تنامت ظاهرة المنصات الرقمية للمؤسسات الخدمية والتي أصبحت واجهة عملية وحضارية مشرفة تعكس مدى تطور الخدمات العامة وسهولة تقديمها، مختزلة ومختصرة الكثير من الوقت والجهد والمال المهدر من المستفيدين ومن مقدمي الخدمة. بل أصبحت بعض تلك المنصات رافعة إعلامية للتعريف بالمؤسسات التي تقف وراءها ومرجعية لكل جديد من الخدمات والمنتجات التي تقدمها مؤسساتها دون حاجة للبحث في المصادر الإعلامية العامة. إن النجاحات التي حققتها بعض المنصات الرقمية الحكومية فاقت حتى مؤسساتها من حيث التداول والمرجعية المعرفية بين الجمهور، بل إن بعض تلك المنصات نعرفها ونتعامل معها ولا نعرف المؤسسات التي تقف وراءها، خاصة تلك التي تشترك بها وتغذيها أكثر من مؤسسة حكومية، وهذا نجاح يحسب للقائمين على تلك المنصات والبنية التحتية الرقمية التي وصلتها المهنية الرقمية العالية في الأجهزة المختصة بالرقمنة في المملكة والنجاح في استزراع الثقافة الرقمية بين المستفيدين. في المقابل، هناك منصات رقمية يتسبب إطلاقها قبل نضجها ودراستها ومراجعتها وربما قبل تحديد أهدافها أو تحديد جهازها الإداري والفني، بالكثير من اللغط والجدل والامتعاض. فمؤخراً أطلقت منصة إيجار وهي منصة معنية ب«تنظيم قطاع الإيجار العقاري في المملكة العربية السعودية بصورة عامة، وتسعى ضمن رؤيتها الشاملة إلى العمل بمستويات متوازية في تنظيم قطاعات الإيجار العقاري المتنوعة بصورة خاصة، ومنها القطاع السكني، الذي يتضمن شريحة واسعة من قطاع العقارات»، حيث تضمَّنت «عقداً إيجارياً موحداً للقطاع السكني يخدم أطراف العملية الإيجارية (المستأجر، المؤجر، الوسيط العقاري)؛ عبر تفعيل بنود العقد، وتحديد الالتزامات». محتوى تعريفي جميل عن مستهدفات هذه المنصة، لكن الواقع العملي للمنصة يقول شيئاً آخر، فمن خلال سيل من ردود المستخدمين لهذه المنصة وتفاعلاتهم ومن بين كل الأطراف الثلاثة (المؤجر، المستأجر، الوسيط العقاري) تكشف عن خلل أو فجوة كبيرة بين الأهداف المعلنة للمنصة والواقع الفعلي المعمول به من خلال هذه المنصة. تنصبّ الكثير من الانتقادات على الغموض في إجراءات التأجير والغموض والتداخل في العلاقة والمسؤوليات بين أطراف المعادلة الثلاثة (المؤجر، المستأجر، والوسيط العقاري)، فقد كانت الإجراءات والمسؤوليات قبل إطلاق منصة إيجار أكثر وضوحاً وتحديداً. أما تحصيل الإيجار من خلال منصة إيجار فهو فوضى وكثير من الغموض والتساؤلات وغياب أي تفسير منطقي وراء حجز مبلغ الإيجار لمدة خمسة حسب المعلن، وهذه مدة غير مبررة ويلفها الكثير من التساؤلات! فما معنى حجز مبلغ الإيجار خمسة أيام في منصة إيجار؟ ولماذا يجب التواصل مع المنصة وتتبع مبلغ الإيجار حتى يتم التأكد من استلام المنصة للمبلغ أولاً ثم تبدأ رحلة تتبع المبلغ حتى يتم تحويله من المحفظة في المنصة إلى الحساب البنكي؟ والحجة الدائمة «عدم توفر حساب بنكي مرتبط بعقد الإيجار»، وهذا غير صحيح فيما أعلم بحالات كثيرة، وبذلك تكون الخمسة أيام غير المبررة أصلاً ما هي إلا رُبع أو عُشر المدة لرحلة شاقة ومعقدة لتحصيل مبلغ الإيجار من المستأجر والمؤجر تناهز الشهر أحياناً، بعد أن كانت دقيقة ومحددة في تاريخ ثابت من الشهر ومعلومة للمؤجر والمكتب والمستأجر. نصيحتي للقائمين على المنصة بألا يركنوا فقط إلى «الإلزامية» وترك المستفيدين يهيمون على وجوههم يبحثون عن قنطار إجابة عن استفساراتهم، وألا يتمترس الإعلام والتواصل المؤسسي في المنصة خلف عبارة «تم التواصل معكم على الخاص»، والتي لا تعكس شفافية ولا تنم عن معلومات واضحة، وإلا لتم تقديم الإجابات مباشرة وللجميع عن استفسارات يكررها الجميع ويعاني من غموضها الأغلبية من المتصلين على قنوات التواصل الاجتماعي. الأمر الآخر، يتعلق بالبعد السياحي والذي يتطلب تسهيل عملية التأجير اليومي وضرورة اشتمال التأجير اليومي، انسجاماً مع الحراك السياحي وكثر السائحين في المملكة. أخيراً، منصة إيجار ليست الوحيدة التي يتم إطلاقها في المملكة، هناك الكثير من المنصات الناجحة، أتمنى أن تستفيد منصة إيجار والقائمون عليها من التجارب السعودية الهائلة في المنصات الرقمية التي أصبحت مثلاً يحتذى في العالم منذ جائحة كورونا وما قبلها، مع ضرورة أن يتم تنضيج المنصة وإشراك المستفيدين من خلال التواصل والاتصال المؤسسي وبشفافية عالية لا تقبل الضبابية والتسويف والعبارات الغامضة.