيار القومي، بنكسة لأنهما لم يستطيعا ان يحققا الكثير من اهدافهما ما دفع الناس للميل الى الخط الآخر، ولم يكن هناك خط آخر الا خط الإسلام.
ولما وقعت الحرب الأهلية في لبنان كنا ندرك ان الحرب مفروضة على الناس، ونحن كفئة من اللبنانيين لا يمكن ان نفكر اننا بالحرب نستطيع ان نحقق شيئاً، فضلاً عن اننا لا نستطيع ان نحارب لأن ليس وراءنا دولة. والحرب دائما تحتاج الى دول.
وكحركة شعبية فأقصى ما يمكن هو ان تدافع عن النفس. كان عملنا العسكري محصوراً في الدفاع عن النفس، لكن الى جانبه كان العمل الإجتماعي والإنساني مفتوحاً على مصاريعه كلها. واستطعنا ان نتغلغل في المجتمع بخدمات إجتماعية كثيرة. وان ننشر افكارنا ودعوتنا بين الناس. في هذه الفترة كان المجتمع كله تحت الأرض. العمل السياسي المعلن الوحيد كان عمل الميليشيات.
ما مدى علاقتكم بالإسلاميين الفلسطينيين، سواء في لبنان أم في المناطق الفلسطينية، فقد تردد ان الاسلاميين الفلسطينيين هم الذراع العسكري للجماعة الإسلامية، او انه يوجد نوع من التنسيق معهم؟
- الإسلاميون الفلسطينيون أنواع كثيرة جداً، حيث تجد بين الفلسطينيين، مسلماً على طريقة "الجماعة الإسلامية"، كما تجد جماعة على طريقة "الجماعة الإسلامية المسلحة" في الجزائر، وأخرى على طريقة حزب التحرير، كلهم موجودون. ونحن كجماعة اسلامية لنا وجود ايضاً في الساحة الفلسطينية الإسلامية، لكن هذا الوجود والنشاط ليست لهما اي علاقة تنظيمية بالمجموعات الفلسطينية التي اشيع عنها الاتهام في القضايا التي حصلت اخيراً في لبنان. لكنهم موجودون في مخيم واحد ويعرفون بعضهم البعض، فنحن نسمع بأبي محجن سماعاً. وقبل ذلك لم نسمع بهذا الاسم، ولا حصل اي لقاء معه. لكننا نسمع بأن هناك انساناً موجوداً بهذه الصفات وهو اساساً كان يقيم تجمعاً فلسطينياً اسلامياً ضد اسرائيل. نحن لا يمكن ان نتحمل مسؤولية هؤلاء. انهم موجودون على الساحة الفلسطينية وقد يوجد منهم على الساحة اللبنانية ايضاً. ونحن كجماعة اسلامية ليست لنا اي علاقة على الاطلاق بهذه المجموعات لا اللبنانية ولا الفلسطينية.
اما بالنسبة الى المجموعة الفلسطينية الاسلامية داخل الأرض المحتلة، فنحن على علاقة مع حركة المقاومة الاسلامية باعتبارها شبيهة الى حد كبير بحركتنا. فهي تنطلق من فكر الإمام البنا رحمه الله، وتراعي الخصوصية الفلسطينية. وهناك تشابه الى حد كبير بين الواقعين اللبناني والفلسطيني، من حيث تعدد الأديان والإنتماءات. وبيننا وبينهم تعاون ولقاء وتناصح موجود بشكل دائم.
حركة الجهاد الإسلامي بيننا وبينها تواصل، فهي ايضاً انطلقت من فكر الإمام البنا رحمه الله، لكنها كانت اسرع من حركة المقاومة الإسلامية في طرق باب الجهاد ونشأت ومضت في هذا السبيل وعندما شاركت حركة المقاومة الإسلامية في الجهاد، بقي هناك تنوع بين الحركتين، لكنني أعتقد بأن بينهما الكثير من التعاون كما بيننا وبين حركة الجهاد.
تمزيق المجتمع
ما هي قصة صراعكم مع "الاحباش"؟
- هذا أدق. نحن منذ بداية حركة "الأحباش" كنا نعتبرها حركة إسلامية عقائدية تركز على تصحيح عقائد الناس في بعض الإختيارات المختلف عليها بين الناس، وان كنا في بعض الأحيان لا نوافق على هذه الخيارات، لكننا طبعاً لا نعتبرها سبباً للكفر بل للحوار.
"الأحباش" خرجوا عن هذه المسألة الى مسألتين نعتبرهما خطيرتين جداً ومن الصعب ان يقع بيننا وبينهم نوع من التعامل في ضوء هذا الفكر. اولاً، تكفير كل من يخالفهم في عقيدتهم. اي كان من أكبر العلماء الى عامة الناس. عندهم اختيارات معينة في بعض مسائل العقيدة ومن يخالف هذه الإختيارات يكفر. وهذه الإختيارات هي في الاصل موضع خلاف بين الناس. نحن لا يمكن ان نشارك في هذا على الإطلاق.
ونحن نعتبر هذا باب تمزيق للمجتمع الإسلامي لأن اقصى ما يمكن هو التكفير، فإذا وقع التكفير بين المسلمين انتهت الساحة المشتركة التي يمكن ان يتحركوا فيها. الأمر الثاني انهم استغلوا هذا التمزيق داخل المجتمع الإسلامي في صراعات سياسية لتحقيق مكاسب لجهات كثيرة غير إسلامية، "الأحباش" اصبح لهم امتدادات في كثير من البلدان ولهم علاقات مع كل أنظمة العالم في مواجهة كل تحرك إسلامي، مع ان الهدف واحد، لأن هذه التحركات الإسلامية تخالفهم في بعض العقائد.
وفي الواقع توقفنا عن التعاون مع "الأحباش" لأننا معرضون للتكفير منهم. وكفرونا علنا على المنابر مع الجهلة ومع الناس. وانقطع الحوار منذ ذلك الوقت. نحن نعتقد بأنهم ان لم يتراجعوا عن هذه المسألة فلا يمكن ان يكون هناك حوار مفيد وتعاون.
اذا بسطنا الامور، نرى ان انحساركم في الماضي سياسياً، كان في مصلحة "الأحباش". اخذتم حجمكم الحقيقي وبدا ان ذلك هو على حساب "الأحباش". ما تفسيركم لذلك؟ ومن كان وراء قوة "الأحباش"، اذ فجأة رأينا في الماضي الأحباش يملأون الساحة السنّية. ثم في أول إنتخابات حقيقية التي هي غير الإنتخابات النيابية الاخيرة انتخب الناس وظهر الحجم الفعلي للقوتين ما هي في رأيكم الأسباب؟
- بلا شك، حظي "الأحباش" بدعم في الحرب اللبنانية، من جهات عسكرية كثيرة ادت الى منع غيرهم من الساحة الإسلامية. المنع كان قائماً فعلاً، فكل انسان يمكن ان يتحرك في مسجد، أو في حلقة، كان يتعرض للأذى أحياناً كثيرة. وأدى هذا الى إحجام كل صوت إسلامي آخر فلم يظهر الا صوتهم. هذا الواقع انحسر، وأصبح هناك نوع من الحرية لجميع الناس.
هذا يفسر عدم نجاحكم كما يجب في الإنتخابات النيابية ونجاحكم في البلدية.
- في الإنتخابات النيابية، لا نعتبر أنفسنا فشلنا من حيث التعبير عن تأييد الشارع لنا. لكننا خسرنا في الشمال، لأننا دخلنا في تحالف، أعطينا ولم نأخذ، أعطينا كل ما عندنا، لدينا حوالي 50 ألف صوت في الشمال. أعطيناها كلها فنجحنا، ولم نأخذ من الآخرين، الا الاصوات القليلة مما ادى الى نجاح آخرين. قد يكون هذا غدراً من بعض من تحالف معنا، وقد يكون هذا عجزاً من البعض الآخر. وقد يكون نتيجة ضغوط من جهات اجنبية باعتبار الجماعة من الاصوليين.
ما خلفيات التحالف بينكم وبين الرئيس الحريري في بيروت وصيدا؟ هل هو تحالف مرحلي في الانتخابات ام هناك امكانية لتأسيس عمل مشترك مستقبلاً ؟
- التحالف الآن مرحلي، أسبابه في بيروت كانت الوضع والخوف على التوازن الوطني. نحن شعرنا بأنه يمكن ان نركب الموجة الإسلامية التي كانت منتشرة بقوة وتطالب بأكثرية المرشحين. لو مشينا في هذه الموجة لنجحنا ونجحت معنا مجموعات كبيرة جداً، لكن موقع بيروت كان اختل، الأمر الذي يؤثر تأثيراً كبيراً في البلاد، فنحن رأينا ان المصلحة تقتضي من أجل المحافظة على قدر من التوازن الوطني ان نضحي وبالتالي نتحالف مع الرئيس الحريري بقائمته. وهناك سبب ثان، وهو رغبتنا ايضاً في الانفتاح على اخواننا في الضفة الاخرى ممن يمثلون الاخوة المسيحيين، ولو كان بيننا وبينهم قتال في الماضي. إلا أننا نعتقد بأن الظروف انتهت ولا بد ان نبني بلدنا من جديد. فالقوات والكتائب وكل هذه المجموعات لا بد ان تنفتح على بعضها البعض وتتعاون. في الحقيقة هذا هو السبب الوحيد للتحالف. ولو شئنا لطحشنا بالكل.
أما سبب التحالف في صيدا فهو ايضاً مرحلي، ففي صيدا 3 قوى رئيسية: قوة الرئيس الحريري وقوة النائب سعد وقوة "الجماعة الإسلامية". ومعروف ان تحالف اي قوتين يبعد القوة الثالثة عن اي تمثيل. نحن حرصنا منذ اليوم الاول على ان تتوافق القوى الثلاث، حتى مع القوة الرابعة الاضعف وهي قوة البزري، وبقي الحوار مستمراً الى اخر مدى، وظهر ان النائب سعد ماضٍ في معركته منفرداً. وفي النهاية صارت الجماعة امام وضع صعب، اما ان تنفرد واما ان تتحالف مع الآخرين، غير سعد، ووجدت في الحسابات الانتخابية ان التوافق مع الرئيس الحريري انسب لمصلحتها. واضافة الى ان الرئيس الحريري كان موقفه من الزواج المدني أقرب الى الساحة الإسلامية العقائدية. ووجدنا ان التحالف تفرضه ضرورة انتخابية. اما ان يكون هذا التحالف تمهيداً لمرحلة من التحالف السياسي اوسع، فهذا الموضوع لم يجر التفكير فيه ولا البحث فيه. يمكن ان ينتهي ويمكن ان يؤدي الى تحالف سياسي اكبر. هذا متوقف على ما يمكن ان يقدمه الرئيس الحريري للساحة الإسلامية السنّية العقائدية، وعلى ما يمكن ان يتوافق عليه الطرفان.
في بداية الحديث، قلتم ان عقيدتكم شيء والواقع شئ، في معرض الاشارة الى صعوبة اقامة حكم اسلامي، مما يعني انكم لا تؤمنون بالعنف وسيلة للتغير. هل هذا صحيح؟
- صحيح، لا نؤمن بالعنف اطلاقاً، لا وسيلة للتغيير نحو الافضل ولا وسيلة للتعامل. نحن نعتقد بأن العنف الوحيد المشروع في القتال له ضوابط، اهمها ان المسلمين لا يمكن ان يبدأوا اعمال العنف، الا في موقع الدفاع عن النفس، او الدفاع عن المسلمين كمجتمع او الدفاع عن الإسلام كدين، وبغير هذا لا نعتقد ان القتال جائز في الاسلام. هذا امام العدو الخارجي. اما في المسائل الداخلية فلا نعتقد بأن العنف يمكن ان يكون وسيلة لحل اي مشكلة على الاطلاق.
الجزائر
هل يمكن اعتبار هذا الموقف إدانة لما يجري في الجزائر؟
- من دون شك. نحن ندين ما يجري في الجزائر بشكل كامل، ندينه وعلى رغم اننا نعتبر ان له مبررات عند اصحابه، فالسلطة هي التي صادرت قرار الشعب وهي البادئة، وإذا كانت هي البادئة فمن حق الناس ان يردوا بالمثل. ولا نعتقد موضوعياً بأن الرد بالمثل يؤدي الى نتيجة بل الى تمزيق المجتمع وبالتالي زيادة تسلط الاجانب على هذا المجتمع، نحن نعتقد بأن ردة الفعل وان كانت مبررة لكنها غير موفقة على الاطلاق ولا يمكن ان تؤدي الى نتيجة. ونحن في هذا المجال اقرب الى حركة المجتمع الإسلامي بقيادة محفوظ نحناح ودورها في الابتعاد عن العنف.
كيف هي علاقاتكم مع دار الفتوى في بيروت؟
- نحن نعتقد بأن دار الفتوى تمثل محورية اساسية بالنسبة الى المسلمين في لبنان، ليس من المصلحة ان يتعرض أحد لها او ان تضعف لأن ضعفها في النتيجة ضعف للمسلمين وللبنان. فمهما كانت هناك اوجه خلاف سابقة او لاحقة لا يمكن ان تؤدي الى ان ندخل في صراع.
طبعاً حصلت انتخابات وقبل انتخاب سماحة المفتي كانت لنا تصوراتنا حول طريقة الانتخاب، وحصلت مداخلات كثيرة ادت الى ان يتم الانتخاب خلافاً لتوجهاتنا، ولا نريد ان نعود الى هذه المسألة ولكن لم يترتب عليها ما يمكن ان يعتبر صراعاً. نحن نعتبر ان دار الفتوى هي الجهة الرسمية ونحن احدى الجهات الشعبية.
عملية السلام المتعثرة وربما المحتضرة هل تؤيدونها اذا اسفرت عن سلام؟ ام تقاومون السلام الذي قد ينتج عنها بالعنف او بغيره؟
- نحن لا نؤيد السلام الذي سينتج عن هذه المفاوضات اياً كان هذا السلام، لأنه ينطلق من اعطاء إسرائيل ما ليس حقا لها. نحن نعتقد بأن اليهود الاسرائيليين ليس لهم اي حق في فلسطين الا من كان منهم يعيش فيها قبل الحرب الأولى وهو من هذا البلد له ما علينا، وليست هناك مشكلة. لكن كل اليهود الذين جاؤوا من بلاد العالم واستوطنوا في إسرائيل هؤلاء معتدون مستعمرون يجب اخراجهم. هذه قناعاتنا لا يمكن ان نفرط بها بأي حال والسلام الان المطروح في احسن حالاته لا يتعرض لهذه المشكلة، وهذا مرفوض عندنا.
مقاومة هذا السلام تكون بالعنف او بغير العنف. نحن نعتقد بأنه يجوز من الناحية الشرعية مقاومة هذا السلام بالعنف لأنه استعمار اجنبي ضد امتنا ومن حقنا ان نقاومه بما نستطيع، واذا استطعنا بالعنف، والمقصود في النهاية ان يتحقق اخراج هذا المستعمر، لكنني اعتقد بأن الظروف لا تسمح باستعمال العنف في مقاومة هذا الاستعمار، أما إذا سمحت الظروف فسنعمل كل وسيلة يمكن ان تتيحها الظروف. الى ان يهيئ الله عز وجل ظروفاً اخرى لهذه البلاد العربية يمكن فيها استعمال العنف.
ونعتقد ان العنف لا يمكن استخدامه شعبياً الا في مثل الوضع الحالي الآن داخل فلسطين المحتلة، أي عمل شعبي قائم ضد النظام باعتبار أنه نظام يهودي، لكن عملاً شعبياً فلسطينياً ضد السلطة الفلسطينية فهذا غير ممكن. حتى الآن حركة المقاومة الإسلامية والجهاد ترفضان ان تدخلاً في صراع مع السلطة الفلسطينية. بينما هما في صراع مع الاسرائيليين ونحن نعتقد بأن هذا الامر موجود على كل الساحات. اذا تغيرت الظروف وظهرت أنظمة عربية تريد ان تقاتل من أجل التحرير الكامل.
هل ينطبق هذا على لبنان في حال انسحاب اسرائيل منه، سواء من طرف واحد أم بواسطة تسوية؟
- اذا خرجت إسرائيل من لبنان لا يعود عندنا كلبنانيين مبرر لمشاركة مسلحة ضد الإسرائيلين. ولكن نحن كمسلمين لبنانيين من حقنا ان نساعد إخواننا المسلمين الفلسطينيين والشعب الفلسطيني في درء العدوان. ولكن واقعياً لا نستطيع ان نعينه بالقوة والسلاح والعنف. نعينه بأية وسيلة اخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.